الصلاة الربية هي واحدة من أهم وأقدم الصلوات الكنسية، لدرجة أنها ضُمنت في الليتورجية بمختلف أشكالها. إذ تكاد لا تخلو منها واحدة من المصادر الليتورجية القديمة، وأهمها الذيذاخية. هذا لا يعود إلى أنها أتت على لسان المسيح وحسب، بل لما تحمله أيضاً من معاني لاهوتية عميقة، وهذا ما جعلها مُتقنة ومنذ القرن الأول للميلاد.
بالرغم من أن هذه الصلاة أتت في إنجيلي لو2:11-4 ومتى9:6-13 وباختلافات واضحة وضمن سياق مختلف. إذ تأتي في إنجيل لوقا ضمن صيغة تعليم شفهي حول الصلاة (1:11-13)، والتي تقسم إلى أربعة أقسام: سؤال التلاميذ مع الصلاة الربية (1:11-4)، مثل الصديق اللجوج والذي فهمه متى كطلب لمواظبة الصلاة (5:11-8)،التحريض على الصلاة (9:11)، صورة الأب الشهم والتي هي دعوة بأن يكونوا على ثقة بأن ما يطلبونه ينالونه (11:11-13). أما في إنجيل متى فإنها تأتي ضمن سياق العظة على الجبل وفي إطار يمثل مناظرة مع الفريسيين والأممين حول الصدقة والصوم (1:6-18)، وتأخذ مكانها ضمن ثلاث أقسام: التحذير من إطالة كلام الصلاة كالأمميين (7:6)، الصلاة الربية (9:6-13)، الاستعداد للمسامحة (14:6). إلا أننا نستعمل في معظم الأحيان، إن لم نقل دوماً، الشكل المتّاوي الأكثر انتظاماً وتوازياً من الشكل اللوقاني. هذا بحد ذاته لا يمنع من التفتيش للوصول إلى الشكل الأقدم لهذه الصلاة، والذي ليس بالضروة أن يمثل أحد هذين النصين تماماً.
في هذا البحث المتواضع سنعمل على دراسة الصلاة الربية بشكليها اللوقاني والمتّاوي، دراسة تعاقبية، معتمدين على مقارنة النصين _كما جاءا في أقدم المخطوطات_ بما فيهما من اختلافات تعبيرية ولغوية، ودراسة هذه الاختلافات وتطورها وسبب وجودها في أحد النصين وغيابها عن الآخر. محاولين بذلك أن نرقى أقدم نص ممكن الوصول إليه.
النص اللوقاني:[1][1]
“ PaVter, ajgiasqhVtw[2][2] toV “VnomaV sou. ElqeVto hJ basileiVa sou[3][3]. Ton ajVrton hJm«n tovn ejpiouVsion dViVdou hJmiVn to kaq hJmeVran. Kai a[feò hJmiVn taò aJmartiVaò hJm§n, kai gaVr aujtoiV ajfiVomen pantiV “feiVlonti hJmiVn.kai mhV eijseneVgkhò hJmaò eijò peirasmoVn.”[4][4]
ترجمة النص:
أيها الأب، ليقدّس اسمك، ليأت ملكوتك، خبزنا الآتي أعطنا كل يوم[5][5]. واترك لنا خطايانا، لأننا نحن أيضاً نترك لكل من يدين لنا. ولا تدخلنا في تجربةٍ[6][6].
النص المتّاوي:[7][7]
“Pavter hm§n evvvvn toiς ouranoi]ς, agiasqjhvtw tov o[nomav sou. Elqevtw h basileiva sou, genhqhvtw to qevlhmav sou, wς en ouran§ kai epi thvς gh]ς. Tovn a[rton hm§n tovn epiouvsion jdovς hmi]n shvmeron. Kai a[feς hmi]n ta ofeilhvmata hm§n, wς kai hmeiς afhvkamen toi]ς ofeilevtaiς hm§n. kai jmhv eisenevgkhς hma]ς eiς peirasmovn, allav ru]sai hma]ς apov tou] ponhrou]."[8][8]
ترجمة النص:
أبانا الذي في السموات، ليقدَّس اسمك. ليأت ملكوتك، لتصر مشيئتك[9][9]، كما في السماء كذلك على الأرض. خبزنا الآتي أعطنا اليوم. واترك لنا ديوننا، لأننا نحن أيضاً قد تركنا لمدينينا[10][10]. ولا تدخلنا في تجربةٍ، لكن نجنا من الشرير[11][11].
