لأبينا الجليل في القديسن أبيفانيوس
رئيس اساقفة قسطندية في قبرص
تُقرأ في سبت النور
خطاب في دفن جسد ربّنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح، عم يوسف الذي من الرامة، عن نزول الربّ إلى الجحيم نزولاً مستغرباً بعد الآلام الخلاصية.
السكون:
ما هذا الصمت غيرُ المحدود، المخيّم على الأرض في هذا اليوم؟ صمتٌ عظيم وهدوء كبير. صمتٌ عيظم لأن الملك نائم. خشعت الأرض فاستراحت لأن الإله رقد بالجسد. مات الجسد وارتعد الجحيم. رقد الإله قليلاً والذين رقدوا منذ الدهر أقامهم من الجحيم. اين هي الآن الإضطراب والأصوات والضجّة الآثمة المصعّدة ضدّ المسيح؟ أين الجماهير والثورات والجنود والحراس والسيُوف والرماح؟ أين الملوك الكهنة والقضاء المقضيّ عليهم؟ أين المشاعل المُضاءة والسيُوف والصرخات الفوضوية؟ أين الجماهير المزمجرة والحرّاس العديمو الحشمة؟ لقد اختفى الجميعُ لأن الشعوب بالحقيقة دبّرت خططاً باطلة لا معنى لها. داسوا حجر الزاوية، المسيح فتحطّموا. ضبوا بمكر الصخرة الثابتة لكنهم تلاشوا كالزبد على مثل الموج الذي يضرب الصخور. دقّوا على السندان غير النهزم فتقطّوا إرباً إرباً. رفعوا الحجرّ على خشبة الصليب فتدحرج عليهم وقتلهم. كما قيّد الفلسطينيون شمشون الجبّار كذلك فعلوا بالمسيح الشمس، لكن هذا الأخير حطم السلاسل التي منذ القديم البعيد، وقضى على الأثمة والغرباء. غاب الإله المسيحُ شمس العدل في الأرض فنزل على اليهود ظلام كثيف.
الخلاص:
اليوم الخلاصُ للذين يعيشون على الأرض وللذين منذ الدهر. اليوم خلاص العالم بأسره، المنظور وغير المنظور. اليوم حضور المسيح المزدوج: رأفةٌ مزدوجة، نزولٌ مزدوج مع تنازل، محبّة للبشر مزدوجة، إفتقاد للبشر مزدوج. نزل المسيح من السماء إلى الأرض ومن الأرض إلى ما تحت الثرى. أبوب الجحيم تُفتح. إفراحوا يا من ترقدون منذ الدهور البعيدة، الموجودون في الظلام وظلال الموت، تقبّلوا النور العظيم. يأتي الربّ في في ما يبن عبيده، الإله في ما بين الأموات، الحياة في ما بين الأموات، البريء فيما بين المذنبين النور الذي لا يغرب في ما بين القابعين في الظلام، المحرّر بين الأسرى، تحت الثرى هذا الذي هو أعلى من السماوات. جاء المسيح إلى الأرض وأمنا بذلك. نزل المسيح إلى الأموات فلننزل معه ولنتعلم الأسرار الحاصلة هناك. لنتعرّف إلى العجائب الخفيّة الحاصلة تحت الأرض والتي لله الخفيّ. لنتعلم كيف اشرقت كرازة المسيح على الساكنين في الجحيم.
البارحة واليوم:
ماذا أيضاً؟ بنزوله إلى الجحيم هل يخلّص الإله الجميع بدون استثناء؟ لا، لأنه كما على الأرض هكذا أيضاً هناك، يخلّص فقط الذين آمنوا به.
البارحة رأينا ضعف المسيح الخلاصي، واليوم نرى مظاهر قوّته. البارحة عايشنا طاعته، واليوم نشهد لسيادته. البارحة ظهرت علامات طبيعته الإنسانية، واليوم العلامات الإلهية. البارحة لطموه، واليوم ببرق لاهوته يشقّ مسكن الجحيم المظلم. البارحة قيّدوه، واليوم هو الذي يُقيد الطاغية الشيطان بقيود لا تنحل. البارحة حكموا عليه، واليوم يهب الحرية للمحكوم عليهم بالخطيئة. البارحة استهزأ به خدام بيلاطس، واليوم رآه بوّابو الجحيم فارتعدوا.
القديم والجديد:
أنظر إلى الآم المسيح وما يفوق قدرو الكلام. أنظر إليها وافع التسبيح . أنظر و مجد عجائب الله العظيمة. أنظر كيف يمضي الناموس الموسوي وتزهر نعمة المسيح، كيف تذهب الرموز والأشكال ويُكرز بالحقيقة، كيف يغيب الظلام وتعمّ الشمس المسكونة، كيف يُضحى العهد القديم لا فائدة منه ويُصدَّق على الجديد، كيف تمضي الأشياء القديمة وتزهز الجديدة. شعبان وُجدا في صهيون معاً في زمن الآم المسيح ( اليهودي والوثني) ملكان: بيلاطس وهيرودس. رئيسا كهنة: حنّان وقيافا. هكذا يتمّ الفصحان معاً ينتهي الفصح اليهودي ويبدأ الفصح المسيحي.
