مشاركة الارادة الالهية والارادة الانسانية في عميلة الخلاص
المسيح قام من بين الاموات ووطئ الموت بالموت ووهب الحياة للذين في القبور
ايها الاحباء: انجيل هذا النهار المبارك يتكلم عن الشفاء من المرض الروحي والنفسي والجسدي ، اي الانتقال من حالة الى حالة ثانية افضل ، لان يسوع اتى لتكون لنا الحياة وتكون لنا افضل ولينقلنا من سلطان الموت والظلام الى نور اولاد الله اي ينقلنا من الموت الى الحياة.
هذا ما تعنيه لنا قيامة المسيح والتي مازلنا نعيد لها ، ليس صدفة ان يتلى هذا الانجيل، لان الكنسية تركز على القيامة والخلاص روحيا نفسيا وجسديا.
انجيل اليوم يخبرنا ان ما جرى في بيت حسدا كان ان يوقع بيسوع لان ذاك يوم كان سبتا، والفريسون جعلوا الانسان لخدمة السبت لذلك يشفي هذا المخلع بيوم السبت.
يسوع اتى لينهي هذه الاعاقة. فيقيم هذا المعاق بالجسد من استراحة الفراش، ليظهر مجد الله . لكن هناك اقاعة غير ظاهرة غير مرئية في هذا النص ، وهي اعاقة الروح التي لدى الفريسين المتمثلة بتمسكهم الاعمى بالشريع وبيوم السبت .
الفريسون معاقين روحيا بشريعتهم التي اقعدتهم عن عبادة الله بالروح ، فاصبحوا يعبدون الشريعة والسبت ، بدل ان يعبدوا الله الحي. اتى يسوع ليزيل شريعة الحرف الذي يميت فيجعل محلها شريعة الروح الذي يحركنا ويقودنا حسب مشيئة الله فيولدنا من جديد كما قال لنيقوديموس.
ايها الاحباء ان هذا المخلع لضعفه الشديد ولطول مدة المرض كان في حاجة إلى معونة من إنسان آخر، فلم يجد من يلقيه في البركة متى تحرك الماء ،لذلك بقى مريضا مطروحا وحيدا زمانا طويلا حتى افتقده السيد المسيح بنعمته.. وسأله أتريد أن تبرأ ، لكي يبعث في نفسه الرجاء في الشفاء.. ومُقدرا لحرية الإرادة التي أعطاها للإنسان منذ الخلق.. فقد أعطى الله الإنسان الحرية أن يفعل الخير أو الشر.. يسير في طريق التوبة أو يبقى في الخطيئة.. أما يطلب الشفاء من المرض أو يستسلم له. فكان لابد أن يبدي الإنسان موافقته ورضاه على عمل نعمة الله معه أولاً.
فالله لا يرغم إنسانا على شيء دون رضاه فالعمل والنعمة يكمَل كل منهما الآخر وهذا الإنسان المريض كل ما كان يستطيع عمله فقط أن يبدي موافقته لتعمل معه نعمة الله.
إجابة هذا المريض على سؤال السيد المسيح له أتريد أن تبرأ؟ نعكس بوضوح ما تفعله الخطيئة بالإنسان من ضعف واحتياج إلى الآخرين وتظهر أيضاً ترك الجميع له حتى أصدقاؤه وأقرباؤه "ليس لي إنسان يلقيني في البركة متى تحرك الماء"
عندما يعترف الإنسان بضعفه وعجزه وعدم اتكاله على زراع بشر حينئذ يتدخل الله الطبيب الحقيقي الذي لأنفسنا وأجسادنا ويعمل في الإنسان بنعمته الغنية ويرفع عنه المرض حتى لو كان له فيه ثمان وثلاثين سنه.
