لوقا: 1. / 38-42و 11: 27-28)
هذا النص لا نجده الاّ عند لوقا لذا فهو نص لوقاني تقليد خاص به الاّ ان هذا المقطع الانجيلي موجود ضمن قسم الاول من رحلة السيد الكبرى إلى اورشليم حيث ستكون المواجهة حاسمة بين يسوع المسيح وبين الشعب اليهودي. ان السيد يعرف انه ماضٍ إلى موته القريب . فيتوقف خلال صعوده إلى اورشليم عند بيت عنيا اذ يجد يسوع امامه امراتين في هذا التوقف العابر لذلك يصور الانجيلي لوقا هذا التوقف بشكل احتفالي فيحمله قوة رمزية عميقة ،لكن النص هنا لا يقابل بين مرثا ومريم ليقول لهما الأحسن ،مع ان يسوع لم يعترض على مرثا بل هي التي قررت ان تعترض على مريم وعندئذ أتى التوبيخ ،ولا يعارض بين خيار صالح وخيار افضل، في الحقيقة الدعوة موجهة إلى الاختين معا إلى اختيار الخيار الواحد الاحد وألا هو سماع كلمة الله التي هي اكبر خدمة تسدى إلى الله لان كلمته فقط تدوم وهذا هو خيار مريم .
(1. : 38) ” وفيما هم سائرون دخل قرية فقبلته امراة اسمها مرثا في بيتها ” .
ان عبارة هم سائرون تعني مسافرون إلى اورشليم هذا ما نعرفه من خلال (يوحنا11:1)
و(12:2-3) وايضا ذكرت في الآية(لوقا19: 51) . لا شك ان القرية هي بيت عنايا التي تقع على طريق اورشليم وتعرف اليوم باسم العازرية . مما يلاحظ ان هذه الزيارة لم تعرف زمنها بالضبط هل تمت في الزيارة الأولى من قبل السيد إلى اورشليم في عيد المظال في تشرين الاول من السنة الأخيرة من حياته على الأرض (يوحنا 7: 1.) ؟ أو في زيارته الثانية في عيد المظال في كانون الاول من تلك السنة (يوحنا1. 22) ؟ . المهم هنا هو خدمة يسوع .
مرثا هي اخت مريم ولعازر ،أنها اكبر من كل منهما وهي المضيفة كونها صاحبة البيت فكانت بغاية السرور ، اخذت تعدّ له من افضل الموجود عندها . يعني اسم مرثا بالسريانية سيدة لم يذكر هذا الاسم في العهد القديم . ويعتقد ان يكون سمعان الابرص (متى26:6) ابوهم أو زوج احدى الاختين ، ومن المحتمل انه كان ميتا أو غائبا اثناء ايام تبشير المسيح لانه لم يذكر من امره سوى اسمه .
(1.: 39) ” وكانت لهذه الاخت تدعى مريم التي جلست عند قدمي يسوع وكانت تسمع كلامه ” .
مريم استغلت هذه الفرصة اطيب الاستغلال أي جلوس التلميذ المنتبه والمتواضع امام معلمه . واظهرت الاكرام الكبير للمسيح المعلم بترك كل الأمور الدنيوية واصغائها إلى تعليمه حول ملكوت الله الذي اتى به يسوع المسيح ليؤسسه في قلوب البشر . لا شك ان مريم عرفت ان يسوع جائع ومتعب ولكن عرفت أيضا انه يخدم اكثر من ان يُخدم ، لهذا جلست عند قدميه لكي تُخدم منه بدل ان تخدمه .
(1.: 4.) “واما مرثا فكانت مرتبكة في خدمة كثيرة . فوقفت وقالت يارب أما تبالي بان اهتي قد تركتني اخدم وحدي فقل لها ان تعينني ” .
مرثا غارقة في عماها ومضطربة إذا اعتبرت يسوع معلم مشهورا ونبي الله فلذلك يستحق مائدة فاخرة لعل مرثا ظنت ان الطعام البسيط لا يليق بالسيد يسوع لهذا ارتبكت لتعد الطعام الذي يليق بضيفها . وعندما فاق تعبها احتمالها طلبت تدخل السيد ووجهت إليه في قولها ” أما تبالي ..” . في هذا الطلب يوجد بعض اللوم ليسوع بانه لم يلاحظ انكبابها في اعداد المائدة ولم يسأل اختها إذا كانت تساعدها التي توقفت عن عمل هذا ما يدل من الآية “اختي تركتني” الاّ ان مريم سمعت حديث المسيح وهي تعمل فلذا جلست تصغي إليه ونسيت اعمالها واختها وما وجب عليها من تحضير المائدة لأجل الضيف . فالحل عند مريم هو ان يقل المسيح لمريم ان ترجع إلى عملها ويلاحظ ان مريم لا تقدر ان ترجع إلى العمل الاّ بأذن يسوع وبامره .
(1.: 41) ” فاجاب يسوع وقال لها مرثا مرثا انت تهتمين وتضطربين لأجل امور كثيرة” .
جواب يسوع لمرثا كانفي غاية الرقة واللطف . ان تكرار المسيح لاسم مرثا جعل من توبيخ الصديق المعلم محبة صادقة لا توبيخ الديان القاضي الظالم ، بالحقيقة ان لم يوبخ على خدمتها بل على افراط اهتمامها بها وارتباكها فيها وهو لم يقل ذلك الاّ على بناء طلبها . جاء في بعض المخطوطات :” الحاجة تدعو إلى امور قليلة ، بل إلى واحد ” هكذا كشف يسوع الفرق بين اضطرابها وقلقها لأجل امور كثيرة وبين “الواحد” الذي تدعو إليه الحاجة هذا يتطابق مع قول السيد إلى تلاميذه بان لا يهتموا لحياتهم (متى6: 35) ، لكن كوننا اشحاص مخلوقين ضعفاء نذكر همومنا للمسيح وفقا ما قاله الرسول بطرس في رسالته :”معلقين كل همكم عليه لانه هو يعتني بنا ” (بطرس5 : 7) هكذا فعلت مريم اذ حملت همها للمسيح .