تقسيم النص:
من الواضح أن صيغة الصلاة الربية في إنجيلي متى ولوقا مبنية بناءاً متوازياً ومتوازناً، فهي تتبع نمطاً شعرياً واضحاً في كلا الإنجيلين. مع العلم أن الشكل المتّاوي لهذه الصلاة يبدو أكثر أمانةً للتقابل الشعري من الشكل اللوقاني والذي يُفسد هذا التقابل مرات عدة. على هذا الأساس يمكننا تقسيم نص الصلاة الربية على الشكل التالي:
التقسيم
|
الشكل المتّاوي
|
الشكل اللوقاني
|
نداء افتتاحي
|
أبانا الذي في السموات
|
أيها الأب
……………………. |
الابتهالات
|
ليقدَّس اسمك
ليأت ملكوتك لتصر مشيئتك
|
ليقدَّس اسمك
ليأت ملكوتك ……………. |
عبارة
الوصل |
كما في السماء كذلك على
الأرض
|
………………………………………. ………. |
التوسلات
|
خبزنا الآتي أعطنا اليوم
واترك لنا ديوننا كما نحن قد تركنا لمدينينا ولا تدخلنا في تجربة لكن نجنا من الشرير |
خبزنا الآتي أعطنا كل يوم
واترك لنا خطايانا
لأننا نحن أيضاً نترك لكل من يدين لنا
ولا تدخلنا في تجربة ……………………. |
اللغة الأصلية للصلاة الربية:
لطالما اختلف الشرَّاح حول اللغة التي استعملها يسوع عندما علّم تلاميذه الصلاة الربية. فيذهب بعضهم إلى كونها اللغة العبرية معتمدين في ذلك على أنها نص صلاة، وبما أن اللغة الرسمية في صلوات الهيكل والمجامع هي اللغة العبرية فلا بد أن يكون قد تفوه بها باللغة العبرية[12][12]. إلا أن وجهة النظر هذه تقحم الصلاة الربية بالضرورة ضمن صلوات الهيكل التي كانت معروفة للجميع آنذاك وليس من داعي ليعيد يسوع تكرارها ولو بهيكلية مختلفة.إنها تأتي عند لوقا استجابة لنداء التلاميذ "يا رب علمنا أن نصلي كما علم يوحنا أيضاً تلاميذه" (لو1:11)، أما متى فيدرجها متى ضمن إطار تعليمي وذلك ضمن تعاليم يسوع في العظة على الجبل حول الصدقة والصوم والصلاة. كل هذا يشير إلى أن يسوع لم يرد إضافة نص صلاة على نصوص الصلوات الأخرى التي كانت تتلى في الهيكل بقدر ما كان يريد أن يعلم أتباعه صلاة شخصية تضعهم وجه لوجه أمام فكرة المُلك السماوي (ملكوت الله).وبهذا نستطيع أن نرجح فكرة أن يسوع قد استعمل اللغة الآرامية (اللغة المحكية) ليعلم تلاميذه هذه الصلاة، التي هي أصلاً تتعلق بحياتهم اليومية سواء أكان جسدياً أم روحياً مبتعداً بذلك عن لغة الهيكل.