في الليلة نفسها تثقدّم ضحيّتان. يتمّ يهما خلاص الأحياء والأموات. من جهة يقبض الشعب اليهودي على حمل الله ويذبحونه، ومن جهة أخرى يتعرّف الوثنيون إلى الله المتّخِذ جسداً. يقبض اليهود على المسيح ويطردونه خارجاً، فتتقبله الأمم بنشاط. اليهود يقدّمون ذبيحة حيوانية، والأمم تقدم ذبيحة الإله اللابس جسداً بشرياً.
حياة مزدوجة:
اليهود يقدّمون ذبيحة الفصح تذكاراً لخروجهم من مصر، والأمم يعلنون فيها خلاصهم من ضلالة الأوثان. أين يتم ذلك؟ في صهيون مدينة المللك العظيم. فيها صُنع الخلاص في وسط الأرض، حيث ظهر يسوع أبن الله بولادته بين حيوانين( الثور والحمار)، بين وجودين، جسديّ وروحيّ، يرمز إليهما الحيوانان. هذا الذي ظهر حياةً المولود من الحياة والواهب الحياة، الذي ولد في مزود في ما بين الملائكة والبشر، الذي وقف في ما بين شعبين وجعلهما واحداً كحجر الزاوية، الذي كُرز به بين الناموس والأنبياء، الذي ظهر بين موسى وغيليا على جبل ثابور، الذي بين اللصين أُعلن إلهاً من قبل اللص الشكور، هذا الذي يجلس أبدياً على كرسي القضاء حيث تنتهي الحياة الحاضرة وتبدأ المستقبلة يظهر اليوم بين الأحياء والأموات مانحاً الحياة والخلاص معاً. حياةٌ مزدوجة، ولادة مزدوجة مع إعدة ولادة. فأنظر إذاً إلى الأحداث وصفق لعجائب ولادة المسيح المزدوجة.
الولادتان:
ملاكٌ بشر والدة الإله مريم بالحبل المسيحي وولادته، وملاك يبشر مريم المجدلية ببشارة الفرح بقسامة المسيح من القبر. المسيح يولد ليلاً في بيت لحم، وكذلك ليلاً يولد من جديد من بين الأموات في صهيون. يولد في مغارة من صخر، ويولد ثانية عند القيامة من مغارة وصخرة. يٌلف بالأقمطة عند الولادة وعند الدفن. هناك تقبّل المرّ الذي قدّمه له المجوس، وهنا يتقبل دهنه بالطيب ودفنه على يد يوسف ونيقودمس. هناك الرعاة أولاً بشروا بولادة المسيح، وهنا رعاةٌ أيضاً، وهم تلاميذ المسيح، بشروا بل غيرهم بولادته الجديدة من الأموات. هناك هتف الملاك بالعذارء " إفرحي"، وهنا المسيح ملاك الرأي العظيم هتف بحاملات الطيب "إفرحن". في ولادته دخل المسيح إلى أورشليم الأرضية بعد أربعين يوماً، دخل الهيكل وقدّم لله كونه البكّر زوج حمام. ايضاً عند ولادته الجديدة من الأموات بكراً ولا فساد صعد بعد أربعين يوماً إلى أورشليم السماوية التي لم ينفصل عنها، إلى قدس القداس، وقدم لله الآب زوج حمام بلا عيب وهما النفس والجسد، جسدنا. هناك في السماء تقبّله سمعان، ولكن أيّ سمعان هذا؟ القديم الأيام، الله الذي قبل الدهور،وكأن على ذراعيه، في حضنه ما يتعدّى كل وصف بشري. وإن عتبرت كل ذلك خرافة لا إيماناً حقاً أدانتك الأختام غير المنتهكة، أختام القبر السيّدي لقيامة المسيح.
فإنه كما ولد المسيح من العذراء حافظاً البتولية( تلك التي تُفتح طبيعياً بالحبل عند النساء كافة) مصونةً، هكذا حصل بالضبط لدى قيامة المسيح من الأموات إذ أن أختام القبر لم تُفتح هي أيضاً عند القيامة.
يوسف ونيقودموس:
كيف، ومن دفن المسيح الحياة؟ لنظر ماذا تقول الكتابات الشريفة. "لما كان المساء جاء رجل غنيّ من الرامة اسمه يوسف. هذا تجرأ ودخل إلى بيلاطس وطلب جسد يسوع" (متى57:27- مرقس43:15).
جاء المائت إلى المائت يطلب أن يأخذ إله البشر! الجبلة تطلب من الجبلة أن تأخذ جابل الكل! العشب يطلب من العشب أن يأخذ النار السماوية! القطرة العدم تطلب من القطرة الأُخرى أن تُعطى المحيط بأسره! من شهد ومن سمع بمثل هذا الذي لايسمع به قط: إنسان يهب إنساناً آخر صانع الكل! قاضٍ لا قضاء عليه يسمح بأن يُدفن محكوماً عليه وهو قاضي القضاة!
"لما كان المساء جاء رجل غني إسمه يوسف". بالحقيقة هو غني لأنه أخذ شخص الرب بكامله. بالحقيقة غنيّ لأنه أخذ من بيلاطس المسيح بحضّوريه. غنيّ لأنه استحق أن يأخذ اللؤلؤة الثمينة. غيّ لأنه أخذ في يديه خزينة تحتوي على الذخيرة الإلهية كاملة! كيف لا يكون غنياً هذا الذي حصل على الحياة وخلاص العالم! كيف لا يكون يوسف غنياً بعد أن تقبّل كهدية ذاك الذي يغذّي الكلّ ويدبّرهم؟ "لما كان المساء": لقد غاب شمس العدل في الجحيم. لذلك جاء رجل غنيّ اسمه يوسف من الرامة بقي مختبئاً خوفاً من اليهود. جاء معه نيقودم الذي قد زار يسوع في غحدى الليالي(يوحنا1:3- 39:19،2).
