( قسم المؤمنين )
(5)
الانافورا المقدسة
( تقدمة القرابين)
تبدأ الانافورا من هذا القسم من القداس الالهي.ما معنى الانافورا؟تتالف الانافورا الكلمة اليونانية من (ανω) اي الى فوق والفعل φερω)) اي حمل وهي تعني تقدمة،القربان. الافخارستيا او القداس الالهي هو كله تقدمة تسبيح وشكر ونسمي هذا القسم من القداس الالهي الانافوراي تقديم القرابين،فيه تتم ذبيحة الصليب الخلاصية غير الدموية.
اذ يتحول الخبز والخمر الى جسد ودم المسيح وفيه ايضا وبفضل هذا التحويل ومعه يدعى المؤمنين الى ان يتحولوا الى جسد المسيح. ان هذه المرحلة قمة الوعي وذروة الحب.
هذا الحب العظيم يعيد اللحمة ما بين الانسان وربه فيقر بسيادته ويعيد اليه كل شيء بالمسيح :"مالك نقدمه لك عن كل شيء ومن اجل كل شيء". لذلك لا ينبغي ان نشترك على الاطلاق في القداس الالهي باستعداد وعزم فاترين بعد ان ابعدنا كل الافكار الارضية عن ذهننا ونقلنا ذواتنا الى السماء كما لو كنا واقفون امام عرش مجد الله نفسه محاطين مع الملائكة والسرافيم والشاروبيم ونقدم التسبيح والشكر الى اله المجد لهذا السبب يدعونا الشماس او الكاهن ان نقف بانتباه في هذه اللحظة .. اي نقف بخوف ورعدة بنفس صاحية لاننا نقدم القرابين المكرمة ليس فوق المائدة الارضية ونرفعها بل الى المائدة الفائقة على السماوات لذلك يدعونا الكاهن ان نرتفع جميعا الى مكان السلام .
طلبة الانافورا :
بعد تلاوة دستور الايمان، يوجه الكاهن او الشماس الدعوة للمؤمنين الى الوقوف برهبة و"خوف" اذ يقول :" لِنَقِفْ حسناً. لِنَقِفْ بخوف. لِنُصْغِ. لِنُقَدِّمَ بسلامٍ القربانَ المقدَّس".هذا هو بدء الكلام الجوهري المسمى بالغة اللاهوتية القانون الشكري بالسبة الى سر الشكر(كلام الجوهري لا تعني ان ما سبق ثانوي ولكن ان هذه المرحلة هي الاهم لان فيها الاستحالة حيث الخبز يصير جسد يسوع المسيح والخمر دم المسيح).
الاستعداد للذبيحة:
ان خدمة(الليتورجيا- القداس الالهي) الانافورا يمكن ان نقول انها تبدأ بتسبيح المؤمنين:
" رحمة سلام ،ذبيحة التسبيح"، هذه التسبحة هي استجابة لطلب الكاهن ان نقف بخوف وبخشية نقدم ذبيحة الشكر والحمد الدائم لله.هذه هي ذبيحة السلام والرحمة ،نحن نقدم "رحمة" و "محبة" وهذه المحبة هي ثمر السلام.
انه من الافضل ان نقدم محبتنا لله ومحبتنا للاخرين بدل ان تقديم ذبيحة خلوا من المحبة "اريد رحمة لا ذبيحة" لا يعقل ان نقدم ذبيحة تمجيد وشكر قبل ان نقدم ذبيحة محبتنا .
يقول القديس باسيليوس الكبير:"فالغاية الوحيدة من تقديم الذبائح هي الرحمة والمحبة" هذه هي الذبيحة التي يرغب فيها الرب لان هذه الذبيحة هي الطريق المؤدية بالانسان الى الخلاص.
"نِعمةُ ربِّنا يسوعَ المسيح، ومحبَّةُ اللهِ الآب، وشِرْكةُ الرُّوحِ القدُسِ لِتَكُنْ معَ جميعِكُم ":
نحن نحتاج الى النعمة الالهية لكي نقدر ان نحب بعضنا بعضا لذلك يطلب الكاهن هذه النعمة قائلا:" "نِعمةُ ربِّنا يسوعَ المسيح، ومحبَّةُ اللهِ الآب، وشِرْكةُ الرُّوحِ القدُسِ لِتَكُنْ معَ جميعِكُم ".
