تحية الى روح سيادة المطران الياس قربان
الموسيقى البيزنطية…عطية الهية
الموسيقى البيزنطية من اقوى الموسيقات تعبير واغناها واقدرها على تجسيد عواطف الانسان المتنوعة والدليل على ذلك الحانها الثمانية وسلالمها الموسيقية المتنوعة وطريقة تكوين أنغامها بادخال لحن في درج النشيد يختلف عن اللحن الاصلي مجاراة " للشعور ومعاني التكلم". فهي تحمل في طياتها أثر آبائنا القديسين الذين اشتهروا بعملهم في مجالات هذا الفن المقدس كرومانس الحمصي ويوحنا الدمشقي.
الموسيقى البيزنطية هي صلاة ولا تستعمل الآلات الموسيقية لان الكلام البشري بصيغته الطبيعية يدل على صدق العاطفة وصراحة الشعور. لان الصوت البشري أجدر بتمجيد الخالق لانه يعبر بوضوح ودقة عن عواطف الانسان المختلفة ولا تشتت النفس كصوت الآلات ( مجمع اللاذقية663).
كانت الموسيقى تحيط من كل ناحية بأباء الكنيسة، وكان عليهم الاعتراف لوجودها،لان هناك تأثيرا متبادلا بين الموسيقى والعقيدة في طقوس المسيحية الاولى الى حد تعذر كتابة الموسيقى دون الرجوع الى تاريخ الديانة المسيحية، واقدم موسيقى الكنسية المسيحية هي المزامير، التي ورثتها المسيحية عن الهيكل الاورشليمي، كان عامة الشعب تمارس ترتيل المزامير.
تركزت العبادة المسيحية الاولى على المزامير ولكن هناك نوع اخر من الترتيل البسيط مأخوذ ايضا من الاجزاء الليركية في العهدين القديم والجديد،ويدعى " الكانتيكلا" انها نوع معبر عن التعبد فحسب.وهناك ايضا شكل انتيفوني من الترتيل يدعى " بالغناء التجاوبي" ويمثل مرحلة اكثر تقدما في موسيقى الكنسية.
كانت طقوس العشاء الرباني تعقد في المساء، وترتبط بها " وليمة المحبة" وهي عبارة عن وجبة يشترك فيها الجميع، وتتخللها الصلوات والصلوات والاناشيد التي تعد بمثابة بداية للتراتيل المسيحية.وانفصلت "ولائم المحبة" عن العشاء الرباني منذ القرن الثاني، وان كان العشاء الرباني قد ارتبط بما يدعى يوم انتظار العيد او صلوات العيد وبخاصة عيد الفصح.كان الناس يلتقون للطقوس، ثم ينتظرون حتى مطلع الفجر للاشتراك في الشعائر ثم اصبحت تعقد عادة في الصباح على غرار طقوس المعابد اليهودية وبعدها اصطبغت شعائر الجموع بالصبغة المسيحية. واحتلت صلوات الاعياد لفترة ما مكانة مماثلة في اهميتها للعشاء الرباني.وبعد ذلك بدأت جماعة الرهبان من وضع النظم والشرائع تحدث تأثيرا نفاذا على الحياة الروحية والموسيقية الكنسية. ونمت في ظل الاديرة وخاصة في سوريا ممارسة موسيقية جديدة هو الترتيل الانتيفوني الذي اقتدى بشعائر المعابد اليهودية القديمة. كانت الاشعار ترتل بطريقة "تجاوبية" قبل، وبعد المزامير وغيرها من الاناشيد الطقوسية .ونقل الرهبان ترتيل المزامير الى الكنيسة .
وانتشر نوع اخر من الموسيقى البيزنطية : التهاليل التي تتمثل في الهليلويا وارتبط هذا النوع الهام من الترتيل في الاصل بالمزامير ومورست اولا في بيت لحب في القرن الرابع، فكان المؤمنون ينشدون هذه الرتاتيل كترجيعات للمزامير التي يرتلها المرتلون. ولاقى ترتيل " الهليلويا" استحسانا في الكنيسة المسيحية الاولى.