سرّ محبة اللع العظيمة:
يا له من سرّ خفيّ اكثر من الأسرار كلها! تلميذان خفيان يأتيان ليخفيا يسوع في القبر. وبطريقتهما يعلّمان السرّ الخفي في الجحيم، سرّ الله الذي توارى في الجسد.الواحد ينافس الآخر في حرارة استعدادهما نحو المسيح. من جهة يقدّم نيقودمس الدهن والطيب بإكرام، ومن جهة أُخرى يتقدّم يوسف المستحق المديح إلى بيلاطس بجرأة وشجاعة.
لكن لماذا، بعد أن رمى عنه كل خوف، يتقدم إلى بيلاطس بجرأة ويطلب جسدّ المسيح؟ عندما يتقدم إليه يأتي بحذاقة كلّية من أجل أن يصيب هدفه. لذلك لم يستعمل في حديثه مع بيلاطس تعابير فاخرة لئلا يُغضبه ويفشل في طلبه. كما لم يقل له: أعطني جسد يسوع الذي أظلم الشمس منذ برهة، الذي شقّق الأرض والصخور، الذي شقّ حجاب الهيكل إلى اثنين. لم يقل لبيلاطس شيئاً من ذلك على الإطلاق. لكن ماذا قال له؟
أعطني هذا الغريب:
شيئاً واحداً أطلب منك ياسيّدي، غرضاً صغيراً جئتُ من أجله: أعطني أن أدفن جسد ذلك المائت، حكمت عليه بالموت، جسد يسوع الناصري، يسوع الغريب، يسوع الفقير، الذي لا سقف له، يسوع المعلّق عرياناً، يسوع إبن النجّار الحقير، والمعروض في البرّية، الغريب المجهول بين الغرباء، المعلق والمزدرى به بالحقيقة.
أعطني هذا الغريب لأنه جاء من كورة بعيدة من أجل أن يخلص الإنسان المتغرّب عن وطنه السماوي.
أعطني هذا الغريب الذي نزل إلى الأرض من أجل أن يرفع الغريب.
أعطني هذا الغريب لأنه وحده غريب بالحقيقة.
أعطني هذا الغريب الذي لا نعرف بلده نحن المتغربين.
أعطني هذا الغريب الذي نجهل طريقه ومكانه نحن الغرباء.
أعطني هذا الغريب الذي عاش حياة المغترب بين المغتربين.
أعطني هذا الغريب الذي ليس له ما يُسند إليه رأسه.
أعطني هذا الغريب الذي لا سقف له، ووُلد في مغارة كغريب بين الغرباء.
أعطني هذا الغريب الذي، وهو بعد طفل خارج المزود، هرب لكي ينجو من هيرودس.
أعطني هذا الغريب الي تغرّب في مصر وهوبعد في الأقماط.
أعطني ذاك الذي لم يكن له مدينة، ولا قرية، ولا بيت، ولا مسكن ثابي، ولا أي قريب من جنسه، لكنه سكن مع أمه في كورة غريبة مع انه يحوي كل شيء.
سيّدي! إسمح لي أن أستر جسد المعلّق عرياناً على خشبة الصليب الذيستر عري طبيعتي الخاصة.
أعطني أن أدفن ذاك المائت الذي دفن خكيئتي في مياه الأردن. أتوسّل إليك من أجل مائت مُحكم عليه من الجميع، سُلّم على يد تلميذه، تركه اصدقاؤه، طرده إخوته وضربة عبده!
أتوّسل إليك من أجل مائت حكم عليه من قبل هؤلاء الذين حرّرهم من العبودية، جُرّح من قبل الذين شفاهم، تركه تلاميذه وحُرم حتى من أمّه.
أطلب إليك يا بيلاطس، من أجل مائتٍ معلّق على الصليب، ليس له أحد يخدمه لا أب على الأرض، لا صديق، لا تلميذ لا أقارب، لا أحد يدفنه. هو وحده اإبن الوحيد للآب الوحيد، الإله في هذا العالم، الذي لا إله سواه.
الدفن:
بمثل هذا الكلام كان يتوسل. فأمر بيلاطس بأن يُعطى جسد يسوع. جاء يوسف بعدها إلى الجلجة وأنزل الإله بالجسد عن الصليب. بسط على الأرض جسد اإله عرياناً. فها هو ممدود على الأرض، الذي جلب الكل إلى العلاء. يبقى لفترة بدون نسمة هذا الذي هو نسمة الكل حياتهم.
يظهر عديم النظر هذا الي ابدع الشاروبيم الكثيري الأعين. يُضحي على الأرض هذا الذ هو قيامة الكلّ.يُمات الإله بالجسد، وهو الذي أقام الأموات. ويصمت هدير كلمة الله بالجسد. أيادي بشرية ترفعه، وهو الذي أمسك بقبضته الأرض كلّها.