ان سلوب التكرار لاسم كان يستعمله السيد احيانا مثلا “سمعان سمعان” (لوقا 22: 31) “شاول شاول ” (اعمال الرسل9: 4) . هنا التكرار يبين اهمية الكلام الذي فاه به السيد المسيح وبالتالي سكّن اضطراب مرثا عندما نادها باسمها مرتين .
( 1.: 42) ” ولكن الحاجة إلى الواحد . فاختارت مريم النصيب الصالح الذي لن يتزعزع منها ” .
كلمة ” الواحد ” تحمل معنيين الاول : ان مرثا تعد اطباقا كثيرة لضيفها ولكن يسوع ” الضيف ” لا يحتاج الاّ إلى قليل ونما بالحقيقة إلى طبق واحد من الطعام . هذا هو “الواحد” من ناحية الحرفية .المعنى الثاني :من ناحية الرمز او الروحي وهو العناية بالنفس وخلاصها وجلوس امام قدمي يسوع للاصغاء إلى كلامه المحيي الذي هو الوسيلة الناجعة لخلاص الإنسان وايضا قبول المسيخ في القلب بالايمان وليس قبوله ضيفا يخدم بالموائد والاطعمة . ان استماع مريم ليسوع كان نفعا لها وليس له ، خدمة مرثا كانت نفعا له وليس لها . فضّل يسوع المسيح العطاء على الاخذ ” ان ابن الإنسان لم ياتِ ليخدم بل ليُخدم ” (متى2.: 28) . لذا اختارت مريم النصيب الصالح ألا هو الجلوس عند قدمي المسيح والاصغاء إليه والى كلامه . كأن مريم قسمت الميرث ورثت الورثة واخذت نصيبها وهو الحياة الابدية ،هذا النصيل كان خيرالانصب وهو صالح في كل شيء في كل مراحل حياة الإنسان .
الحياة الابدية”النصيب الصالح” لايزول ولا يفنى . لان سماع مريم لكلمات يسوع والايمان به هما شرابها من ماء الحياة واكلها من خبز الحياة ” من يأكل جسدي ويشرب دمي فله الحياة الابدية ” ( يوحنا6: 54) لذا لم يفعل المسيح شيئا لمرثا ان ينزع عن مريم طلبها لذلك النصيب الصالح التي اختارته واخذت تجتهد في تحصيله .
(11: 27- 28) ” وفيما هو يتكلم بهذا رفعت امراة صوتها من الجميع وقالت له طوبى للبطن الذي حملك والثديين اللذين رضعتهما ” ” اما هو فقال بل طوبى للذين يسمعون كلام الله ويحفظونه ” .
هذه الايات اقتحمت إلى هذا النص الانجيلي الطقسي من لوقا لابراز دور مريم والى اهميتها في تأدية رسالة يسوع المسيح للبشر وايض لارتباط بين مريم وبين يسوع . ان مريم التي هي “بنت صهيون ” و ” أم يسوع ” ، لاتنفصل أيضا ، في نظر لوقا عن الكنسية وهو يراها حاضرة في جميع مراحل تاريخ الخلاص لذا نرى لوقا يتحدث عن العذراء اكثر من باقي كتّاب العهد الجديد . نجد في انجيله اربع فقرات تتعلق بمريم اثنتان منها تطابقان تقاليد معروفة من مرقس ومتى ، واثنتان تنتميان إلى تقاليد ينفرد بها لوقا (3: 23) و( 11: 27- 28 ) وفي القسم الثاني من اعمال الرسل (1-14) .
اما بخصوص هذا الهتاف التلقائي من جانب امراة لم يذكر الاّ عند لوقا لكن اسم امراة مجهول الهوية والمعروف أنها من نساء ذلك الجمع حيث سمعت كلام المسيح وتعجبت من هذا التعليم وبالاحرى أنها شاهدت المعجزات ، وشهدت ، واظهرت تعجبها . هذا الهتاف كان اعتراف ضمني بان المسيح هو المسيا كما يتتضمن مدحا وتعظيما ولعلها رات أنها لا تستحق ان تبارك المسيح نفسه فباركته بماركة أمه لاجله . لكن المسيح لم يلتفت إلى كلامها وايضا لم يرفض ما قالته بل وجهها إلى ما هو اكثر اهمية ألا وهو العلاقة الصحيحة بين الله والانسان من خلال كلمته المحيية الباقية الى الابد إذا الاهم هو الاستماع إلى كلام الله وحفظه ، ياتي كلام الله ويصل إلى الإنسان عن طريق تعاليم السيد من خلال دراسة الكتاب المقدس وخلال الكنيسة (الافخارستيا والاباء ) . ان افضل النسب الجسدي ينتهي بالموت اما الذي يسمع كلام الله ويعمل به ويثبت إلى الابد فيكون من النسب الروحي الذي يكون الاعظم من تلك النسب لان المسيح قال : ” من هي امي وابي واخوتي … لان من يصنع مشيئة ابي .. هو اخي واختي وامي ” (لوقا1: 38 و47 ) وشهدت بايمانها اليصابات بقولها ” طوبى للتي آمنت ان يتم ما قيل لهل من قبل الرب ” (لوقا 1:45 ) .