قراءة إزائية للصلاة الربية:
إن الصلاة الربية في شكلها المعروف ترد في إنجيلي لوقا2:11-4 ومتى9:6-13 والتي استقاها كل من الإنجيليين _بشكلٍ مباشر أو غير مباشر_ عن المصدر ذاته (Q)[13][13]. في حين يصيغها لوقا بشكلها المختصر، يسردها متى بصيغةٍ أطول[14][14].بمقارنة هذين النصين لا بد لنا من أن نلحظ العديد من الاختلافات بينهما. فبينما يبدأ لوقا بنداء مختصر " أيها الأب"، يستهل متى صلاته بنداء ذي طابع يهودي واضح " أبانا الذي في السموات"، من ثم يضيف طلبة ثالثة في القسم الأول من صلاته مرتبطة بالطلبتين الأوليتين "لتكن مشيئتك". ويعمل على ربط الابتهالات والتوسلات بعبارةٍ ملائمةٍ جداً " كما في السماء كذلك على الأرض" وبهذه العبارة يضع خاتمة مناسبة للابتهالات مرتبطة بشكل وثيق بالنداء الأولي، في نهاية الصلاة نجد أن متى طّول الطلبة الأخيرة ليجعلها طلبة نقيضة[15][15]. أما من الناحية اللغوية، فنلاحظ أن الصيغة المتّاوية المطولة تعطي للصلاة طابع يهودي أكثر من الصيغة اللوقانية والتي تعتمد على الصياغة المختصرة لكلمات الصلاة[16][16]. فنجد أن لوقا حول الأمر الماضي dovò إلى الأمر الحاضر divdou، وعدّل ظرف الزمان shvmeron (اليوم) إلى kaq hmevran(كل يوم) لتتوافق تماماً مع صيغة الأمر الحاضر والذي يحمل مفهموم الاستمرارية. كما أنه أفسد التقابل بين ofeilhvmata (الديون) و ofeilevtaiò (المدينين) مستعملاً amartaivò (خطايا) وبهذا تجاهل المفهوم السامي لكلمة دَيّن debt والذي لربما صَعُب فهمه على المسيحيين الأمميين الذين توجه له ببشارته. وعمل على تغيير الماضي التام afhvkamen (قد غفرنا) إلى afivomen (نغفر) والذي يعطي للمدينين debtors معنى أوسع وأكثر شمولية بمعنى "كل من أخطأ إلينا"[17][17]، وهكذا إذ يحدد متى الغفران في اللحظة التي تسبق الصلاة، فأن لوقا يجعله يمتد مدى الحياة[18][18]. الإضافات المتّاوية من جهة والتلاعبات اللغوية اللوقانية من جهةٍ أخرى تطرح علينا بإلحاح التساؤل التالي، ألا وهو: أي الصيغتين هي الصيغة الأصلية؟! أيمكن أن تكون صيغة متى والتي استُخدمت في كنيسة غالبيتها من اليهود المهتدين؟ أم صيغة لوقا والتي بدورها استخدمت في كنيسة غالبيتها من أصل وثني؟
الصيغة الأصلية للصلاة الربية:
جليٌّ أن متى وجّه بشارته لأناس تعلموا الصلاة عن ظهر قلب، بينما لوقا وجّهها لأناس كان منا يزال عليهم أن يتعلموا كيفية الصلاة. أي أن لوقا أعطانا الصلاة الربية بشكلها اليهودي-المسيحي، في حين قدمها إلينا لوقا بشكلها الأممي-المسيحي.
وجود الصلاة الربية في الذيذاخية Didache يشير إلى أنها كانت جزء من التعليم حول الصلاة في الكنيسة الأولى عامةً (يهود وأممين)، وجزء من التعليم الذي اتبعه معلمي الدين والمُعمدين، هذا كله نفهمه من كونها ضُمنت في الذيذاخية وغيرها من المصادر الليتورجية القديمة. أي أن الكنيستين اليهودية المسيحية والأممية المسيحية وافقتا على أن طريقة تعليم الصلاة هي عِبر الصلاة الربية. هذا يدل على أن الاختلافات بين الشكل اللوقاني والمتّاوي ليس نتيجة تداخل أو اصطكاك البشارتين معاً[19][19]، بل بكل بساطة هذا يعني أن هناك شكلين الصلاة الربية وجِدا منذ وقت قديم يصعُب تحديده واستُعملا في كنيستين مختلفتين[20][20].
