القسم الثالث من القداس الالهي
( قسم المؤمنين )
(8)
الصلاة الربَانية
الاستعداد للمناولة اذ يكون بذكر الكاهن الطلبة:" بعدَ ذِكرِنا جميعَ القدِّيسينَ أيضاً وأيضاً بسلامٍ إلى الربِّ نطلب .مِن أجلِ هذهِ القرابينِ الكريمة، المقدَّمةِ والمقدَّسَة، إلى الربِّ نطلب .حتَّى إنَّ إلهَنا المحبَّ البشر، الذي قَبِلَها على مذبحِهِ المقدَّسِ السماويِّ العقلي، رائحةَ طيبٍ زكيٍّ روحي، يُرسِلُ لنا عوضاً مِنها النِّعمةَ الإلهيَّةَ وموهِبةَ الرُّوحِ القدُس، نطلب .بعدَ التماسِنا الاتحادَ في الإيمانِ وشَرِكةَ الرُّوحِ القدُس، فلنودِعْ ذواتِنا وبعضُنا بعضاً وكلَّ حياتِنا المسيحَ الإله ".
اذا في بداية استعدانا للمناولة يذكر الكاهن القديسين الذين جاهدوا قبلنا لنتقوى بمثالهم ولنقدم للرب شفاعتهم من اجلنا نحن الخطأة.من اجل القرابين الكريمة المقدمة والمقدسة،هنا لا يطلب الكاهن من اجل القرابين بحد ذاتها لانها تقدست بحلول الروح القدس بل من اجل ان تكون فاعلة فينا لحياتنا وخلاصنا.ثم يطلب الكاهن في هذه الطلبة ان يرسل لنا الله الآب النعم الالهية مع رائحة الزكية الغنية:" رائحةَ طيبٍ زكيٍّ روحي، يُرسِلُ لنا عوضاً مِنها النِّعمةَ الإلهيَّةَ وموهِبةَ الرُّوحِ القدُس، نطلب ".
نحن في كل قداس الهي المسيح هو الطيب المقدس الذي يعطر العالم بروائح الهية.فهو يعطر اجتماعنا الشكري اي القداس الالهي.يقول القديس يوحنا الذهبي الفم :انه يكفي ان نلفظ اسم يسوع فقط لتعبق للحال رائحة زكية "رائحة يسوع المسيح". اذا القداس الالهي هو سر فيه طيب الحياة نفسه فيجتذب كل جالسين على المائدة الى تلك هذه الرائحة الطيبة لهذا المؤمنون عندما يتناولون المسيح نفسه هؤلاء المؤمنون يذهبون من القداس الالهي وهم حاملات طيبا رائحة المسيح هي رائحة حياة لحياة.
ويتابع الكاهن الطلبة ويقول:" بعدَ التماسِنا الاتحادَ في الإيمانِ ….".الوحدة في الايمان يعطينا ان نتناول خبز الحياة الواحد اي ان كلنا واحد وان نكون لدينا معرفة نفسها من اجل ذلك نصلي ونسأل الله ان يمنحنا وحدة الايمان لان الايمان الواحد يعطينا ان نتناول الخبز الحياة الواحد.الكنيسة جسد واحد جسد المسيح،الكنيسة نفس واحدة قلب واحد فم واحد ايمان واحد.لذلك نحن ننتحد في الكنيسة بايمان واحد.
فالمناولة نحن نتناول من نؤمن انه مساو للآب في الجوهر، نتناوله،كما نؤمن به ،فكيف يجوز لنا ان نتناول المسيح مع اناس يؤمنون به على نحو مغاير او مختلف.لهذا يقول القديس كيرللس الاسكندري لاتعطى المناولة لغير المؤمنين او لغير الارثوذكسيين ولا يجوز ان يتقدم الى المناولة آخرون لذلك الكنيسة ترفض قبول الهراطقة في المناولة المقدسة.ويتابع الكاهن ويقول:" …وشَرِكةَ الرُّوحِ القدُس، فلنودِعْ ذواتِنا وبعضُنا بعضاً وكلَّ حياتِنا المسيحَ الإله".ان تناولنا جسد المسيح وشركتنا معه هي نفسها شركة مع الروح القدس بالقداس الالهي نحن نقبل مواهب الروح القدس.
