شرح وتفسير صلاة السحرية
صلاة السحر تدعى بالصلاة الباكرية او السحرية وهي تقابل باليونانية الفجر وتسمى ايضا التسبحة في الكنيسة الكاثوليكية لدلالة على خدمة الصباح لان احد اقسامها المهمة تشكل من مزامير التسابيح مزمور 148 .تقام هذه الخدمة حاليا في بعض الاديرة في القسم الاخير من الليل اي في الصباح الباكر قبل ثلاث ساعات من بزوغ الشمس وهذا ما توضحه لنا الافاشين التي يقرأها الكاهن . اما المجدلية الكبرى في نهاية الخدمة فهي تطابق اشعاعات الشمس ونور الصباح .
في الوقت الحاضر حفظت حسب هذا الترتيب في الكنائس الرعوية الصلاة السحرية الفصحية والميلاد في بعض الاحيان والغطاس وكذلك في يوم الميلاد اذ تقام بعد منتصف الليل في الاديرة والكاتدرائيات وحتى في بعض الكنائس الرعوية.
تقام هذه الخدمة حسب التقليد القديم في برامون الاحاد والاعياد السيدية والممتازة المصوبة بسهرانية فتقام متصلة بالغروب والليتين ومنتصف الليل في ايام الاربعاء والجمعة من الاسبوع الخامس من الصوم الكبير وفي جميع ايام اسبوع الآلام تقام قبل بزوغ الفجر بمفردها في الاديرة.
تاريخ وتفسير صلاة السحر
صلاة السحر تحمل اساسا لصلاة الصباح في العبادة اليهودية وتسمى שםמ (خروج29:38- 42)(عدد28)(اخبار1:16- 40)(اخبار213:11).
المخلص مارس هذا النوع من الصلاة (مرقس 1:35)(لوقا 6: 12) .في الدورة العبادية في الكنيسة الاولى كانت صلاة السحر ضمن الخدمة الليلية وكانت صلاة السحر تشكل الجزء الاخير منها .
نجد هذه الخدمة مذكور في رسالة بلينوس الشاب في القرن الثاني وفي مؤلفات ترتليانوس الذي يعطينا اول مختصر لصلاة الصباح وتفسير لها في كتابه حول الصلاة (فصل 23،25) وكذلك نلتقي بها في مؤلف المربي لكلمنضس الاسكندري ومولف اوريجنوس حول الصلاة وتقليد الرسل لهيبوليتس ويذكر باسيليوس الكبير في قوانينه الرهبانية الكبيرة ونلتقي بها في قوانين ليهيبوليتس اسقف روما ولكن بشكل كامل ودقيق نجد وصفا لهذه الخدمة في مؤلف الموسسات الرسولية .
في نفس الفترة (385 )الحاجة سيلفيا تصف بوجه التقريب الخدمة الالهية التي تقام في اورشليم في القسم الثاني لليل وهذه الخدمة تتكون من قسمين حسب وصفها.
الاول يتكون من مزامير وتراتيل وانديفونات وصلوات تقام بعد منتصف الليل اي قبل صياح الديك . يشترك في هذه الخدمة الرهبان ، العذارى ،المؤمنون، الغيوريون،كهنة ، شمامسة.
الثاني الذي يشترك فيه يوم الاحد الاسقف يبدأ بترتيل الترانيم الصباحية بنفسه ويقرأ النص الانجيلي ليوم الاحد الذي يتحدث فيه حول قيامة الرب وتستمر الصلوات حتى بدء النهار.
في تلك الفترة منتصف القرن الرابع كان هناك نوعان من الخدم المختلفة الصلاة الاساسية للسهرانية التي كانت تقام في اول النهار والتسابيح الصباحية التي حسب وصف ايثيريا ويوحنا كاسيان كانت ترتل كاستمرارية الخدمة الليلية.
في الشرق هاتان الخدمتان اتحدتا وشكلتا صلاة السحر وفي الغرب بقيتا خدمتين منفصليتين كما هو الحال في الطقس اللاتيني .
اقامة صلاة السحر ليلا حفظت في الاديرة فقط تحت شكل السهرانية في برامون الاحاد والاعياد في عصر القديس يوحنا كاسيان يذكر عند وجود مثل هذه الخدمة في الحياة الليتورجية لكن ايضا في منتصف الاول من القرن السادس القديس بندكتس المتوفي 530 الذي يصف في قوانينه الرهبانية الغربية ترتيب سحر الاحاد والايام الاعتيادية في اديرة الغرب.