أولاً-مناقشة الشكل (الطول):
الشكل اللوقاني متضمن كلياً في الشكل المتّاوي، وهي النقطة الأساسية في حسم الموضوع. إذ أننا نستدل من شهادات النصوص الليتورجية على أن الشكل المتّاوي المطول كان معروف(متقن) منذ القرن الأول، بما أنه وبحسب قواعد النقد النصي الشكل الأقصر يكون عادةً الأقدم، فهذا يشير إلى أن الشكل اللوقاني أقدم من الشكل المتّاوي[21][21]. فمن غير المعقول أن يكون الشكل اللوقاني هو نتيجة تنقيح ل Q وللشكل المتّاوي، ومن غير المنطقي أن يكون لوقا أهمل أو حذف تعابير من الصلاة التي علّمها المسيح[22][22]، كيف يحذف طلبتين من الصلاة التي فاه بها السيد وهو المعروف بكونه إنجيلي الصلاة[23][23].
ثانياً-مناقشة النداء الافتتاحي:
إن المقارنة بين النداء الافتتاحي المتّاوي واللوقاني يطرح التساؤل التالي: أيهما ه النداء الأصلي؟! لكي نصل إلى نتيجة معينة لا بد وأن نلحظ العديد من المعطيات، ألا وهي:
1-النداء اللوقاني pavter والذي هو ترجمة للكلمة الآرامية Abbav، بحسب أهم المخطوطات[24][24] لا يرد pavter hm§n لذلك من الصعب وبحسب قواعد النقد النصي أن يكون أحداً ما قد غيّر "أبانا" إلى "أبّا" بل العكس هو الصحيح. لذلك من الأرجح أن يكون متى أضاف ضمير الملكية hm§n إلى pavter ليجعل من النداء "أبانا". هذا غير مستبعد عند متى وخصوصاً أن استعمال ضمير الملكية hm§n باشتقاقاته المختلفة مع كلمة patrovò من ثم ربطها مع عبارة "الذي في السموات" هو من الوصف (العَزو) المتّاوي المفضل[25][25]، و لربما أخذها عن مر25:11-26، الملفت أنها لم تنل اهتمام لوقا أبداً مع أنه على الأرجح عرفها[26][26].
2- النداء اللوقاوي يتناسب مع صلوات المسيحيين الأولين، بينما النداء المتّاوي يتناسب مع عادة المسيحيين الفلسطينيين من أصل يهودي. إذ لا يتوفر دليل على أن الأدب اليهودي _على الرغم من غناه بالتعابير- استعمل كلمة "أبّا" منادياً بها الله[27][27]، هذا الاستعمال مقتصر على الرب يسوع (راجع لو21:10، 42:22)[28][28]. وعلى الأغلب هذا هو سبب التعديل الذي أجراه متى -الذي وجّه بشارته إلى مجتمع مسيحي من أصل يهودي- على النداء الأولي، لتناسب بذلك مع عادة سامعيه.