تُرى يا يوسف بعد أن طلبت وأخذت، هلى تعرف بالحقيقة من استلمت؟ بعد أن اقتربت من الصليب وأنزلت يسوع، هل تعرف بالحقيقة من تمسك بيديك؟ إن عرفت فعلاً أصبحت الآن غنياً. وإلا كيف تتجاسر على هذا الدفن الرهيب، دفن يسوع الإله بالجسد؟ ممدوحة بالحقيقة رغبتك، لكن استعداد نفسك هو أجدر بالمديح. ألا ترتعد يا ترى عندما تحمل على يديك هذا الذي ترتعد منه الشاروبيم. بأي من الخوف عرّيت جسد الإله هذا من الثوب الخفيف الذي كان يستره؟ بأي قدر من الخشوع أغلقت عينيه؟ ترتجف إذ تحدّق بالطبيعة الجسدية التي للإله الفائق الطبيعة.
كيف دفنت الخالق:
قل لي يا يوسف، أدفنت يسوع موجّها أياه إلى الشرق كسائر الأمواتن وهو مشرق المشارق؟ هل أغلقت بأصابعك عينيه كما يجري للأموات، وهو الذي فتح عيني الأعمى بإصبعه القدّوس؟ هل أغلت فن ذلك الذي فتح فم الأبكم الأخرس؟ هل ربطت يدي ذلك الذي حرّك القدين اليابستين؟ رنما حملت على سرير الأموات هذا الذي أمر المخلّع بأن يحمل سريره. ربما سكبت طيباً على الذي أخلىذاته كطيب سماوي ليجدّد العالم؟ هل تجرّأت يا ترى على مسح الجنب المسيل الدم، جنب يسوع الإله الذي شفى النازفة الم الحزينة؟هل غسلت بالماء جسد اإله الذي غسل خطايا الكل ووهب التطهير؟ ايّ سراج أشعلت أمام النور الحقيقي المنير كل إنسان؟ هل رتلت تراتيل جنائزية لذلك الذي ترنم له القوات الملائكية بلا فتور؟ هل سكبت دومعاً على يسوع الذي دمّع وأقام لعازر صديقه المائت؟ هلر رثيت الذي منح الفرح ووضع حداً لحزن حواء؟
مغبوطتان على كل حالٍ يداك يا يوسف لأنهما لامستا اليدين الإلهيتين، وقدمي يسوع النازفتين بعد دماً. مغبوطتان يداك التان مستا جنب افله قبل يدي توما الأمين في فضوله المستحق المديح. مغبوط فمك الذي شبع ممن لا يثشبع منه واتحد بفم يسوع فامتلأ منه بالروح القدس. مغبوطتان عيناك اللتان قاتا عيني المسيح واخذتا منهما النور الحقيقي. مغبوط وجهك الذي واجه وجه يسوع. مغبوطان كتفاك اللذان حملا الذي حمل الجميع مغبوط رأسك الذي اقترب من يسوع رأس الجميع.
طوبى لكما يا يوسف ونيقودمس لأنكما لصبحتما شاروبيماً مثل الشاروبيم عندما حملتما الإله ورعتماه، وأصبحتما سارافيماً قبل السارفيم ذوات الستة الأجنحة عندما خدمتم الإله. قد اكرمتما المسيح وسترتماه لا بلأجنحة بل بالسباني. هذا الذي ترتعد من الشارويبم يحمله يوسف ونيقودمس على أكتافهما وينقلانه مع كل الأجناد السماوية.
المنظر الرهيب: يسوع عريان مائت.
جاء يوسف ونيقودمس ومعهما جوق الملائكة بكامله. أقبل الشارويم وأسرع السارفيم. تحمله العروش، تستره ذوات الستة الأجنحة، ويرتعد معها الكثيرو الأعين عندما يشاهدون يسوع بالجسد عديم النظر. القوات تلفه والرؤساء ترنم له والطغملت ترتعد. تسقط القوات الملائكية كلها في دهشة وانخطاف ويتساءلون بتحيّر كبير: ما هو هذا الأمر الرهيب والخوف والرعدة والسبيل؟ما هو هذا المشهد العظيم المتناقض وغير المدرك؟ هذا الذي لا نتجاسر نحن العديمي الأجساد أن ننظر إليه في السماء من الإرتعاد، يظهر هنا على الأرض إنساناً عرياناً ومائتاً! هذا الذي يقف الشاروبيم أمامه بك خشوع يدفنه يوسف ونيقودمس بحماس. متى نزل على الأرض هذا الذي لم يغادر السماء؟ كيف خرج إلى الخارج هذا الذي لم يزل داخلاً؟ كيف جاء وحدّ نفسه على الأرض هذا الذي يملأ الكل بحضوره؟ كيف تعرّى هذا الذي ستر الجميع؟ الحاضر دوماً في السماء كإله مع الآب يعيش الآن باستمرار على الأرض مع أمه إنساناً حقيقياً! هذا الذي لم يظهر أبداً كإله للبشر كيف يظهر الآن بشراً ومحباً للبشر معاً؟
هدف نزوله إلى الجحيم:
كيف صار غير المنظور منظوراً؟ كيف اتخذ غير الهيولي جسداً؟ كيف تألم الذي بلا هوى؟ كيف وقف القاضي ليُدان؟ كيف ذاق الحياةُ الموت؟ كيف وسع القبر من هو غير موسوع؟ كيف يسكن القبر من لم يزل في حضن الآب؟ كيف يدخل باب المغارة من لم يفتح أبواب السماوات؟ كيف يفتح الفردوس من صان أبواب البتولية مغلقة؟ كيف حطم اواب الجحيم إلا أنه لم يفتح أبواب العلية حيث كان توما ينتظره؟ كيف فتح للبشر ابواب لكوت السماوات غلا أنه ترك ابواب القبر وأختامه تُفتح من نفسها؟ كيف أُحصي في عداد الأموات من هو حرّ فيما بين الأموات؟ كيف يأتي النور الذي لا يغرب إلى الظلمة والظلال؟ أين يذهب؟ اين ينزل هذا الذي لا يستطيع الموت أن يدركه؟ ما هو السبب؟ مل هو السبيل؟
ما هو نزوله إلى الجحيم؟ ربما ينزل ليرفع أخانا في العبودية آدم المحكوم عليه؟ حقاً إنه يسير بدون شك، يطلب المجبول اوّلاً، الخروف الضال، ويريد أن يفبقد هؤلاء القابعين في الظلام وظلال الموت. يسير بدون شك ليحرّر من الآلآم آدم المُقيد وحواء معه. وهو الإله وابنهما في آنٍ.
