باسم الآب والابن والروح القدس . امين
عشق الصليب.. دينامو وديناميت
ايها الاحباء: نعيَد اليوم لتقدمة او تهيئة لعيد رفع الصليب الكريم المحيي غدا 14 أيلول. فلماذا الصليب المقدس مكرم فوق العادة في كنيستنا الارثوذكسية. نسأل ألم يكن الصليب اداة التعذيب التي عذب بها ومات عليها المسيح، فلماذا نؤمن نحن بالصليب ؟ ونتخذوه علامة وشعار لحياتنا.
هل من المعقول ان يكرم الانسان او يخلد انسان الاداة التي قتل عليها اعز عزيز لديه؟.
بل أليس من الغريب ايضا ان الرسول بولس يدعو الصليب قوة الله فكيف يكون الصليب قوة الله ،بينما في الحقيقة هو الاداة التي مات عليها المسيح .
حقا لقد عرف التاريخ الصليب كأداة تعذيب واعدام حيث كان الصليب عند الشعوب القديمة يعني الموت . وان الانسان المصلوب عليه لا بد وانه قد اذنب ذنبا لا يستحق لاجله الحياة ،ولا مفر من اعدامه ، وكان المصلوب قديما ملعونا من الله والبشر. قد ورد في الكتاب المقدس ان الذي يعلق على الصليب هو ملعون من الله (تثنية الاشتراع 21- 23)
لقد واجهت الكنيسة منذ البدء هذه المشكلة. فالقديس بولس في رسالته الاولى الى اهل كورنثوس يقول:" فان كلمة الصليب عند الهالكين جهالة واما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله 1-32) .
اما بالنسبة الى الانجيلي يوحنا فالصليب لم يعد عنده مجرد ألم ومذلة بل اصبح رمزا لمجد الله.
المسيح يصف صعوده على الصليب بانه ارتفاع ومجد وانتصار على الخطيئة والموت ، وبالصليب يرفع البشرية الى ابيه " واما يسوع فاجابهما قائلا قد اتت الساعة ليتمجد ابن الانسان . الحق الحق اقول لكم ان لم تقع حبة الحنطة في الارض وتمت فهي تبقى وحدها ولكن ان ماتت تأتي بثمر كثير وانا وان ارتفعت عن الارض اجذب الي الجميع . قال هذا مشيرا الى اية ميتة كان مزمعا ان يموت (12:24- 33) .
لذلك فكنيستنا الارثوذكسية نهتم بالصليب اهتماما عظيما ، فالصليب هو موضع الحب الالهي للبشرية جمعاء، لانه الله اظهر ذروة محبته للناس فبذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية ( يوحنا 3- 16) .
المسيح مات لاجل خطايانا حتى ان الرسول بولس في بشارته لم يريد ان يعرف شيئا الا يسوع المسيح واياه مصلوبا (1كو 2- 2).
ان اكرام الكنيسة للصليب ليس فقط لان " جسد المسيح قدس خشبة الصليب" حسب تعبير القديس يوحنا الدمشقي ، بل لانه بموت المسيح على الصليب بدأت عملية الخلاص والقيامة واصبح الصليب رمزا للخلاص. وقد عبرت الكنيسة عن اهمية الصليب في حياتها وحياة كل المؤمنين. فالصليب اصبح نبع الحياة الابدية ومجد الشهداء
في صلاة الغروب لعيد ارتفاع الصليب نقرأ :"افرح ايها الصليب الحامل الحياة باب الفردوس وثبات المؤمنين وسور للكنيسة.
اذا فما الذي كان يقصده بولس الرسول بقوله: "فَإِنَّ كَلِمَةَ الصَّلِيبِ عِنْدَ الْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ الْمُخَلَّصِينَ فَهِيَ قُوَّةُ اللهِ"؛ هل كان يقصد الصليب الخشب؟ أم كـان يقصد المسيح المصلوب؟ وما هو القصـد بقوله: أن كلمة الصليب .. قوة الله؟!
من الواضح والطبيعي أن الرسول بولس لم يكن يقصد خشبة الصليب، لكنه قصده الأساسي بقوله كلمة الصليب: "شخص المصلوب ذاته"، "رسالة الصليب"، إنه شخص المسيح المصلوب الذي عُلق على خشبة، وآمن به تلاميذه، ونادوا بأنه هو المسيح المنتظر، الذي جاء ليخلص البشرية من خطيئتها ويفتح طريقاً للخاطئ ليعود لله، كانت هذه الرسالة هي العثرة أمام أفكار اليهود، وأذهان وعلم وحكمة اليونانيين.
كما أن كلمة "قوة" تأتي في اللغة اليونانية من الأصل "ديناموس " والتي تأتي منها كلمة "دينامو Dynamo" ومن المعروف أن الدينامو هو مولد الطاقة، والصليب بهذا المعنى هو مصدر ومولد الطاقة لحياتنا المسيحية.كذلك كلمـة "ديناموس " اليونانيـة والتي تُترجم قــوة، تأتي منها الكلمـة Dynamite ديناميت"؛ وجميعنا يعرف ما للديناميت من قوة، وهنا يستخدم الرسول بولس لكلمة قوة الله، ذات الكلمة اليونانية "ديناموس "، فيقول: "فَإِنَّ كَلِمَةَ الصَّلِيبِ عِنْدَ الْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ الْمُخَلَّصِينَ فَهِيَ قُوَّةُ اللهِ"، فالصليب قوة للتفجير والخلاص من الخطيئة وأثارها وفي ذات الوقت مولد للطاقة وحافز للاستمرار والنمو في الحياة المسيحية.
