الظهور الالهي الثاني
المعمودية المقدسة
اصلاح وتجديد الانسان
يسمى حدث معمودية يسوع على يد يوحنا السابق في نهر الاردن الظهور الالهي( Epiphany – Theophany) . في كنيسة العصور الاولى ، كان عيدا الميلاد والظهور يعيَدان في اليوم نقسه ، اي السادس من كانون الثاني في القرن الرابع. انفصل العيدان ونقل عيد الميلاد الى الخامس والعشرين من كانون الاول.
تأتي كلمة Theophany) ) من المقطع الرسولي " الله ظهر في الجسد ،تبرر في الروح، تراءى لملائكة كرز به بين الامم،أومن به في العالم ، رفع في المجد " ( 1 تيموثاوس 3- 16) وهي مرتبطة بالاغلب بميلاد المسيح . تأتي كلمة (Epiphany ) من المقطع الرسولي " لانه قد ظهرت نعمة الله المخلصة لجميع الناس " (تيطس 2- 11 ) وهي مرتبطة بالدرجة الاولى بمعمودية المسيح اذ عندها ادرك البشر نعمة الميلاد .
في مجمل الاحوال ، الحقيقة هي انه في يوم معمودية المسيح، مع ظهور الثالوث القدوس واعتراف السابق الشريف ، صار عندنا اعتراف رسمي بان ابن الله وكلمته هو " احد الثالوث" وقد صار انسانا ليخلص الجنس البشري من الخطيئة والشيطان والموت .
++++++++
كلمة معمودية ((Baptism بحسب القديس نيقوديموس الاثوسي والتي تعني تغطيس ، هي اسم فعل يأتي من الفعل عمَد (bapto) الذي يعني غطَس او غمر. اذا المعمودية مرتبطة بالماء . يعلم الاباء ان هناك عددا من انواع المعموديات .
يعلَم القديس غريغوريوس اللاهوتي عن خمسة انواع :
الاول هو معمودية موسى التي تعطي تطهرا مؤقتا . الثاني هو معمودية السابق الذي عمد الناس بمعمودة التوبة . الثالث هو معمودية المسيح التي بها يصير البشر مسيحيين وهي تتم بقوة الروح القدس . الرابع هو معمودية الشهادة والدم . الهامس هو معمودية التوبة والدموع .
القديس يوحنا الدمشقي ، في كلامه عن هذه المعموديات يضيف اليها ايضا . فهو يتحدث عن ثمانية اشكال . الاول هو معمودية الطوفان لمحو الخطيئة . الثاني معمودية البحر والغمامة، اشارة الى حين عبر الاسرائيليون البحر واختفوا بالغمامة. الثالث هو المعمودية القانونية التي يحكي عنها الناموس الموسوي والمرتبطة بالطهارة الجسدية . الرابع هو الذي قام به يوحنا السابق وكانت مدخلا لانها قادت المعمدين الى التوبة. هذا يعني ان يوحنا لم يغفر الخطايا بالمعمودية بل هيأ للغفران بمساعدة البشر لان يدركوا خطيئتهم وينتظروا معمودية المسيح الكاملة. الخامس هو معمودية المسيح عند مجيئه الى الاردن . هذه المعمودية خاصة لان المسيح كان بلا خطيئة ولم يعترف.السادس هو معمودية الرب الكاملة التي جرت في الكنيسة بالماء والروح . السابع هو معمودية الدم والشهادة التي حصًلها المسيح لنا ، وهي تتعلق بالآلام والصليب وعلى منوالها شهادة القديسين الذين اشتركوا بالآم المسيح . والثامن هو المعمودية الاخيرة ، وهي لا توصف بالمعمودية الخلاصية، لانها تزيل الخطيئة وتعاقبها الى ما لا نهاية .
يميز القديس يوحنا الذهبي الفم بين المعموديتين اليهودية والمسيحية . الاولى لا تطهر من خطايا النفس بل من قذارة الجسد فقط. معمودية الكنسية اكثر سموما بما لا يقارن لانها تحرر الانسان من الخطايا، تطهر النفس وتمنح الروح القدس. بين هاتين المعموديتين تأتي المعمودية التي مارسها السابق الشريف والتي كانت جسرا بين اليهودية والمسيحية . معمودية يوحنا كانت ارفع من المعمودية اليهودية ، لانها اشارت الى المسيح ، لكنها ادنى من المعمودية المسيحية .