في الترتيبات التي ذكرت حتى الان نلتقي بالعناصر التي تشكل الجزء الاساسي المشترك لصلاة السحر لجميع الطقوس الليتورجية المسيحية المزمور 62 من المزامير المورثة عن العبادة اليهودية ومزمور 50 وبعض التراتيل والمجموعات المختلفة من المزامير مرتلة او مقرؤة والصلاة الربانية كل هذه ظهرت ابتداء منذ القرن الخامس والسادس وبعد ظهور الادب المسيحي وخاصة الشعري منه هذه الخدمة شملت الكثير من هذه الاعمال الادبية ليس فقط في الطقس البيزنطي بل في جميع الطقوس الليتورجية الشرقية .
هدف صلاة السحر ورمزيتها
صلاة السحر هي صلاة الكنيسة التي من خلالها توجه افكارها بعد النهوض من النوم الى الله مقدمة له الشكر لاجل الراحة والسلام والطمأنية التي مرت بها في الليلة المنصرمة سائلة اياه مساعدته عيش بحياة مسيحية في اليوم الذي سيبدأ في ذبيحة شكر لذاك الذي يجلب النور والذي يبدد ظلام الجهل والخطيئة كما يقول مؤلف المؤسسات الرسولية " صلاة الصباح تجعل من اولى الحركات النفس والفكر ان تسجد لله لكي لا تعود تهتم باي نوع من الاعمال قبل ان تسمو بالفكر الى الله حسب ما هو مكتوب في "الغداة استمع صوتي بالغداة اوجه صوتي نحوك وانتظرمزمور 5: 3" .
من حيث علاقتها بتاريخ الخلاص فهي تذكرنا بآلام المخلص التي بدأت في منتصف الليل وحتى الصباح وهي مرحلة احضاره من عند حنان الى قيافا وتذكرنا كذلك بالحدثين الهامين من حياة المخلص اللذين حدثا في الجزء الاخير من الليل نحو النهار على حد تعبير القديس كبريانوس في مؤلفه حول الصلاة الربانية (فصل 35) وحسب سمعان التسلونيكي حول الصلوات المقدسة (301).
صلاة السحر بشكل عام تشكل وترمز الى بدء شعاعات المسيحية وظهور نور الاعلان الالهي التي تلت ليل الظلمة والخطيئة وعدم المعرفة لهذا السبب فالخدمة تشكل مزيجا من مظاهر العهد القديم والعهد الجديد ممثلة بذلك مرحلة الانتقال من العهد القديم عهد الخطيئة الى العهد الجديد عهد الخلاص وبشكل موجز تذكرنا بان الخروج بالانجيل من الهيكل الى صحن الكنيسة في هذه الخدمة يرمز الى مجيء مسيا المخلص الى العالم ولكن يبقى المظهر الذي يعود الى العهد القديم الطابع الغالب علة صفة هذه الخدمة .
القسم الاول للسحرية حتى الاعلان المجد للثالوث القدوس ،يحتوي على صلوات من اجل تشديد وتأييد السلطات المدنية العليا التي هي واجب على كل مسيحي حسب توصيف بولس الرسول والسيد (1 تيموثاوس 2" 1- 2)هذه الصلوات او الافاشين تذكرنا بعض الاباطرة وعصر الاستبداد وانعدام المحبة والشقاء والبؤس مزمور 19 ومزمور 20 وكذلك الطروباريات الثلاث وهي الطروباريات الملوكية تحتوي على نفس المظهر .
الطلبة في نهاية هذا القسم تحمل في طياتها المظهر الصلاتي من اجل سلامة الحكام المدنيين . هذا القسم المدخلي يشكل خدمة منفصلة عن خدمة السحر الاصلية( في القديم) اذ كانت تقام ما بين صلاة نصف الليل وصلاة السحر وفقط في الاديرة والكاتدرائيات التي كانت تخضع للملوك والامراء لانها كانت تحمل الصفة الصلاتية من اجل الحكام ولكن مع مرور الوقت دخلت في الحياة الديرية عامة ومنها الى الكنائس الرعوية فلصبح هذا القسم مرحلة مدخلية لخدمة صلاة السحر.
القسم الثاني يبدأ من الاعلان " المجد للثالوث القدوس.." وحتى الكاطافسيات وفيه تغلب القراءات والفصول الكتابية وبشكل عام يشكل هذا القسم عصر وفترة العهد القديم.
الاعلان المجد للثالوث القدوس في الواقع اعلان بركة في بداية صلاة السحر في اصلها القديم ،يحمل في ذاته صفة وميزة ثالوثية بشكل واضح وهذا ما يكون من خلال مقارتنا لبدء صلاة الغروب والنوم ونصف الليل فيما يتعلق بالاعلان الالهي وكذلك ما توضحه قراءة المزامير التي تبدأ بترنيمة الملائكة المجد لله في العلاء.