أبرار العهد القديم:
لننزل إذاً مع المسيح! لنسرع ونتهلّل معه إذ نشاهد البشر مصالحين مع الله والمحكوم عليهم حررين من بل السيد الصالح. لأن الذ هو بطبيعته محب لبشر يجري ليفك المقيدين منذ القديم بشجاعة وقوة كثيرة، هؤلاء القابعين في القبور، الذين ابتلعهم الطاغية المرّ المتوحش بعد أن أخضعهم لسلطانه ونشلهم كاللصّ من أحضان الله.
هناك نجد آدم المُقيّد الذي جُبل أولاً ومات أولاً موضعه أعمق سائر المحكوم عليهم. هناك هبيل الراعي البار الأول والذبيحة البريئة الأولى مثالث الذبح الظالم لمسيح الراعي. هناك نوح مثال تابوت المسيح العظيم الذي انشأ كنيسة الله التي، بواسطة حمامة الروح القدس، خلصت الأم البربرية من طوفان عدم الإيمان وطردت منها الغراب الأسود الشيطان المظلم. هناك ايضاً إبراهيم جدّ المسيح ذابح ابنه والذي قدّم لله الذبيحة الشهيرة التي بالسيف وبدون سيف، بموت وبدون موت في آن ماحد. هناك يوج يعقوب حزيناً في الجحيم أسفل، كما حزن على الأرض لفقدان يوسف. هناك يوسف المسجون في مصر مثال امسيح المسجون والسيّد.
وفي أسفل الظلمات نجد موسىكما كان مرّة على الأرض داخل السلّة المظلمة. هناك النبي دانيالفي أسفل الجحيم كما وُجد وهو على الأرض في جبّ الأُسود. هناك ارميا النبيفي قعر الجحيم وفسا الموت كما كان في جبّ الهلاك حيث رماه أبناء جنسه. هناك أيضاً في فم الجحيم التي تبتلع العالم النبي يونان الذي يمثل المسيح الأزلي. هناك داود جدّ الإله الذي انحدر منه المسيح بالجسد.
ولماذا أقتصّر على ذكر داود، يونان وسليمان؟ هناك يوحنا المعمدان العظيم الفئق على كل الأنبياء في جوف مظلمة ( كما كان قديماً في بطن أمه أليصابات) يسبق ويعلن المسيح لكل المقيدين في الجحيم، وهوالسابق والكارز للأحياء والأموات معاً. هذا الذي عند ذبحه أُرسل من سجن هيرودس إلى سجن الجحيم، إلى الراقدين منذ الدهر، الأبرار والمظلومين.
إبتهال الأبرار:
ومن هناك، من أسافل الجحيم كان الأنبياء والأبرار يبتهلون إلى الله بصلوات حارة ومستمرة طالبين الخلاص من الليل القاتم المظلم، الذي لا نهاية له، الحرين الموجع، السائد عليه الشيطان العدوّ. كان الواحد يقول لله: "من جوف الجحيم استغثتُ فسمعت صوتي" (يونان3:2)، والآخر كان يصرخ: "من الأعماق صرخت إليك يا رب، يا رب استمع إلى صوتي" (مز1:129-2) آخر يبتهل : "اظهر وجهك علينا فنخلص" وآخر يتوسل "أنت الجالس فوق على عرش الشاروبيم اطلع علينا" وواحد آخر يصلي:" يا رب إرثِ لنا ولتدركنا رأفتك" وآخر يصرخ: " خلص نفسي من أعماق الجحيم". وآخر: " يارب أخرج نفسي من الجحيم"، وايضاً يا رب لا تترك نفسي في الجحيم"، وكذلك: "لترفع حياتي من الهلاك إليك أيها الرب إلهي" ( يونان7:2).
لقد سمع الله الجزيل التحنن هؤلاء كلهم، ولم يشأ أن يقدّم محبته فقط إلى البشر الذين كانوا يعيشون معه على الأرض، لكنه بسط رأفته على كل المقيدين في الجحيم، الذين ينتظرونه فيظلام الموت وظلاله وقبل أن يذهب إليه. فافتقد الله الكلمة الذين على الأرض بجسدة المتنفس الحي وللنفوس التي تركت جسدها على الأرض وأصبحت في الجحيم ظهر بنفسه الإلهية الطاهرة بدون جسد ولكن ليس بدون ألوهيته.
