باسيليوس الكبير
"قامت الملكة عن يمينك بثوب موشى بالذهب، مزينة بأنواع كثيرة" (مزمور: 45).
الآن هو يتكلم عن الكنيسة، يتكلم عن ما تعلمناه في النشيد أن الكنيسة هي حمامة المسيح الكاملة الوحيدة (نشيد الاناشيد 8:6)، والتي تسمح لأولئك المعروفين بأعمالهم الحسنة بالوجود عن يمين المسيح، فاصلة إياهم من الأشرار، مثل الراعي الذي يفصل الخراف عن الجداء. لذا، الملكة أي النفس المرتبطة بالكلمة عريسها، الغير خاضعة للخطية بل المشتركة في ملكوت المسيح، تقف عن يمين المخلص بثوب موشى بالذهب، أي مُزينة نفسها بشكل بهيج وسام بالتعاليم الروحية المتنوعة والمنسوجة معاً. بما أن التعاليم ليست بسيطة، لكنها متنوعة ومتعددة، وتتضمن كلمات أخلاقية وطبيعية وباطنية، لذلك يدعو المزمور لباس العروس أنه مزين بأنواع كثيرة.
"اسمعي يا ابنتي وانظري وأميلي أذنك وأنسي شعبك وبيت أبيك، فيشتهى الملك حسنك، لأنه هو ربك وله تسجدين". هو يطلب من الكنيسة أن تسمع وتطيع الوصايا، وبمخاطبتها كأبنة، يربطها بنفسه من خلال هذا اللقب، إذ أنه قد تبناها من خلال الحب. "أسمعي يا ابنتي وأنظري". بكلمة "أنظري"، يُعلّم المزمور أن الملكة لها ذهن متدرب على التأمل. فيقول: راقبي بدقة الخليقة ومن خلال تأمل الترتيب والنظام فيها أرتفعي نحو تأمل الخالق. وبثني رقبتها العالية الفخورة، يقول "أميلي أذنك". لا تركضي نحو الروايات التي من خارج، بل أقبلي الصوت المتواضع الذي للإنجيل. أميلي أذنك لهذا التعليم حتى ما تنسي تلك العادات المفسدة، ودروس آبائك. لذلك "أنسي شعبك وبيت أبيك"، لأن كل من يفعل الخطية هو من إبليس (1 يوحنا 8:3). فيقول أتوسل إليك أن تطرحي عنك تعاليم الأرواح الشريرة، أنسي القرابين، والرقصات الليلية، والحكايات التي تُلهب شهوة الزنى، وكل شكل من أشكال الفسق. لهذا السبب قد دعوتك أبنتي الخاصة، لكي ما تكرهي الوالد الذي أنجبك قبلاً للهلاك. وهكذا إذا محوت عيوب تعليمك السابق المفسد، وتزينت بجمالك الأصيل، سوف تظهري مرغوبة لعريسك وملكك. "لأنه هو ربك وله تسجدين". هو يُلمح بالحاجة إلى الخضوع من خلال عبارة: "هو ربك، وله تسجدين" – أي كل خليقة. لذلك "تجثو باسم يسوع كل رُكبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض" (فيليبي 10:2).
"وبنت صور وأغنياء الشعب يستعطفون بالهدايا وجهك"، كانت عبادة الأصنام تمارس بإفراط في كنعان، وعاصمة كنعان هي صور، المزمور في حثه الكنيسة على الطاعة يقول: "بنت صور وأغنياء الشعب يستعطفون بالهدايا وجهك". لم يقل "يستعطفونكِ بالهدايا"، بل قال "يستعطفون وجهك"، لأن الكنيسة لا تُمجَّد بل الذي يُمجَّد هو المسيح رأس الكنيسة، الذي يدعوه المزمور بكلمة "وجه".
"كل مجد ابنة الملك من الداخل، مشتملة بأطراف موشاة بالذهب متزينة بأشكال كثيرة. تدخل إلى الملك عذارى في أثرها". بعد أن تطهرت من التعاليم الشريرة السابقة، وإنتبهت للوصايا، ونست شعبها وبيت أبيها، يسرد الروح القدس ما يخصها. وبما أنه يرى النقاوة مخفية في أعماقها، يقول: "كل مجد أبنة الملك من الداخل"، أي مجد عروس المسيح – الذي صارت بالتبني أبنة الملك – "من الداخل". يحثنا هذا على تأمل الأسرار العميقة للمجد الكنسي، إذ أن جمال العروس باطني. إن ذاك الذي يجعل نفسه مستعداً للآب الذي يرى في الخفاء، والذي يصلي ويفعل كل شيء لا لكي يراه الناس بل لكي يكون معروفاً لله وحده (متى: 6)، هذا الشخص يكون كل مجده في باطنه، تماماً كأبنة الملك. والأطراف الموشاة بالذهب التي تكتسي وتتزين بها هي من الداخل.
لا تسعوا وراء الذهب الخارجي والزينة الجسمانية، لكن إهتموا بالثوب الجدير بتزيين النفس التي على حسب صورة الخالق. كما يقول الرسول: "إذ خلعتم الإنسان العتيق مع أعماله، ولبستم الجديد الذي يتجدد للمعرفة حسب صورة خالقه" (كولوسي 3: 9،10). ذاك الذي لبس "أحشاء رأفات ولطفاً وتواضعاً ووداعة" (كولوسي: 3) قد إكتسى من الداخل وزيَّن الإنسان الداخلي. يحثنا بولس بأن نلبس الرب يسوع (رومية 14:13)، ليس بحسب الإنسان الخارجي، بل حتى ما يغطي ذهننا بالكامل تذكرنا الدائم لله. أنا أعتقد أن الثوب الروحي يُنسَّج عندما ينسج عمل الإنسان طبقاً لكلمة التعليم. وكما ينسج ثوب الجسد بتشابك الخيط بالنسيج، كذلك عندما تكون الكلمة المقدسة لها أسبقية، وإن كانت الأعمال متوافقة مع الكلمة، يتم صنع ثوب رائع جداً للنفس، التي تمتلك حياة الفضيلة، مُحققة فيها بالكلمة والعمل. والأطراف المتدلية من الثوب هي أيضاً زينة روحية، إذ أنه قيل أنها موشاة بالذهب.
بعض الأنفس، لكونهم لم يقبلوا بذور التعاليم الخاطئة، يتبعون عروس المسيح (الكنيسة)، وبكونهم يتبعون عروسه سوف ينقادون إلى الملك.