"قال له يسوع قم احمل سريرك وامش.." فحالا برئ الإنسان وحمل سريره ومشى هكذا بالأمر صنع السيد المسيح هذه المعجزة وتحول الإنسان العاجز عن أن يلقي نفسه في البركة إلى إنسان سليم معافى يستطيع أن يحمل سريره ويمشي وهذا هو عمل النعمة مع الإنسان الذي يتجاوب معها تحوله من الضعف إلى القوة ومن المرض والسقم إلى الصحة والعافية.
بقدر ما يكشف المريض للطبيب آلامه وأعراض المرض الذي يعاني منه بوضوح وبدون أن يخفي منها شيئا بقدر ما يساعد الطبيب على تشخيص المرض بدقة وبالتالي يصف له العلاج المناسب الذي يؤدي إلى الشفاء الكامل.
وهكذا في الأمراض الروحية بقدر ما نعترف بخطايانا بدقة ووضوح ونقدم توبة حقيقية بقدر ما ننال غفرانا كاملا عنها ولا نحتاج بعد ذلك إلا إلى ممارسة وسائط النعمة المختلفة وإطاعة الإرشادات والتدريب الروحي التي يعطينا إياها أب الاعتراف لننال بركة وقوة روحية نواجه بها إغراءات عدو الخير ليسقطنا في الخطيئة مره أخرى.
يقول القديس باسيليوس الكبير "جيد أن لا تخطئ وان أخطأت فجيد أن لا تؤخر التوبة وان تبت فجيد أن لا تعاود الخطيئة وان لم تعاودها فجيد أن تعرف أن ذلك كان بمعونة الله وإذا عرفت ذلك فجيد أن تشكره على نعمته".
لماذا طرح يسوع هذا السؤال: "أتريد أن تبرأ".؟
ان يسوع المسيح لم يكن يصنع العجائب قبل توبة من يتقدم اليه طالبا الشفاء . لم يكن يشفي امراض الجسد الا بعد ان يشفي امراض النفس لذلك سأل يسوع المخلع اتريد ان تبرأ هل تحب ان تبرأ؟.
سأله لا لكي يعرف (أنه يريد الشفاء) فإنه لم يكن السيد محتاجًا إلى ذلك، وإنما أراد إبراز مثابرة الرجل، وأنه بسبب هذا ترك الآخرين وجاء إليه… مثابرة المخلع مذهلة، له ثمانية وثلاثين عامًا وهو يرجو في كل عام أن يشفى من مرضه. لقد استمر راقدًا ولم ينسحب من البركة…
أيها الأحباء، لنخجل ونتنهد على شدة تراخينا.
ثمانية وثلاثون عامًا وهو ينتظر دون أن ينال ما يترجاه ومع هذا لم ينسحب. لم يفشل بسبب إهمال من جانبه، هذا كله لم يجعله خائبا. بينما نحن إن ثابرنا في الصلاة لمدة عشرة أيام من أجل أمر ما ولم ننله تهبط غيرتنا.