افشين قبل صلاة الابانا:" أيُّها السيِّدُ المحبُّ البشر، إيَّاكَ نُودعُ حياتَنا كلَّها ورجاءَنا، ونطلبُ ونتضرَّعُ ونسألُ أَنْ تُؤهِّلَنا لأَنْ نتناولَ بضمائرَ نقيَّةٍ أسرارَكَ السماويَّةَ المرهوبة، أسرارَ هذهِ المائدةِ المقدَّسةِ الروحيَّة، لِصَفْحِ الخطايا، وغفرانِ الزلاَّت، وشَرِكةِ الرُّوحِ القدُس، وميراثِ ملكوتِ السماوات، والدَّالةِ لَدَيْك، لا لمحاكَمَةٍ ولا لإدانة ، وأَهِّلنا، أيُّها السيِّد، لأَنْ نجسُرَ بدالَّةٍ وبلا دينونةٍ على أَنْ ندعوَكَ أباً، أيُّها الإلهُ السماوي،ونقول…
الكاهن في هذا الافشين يتوسل الى الله الآب والأب بنفس الوقت ان يؤهلنا الى عمل ننفذه بما تطلبه صلاة الابانا بغير دينونة وبصورة مرضية لدى الله ولا نكون مدانين لاحد حين نتلوها.هذه الصلاة اذا لمن تلوها بالنية بالقصد الذي رتبها الله واوجداها وامرنا بتلاوتها حيث قال لنا صلوا هكذا ابنا الذي …(متى 6:9)،فاذا لم تتلى بقصد وبنفس نية الرب فلا تكون صلاة بل تكون اثما وخطيئة على قائليها لان الذي يتلوها وهو لم يغفر لاخيه الانسان هفواته فيكون بهذا يدعو الشيطان أبا له لا الله . نحن في صلاتنا الابانا نصير اولاد لله.كما اعترفنا واقرينا دستور الايمان وقلنا ان الله هو الخالق والضابط الكل في صلاة الابانا نقر ونؤمن ونتوجه بالصلاة الابانا بان الله هو أبا لنا. يا لهذه الكرامة الكبيرة التي اعطيت للانسان ان يدعو الله أبا.
يصف احد القديسين بان الله أبا(بجنون محبة الله للبشر)هذه النبوة اخذناها بواسطة دم المسيح، هذه الكرامة اعطيت لنا يوم المسيح لذلك نحن نطلب ونسأل الله الآب والأب المحب البشر وبالمونة الابناء للآب وقلوب نقية وطاهرة ان ندعو الله أبا.
صلاة الابانا:
تنقسم الى مقدمة وسبع طلبات وخاتمة.
مقدمة: أبانَا الذي في السماوات..
ندعو الله ابانا بحسب رحمته ومحبته ورأفته علينا سمانا نحن المسيحيين اولاد له فهو مثل أب يحبنا ويساعدنا في كل شيء يعود علينا بالنفع .وندعوه"ابانا الذي في السماوات" لان السماوات بيته وهو محصور فيها بل لانه اعلى من الكل.ولاجل ان تترك بالجسد وتنظر الى ما يتعلق بالنفس التي هي اسمى من الجسد وبهذا تتحرك فينا الرغبة والشوق لان نكون في السماء قربين من الله مثل الملائكة والقديسين.
الطلبة الاولى:"ليتقدس اسمك"
ليكن اسم الله مباركا ومقدسا هنا نعلن ايماننا بقداسة الالهية وانه منزه عن الخطأ والخطيئة ونطلب منه ان نسير في حياتنا مسيرة حسنة يتمجد الله فينا.وفي هذه الطلبة نطلب منه ان يكون اسمه معروفا ومكرما ومقدسا عند جميع الناس.
الطلبة الثانية:" ليأت ملوتك"
اي ملكوت النعمة الذي هو بحسب الرسول بولس عدل وسلام وفرح ومحبة ( رمية 14- 13)وبهذه الطلبة نطلب بها ان يتملك الله في قلوبنا حتى نبتعد عن الخطيئة ونعيش في النعيم السماوي. وايضا نطلب بها ان تمتد شريعة المسيح في كل المسكونة ليصير المسيحيين كلهم طائعين للمسيح.
الطلبة الثالثة:" لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الارض"
بهذه الطلبة نطلب من الله ان يكون كل شيء بالنسبة لحياتنا .كل شيء نعمله يكون مرضيا لله وليس كما نحن نريد ان نعمل لان ارادتنا ضعيفة ومرتبطة بشهواتنا. لذلك نطلب من الله ان يمنحنا ارادة الحسنة والاخلاق الذي يوافق مشيئة الله.لاجل هذا نحن نطلب منه اتمام مشيئته على الارض كما في السماء لان في السماء الملائكة والقديسين حيث يعملون ارادة الله في كل شيئ دائما.
الطلبة الرابعة:"خبزنا الجوهري اعطنا اليوم "
يجب ان نطلب ما لا يزيد عن خبزنا الجوهري اي الغذاء الضروري والثياب والسكن وما زاد على هذه ولا تدعو الحاجة اليه.بل ان نضع رجاءنا على الرب :"لا تهتموا للغد لان الغد يهتم للنفسه.يكفي اليوم شر"(متى6- 34)" لان أباكم السماوي يعلم انكم تحتاجون الى هذه كلها لكن اطلبوا اولا ملكوت الله وبره وهذا كلها تزاد لكم "( متى6: 32- 33 ).والافضل من ذلك هو اننا نطلب الخير الجوهري الذي لحياة النفس وهذا الخبز الجوهري هو كلام الله وجسد المسيح ودمه.
