صوم الرسل موجود منذ عهد الرسل القديسين لاكرام كل من يعمل الخير وقد حافظت عليه الكنسية حتى يومنا هذا ، لانه يدخل في صلب التقليد الشريف . فلا يليق بنا نحن ابناء الكنسية الارثوذكسية الذين نفتخر باننا مستقيمو الراي وقد حافظنا على التقليد الرسولي ان نذعن لتبريرنا عدم التزامنا بهذا الصوم .
فعلى مدى احقاب ودهور اقتبل صوم الرسل رهط من البطاركة القديسين والعديد من الملوك والولاة والامراء والحكماء والعلماء والمؤمنين المنتمين الى الكنيسة المستقيمة الرأي ولم يظهر له اي معارض سوى الهراطقة المنشقين عن تعاليم الرسل القديسين الاطهار .
صحة هذا الصوم المنسوب الى الرسل القديسين ، ما قام به الرسل انفسهم الذين هم مبدأ وقاعدة هذا الصوم ، انه بعد مرور عيد العنصرة باسبوع واحد يجب على المسيحيين ان يصوموا ودعوا هذا الصوم صوم الخمسيني وهذا الامر نجده في الاوامر الرسولية اذ نقرأ: ” انكم بعد تعييدكم عيد البنديكوستي عيَدوا سبة واحدة وبعد تلك السبة صوموا لانه من الواجب ان نفرح مسرورين بالموهبة الممنوحة من الله ونصوم بعد فرحنا ”
لقد درس الرسل اهمية هذا الصوم فلم يأمروا المؤمنين بتطبيقه دون معرفة ضرورته لحياتهم الروحية . فمن يطالع الكتاب السادس من اوامر الرسل يجد ان الرسل اوردوا امثلة عديدة من الكتاب المقدس تتحدث عن انبياء ومختارين صاموا ، مثل موسى وايليا . لقد اراد الرسل ان يوضحوا للمسيحين بهذه الامثلة مقدار التزامهم هم ايضا بالصوم بعد عيد الخمسين ، بما انهم اَهلوا لحلول الروح القدس واستحقوا ايضا سر التجسد الالهي الذي لا يدرك . ثم بعد ذلك يذكرون ايضا صوم الثلاثة الاسابيع التي صامها دانيال النبي وايضا يصفون صوم حنة المغبوطة وصيام اهل نينوى وصيام استير ويهوديت وداود الملك . فعلى مثال هؤلاء يجب على المسيحيين ايضا ان يصوموا لذلك كتب الرسل قائلين ” انتم ايضا عندما تصومون اطلبوا سؤالكم من لدن الهنا ” .
اما المجمع المسكوني الاول قد اكرم الرسل لانهم معلموا العبادة الحسنة ورعاة المسكونة كلها ، فسموا هذا الصوم ” صوم الرسل ” لاجل ذلك حددوا انه بعد مرور عيد الخمسين باسبوع واحد يجب على المسيحيين بان يصوموا عن اللحم والجبن وكل مشتقاتهما وذلك كل الايام التي تلي ذلك الاسبوع الى يوم عيد الرسل في 29 حزيران .
هذا المرسوم الرسولي قد حفظه القديس سابا المتقدس والقديس يوحنا الدمشقي وثاودورس السطوديتي وغيرهم من الاباء الاقدمين اما معلما المسكونة القديس باسيليوس الكبير والقديس يوحنا الذهبي الفم فيعلمان في عظاتهما ومقالاتهما بشكل كاف عن هذا الصوم ويفرضانه . فالقديس يوحنا الذهبي الفم في احدى عظاته عن الروح القدس يذكر اهل انطاكية بهذا الاصوم المنسوب الى الرسل القديسين ويحثهم على المحافظة عليه وتطبيقه.
فنفترض ان صوم الرسل هو من التقليد غير المكتوب وقد حفظ الى يومنا فهل يجوز ان نرفضه ؟ بالطبع لا لان القديس باسيليوس الكبير يحذرنا من مغبة اهمال تطبيق ما وصل الينا في التقليد ” لاننا ان قصدنا ترك السنن غير المكتوبة على انها بلا قوة عظيمة نكون قد خسرنا الانجيل في الامور الضرورية نفسها من غير ان ندرك ذلك ” .
القديس باسيليوس الكبير قد كتب بشأن هذه الامور مادحا الرسل القديسين وخلفاءهم ايضا لانهم تركوها بدون كتابة فيقول :” ان اباءنا قد حفظوا التقليد بسكوت خال من كثرة الاستقصاء والبحث عنه وقد تعلم اولئك حسنا ان شرف الاسرار يحفظ في الكنسية سالما محترما بصمت ” ويضيف القديس في الفصل التاسع والعشرين من مقالته مجيبا الذين يستهينون بالتقليد غير المكتوب بانه اذا كانت الكنسية متمسكة باشياء كثيرة غير مكتوبة فيجب ان يحفظ هذا الصوم ايضا ” ان كان لا يوجد شيء اخر مكتوب فلا يقبل هذا الامر ايضا ولكن ان كانت اكثر الاشياء السرية ( المتعلقة بالاسرار) جارية عندنا من غير كتابة فلنقبل هذا الامر ايضا من جملة الامور المقبولة ” .
يكتب القديس باسيليوس الكبير في رسالته المئة والسابعة والتسعين خطابا الى ديودوروس اسقف طرطوس قائلا:” ان الامر الاول والاعظم في مثل هذه الامور هي العادة الموجودة عندنا التي يمكننا ان نوردها ولها قوة الناموس ” .
فان كان صوم الرسل موجودا منذ القديم في الكنسية فقد صار عادة . والعادة الصالحة تعتبر ناموسا حسب ما ورد عند القديس باسيليوس الكبير ، ومن تعدى الناموس يكون خاطئا وغريبا عن كنيسة المسيح. لذلك يجب علينا نحن معشر محبي المسيح ألا نتجاسر من اجل هوى بشرتنا الحيواني على احتقار هذا الصوم ( وكل صوم) المنسوب الى الرسل القديسين الذين اهرقوا دماءهم وازدروا بهذه الحياة الوقتية لكي يمنحونا الحياة الحقيقية ويصيَرونا ابناء الله وبني النور