القراءات في هذا القسم " المزامير الستة" تعبر عن مشاعر الانسان المختلفة المتعلق بحياته النفسية وبخلاص نفسه ،هذه المزامير رتبت في هذه الخدمة لانها تتحدث عن نهضونا من النوم بعض هذه المزامير وردت في الكتاب الثاني والثامن من المؤسسات الرسولية.
الافاشين 12 التي يتلوها الكاهن تحمل معان عديدة في بداية الامر لم تكن مرتبة كما هي الان . اذ في بعض المخطوطات كان عددها بين 13 و14 افشين وفي البعض الاخر 3 ،9 او اا .
لم تكن مرتبة كما هي اليوم لانها كانت تقرأ في الوقت الذي كان فيه الشماس يقرأ الطلبات مع مرور الزمن تم تثبيت عددها الى 12 على حسب عدد ساعات الليل المنصرم او على حسب عدد ساعات النهار الذي سيأتي وهذا التريب يعود الى القرن التاسع ،الا ان نهاية كل افشين الاعلان بقي موزعا كما هو عليه اليوم .
مضمون هذه الافاشين يحتوي على شكرنا لله لعبورنا الليل واستقبالنا النهار الجديد. ومضمون الافاشين الستة الاخيرة يتحدث عن الظلام الذي كان قد خيم على قلب الانسان بسبب الخطيئة وطرده من الفردوس ولهذا لدى قراءتها يخرج الكاهن من الهيكل ويرددها امام الابواب الملوكية حيث يكون الحجاب مغلقا.
الطلبة الكبرى، تمثل الصلاة الجماعية للمؤمنين وهي ترمز الى العبور والانتقال من القراءات المزمورية الى التراتيل التي تليها،واقفون نحو شروق الشمس، شروق عهد جديد للاقرار بخلاص الرب الذي يقترب.
الله الرب ظهر لنا ، والمرتلة 4 مرات من المزمور 118 تمثل صوت ابواق بشرى مجيء المخلص في اركان العالم الاربعة وفي لحظة ترتيل هدة الترتلية تضاء الكنيسة بالانوار التي تكون بدونها قراءة المزامير.
الله الرب ظهر لنا واستيخوناتها كانت ترتل بشكل كامل في هذه الفترة من خدمة السحر لكن مع الوقت بدأت تستبدل بالترانيم الجديدة فبقيت الاستيخونات بشكل منفرد وترمز الى اقتراب مجيء الرب.
الطروباريات مع استخوناتها هي من وحي مسيحي لكونها من اولى ثمار الشعر الترنيمي المسيحي.خدمة السحر تحتوي على اكثر عدد ممكن من القطع الشعرية الترنيمية المسيحية والتي تحمل عدة تسميات من طروباريات وقنادبق واستخيونات ابوستخونات كلها من ثمار الادي الترنيمي في الكنيسة.
التسابيح الثالوثية ، التي ترتتل بدل الله الرب ظهر لنا في فترة الصوم الكبير تمثل اشتراك الكنيسة بترانيم الملائكة.ابتداء من قراءة الكاثماطات تبدأ مرحلة جديدة من القسم الاول من خدمة صلاة السحر وتمتد حتى قراءة القوانين .
الكاثسماطات، هي قطع مزامير وهي مشتقة من الكلمة اليونانية κασησμα اي جلوس من الفعل يجلس لانه في وقت قراءتها يسمح بالجلوس في الكنيسة وكل كاثسما مقسمة الى ثلاثة مراحل لتكريم الثالوث القدوس، في اثناء قراءتها يكون حجاب الهيكل مغلقا رامزا الى زمن التوبة قبل مجيء المخلص ويمكن الجلوس ايضا في وقت ترتيل استخيونات الكاثسماطات ولهذا تسمى قطع الجلوسيات . استخدام هذه القطع في العبادة تم خلال القرن الثامن والتاسع.
الايباكويي ، (طاعة) معناها اسمع واصغ او جاوب، صدى الصوت.وهي تسبق الانتيفونات في سحر الاحاد وه بعد الترنيمة الثالثة للقانون. في بداية الامر كانت الايباكويي تعني الترديد الذي كان يتم بين ايات المزامير التي كانت ترتل بشكل مزموري .في الوقت الحاضر رتبت حسب الالحان الثمانية وجميعها تتحدث بطريقة بهجة عن قيامة الرب ولهذا السبب كان يجب ان تسمع بكل اصغاء وبدون جلوس .