القسم الثالث من القداس الالهي
( قسم المؤمنين )
(9)
الافعال الليتورجية:
الرفع – التجزئة – الاتحاد – المناولة
:" أيُّها الربُّ يسوعُ المسيحُ إلهُنا، إصغَ مِنْ مَسْكَنِكَ المقدَّسِ ومِن عرشِ مجدِ مُلْكِك، وهَلُمَّ لتقديسِنا، أيُّها الجالِسُ في الأعالي معَ الآب، والحاضرُ معَنا هَهُنا غيرَ منظور. وَارْتَضِ أَنْ تُناوِلَنا، بيدِكَ العزيزة، جسَدَكَ الطاهرَ ودَمَكَ الكريم، وبِنا شعبَكَ كلَّه"
بتجسد صار المسيح على مقربة من الانسان واصبح انسانا دون ان يترك العرش الابوي وهذا هو المدهش انه كان يسلك كانسان الا انه كان يعطي او يمد الكل بالحياة ككلمة وبنفس الوقت كان قائما مع الآب.
بصعوده يعود الاله – الانسان الى العرش الابوي يعود الى الآب لكنه لا يتركنا لوحدنا،ا بعد صعوده جلس مع الآب في السماوات وهو حاضر مع المؤمنين في القداس الالهي.يتواجد الانسان مع المسيح في السماء وعلى الارض في آن معا .الانسان يعيش في السماء وعلى الارض فوق واسفل داخل محبة الله.
في القداس الالهي الزمن والمكان يتقدس ،فالعالم الذي هو الانسان الذي يعيش بعيد عن القداس الالهي هو عالم غارق في الظلمة. لذلك القداس الالهي يعلو على الزمان والمكان في العالم. المسيح وهو في السماوات هو ايضا معنا في القداس الالهي ليس معنا فقط ولكنه يأتي ويقيم بيننا .
في هذا الافشين نوجه انتباهنا الى شيئين فنطلب الى المسيح ان يناولنا بيده جسده ودمه ونؤمن باننا بالمناولة نأخذ المسيح ولكن ينبغي لنا ان نصبح قادرين على ان ننظر بعيني الايمان والمحبة الرب. يسوع اتى لاجلنا يقدم لنا القرابين المقدسة كما صنع مع رسله من خلال القرابين يبذل نفسه.
نصلي ايضا من اجل ان يوزع بواسطتنا جسد الرب ودمه الكريمان" لكل شعبك" اذ ان كل الذين تناولوا اليوم يجب عليهم ان يوزعوا وان يعطوا الذين هم حولهم ما اخذوه وهذا يعني انهم بعملهم وكلمتهم بمعنى ان يجعلوا النعمة التي حلت عليهم من خلال المناولة نور مشعة في حياة الاخرين .
القداسات للقديسين:
يسجد الكاهن 3 مرات قائلا على كل سجدة :"يالله اغفر لي انا الخاطئ وارحمني" (مرتين) و" ارفعك يا ملكي والهي" ( مرة). ثم يقول:"لنصغ" ،يعني لنضع عقولنا هنا بحرص ونغادر الارضيات ونرتقي بافكارانا وضمائرنا الى العلى.يأخذ الكاهن الحمل المقدس بكلتا يديه ويرفعه راسما به شكل صليب فوق الصينية المقدسة ويقول:"القدسات للقديسين" ويجيب المؤمنون قدوس واحد،رب واحد ،يسوع المسيح لمجد الآب امين.
في لحظة اقتراب المناولة لا يدعو الكاهن الجميع للمناولة اذ يدعو المستعدين لتناوله بلياقة قائلا القدسات للقديسين ،كأنه يقول امام اعينكم خبز الحياة فلا يأتين اي كان لتناوله بل فقط المستعدون لان القدسات هي للقديسين فقط. فالذين يدعوهم الكاهن القديسين ليسوا هم فقط الكاملين او الذين بلغوا الكمال بل الذين يسعون الى الكمال بدون ان يكونوا قد بلغوا اليه.
اذ ان المؤمنون يدعون قديسين بسبب القدوس( يسوع ) الذي فيه يشتركون بسبب ذلك الذي يتناولون جسده ودمه لهذا قال بولس الالهي للمؤنين:" ايها الاخوة القديسون شركاء الدعوة السماوية" (عبرانيين 3-1).يقول القديس يوحنا الذهبي الفم:"ليس من غابت عنه الخطيئة ولكن من كان الروح القدس حاضرا فيه واصبح مستودعا غنيا بالاعمال الصالحة."
عند اعلان الكاهن القدسات للقديسين يجيب المؤمنون:"قدوس واحد…" جوابهم هذا يشكل اعترافا اننا تقدسنا بالابن الوحيد المتجسد والمصلوب.اذ لاقداسة لاحد من تلقاء ذاته فليست القداسة وليدة الفضيلة البشرية انما تأتينا من يسوع وبه. اذا نحن قديسون ليس بالطبع او بالفضيلة بل بالمساهمة والنسك والصلاة كما يقول القديس كيرللس الاورشليمي.
الرفع:
عند لحظة اعلان القدسات للقديسين يرفع الكاهن الحمل تذكارا وتاكيدا لقيامة المخلص من بين الاموات وفي نفس الوقت يرسم بالحمل اشارة الصليب الكريم المحيي رمزا للثالوث الفائق الجوهر.