3-بما أن يسوع _على الأرجح_ فاه بالصلاة الربية في اللغة الآرامية المحكية، فلا بدّ من أن يكون استعمل "أبّا" وليس "أبانا". وكلمة Abbav كلمة آرامية يستعملها الأولاد عندما ينادون آبائهم، ويؤكد التلمود على هذا قائلاً: "عندما يختبر الطفل طعم الدقيق فإنه يتعلم أن يقول أبّا وأمّا"[29][29]. هذا الاستعمال يؤكد أن المسيح كان يتوجه إلى الإله السماوي ليس فقط كأب، بل منادياً إياه كما ينادي الأطفال آبائهم الأرضيين (راجع أش4:8) ليشير بذلك لبنوته الحقيقة للآب وليس المجازية[30][30] (كما تُفهم من خلال التعبير المتّاوي المتهود). من خلال هذا النداء أعطى المسيح لأتباعه_ الذين طلبوا منه أن يعلمهم أن يصلوا_ من بعده الحق في مناداة الله "أبّا" كأعضاء عائلة الله. والكنيسة الأولى اعتبرت ومنذ البداية أن المسيح أعطى التلاميذ من خلال هذا النداء حق المشاركة في سلطانه كأبناء ( أو كأطفال، لأن الطفل ينادي أبّا) لأبيهم السماوي[31][31]، وهذا واضح تماماً من استعمال بولس الرسول لهذا النداء (راجع رو15:8، غلا6:4). كل هذا يشير إلى أن النداء اللوقاني هو الأقدم لأنه حافظ على تعبير المسيح الذي أراد أن يعلم تلاميذه صلاةً جديدةً ليفهموا من خلالها بنوتهم لله عن طريق التبني بيسوع المسيح. إذ لم يعد الله السيد المتعالي الساكن في السماء فحسب، بل غدا أيضاً قريب إليهم كمثل قرب الأب إلى أولاده، هذا ما نستشفه من النداء اللوقاني ذي الخلفية الآرامية[32][32].
ثالثاً-مناقشة عدد الطلبات:
في ختام كل قسم من قسميّ الشكل المتّاوي للصلاة الربية، نجد التعابير الخاصة بالإنجيلي متى. في نهاية القسم الأول يضع "لتكن مشيئتك"[33][33]، وكلمة مشيئة qevlhma كلمة هامة بالنسبة للفكر المتّاوي ولها علاقة وثيقة عنده بتطبيق وصايا الله[34][34]. في نهاية القسم الثاني يضع "بل نجنا من الشرير"[35][35]، يهدف متى من خلال إطالة هذه الطلبة إلى الربط بين فكرة التجربة peirasmovò وفكرة الشيطان diavboloò ليعطي للتجربة طابعها الأخروي، فالتجربة في الفكر المتّاوي، تجربة أخروية أي تجربة القوى الشريرة (رؤ10:2) حيث سيقف التلاميذ (بالمفهوم العام للتلمذة) أمام الله بحضور المدعي العام الذي هو الشرير والذي بدوره سيجهز لهم الفخاخ ليوقعهم بالتهم[36][36]. هذه العبارات الملائمة لروح الصلاة نادراً ما توجد عند لوقا، على هذا الأساس يمكننا قبولها على أنها إضافات متّاوية. وفي الواقع إن الإضافات الواردة في النص المتّاوي تتماشى مع النمط البنائي للصلاة الربية، أي أن السبع طلبات تكمل التوازي في النص، مما يشير إلى أن متى عمل على إضافة هذه الطلبات ليصل ربما إلى نص ليتورجي متكامل إلى نص متكامل، ولا يمكننا بنفس الوقت إقصاء احتمال أن متى ورث صلاته عن مصدر ليتورجي قديم والذي كان قد وضع المادة المضافة لتلائم الاستعمال الليتورجي.