ان تخصيص الله الآب بالمحبة ،يقول يوحنا الانجيلي،بهذا اظهرت محبة الله لان الله ارسل ابنه الوحيد الى العالم لكي نحيا به فالمحبة في هذا هي اننا ليس نحن احببنا الله. بل هو احبنا وارسل ابنه غفرانا لخطايانا (1يوحنا :4)ان تخصيص الابن بالنعمة،يقول الرسول بولس الالهي :"ان الموهبة بالنعمة التي بالانسان الواحد يسوع المسيح قد تزايدت لكثيرين"(رومية: 5) وايضا تخصيص الشركة للروح القدس لانه مساهم اي اعطى ذاته للرسل القديسين وهو الذي ندعوه في كل يوم ليشاركنا ويمنحنا ما يوافقنا.
ان النعمة والمحبة والشركة هي ليست اقانيم الهية بل صفات طبيعة او خواص الجوهرية في الثالوث. فكما ان الآب رب كذلك الابن والروح القدس،وكما ان الآب غير مائت كذلك الابن والروح القدس،كما ان الآب ضابط الكل كذلك الابن والروح القدس. كما ان الآب محبة هكذا الابن والروح القدس.والنعمة التي في الآب هي ايضا في الابن والروح القدس وكما ان الرب واحد وليس ثلاثة،انه واحد لا يموت وليس ثلاثة الهة.هكذا محبة الآب والابن والروح القدس هي واحدة وشركتهم واحدة وموهبتهم واحدة.
مع روحك:
" لنضع قلوبنا فوق ":
هنا يوجه الكاهن الدعوة للمؤمنين ليرفعوا قلوبهم الى العلى.لاننا في لحظات رهيبة فيها نخدم الله بخشوع وتقوى.يقول القديس كيرللس الاورشليمي:" يليق بنا في هذه اللحظة الرهيبة القدسية ان نرفع قلوبنا الى العلاء ولا نعود نتطلع الى الارض والارضيات.اذ يدعونا الكاهن الى ترك كل اهتمامات الحياة وارتبطات الزمن في هذه اللحظة بغير ريب حتى تتجه قلوبنا الى السماء نحو الله صديق البشرية".ايضا يقول القديس جرمانوس:"ان الكاهن يصعد الجميع الى اورشليم العلوية التي كانت ارجلنا واقفة بها قبل السقوط: وقفت ارجلنا في ديارك يا اورشليم". ويتابع علينا ان نرفع حواسنا من الارضيات الى الملك العلوي ونعمل حسب مشيئته.
اذا ارتفعت الكنيسة الى السماء ،وصارت في حضرة الله.هنا تتكشف حقيقة محبة الله الآب الذي ارسل ابنه الوحيد من اجل خلاصنا. وايضا نعمة الابن المجانية الذي فدانا بدمه وغفر خطايانا حسب غنى نعمته.وايضا شركة الروح القدس اذ به ولدنا لله ابناء متحدين مع ربنا ومع بعضنا البعض في المسيح يسوع وهكذا صار لنا جميعا شركة الروح القدس الذي ينعم علينا بمواهب متنوعة.
"هي لنا عند الرب":
عندما يجيب المؤمنين:"هي لنا عند الرب" يؤكدون انهم لبوا دعوة الكاهن فتخلوا عن الافكار الارضية وارتفعوا بقلوبهم الى الله،الى السماء حيث يوجد كنزهم يسوع المسيح اما وقد ارتفع قلبنا فلم يبق لنا الا ان نقدم الشكر للرب.فيقول الكاهن :"فلنشكرن الرب"( افخارستومين) .اذا قلوب المؤمنين تخبر الكاهن ان قلوبها فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله.
"فلنشكرن الرب":
"حقا وواجب":
يجيب المؤمنون على دعوة الكاهن لشكر الرب ولرفع قلوبنا الى السماء بحق وواجب.اذ صرنا جنبا الى جنب مع الطغمات الملائكية التسعة نشاركهم التسبيح.وكأننا صرنا الطغمة العاشرة فاخذنا مكان الذي كان للشيطان قبلما ان يسقط.اذا صار للمؤمنين الحق بالتسبيح السيرافيمي والشاروبيمي فيترنمون قائلين قدوس.قدوس.قدوس رب الصباؤوت…
" اننا نحن البشر لا يمكننا ان نجد ما نمدح به ابن الله افضل من ان ندعوه "قدوسا" كما تخبرنا الكنسية المقدسة اذ الملائكة يسبحونه ويمجدونه هكذا " " وكما اننا نرفع عقولنا الى السماء ونشارك الملائكة تسبيحهم ونشترك في الخبر الواحد لذلك نكون جميع جسدا واحدا وبنيانا واحد مقدس لله"(القديس امبرسيوس).
"كأن الانسان قد اخذ الى السماء عينها.يقف بجوار عرش المجد يطير مع السرافيم ويترنم بالتسبحة المقدسة"(القديس يوحنا الذهبي الفم)."اننا نترنم بهذه التسبحة علامة مصالحتنا مع الملائكة واتحادنا معهم "( القديس غريغوريوس النيصصي).