لذلك يا احبائي اذا تأملنا الصليب اليوم فحنن نتأمله كقوة محولة ومغيرة ،حولت الموت الى حياة " وطئ الموت بالموت" حول اللعنة الى بركة ابدية ، قوة الصليب حولت العدواة الى محبة والظلام الى نور.
فكل نور يرى بالعين ايها الاحباء يمكن ان ينطفئ اما نور الله اذا اشرق في القلوب فلا قوة في العالم يمكن تطفئه.
فان كان الصليب من الخارج هوانا ولعنة فهو من الداخل مجد وبركة وهذا هو ما يعبر عنه في حياتنا التي نحياها في المسيح والتي يطالبنا بها الانجيل كل يوم من لا يحمل صليبه ويأتي ورائي فلا يقدر ان يكون لي تلميذا (لوقا 14- 27)
فالصليب الذي نحمله كل يوم على اكتافنا كنير ثقيل هو في حقيقته هو الذي يحملنا ونحن ثقلاء عليه.
لذلك نحن ننظر الى الصليب اليوم كممارسة وحياة وعيش ، ونقول ان كل من لم يعش صليب المسيح فهو لم ينتقل او يتحرك داخليا ليذوق معنى العبور من حياة حسب الجسد لحياة حسب الروح.
الصليب هو طريق او الة لفصح التي تحمل الانسان من الموت الى الحياة، من لا يختبر الصليب فهو لا يعرف كيف تتحول العدواة الى محبة والحزن الى فرح وايضا فهو لم يذق بعد حلاوة المسيح ولا استمتع بعمق المسيحية.
اما من ارتضى واختبر صليب المسيح كنير يعيشه كل يوم ،هذا يعرف كيف تتحول الظلمة الى نور والحزن الى فرح والعدواة الى حب والضيق الى مسرة وسلام .
فحينما يقول المسيح احبوا اعداءكم يقولها على اساس انك تحمل صليبه وتتقبل في نفسك موت الصليب بالارادة .
اسمحوا لي ان اسألكم لماذا اصبحت المحبة ضعيفة في اوساطنا او لماذا صارت الكنيسة غير قادرة على جمع المتفرقين الى واحد وغير قادرة ان تظهر كقوة وكحياة ابدية باعتبارها ملكوت الله على الارض.
الجواب هو: عدم قدرة المسيحيين على حمل الصليب، ليس الصليب المرصع بل صليب الهوان والذل والتواضع والانسحاق وانكار الذات ومحبة الاعداء.
ان ضعف ابناء الكنيسة والكنيسة نابع عن غياب القناعة بحمل صليب المسيح ليس في اليد ،ولكن في القلب باستعداد الموت ، لذلك اكبر خطيئة ستحطم العالم هي ان ينزع من الكنيسة استعدادها لحمل الصليب كل يوم.
لان الصليب دخل لكي يحرر الانسان من الخطيئة . فاذا انتزع الصليب فترعرعت الخطيئة وتقضي علينا.لذلك لا ينزع الصليب من قلب الانسان الا العدواة او غياب المحبة او عجرفة الانسان .
يا احبائي اذا كنتم اليوم مستعدون ان تعيَدوا عيد حقيقيا للصليب فعليكم ان تجددوا عهد المحبة بالصليب ، اي باستعداد الموت لاجل بعضكم البعض لا من اجل احباءكم فقط بل من اجل اعداءكم والعالم كله.
فاذا كنتم تريدون ان تعيدوا للصليب ليس غدا فقط بل كل ايام حياتكم يرضي قلب المسيح المطعون ، فعليكم ان تتخذوا يوم 14 ايلول يوم الحب والعشق وتؤسسوا عهد الحب على اساس البذل والتضحية لتحيا نفوسكم والعالم حولكم ، ويكون هذا عيد للحب الذي لا يموت.
هذا هو ما نحتاجه وتحتاجه الكنيسة والعالم كله اليوم . ان نعشق وان نحب الصليب وان نكون على استعداد ان نموت كل يوم على صليب ربنا يسوع المسيح . الذي اخذ في نفسه قوة ان يغلب الشر بالخيرو يقتل العدواة بالحب ، هذا هو الذي انتقل من الموت الى الحياة واستطاع بالتالي ان يحول الموت في الاخرين الى حياة .
اخيرا : يقول القديس يوحنا الذهبي الفم :" ارايتم كم هي الخيرات التي قدمها الصليب لنا؟ اذن يحق لنا ان نقيم عيدا له ولهذا اوصانا الرسول بولس ان نعيَد قائلا : "فلنعيد لا بالخمير العتيق.. بل بفطير الاخلاص والحق "(ا كو 5- 8). وايضا اوضح بولس الرسول لنا السبب بان نحتفل بالصليب اذ قال : "ان فصحنا المسيح قد ذبح لاجلنا "(اكو 5-7).
ارايتم كيف يكون الصليب عيدا للمسيح وعرفتم كيف يجب ان تعيدوا للصليب ؟ لقد ذبح المسيح على الصليب ، وحيت تكون الذبيحة هناك التحرر من الخطايا ، هناك مصالحة ، هناك حب وعشق ،هناك عيد وفرح
اذا كلنا يعوزنا اليوم ان نعيَد لصليب المسيح بالروح وحقا امين .