باسم الآب والابن والروح القدس . آمين
ايها الاحباء: تحتفل كنيستنا المقدسة اليوم ، بعيد الصعود الالهي ، فكثير من المؤمنين لا ينتبهوا الى هذا العيد العظيم والكبير ، يمر مرور الكرام .
عيد الصعود الالهي هو حدث الاخير لحياة المسيح على الارض، والظهور الاخير للسيد القائم من بين الاموات، وبه تنتهي مسيرة المسيح الجسدية على الارض .
ان لعيد صعود السيد معنى عظيما واهمية عند المسيحيين وفي الحياة الروحية،لانه يرتبط بتأله وبقداسة الانسان .
من منا لا يشعر بحلاوة وبعذوبة تلك العبارات التي بارك فيها يسوع تلاميذه المحبوبين حين ارتفاعه عنهم. اذ يقول الانجيل:” ورفع يديه وباركهم وفيما يباركهم انفرد عنهم وصعد الى السماء”.
هذا الاله الحنون والمعلم العطوف الذي طلب من الله الآب ان يعطيعهم معزيا يقيم معهم الى الابد ( يوحنا 15: 1 – 2 ) وهو الذي اطلق على تلاميذه صفة احبائي واغصانه ، هو الذي طلب من ابيه ان يحفظهم باسمه وان يكونوا واحدا.
هناك سؤال ؟ ما سبب صعود المسيح بعد اربعين يوما من قيامته. على الاكيد كان بمقدور المسيح ان يصعد مباشرة بعد قيامته لكنه احجم عن ذلك كي لا تبدو القيامة وهمية. بعد قيامته اظهر المسيح نفسه للتلاميذه وعمل المعجزات ، وبهذا ثبت ايمانهم كي يكونوا شهودا للقيامة.
لهذا الصعود هو زينة كل الاعياد. انه كمال كل الاعياد السيدية, نحن نعرف ان الفصح هو عيد الاعياد لان في القيامة يغلب الموت ، لكن حتى هذا العيد ليس فيه ملء الفرح لان المسيح لم يزل على الارض .
اما عيد الصعود فقد ملأ العالم بالابتهاج ،لان المسيح فتح السماوات وارنا رؤية فوق العادة.
اذا اهمية عيد الصعود هي في ان الجسد البشري اصبح بامكانه ان يجلس عن يمين الله الآب . وهكذا وكما بقيامة الرب يسوع من بين الاموات اصبح بكر القائمين ايضا بصعوده اصبح بجسده بكر الطبيعة البشرية التي جلست عن يمين الله الآب.
يعني هذا الكلام اصبح الانسان ان يتأله وان يتقدس وان يجلس الى جانب عرش الله، لهذا يربط الاباء القديسون القداسة والتأله بعيد الصعود
من هذا المنظار يقول القديس غريغوريوس بالاماس : ان القيامة تخص كل البشر بينما الصعود هو للقديسين فقط . يشرح بالاماس هذا القول فيقول : الكل سوف يقومون عند مجيء المسيح الثاني الابرار والخطأة، ولكن لن يرتفع او لن يرفع الجميع الى السماء، وحدهم الابرار هم سوف يستحقون هذا .
ايها الاحباء: من العادة كل انسان عند تركه هذا العالم يعطي وصايا للذين يحبهم . هذا بالضبط ما نراه ايضا في المسيح . فهو اعطى تلاميذه وعدا ووصية . الوعد هو ارساله الروح القدس . والوصية هي ان لا يتركوا اورشليم قبل ان يتلقوا الروح القدس في يوم العنصرة .
اطاع التلاميذ الوصية فرجعوا الى اورشليم بفرح وكانوا في كل حين في الهيكل يسبحون ويباركون الله.
اي صعدوا الى العلية وكانوا يواظبون بنفس واحدة على الصلاة والتضرعات ، كانوا فرحين جدا مع انهم حرموا من المسيح ، فرحهم عظيم لان متأكدين ان يحصلوا على الروح القدس.
اذا بين الصعود والعنصرة هناك فترة من الصلاة والتضرع والهدوء ، هدوء النفس والجسد . هذا يدلنا ويعلمنا بانه لا احد يستطيع ان يكتسب الروح القدس الا من خلال الصلاة النقية وغير الشكلية والدائمة والتضرعات والصحو الداخلي وحفظ الوصايا وطاعة الوصايا ،كما فعل التلاميذ ، حفظوا الوصايا وطاعوها ، فاكتسبوا الروح القدس وحل عليهم .
ايها الاحباء: لكي تختبروا صعود المسيح وتكونون من صاعدين الى السماء وتفهموا معاني سر هذا العيد ، عليكم ان ترجعوا الى اورشليم ، كما رجع اليها التلاميذ، ان كلمة اورشليم تعني سلام . اي ان ترجعوا الى سلام القلب وطهارة القلب وتسبحون الله كل حين وتباركونه دوما. وقتها تكتسبون الفضائل المقدسة خاصة التواضع الحقيقي والمحبة المسيحية وان تحتملوا كل محنة وتجربة واهانة، بل يجب ان يكون لديكم الرغبة بالشهادة لاجل المسيح .
القداسة والسلام الداخلي لا يكون بالابتعاد عن الاخرين بل يكون في وسط الاخرين في وسط الكنيسة اي في وسط مملكة الله.
اذا عليكم واجبات كونكم اعضاء في الكنيسة، انتم ابناء مدعون ان تعيشوا القداسة لان الله منحكم واعطاكم هذه الكنيسة لتصنعوا سلام مع الله وسلام مع البشر.
عليكم ان تعودوا الى العلية التي هي ضميركم حيث ينبغي ان تكونوا في صلاة ثابتة حقيقية ومستمرة وتهتموا بتنقية انفسكم من كل الافكار الخبيثة.
هذا هو الفرح الحقيقي والعيد الحقيقي ، هذا هو الصعود الالهي ، الذي يدعونا الى الكمال والملء الروحيين .
اخيرا : اطلب واتضرع من الرب يسوع ، كما رفع يديه المقدستين الطاهريتين البرئيتين المحيتيين وبارك تلاميذه عند صعوده ان يبارككم الآن وكل آن ، كي تنالون رضاه شاخصين اليه كل حين ساجدين لعظمته ومعترفين بضعفكم.
اطلب منه ان يسهل لكم طريق الايمان والتقوى وان يجعلكم ان تسكلوا في هذه الحياة طريق القداسة والصحو الداخلي ويملأ قلوبكم فرحا وسلاما ، عندئذ سيحل عليكم حتما الروح القدس في يوم العنصرة عما قليل، انشالله . آمين .