+ + + +
لطالما كان نهر الاردن مشهورا لعدد من الاحداث في التاريخ لكن بالدرجة الاولى بسبب تعليم يوحنا السابق ومعموديته ، وايضا بسبب اعتماد المسيح فيه . بحسب القديس يوحنا الذهبي الفم ، الاردن هو رمز للجنس البشري. في المكان الاول ، هو يسمى لانه يأتي من مصدرين الأ(jor) والدن(dan). هذان يشكلان نهر الاردن الذي يصب في البحر الميت. بحسب احد التفاسير الاختزالية ، كل الجنس البشري يأتي من مصدرين ، آدم وحواء، وبالخطيئة أتي بالجنس البشري الى التخدير، اي البحر الميت في هذه الحياة الحاضرة، حيث يوجد الموت. المسيح بتجسده دخل هذا الاردن، هذا الجنس البشري، وبهذه الطريقة غلب الموت واستعاد الجنس البشري الى حياته السابقة.
+ + + +
خلال اعتماد المسيح ظهر الثالوث القدوس احد اهداف التجسد الالهي، كما معمودية المسيح كان لاظهار الاله الثالوثي، يعالج القديس غريغوريوس بالاماس بشكل لاهوتي سبب ظهور الاله الثالوثي في ذلك الوقت. انه يعلَم ان الاله الثالوثي يظهر عند خلق الانسان وتجديده . اصلاح الانسان هو قوة مشتركة عند الاله الثالوثي لان " الآب من خلال الابن بالروح يفعل كل شيء الى هذا ، يقول الكتاب المقدس ان الاله الثالوثي قرر ان يخلق الانسان :" لنصعن الانسان على صورتنا ومثالنا"( تكوين 1: 26) . الآب خلق الانسان على صورة الكلمة ونفخ فيه الحياة بالروح القدس وبما ان قوة الاله الثالوثي مشتركة بين الثلاثة ، كل الثالوث القدوس اشترك في خلق الانسان . اذا كان على الاله الثالوثي ان يظهر في اصلاح الانسان وتجديده. الى هذا بدأ المسيح بعد اعتماده بعمله الظاهر لخلاص الجنس البشري.
يشير ظهور الاله الثالوثي خلال اصلاح الانسان الى حقيقة لاهوتية اخرى، وهي ان الانسان هو العضو الارضي والعابد للثالوث القدوس، وايضا الى انه المخلوق الوحيد المصنوع على صورة الاله الثالوثي، بحسب ما يشرح القديس غريغوريوس بالاماس ، لا تملك الحيوانات نوسا وعقلا بل فقط روحا حية لا تأتي من ذاتها ،هذا يعني انه عندما تموت هذه الحيوانات تخسر الروح معها. فهي لا تبقى كونها بدون جوهر وليس عندها الا القوة . للملائكة ورؤساء الملائكة ايضا نوس وعقل ولكن لا روح تحيي الجسد وبالتالي الانسان وحده صورة الاله المثلث الاقانيم، اذا لهذا السبب ابن الله وكلمته، لكي يخلص العالم ويغيَره، صارانسان وليس ملاكا، لان الانسان هو ذروة الخليقة وهكذا من خلال الانسان المتقدس يتم تحول الخليقة وتغيرها.
+ + + +
ان شهادة الآب بان المعتمد ليس انسانا عاديا بل هو ابنه الوحيد تشير الى الوهية الكلمة ومساواته بالجوهر لابيه. بحسب اللاهوت الارثوذكسي ، صوت الآب هو معاينة لله، واعلان وليس امرا يستوعب بالحواس . بالتأكيد يشارك الجسد في معاينة لله لكن الحواس تتحول لكي تتمكن من رؤية مجد الله . حقية ان صوت الآب هو اعلان ورؤيا لله يمكن ان نراها من شهادة الآب المماثلة على جبل ثابور عندما سقط التلاميذ على الارض لانهم عجزوا عن احتمال بهاء الرؤيا .
تستعمل كلمة " البهاء" للاشارة الى بعض الحقائق اللاهوتية بحسب ما يذكر القديس ثيوفيلاكتوس . اولا لاظهار انه/ كما ان الشمس تصدر اللمعان ايضا الابن يصدر عن الآب. ثانيا لاظهار ان الابن ناتج من دون اي هوى للآب، كذلك مجد الشمس . ثالثا كما ان الشمس لا تنقص بلمعانها كذلك الآب لا ينقض بولادته الابن . رابعا كما ان المجد ، اي شعاع الشمس، لا ينفصل عنها كذلك ايضا الابن يشع ابديا وازليا من الآب.