لذا ان الترتيل العذب المتقن يسبب للمصلي لذة عظيمة لا توصف ويعزي النفس المعذبة والمتعبة بهموم وبالآلام العالم ،يبعد عنها كل شدة وحزن ويمنحها تعزية سريعة ويحثها على الصلاة والتوسل الى الله ويزرع فيها الشوق الى العيش في السماء.
الترتيل المتقن يجعل المؤمن يصلي ويسبح الله ويشكره لاجل عظيم جلاله ولاحساناته ،ويجعله ينتصب رافعا عينيه نحو ساكن السماء قيروض آلام النفس والجسد وينزع الانسان العتيق البالي ويلبس الجديد ويتبع احكامه.
المؤمن المصلي المنتصب بخوف ورهبة امام الله حينما يسمع الاناشيد الالهية الحسنة الانغام والتسابيح الحسنة الايقاع التي تطرب النفس وعندما تصغي اذانه الترنيمات اللذيذة المسبحة عجائب المخلص وقديسيه تارة يتحرك ويتأثر وتارة يبكي ويتنهد بمرارة على خطاياه امام المصلوب على الصليب ومرة يتهلل بالروح محتفلا بالنصر على الخطئية والموت مع الناهض من القبر بعد ثلاثة ايام .
ثم يسمع صوت آدم الساقط المحكوم عليه مولولا تجاه نعيم الفردوس ومنحبا وضاربا وجهه بيديه ومتنفسا الصعداء وهاتفا يا رحيم ارحمني انا الواقع.وتارة ينتصب امام عيني المصلي المتأثر من الترتيل الالهي منظر رهيب جدا وهو الدينونة العادلة ويسمع ذلك الصوت الحاكم العادل الذب يقضي بالعذاب الابدي فيرعب المصلي ويضطرب ويتنفس الصعداء من صميم القلب ويتنهد تنهدا عميقا نادما عن خطاياه وهاتفا ارث لي .
ماذا والحالة هذه كم من النصائح والفوائد تحوي الموسيقى البيزنطية من التراتيل الالهية الملهمة من الله التي تؤثر في الانسان وترفع عقله نحو الله مصورة امامه اباطيل العالم الفاسد وجاعلة اياه متمسكا بالفضيلة والتقوى وخوف الله.
اذا في الترتيل نعزية للنفس حتى ان المؤمن المصلي يقدر ان يقف في الصلوات اياما وليال كاملة ومن فرحه لا يشعر بمدتها بل يشعر بلذة عظيمة ومن كوننا نماثل الملائكة في التسبيح لله يجب علينا ان نطهر قلوبنا وغقولنا وقت تسبيحه لنقدر ان نعاينه عقليا ونجعله ساكنا فيما بيننا. لاننا اذا سمعنا التراتيل الالهية بهدوء وسكينة وبقلب سليم وعقل نقي وضمير جيد وتأن وهدوء الافكار وانتباه ونفس منسحقة غير مهتمين في امر الدنيا وملذاتها يستجيب الله صلواتنا وادعيتنا وابتهالاتنا وتستقيم صلواتنا كالبخور امامه.
لذلك الصلاة المقرونة بالترتيل تجعل المؤمنون يمجدون الرب باصواتهم وتأملاتهم ، لذا كما يقول احد الآباء القديسين:" اذا صليت تلاوة فتمجد الله مرة واذا صليت مرتلا فتمجد الله مرتين".
وكم بالاحرى عندما كنا نسمع صوت المثلث الرحمات المتربوليت الياس قربان (اسقف الترتيل)فاننا كنا نخرج من الكنيسة المقدسة وقلوبنا مملؤة من التعزية الالهية ،كنا نخرج من الكنيسة مشعرين بان الحمل الثقيل الذي كنا حامليه عند دخولنا اليها قد خف. كنا نخرج من الكنيسة وقد خلق الله فينا قلبا نقيا طاهرا .فجذبتنا بصوتك الملائكي الى يسوع المسيح رئيس الايمان ومكمله.