كيف سحق قوّة الموت:
لنسرع إذاً ونذهب بالفكر إلى الجحيم لكي نرى هناك كيف يتغلّب بقوة، بقدرة عظيمة على الطاغية المتسلط على النفوس المقيدة، كيف ياسر بلمعانه، بجيشه العظيم وبلا أيدٍ جحافل الشياطين العديمة الموت! يرفع المسيح بصليبه من الوسط أبواباً لا نوافذ لها وغير خشبية بمسامير إلهية يسحقالأمخال الدهرية، وبيديه الإلهيتين المربوطتين يذيب كالشمع السلاسل العسرة الحل.
بالحربة التي طعنت جنبه الإلهي وبلا جسد يطعن الطاغية. يسجق قوّة قسيّه في الوقت الذي بسط يديه الإلهيتين بمثابة قوس على الصليب. لذلك إن تبعت المسيح بهدوء، ترى اين رُبط الطاغية وأين عُلق رأسُه، كيف نبش سجن الجحيم وحرّر المقيّدين، كيف داس الحيّة القديمة وأين علّق رأسها، كيف حرّر آدم وأقام حواء، كيف هدم الحائط المتوسط وأين حكم على التنين الخبيث، اين أمات الموت، كيف افسد الفساد وكيف أعاد الإنسان إلى مرتبته الملكيّة الأولى.
مواكبة الملائكة:
ذاك الذي البارحة بتنازله غير المحدود لم يلجأ إلى مساعدة الجيوش الملائكية قائلاً لبطرس:"باستطاعتي الآن أن أطلب أكثر من اثني عشر جيشاً من الملائكة" (متى 53:26)، ينزل اليوم إلى الجحيم، إلى الموت، ضدّ الشيطان الطاغية، كما يليق بالله وبالسيّد، على رأس جيوش عديمة الجسد والموت، طغنات غير منظورة، لا فقط اثني عشر جيشاً بل ربوات، ربواتالآف آلاف من الملائكة، من رؤساء الملائكة، من السلطات، من العروش، من ذوات الستّة الأجنحة، من الكثيري الأعين، من الطغمات السماوية تتقدّم المسيح بمثابة ملك لها وسيدّ تواكبه وتكرّمه. ليس ذلك للتحالف معه ومؤزارته في الحرب. لا أبداًّ إذ كيف يحتاج إلى حليف حربي من هو المسيح الكليّ القدرة؟ تواكبه لنها تحتاج وتتشوّق إلى أن تكون دائماً إلى جانبه. تركض القوات الملائكية كعساكر مرافقة مسلّحة بالسيوف بمثابة صواعق بارقة، مسلحة بالصواعق الإلهية الكلية القدرة التي لملكها. تبادر القوات بحماس كبير ويفوق أحدها الآخر سرعة ملبياً مجرد الإشارة الإلهية ومنفذاً الأمر الإلهي ومكلّلاً بإكليل الظفر ضدّ مصفّ الأعداء الطغاة. لذلك فهي تنزل إلى سجون الأمولت القدماء جداً ما تحت الثرى، في قلب الجحيم وأعمق من كل الأرض، وذلك لتُخرج الآن المكبّلين بالسلاسل والراقدين منذ الدهر.
إرفعوا الأبواب إرفعوا!
ما إن ظهر الرب بحضوره الإلهي المُشع أمام أبواب الجحيم المقفلة، أمام السجون المظلمة القاتمة في قعر مغاور الجحيم، حتى تقدّمه جبرائيل رئيس الجنود كونه اعتاد أن يجلب بشارة الفرح إلى البشر. وبصوت قويّ لائق برؤساء الملائكة يهتف بصوت طنّانٍ كصوت الأسد نحو القوات المعادية: " إرفعوا أيها الرؤساء أبوابكم"، ويصرخ معه ميخائيل: "لتسقط الأبواب الدهرية"، ومن ثم تتابع القوات: "إلى الوراء ايها الأثمة" والسلطات تأمر بشدة: " جطموا السلاسل العسرة الحلّ". ورئيس آخر يضيف: "الخزي لكم يا طغاة غير مبالين".
وكما يحدث عند حضور جيش ملكي رهيب لا يُقهر وكليّ القدرة، حين يسود القائد غير المقهور على الأعداء بالرعدة بالإضطراب، بالخوف الشديد، هكذا حصل فجأة ما إن حضر المسيح بهذا الشكل الغريب إلى أسافل الجحيم.
من فوق برقٌ قويّ يُعمي وجوه قوات الجحيم المعادية، وفي الوقت نفسه كانت تُسمع هتافات الجيوش المرعدة. "إرفعوا الأبواب". لا تفتحوها فقط بل إقلعوها من أساساتها، اخرجوها كلياً من مكانها حتى لا تستطيع من بعد أن تقوم. إرفعوا أيها الرساء أبوابكم، لا لأن الرب لا يستطيع أن يفتحها، وهو إن شاء أمر ودخلها وهي مقفلة، لكنه يأمركم كعبيد فارين بأن ترفعوا الأبواب الدهرية وتنقلوها من هنا. لا يأمر شعكم بل يأمركم أنتم الرؤساء: "إفعوا أيها الرؤساء أبوابكم" ( مز7:23-10).