ان الصليب الصائر في الخبز الكريم من جهة الرسم ( من فوق) فيدل على ان السماء تقدست بالقيامة واما الصليب ( في الوسط) فيدل على تقديس الهواء والصليب الصائر ( من اسفل)الحمل حيث يكون موضوعا على الصينية فيدل على تقديس الارض التي دفن بها جسد المسيح المحيي (جرمانوس القسطنطيني).
التجزئة:
في اول قداس الهي اقيم على الارض جزأ المسيح واعطاه للرسل 12 .عمل الرب هذا يستعاد في كل قداس الهي اذ يفصل الكاهن حمل الله ويقدم للمؤمنين الجسد المقدس .ويقسم الجزء المقدس بشكل صليب (وهكذا ينظر الكاهن كأنه ناظر الى يسوع مصلوبا كما يقول سمعان
التسالونيكي).
يقول الكاهن:" يُجَزَّأ ويُقَسَّمُ حملُ الله، الذي يُجَزّأ ولا ينقسِم، ويؤكَلُ دائماً ولا يَنْفَد، بل يُقدِّسُ المشتركينَ به" معنى قوله هذا ،بما ان المسيح صبر على الآلام الصلب وانما ايضا بكون جسده فلم يرى فسادا في الجحيم لذلك فالتقسيم او التجزي الخبز المقدس لا يتجزأ فيه انما فقط شكل المادة هي التي تجزأ اما جسد الرب فلا ينقسم.المسيح كله في كل جزء من الخبز المقدس بعد تفصيله وان كان يجزأ الا انه يبقى بلا تقسيم.نحن نقر ونعترف انه فعلا موجود بكليته في كل جزء من الاجزاء التي جرى عليها تفصيلها كلام اخر هو الاله التام والانسان التام ان يسوع المسيح حاضر في سر الشكر ليس بجسده ودمه فقط بل ايضا بنفسه المتحدة مع جسده بلا انفصال وبلاهوته المتحد اقنوميا بلا انقسام ولا اختلاط مع طبيعته البشرية ولهذا قال الرب يسوع:" من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيَ وانا فيه" ( يوحنا 6: 57- 58
اذا يأخذ كل منَا المسيح بكليته فيمتلئ به بالكلية.هكذا يصير بامكان اولئك المؤمنين المتناولين ان يكونوا آلهة بحسب النعمة ويدعوا كذلك كون الله بكليته ملأهم دون ان يترك عضوا من اعضائهم فارغا من حضوره."ومن ملئه نحن جميعا اخذنا".بعد تجزئة الخبز المقدس ووضع جزء الاعلى من الحمل ويرسم به شكل صليب فوق كأس ويضعه فيها قائلا :"كمال الروح القدس" يضع ماء ساخن.
لقد اتم الكاهن ثلاثة افعال متتالية منذ قال :" القدسات للقديسين" فقد رفع جسدالمسيح المقدس وجزأه واتحده بدمه المقدس."رفع" جسد المسيح فيتم عند قوله القدسات للقديسين" ان رفع الجسد الكريم هو رسم للارتفاع على الصليب وللموت عليه وللقيامة نفسها"(القديس جرمانوس).
"التجزئة" جسد المسيح المقدس فيتم عند قوله الكاهن يجزأ ويقسم حمل الله… يفصل الكاهن جسد المسيح الكريم الى اربعة اجزاء ويضعها على شكل صليب فوق الصينية المقدسة (كسر الخبز اشارة الى الذبح)كما يقول القديس افتيمينوس القسطنطيني .عملية الكسر ( الخبز المقدس)هي الفعل بامتياز ظهور المسيح،فعند
كسر الخبز عرف التلميذان على طريق عمواس. وبهذا الاسم عرف الجميع المسيحيون الاوائل القداس الالهي " بكسر خبز" .
"اتحاد" جسد المسيح ودمه المقدسين فيتم عندما يكمل الكاهن الكأس (عندما يضع قسم من الحمل المقدس في الكأس) يعني ان المسيح واحد هو سواء كان ذلك في الكأس ام في الخبز فهو نفسه كمال.
"كمال الروح القدس"عندما يتم الكاهن اتحاد جسد المسيح ودمه المقدسين يأخذ مار حار في وعاء صغير يدعى(زاون) ، تقليد الزاون هذا يعود الى النص الوارد في رسالة يوحنا الاولى:"هذا هو الذي آتى بماء دم يسوع المسيح …والروح هو الذي يشهد"( 1 يوحنا 5- 6).ويسكبه في الكأس المقدسة لانه عندما خرج الدم المقدس والماء من الجنب الالهي الحي كانا مملؤين حرارة.
يقول القديس نيقوديموس الاثوسي :"عجيبة جنب السيد الطاهر مزدوجة فالامر لا يتعلق فقط بكونه اخرج دما وماء بل وايضا لان الدم والماء خرجا مملوءين حرارة وحياة لان ذلك الجنب حيا ومحييا بسبب الاتحاد الاقنومي بالالوهة المحيية.
وعندما يتم الكاهن اتحاد الجسد والدم المقدسين يقول :"اتحاد الروح القدس" .يقول القديس نيقولاوس كاباسيلاس :"فهذا الماء الحار كونه ماء ويحوي نار (لانه يغلي) انما يظهر الروح القدس فهو يدعى ماء وقد ظهر كنار منحدر على تلاميذ المسيح. والكاهن عندما يمسك بيديه الكأس المقدسة فهو يمسك "نبع الروح" ونحن نقترب بفمنا من صدر الكنيسة لنرضع من الكأس الروحية فيمتلئ عند ذاك فمنا نارا روحية" .