رابعاً-مناقشة الصياغة اللغوية:
التوسل الأول في النص اللوقاني من حلال صيغة الحاضر لفعل الأمر divdou والذي هو الزمن الحاضر الوحيد في نص الصلاة الربية. ولا بد من الإشارة إلى أن تبديل ظرف الزمان shvmeron بعبارة kaq hvmeran هو مقصود من قبل كاتب النص وذلك ليتوافق مع مع الصيغة الزمنية المستمرة التي يفرضها الفعل divdou. هذا يجعل من الشكل المتّاوي للصلاة أقوى وأكثر تفضيلاً. كما أننا نلاحظ في الطلبة الخامسة من النص استعمال متى كلمة الديون ofeilhvmata متبعاً بذلك المفهوم السامي الآرامي لكلمة "دين" debt، بينما استعمل لوقا كلمة الخطايا amartivaò. التعبير المتّاوي ذو خلفية آرامية، والكلمة الآرامية التي تدل على الخطايا هي h’bά و تعني تماماً دين مالي debt of mony فعمل متى على ترجمتها ترجمة حرفية مستعملاً كلمة ديون ofeilhvmata بينما لوقا ترجمها إلى العامية اليونانية خطايا amartivaò[37][37]. الملفت في الصياغة اللوقانية، أن لوقا عاد ليستعمل في النصف الثاني من هذه الطلبة كلمة المَدينين ofeivlontiv (debtors) مما يشير إلى أن لوقا عاد إلى صياغة الديون الواردة في النصف الأول من الطلبة ذاتها في الشكل المتّاوي. هذا يؤكد أن الصياغة المتّاوية لهذه الكلمة هي الأقدم.
وفي الطلبة ذاتها يستعمل متى afhvkamen الفعل بصيغة الماضي التام وهي صيغ أصعب لغوياً من صيغة لوقا afivomen مما يشير إلى أن استعمالها أقدم.
خاتمة:
مما تقدم نستطيع أن نقول ما يلي: صيغة لوقا هي الأقدم، كما يبدو أنها حافظت على شكل الصلاة الربية الأولي وذلك من حيث الطول. إلا أنه من الممكن جداً أن يكون نص متى أكثر قرباً من الأصل من حيث القسم المشترك بين الصيغتين. أي إذا أردنا أن نصل إلى صيغة الصلاة الربية الأصلية على وجه التقريب، توجّب علينا ألاّ نحتفظ إلا بالطلبات التي تضمنها النص اللوقاني، وأن نقرأها في ضوء الصياغة التي نقلها متى. هكذا وبحسب الترجمة التي أجريناها في بداية البحث يصبح النص الأقرب الذي نتمكن من الوصول إليه هو:
أيها الأب، ليقدَّس اسمك، ليأت ملكوتك، خبزنا الآتي أعطنا اليوم، واترك لنا ديوننا لأننا نحن أيضاً قد تركنا لمدينينا، ولا تدخلنا في تجربة.
[1][1]Metzger, Bruce M, The Greek New Testament, Fourth Revised Edition, Deutsche Bibel Gesellschaft, United bible societies, USA, 1983.
[2][2]أتى الفعل هنا بصيغة الماضي (أمر الماضي المبني للمجهول)، فالزمن الماضي يستعمل في العهد الجديد ليشير إلى فعل استغرق وقتاً طويلاً، أو إلى فعل تم في الماضي ولكن عمله يمتد على مدى الزمن. بنفس الأسلوب استعملت الأفعال في الطلبات الأخرى من النصين.
[3][3] في الطلبات الأولى من النصين استعُمل ضمير المخاطب المفرد sou، بينما في الطلبات الأخيرة استُعمل ضمير المخاطب الجمع hm§n.
[4][4] هذه القراءة هي الأقدم والأهم، إذ أنها ترد في أهم المخطوطات القديمة وبدرجة (A) حسب ترتيب Metzegr للمخطوطات، ,من هذه المخطوطات: q75, a, B, L, W, ….
[5][5]انظر أمثال8:30-9، يو32:6،35.
[6][6] انظر سير1:23، 1:33. متى41:26، لو40:22،46.
[7][7] Metzegr, Bruce M, op.cit.
[8][8] هي القراءة الأقدم، ترد بدرجة (A) حسب ترتيب Metzegr للمخطوطات، ومنها: a, B, D, W, Z….
[9][9] انظر متى42:26، لو42:22.
[10][10] تذكرنا هذه الآية بالمثل الوارد ب متى18، ويمكن اعتبار متى12:6 هي نتيجة وتلخيص لنص متى32:18-33، انظر سير2:28.
[11][11] انظر يو15:17، 2تس3:3، 2تيمو18:4.