من الآن فصاعداً لن تكونوا رؤساء متسلطين على أحد مع أنكم ختى الآن سدتم باطلاً على الراقدين.لن تسودوا بعد عليهم ولا على غيرهم ولا حتى على أنفسكم. إرفعوا الأبواب لأن المسيح أتى وهو الباب السماويّ. إفتحوا الطريق أمامه فقد داس بقدمه معقل الجحيم. إسمه" رب" والرب له الحق والقدرة أن يخترق أبواب الموت، لأن مدخل الموا قد صنعتموه أنتم وهو أتٍ لكي يعبره. لذا افتحوا بسرعة ولا تتأخروا. إفتحوا ولا تُجئوا. إن ظننتم أنه سوف ينتظركم فباطلاً تفعلون، لأنه سوف يأمر أن تنفتح الأبواب من نفسها بدون أيدٍ: إنفتحي أيتها الأبواب الدهرية!
تزعزعت القوات المعادية:
ما إن صعدت هتاف القوات اللائكية حتى انفتحت الأبواب في اللحظة نفسها. في اللحظة نفسها تحطمت الأمخال والسلاسل، فسقطت المفاتيح وتزعزعت أساسات السجن. هرعت القوات المعادية إلى الهرب فجأة: واحد يدفع الآخر، آخر يتشابك بيب أقدام غيره، واحد يحث الذي بجانبه على الفرار بسرعة. ارتعدت، تزعزعت، ضاعت، اضطربت، تغيّرت ألوانها، خافت، وقفت وتحيرت، تحيرت وارتخفت. بقي الواحد فاغراً فمه، والثاني ستر وجهه بين ركبتيه، والثالث سقط على الأرض جامداً بلا حراك كأنه مائت. الواحد في مكلن، والآخر يركض طالباً النجاة بعيداً.
من هو هذا ملك المجد؟
في هذه الساعة قطع المسيح رؤؤس الطغاة المذهولين. تعطّلت الجمتهم وأخذوا يتسألون: " من هو هذا ملك المجد"
من هو هذا الذي اء إلى هنا قائماً بمثل هذه الأعمال الغريبة؟ من هو هذا ملك المجد الذي يُخرج من هنا المكبلين منذ الدهر؟ من هو الذي به انحلت سلطتنا وجسارتنا غيرُ المقهورتين حتى الآن. وقُضي عليهما؟
وكانت قوات الرب تجيبها قائلة: أتريدين معرفة من هو هذا ملك المجد؟ " إنه الرب العزيز القوي في القتال" الكلي القدرة وغير المنهزم. هو الذي طردكم من الأخبية السماوية ورماكم خارجاً أنتم الطغاة الأثمة الأشقياء. هو الذي سحق في مياه الأردن رؤؤس تنانينكم. هو الذي قيّدكم ورماكم في الظلمة والهوة. هو الذي سيقضي عليكم نهائياً في النار الأبدية وجنّهم. فلا تتأخروا، ولا تنتظروا، بل أسرعوا وأخرجوا المكبلي الذين ابتلعتموهم إلى الآن برداءة. من الآن فصاعداً لن تكون لكم أية قدرة. زالت سلطتكم الطاغية. تحطم كبرياؤكم بصورة تثير الشفقة. امحتوزالت إلى الأبد.
عمل القوات:
كانت قوات الرب الظافرة تهتف بهذا الكللام إلى قوات العدوّ وفي الوقت نفسه تعمل بلا هوادة. منهم من هدم السجن من اساساته. آخرون طردوا الأعداء الهاربين إلى الأماكن العميقة. آخرون يركضون ويفتشون دركات الأرض والمغاور والمعاقل. والكل من جهات مختلفة كان ياتي بالمقيدين إلى أمام الرب. منهم من كان يقيّد الشيطان الطاغية، وغيرهم يحرّر المقيدين منذ الدهر. منهم من يتقدم الرب السائر إلى أعماق الجحيم، وآخرون يتبعونه ظافرين وراء الله والملك.
تحرير آدم:
بينما كانت تجري هذه الأحداث في الجحيم ويهتزّ كل شيء، كان الرب يقترب من الأعماق البعيدة حيث كان المجبول أولاً، مقيداً بصورة متينه في موضع أعمق من غيره، وهو يسمع خطوات الرب الذي كان يتقدم فيما بين المساجين، وقد عرف للحال صوته وهو يمشي في السجن. فالتفت عندها إلى المحيطين به منذ الدهر وهتف بهم قائلاً: " يا أصحابي إني أسمع رنين خطوات شخص يقترب منّا. إن استحقينا فعلاً أن يأتي إلى ههنا سوف نطلق أحراراً إن شاهدناه بيننا، أٌنقذنا من الجحيم".
و في الوقت الذي كان آدم يتكلم إلى المحكوم عليهم معه، يدخل الرب ماسكاً سلاح الصليب الظافر. ما أن واجهه آدم حتى قرع صدره من فرح وهتف لجميع الراقدين: "ليكن الرب معكم جميعاُ" فأجابه المسيح: " ومع روجك ايضاً".