عندما سأل الرب يسوع المسيح المخلع أتريد أن تبرأ؟ وجه هذا السؤال إلينا جميعا، مُمَثَّلينَ بهذا المخلع. هذا سؤال موجه لكل واحد منا هنا في هذا المكان وفي كل مكان، هل تريد أن تبرأ؟ لكي يتم هذا الشفاء علينا أن نُسَخِّرَ إرادتنا ونطهرَها ونقدسَها بدم المصلوب على عود الصليب، لنستطيع أن نشاركَ مجدَ صليبِهِ ألخلاصي، فتتم قيامتُنا من خلاله، وذلك يتم عن طريق أن نقول نعم أريد أن ابرأ لأني أخطئت كالابن الشاطر وكالعشار والزانية أريد أن ابرأ كابنة الكنعانية وكغلام قائد المائة وكالأبرص والأعمى، أريد أن أنهض من الموت كاليعازر وابن أرملة نايين. ولكن هل هذا كاف لشفائنا؟ هل بان يشفينا الرب فقط نشفى أم علينا بعد أن ننال الشفاء أن نحافظ ونجاهد من اجل إبقاء هذا الرباط والشركة مع الله بداخلنا ،لاحظوا ما الذي جرى مع المخلع ، قال الرب للمخلع بعدما شفاه، ها قد عوفيت فلا تعد تخطأ لئلا يصيبك اشر، فذهب ذلك الإنسان واخبر اليهود أن يسوع هو الذي شفاه. من هنا نفهم أن المسيح شفا طبيعتنا المخلعة ولكن أبقى لنا حرية التقدم إلى المثال الإلهي، ونرى هنا من المخلع انه قد شُفيَ ولكنه لم يثبت بعلاقته مع المسيح فوشى به. لانه شفي من الخارج وليس من الداخل ايضا كالبرص العشر الذين لم يعد منهم سوى واحد ليمجد الله ، هل خلص ذلك المخلع؟ بالطبع لا، لأنه اخطأ ثانية فلا بد أن ما أصابه
كان اشر، لأنه لم يستمر بالعلاج بطهارة وورع وجهاد محافظا على ما أخذه ، ونحن أيضا على هذا الحال،نعترف أننا مؤمنون وأخذنا مجانا المعمودية، نعترف بخطايانا والبعض يأتي إلى المناولة دون اعتراف، ونتناول الدواء الذي هو جسد ودم الرب يسوع المسيح ولكن نبقى على ضعفنا. لماذا؟ لأننا كهذا المخلع، لم نتغير. علينا أن نتغير بمحبة الآخرعن طريق التواضع والبذل والعطاء ومحبة الرب والقريب ان نخرج من التمركز بذواتنا، وان نجاهد الجهاد الحسن كي لا نسقط مرة أخرى فيصيبنا اشر، وكلما أخطئنا نعود بسرعة معترفين بخطايانا، ونعود مجددا إلى المثال الإلهي نجاهد جهادا روحيا إلى أن نبلغ إلى إنسان كامل إلى قامة ملئ المسيح.
لذلك تعلمنا اليوم من هذا النص الانجيلي، انه على عاتق الإنسان حمل كبير كي يشارك بالخلاص لاجل نفسه، لكن هذا التعاضد وهذه المشاركة بين الله والإنسان او بين إرادة الله وإرادة الإنسان لا تعني الانتقاص من عمل المسيح لخلاص الإنسان، لأنه فقط بالمسيح يستطيع الإنسان أن يغلب الخطيئة والموت والفساد ، ويُقبل إلى ملئ قامة المسيح، إي يبلغ إلى المثال الإلهي لأنه بالمسيح فقط نحيا ونتحرك ونوجد ( أعمال 17: 28) .
من هنا الارثوذكسية ليس هي فقط الايمان الارثوذكسي بل هي العمل والجهاد والحياة الروحية . ايمان بدون اعمال باطل كما يقول يعقوب الرسول في رسالته . من هنا علينا ان نجاهد ان لا ننتفخ ولا نتكاسل بل ان نصمد بالعمل والايمان وان نكون متواضعين لان جوهر سقوط الانسان هو الكبرياء ولب مرض الانسان هو محبته لذاته، فحتى يشفى الانسان يجب ان يكون متواضعا ، ملكوت الله ليس للذين يدعون انهم غير مذنبين بل لاولئك الفقراء بالروح وانقياء القلوب ، لهذا يجب ان يظهر الرب فينا كما قال المعمدان ينبغي ان يزيد هو وانا انقص ( يوحنا 3- 30)
اليوم تسالنا الكنيسة اتريد ان تبرأ ؟ اليوم نحن منهمكون في حياة هذه الدنيا من تقدم وانشغال ونحن ملزمون بهذه الحياة ومتطلباتها فننسى خلاصنا لهذا فنحن بأمس حاجة الى وجود اب روحي في حياتنا الذي يرشدنا ويحمل صليبنا معنا الذي اخذناه من المسيح لنصعد الى الجلجلة وننحدر الى القبر ونقوم مع المسيح في اليوم الاخير .