الطلبة الخامسة:"واترك لنا ما علينا كما نترك نحن لمن عليه"
نطلب من الله ان يغفر خطايانا واعدين ومشترطين على انفسنا ان نغفر نحن ايضا لكل من يخطئ الينا ."ان غفرتم للناس زلاتهم يغفر ابوكم السماوي زلاتكم"(متى6: 14- 15).في هذه الطلبة نطلب الابتعاد عن الالم والعدواة والغضب وان يكون هناك سلام ومحبة للجميع.
الطلبة السادسة:"ولا تدخلنا في التجربة"
نطلب من الله ان لا يوقعنا في شيء يجعلنا نرتكب الخطيئة وان يبعد عنا المصائب والمشاكل وايضا نطلب منه ان لا يهملنا ولا يتركنا لنمتحن ويكون رحيم.
الطلبة السابعة:" لكن نجنا من الشرير"
في هذه الطلبة نطلب النجاة من كل شيء خبيث وخطير في العالم وخاصة من الخطيئة والشر ولا يدع الشيطان يخدعنا.
الخاتمة :"لان لك الملك والقدرة والمجد،….".
لذا يوصي ربّنا أتباعه أن يستخدموا "الصلاة الربّيّة" التي هي صلاة بسيطة وعميقة، تحتوي التمجيد لاسم الله والدعاء لملكوت الله الآتي. إنّها صلاةٌ تقرُّ أنّ مشيئة الله هي التي تبدأ كلّ شيء، وأن الإنسان ضائع بدون مشيئة الله. إنّها صلاة التّواضع إذ أنّها لا تسأل شيئاً غير القوت اليومي (الخبز الجوهري). إنّها صلاة وحدة الإنسانيّة في المغفرة، لأنها تسأل الله فقط أن يغفر لنا كما نغفر للآخرين، وفي هذا تصوّر الحقيقة العميقة للحياة الروحيّة، الحياة التي بها يتحد الإنسان بالله فقط عندما يتحد أيضاً بالآخرين، أي الجنس البشري، في المسامحة. حينئذ توجد الصلاة كي تحمي من التجربة التي إذا وقع أحد فيها تنجيه الصلاة منها. إنّها صلاة قصيرة جداً وبسيطة جداً، ولكنها عميقة جداً على الصعيدين الشخصي والكوني.(جورج فلورفسكي)
حني الرؤوس:
وبعد تلاوة صلاة الابانا من قبل المؤمنين والكاهن يحث الشماس المؤمنين على احناء رؤوسهم للرب.بعد ان ذكرهم بكرامتهم ونبلهم داعيا الله اياهم ثم يدعوهم للاعتراف بان الله هو السيد وان يظهروا له علامة طاعتهم بحني الرؤوس وذلك دلالة على تبعيتهم له. وينحنون امامه لا كخليقة امام خالقها وربها بل كتعبير مفتدين له قد اشتراهن بثمن هو دم ابنه الوحيد فهو يملكنا بحق لان الدم الثمين نفسه تسبب في التبني الالهي كما قال القديس نيقولاوس كاباسيلاس.
اثناء حني المؤمنون رؤوسهم يرفع الكاهن الشكر لله :" نشكُرُكَ أيُّها الملِكُ غيرُ المنظور، يا مَنْ بقُدرتِهِ التي لا تقدَّرُ أَبدَعَ الأشياءَ كلَّها، وبِرحمتِهِ الكثيرةِ أخرجَها مِن العَدَمِ إلى الوجود. أنتَ أيُّها السيِّد، اطَّلعْ مِن السَّماءِ على الذينَ حَنَوا لكَ رؤوسَهم، لأنَّهم ما حَنَوْها لِلَحمٍ ودم، بَلْ لكَ أيُّها الإلهُ المَهيبُ. فأنتَ إذاً أيُّها السيِّد، سهِّلْ أنْ تكونَ هذهِ القُدُساتُ لخيرِنا جميعاً، حَسَبَ حاجةِ كلٍّ مِنّا. رافقِ المسافرين، واشفِ المرضى، يا طبيبَ نفوسِنا وأجسادِنا بنعمةِ ورَأَفَاتِ ابنِكَ الوحيدِ ومحبَّتِهِ للبشر، الذي أنتَ مبارَكٌ معَهُ ومعَ روحِكَ الكليِّ قُدْسُهُ الصالحِ والمحيِي، الآنَ وكلَّ أوانٍ وإلى دهرِ الدَّاهرين"،عن كل ما صنع ومرة اخرى يسأل من اجل ما هو ضروري لكل واحد منا .مذكرا ايانا باسم ابنه الوحيد وذلك ليؤكد ان صلواته ستنال ما وعد به يسوع:ان ما تطلبه من الآب باسمي ستنالونه"(يوحنا 16- 23).
اذا كلنا نتناول خبز الحياة نفسه وكل واحد يتقبل ذاك المسيح الذي يحتاجه في حياته الشخصية فالذين في الشدائد،والخطأة،المساكين،المرضى،الحزانى،المسافرون،اذ يصبح المسيح في مسار حياتنامن خلال تناول القرابين المقدسة.