[12][12] بويي، جان، الله أبونا- الكشف عن الله الآب والصلاة الربية، سلسلة دراسات في الكتاب المقدس32، ترجمة الأب بيوس عفَّاص، دار المشرق بيروت،2000، ص53.
[13][13] Fitzmyer, J.A., The Gospel According to Luke II (The Anchor Bible 29), INC, NY, 1985, p.897.
[14][14] بالإضافة للشكل اللوقاني والمتّاوي للصلاة الربية هناك نموذج الذيذاخية Didache-formوهو الأطول، يحتوي على سبع طلبات مع مجدلة (لأن لك الملك والمجد…) Did8:2 وعلى الأرجح أن الذيذاخية أخت هذا النموذج عن تقليد ليتورجي قديم أخذها بدوره عن الشكل المتّاوي. راجع: الأبوين جورج نصور ويوحنا تابت (معربين)، أقدم النصوص المسيحية، سلسلة النصوص الليتورجية 1، الكسليك، 1975، ص11-26.
[15][15] يهدف متى من خلال إطالة هذه الطلبة إلى الربط بين فكرة التجربة peirasmovòوفكرة الشيطان diavboloò ليعطي للتجربة طابعها الأخروي.
[16][16] Fizmyer, J.A., op.cit, p.897.
[17][17] Ibid.
[18][18] فغالي، بولس (الأب)، إنجيل لوقا-صعود يسوع إلى أورشليم، الجزء الثاني، سلسلة دراسات بيبلية 9، الرابطة الكتابية، بيروت، 1995، ص145.
[19][19] Joachim, Jeremias, New Testament Theology, Sixth impression, SCM Press Ltd, London, 1981, pp.194-195.
[20][20] Marshall, I.H., The Gosple of Luke, A Commentery on the Greek Text (The New International Greek Testament Commentary), Michigan, 1995, p.455.
[21][21] Joachim, Jeremias, op. cit, p.195.
[22][22]
[23][23] ينفرد الإنجيلي لوقا بذكر العديد من صلوات يسوع: انظر لو21:3؛ 16:5؛ 12:6؛34:21؛ 30:24.
[24][24] من هذه المخطوطات: a, q75,B
[25][25] انظر متى16:5، 45؛ 1:6؛ 11:7، 21؛ 32:10-33؛ 50:12؛ 17:16؛ 10:18،14،19.
[26][26] انظر لو13:11.
[27][27] هناك نص يهودي موغل في القدم ورد فيه أن الذي لا يعرف في أي اتجاه يصلي -ومن الواجب الصلاة باتجاه الهيكل- عليه أن "يلتفت نحو أبيه الذي في السموات"، لكن عليه أن يصلي قائلاً: " أيها الرب إلهنا، ملك الكون". راجع: بويّي، جان، المرجع السابق، ص49.
[28][28] Jeremias, Joachim, The prayer of Jesus, Studies in Biblical Theology II, SCM Press ,London, 1974, p108.
[29][29] Ibid, pp.58-59, 96.
[30][30]يسمى الملائكة أو البشر أبناء الله وهي بنوة مجازية، انظر (1يو6:1)، (لو38:3). بينما بنوة المسيح لله هي بنوة حقيقية وليست مجازية، انظر (لو35:1)، (يو9: 35-38)…الخ.
[31][31]Joachim, Jeremias, New Testament Theology, op. cit, p.197.
[32][32]Fizmyer, J.A., op.cit, p.898.
[33][33] وهي عبارة ترد عند متى خصوصاً: انظر متى12:7؛ 50:12؛ 14:18؛ 13:21؛ 42:26.
[34][34]يويِّي، جان، المرجع السابق، ص65-66. انظر متى21:7؛ 50:12؛ 3:21.
[35][35] انظرمتى19:13.
[36][36]Kittel, Gerhard," The NT View of Satan", art in: T D N T, vol II, Erdmans Publishing Company,
[37][37] Joachim, Jeremias, New Testament Theology, p.196.