+ + + +
الاسماء التي اعطيت للمعمودية كثيرة وكلها تشير الى القوة والعمل اللذين تحققهما . تسمى المعمودية ولادة لانها تعطي اعادة الولادة . هذا التعبير اعطاه المسيح في حواره مع نيقوديموس ( يوحنا 3- 5) . النبع هو الرحم الروحي الذي يعطينا اعادة الولادة الى حياة جديدة . بعد المعمودية نحن نشبه المسيح. وهذه الولادة هي ما يميزنا ، لهذا فان يوم ميلادنا هو يوم اعطائنا اسمنا بحسب القديس كاباسيلاس . ترتبط الولادة التي تتم بالمعمودية بالتطهر والاستنارة . يقول القديس غريغوريوس اللاهوتي ان المسيح لم يكن بحاجة للتطهر كونه الطهارة بذاتها ، لكنه تطهر من اجلنا ، اي انه دخل الاردن بالجسد فيما لم يكن هو جسدانيا، وعليه، المسيح يطهر الجنس البشري وينيره بمعموديته ومسحه بالميرون. التطهر من الاهواء يسبقه اتمام الوصايا وتعقبه الاستنارة بقوة الروح القدس.يقول القديس غريغوريوس اللاهوتي :"حيث يكون التطهر تكون الاستنارة اذ من دون الاولى لا تعطى الاخيرة " .
بحسب القديس يوحنا الدمشقي ، غفران الخطايا يعطى على قدم المساواة لكل الذين يعتمدون لكن نعمة الروح القدس اعطى نسبيا مع الايمان والتطهر السابق. بالمعمودية المقدسة تكتسب الظهور الاول للروح القدس واعادة الولادة هي بداية حياة مختلفة وختم وحماية واستنارة .
+ + + +
يشير عيد الظهور الى حقائق لاهوتية عظيمة اولا: الذي يعتمدون ويمسحون يسمَون مسيحيين لانهم في نفس الوقت تلاميذ المسيح وقد اخذوا النيرون من الروح القدس.لا يبعد اي من الامرين الاخر لاننا تلاميذ المسيح بالنعمة التي نتقبلها من خلال الاسرار. بحسب ما يقول القديس نيقوديموس الاثوسي،يمكن تسمية كل المسيحيين مسحاء الرب ، " الممسوحين بالميرون المكمل "الذي يعني نعمة الروح القدس وشركته.
ثانيا:بالمعمودية يحصل الانسان على عربون الروح ، ولكن مع امكانية الاتمام ، يقول القديس غريغوريوس بالاماس انه كما ان الطفل يأخذ من والديه امكانية ان يصير رجلا ويرث الاملاك الوالدية عند بلوغه السن المناسب ، لكنه يخسرها اذا مات في خلال ذلك ، فالامر نفسه يتم للمسيحي . من خلال المعمودية يحصل الانسان على القدرة لان يصير ابن الله ووراثا للخيرات الابدية ، ان لم يمت في غضون ذلك الموت العقلي الذي هو الخطيئة.وبالتالي اذا خسر الانسان شركته مع الله اي اذا مات روحيا فهو يخسر الامكانية التي تلقاها بالمعمودية .على الاكيد لا تضيع النعمة ولا تترك قلب الانسان لكنها لا تنجز الخلاص.
ثالثا:عندما تغطي الخطيئة نعمة المعمودية ، تصير معمودية التوبة والدموع لازمة. تسمى السيامة الرهبانية معمودية ثانية لانها تؤسس حياة التوبة والتطهر التي من خلالها يبلغ الانسان الى مجده السابق . يقول القديس غريغوريوس النيصصي بشكل مميز :"كل واحدة من دموع التوبة تساوي مياة المعمودية ، والانين المتألم يعيد النعمة التي فارقت لوقت قصير". بالطبع ينبغي ان تذرف هذه الدمعة في جو من التوبة بحسب ما تعلًم الكنيسة الارثوذكسية وتمارس.
اعتمد المسيح ليحفظ الناموس ولينزل نعمته على المياه، من اجل الخليقة بأسرها ومن اجل الانسان، وبالتالي هو يعطي لكل منا امكانية بلوغ نعمة التبني ، اي الظهور في حياتنا الشخصية. هذا الظهور الالهي يشكَل معرفة الله، وكون هذه المعرفة حقيقة وجودية فهي تجلب الخلاص ايضا .