من ثم يمسكه بيده ويرفعه إلى فوق قائلاً له: "استيقظ ايها النائم وقم من بين الأموات فيضيء لك المسيح" ( افسس 14:5). أنا هو الإله الذي صرتُ إبناً لك من أجلك. أنت معي الآن مع كل أبناء جنسك، وبسلطتي الإلهية أمنحكم الحرية، وأقول للمقيدين أخرجوا وللذين في الظلام استعلنوا، وللذين على الأرض إنهضوا.
آدم:
وأنت يا آدم لك أقول آمراً: إنهض من نومك الدهري. لم أجبلك لكي تبقى مكبلاً في الجحيم. قم من بين الأموات لأني أنا هو حياة الراقدين. إنهض إلى فوق، إنهض يا من أخذ شكلي، من خلقته على صورتي. إنهض لنرحل من هنا لأنك أنت فيّ وأنا فيك من أجلك أخذتُ صورة عبد. من أجلك نزلت إلى الأرض وإلى ما تحت الأرض أنا الذي هو أرفع من السماوات. من أجلك " صرت مثل إنسان ليس له معيمنفصلاً عن الحياة فيما بين الأموات" ( مز5:87). من أجلك أنت، يا من خرجت من بستان الفردوس، في بستان سُلمتُ إلى اليهود وفي بستان صلبت( يو41:19).
أنظر البصاق في وجهي. قد قبلتُه من أجلك، من أجل أن أعيدك إلى مجدك القديم الذي وهبتك إياه بنسمة من ةعندي. أنظر اللطمات على خدّي. قبلتها من أجل أن أصلح شكلك الذي تشوه وأعيده إلى الشكل الذي على صورتي. أنظر الجلد على الظهري، قبلته لكي أبدد حمل خطاياك. أنظر إلى يديّ المسمرتين بسطتهما على عود الصليب من أجل غفران خطيئتك أنت الذي بسطت يدك على العود المعصية. أنظر إلى قدميّ. تقبتا وسمّرتا على الصليب من أجل تطهير قدميك اللتين أسرعتا برداءةٍ إلى عود الخطيئة.
لقد صدر الحكم عليك في اليوم السادس. ولذلك في السوم السادس ايضاً أجبلك من جديد وأفتح لك الفردوس. من أجلك ذقت المرارة لكي أشفيك من اللذة المرّة التي ذقتها بأكلك تلك الثمرة الحلوة. ذُقتُ الخلّ لكي أُخرج الحدّة والمرارة من حياتك وكأس الموت من طبيعتك. قبلت الإسفنجة لكي أمحو سجلّ خطاياك. قبلت القصبة من أجل أم أوقع على تحرير الجنس البشري. بُسطت راقداً على الصليب وطعن جنبي بحربة من أجلك أنت الذي بسطتُك راقداً في الفردوس وأخرجت حواء من جنبك. رقادي الخاص قد أقامك من رقاد الجحيم. السيف الذي ضربني رفع السيف الموّجه عليك( تكوين 24:3).
إنهض لنرحل من هنا. قبلاً نفيتك من الفردوس الأرضي، والآن أُعيك لا إلى ذلك الفردوس بل إلى العرش السماوي. آنذاك منعت عنك عود الحياة ( تكوين22:3)، لكني الآن أتحد بك تماماً، أنا الحياة نفسها قبلاً أمرتُ الشاروبيم بحراستك كعبد والآن أقود السارافيم للسجود لك كإله. لقد اختفيتَ قبلاً من أمام الله لأنك عرياناً، لكنك أُهلت الآن لأن تخفي في داخلك اله نفسه عرياناً. ولذلك إنهضوا لنرحل من هنا من الموت إلى الحياة، من الفساد إلى عدم الفساد، من الظلمة إلى النور الأبدي، من الوجع إلى الحرية، من سجن الجحيم إلى أورشليم السماوية، من القيود إلى الراحة، من العبودية إلى الفردوس، من الأرض إلى السماء.
إنهضوا:
من أجل هذا مات المسيح وقام. لكي يصير ربّ الأحياء والأموات (رو9:14). انهضوا إذاً لنرحل من هنا. إن الآب السماوي ينتظر بشوق الخروف الضال. الملائكة التسة والتسعون ( متى 12:18) ينتظرون شريكهم آدم: متى يقوم، متى ينهض ويعود إلى الله. العرش الشاروبيمي جاهز. الذين سوف يرفعونك يتسارعون معجلين. خدر العرس مهيأ ومائدة العيد مفروشة ( رؤ9:19- لو16:14) . قد فتحت خزائن الأبدية. وحضر ملكوت السماوات الذي منذ إنشاء العالم ( متى34:25). خيرات لم ترها عين ولا سمعت بها أذن تنتظر اإنسان (1كور9:2).
هذا وما شابهه قاله الرب. وللحال نهض آدم المتحد به وحواء معهما. " وقام أيضاً معهم عدد كبير من أجساد الصديقينالذين رقدوا منذ الدهر" ( متى 52:27)، كارزين بقيامة المسيح ذات الثلاثة الأيام. فلنتقبلها ونعانقها نحن المؤمنين بكل فرح معيدين وراقصين مع الملائكة ورؤساء الملائكة ممجدين المسيح الذي أقامنا من الفساد الذي يليق به المجد والقوة مع الآب الذي لا يموت والروح المساوي له في الجوهر الصالح والصانع الحياة، إلى دهر الداهرين، آمين