البساطة والاستقامة
باسم الآب والابن والروح القدس امين
ايها الاحباء: في هذا اليوم المبارك قرأنا مقطع من انجيل متى البشير وفيه يتحدث عن الكمال الذي يجب ان يكتمل به كل مؤمن كي يحصل على الملكوت والخلاص.
فاول شروط للدخول في الحياة مع الله هو صفاء النية والاخلاص والاستقامة ، استقامة الحياة واستقامة الضمير. فالعين الصحيحةالبسيطة هي القلب المتواضع والمحب البعيد عن كل غش وكذب ورياء.
اذا العين في لغة الكتاب المقدس هي القلب فان كان بسيطا ،وكلمة بسيط عند بولس الرسول تعني سخي . ولذلك فعندما يتأثر القلب بسخاء وببساطة ويعمل الصلاح والخير والمحبة فانه يرشد صاحبه الى الاعمال المسيحية وتصير كل تصرفاته مملوءة نورا "جسدك كله يكون نيرا" اي مملوءا نورا اي مملوءا من الادلة التي تشهد للمسيحية الحقيقية تلك الديانة الطاهرة النقية عند الله الآب كما يقول يعقوب الرسول في رسالته.مملوءا نورا اي مملوءا بالاعمال الحسنة التي هي نورنا الذي يضيء قدام الناس.
اما ان كان القلب شريرا طماعا قاسيا حسودا حقودا هذا ما يقصد عادة بالعين الشريرة . فالجسد كله يكون مظلما وتكون كل التصرفات بعيدة عن المسيحية
العين هي الادراك هي القوة التمييز . العين الصحيحة هي الضمير الذي هو بالنسبة لقوى النفس عند الانسان هي بمثابة العين في الجسد لارشادها في كل حركاتها.ان كانت العين بسيطة اي انها تحكم بالحق والاستقامة وتميز الامور من بعضها البعض .
اما ان كانت العين الشريرة فاسدة بدلا من ان ترشد القوى النفس الاخرى في الانسان فانها تنعطف وراء الشر وتنحرف بسببها اي بسبب العين الشريرة ،ان كانت تخدع القلب بل الحياة كلها تكون مظلمة والتصرفات كلها فاسدة.
لذلك علينا ان ننتبه من الرياء والغش ومحبة العالم في اختيار السيد الذي نخدمه . لا يقدر احد ان يخدم سيدين لان خدمة السيدين تتنافى مع العين البسيطة.
هنا يكشف المسيح القناع عن الخداع الذي يخدع به المراؤون انفسهم اذ يظنون بانهم يستطيعون ان يجمعوا بين الله والعالم. ان يكنزوا كنزا على الارض وكنزا في السماء في وقت واحد ، ان يرضوا الله ويرضوا البشر في نفس الوقت .اما المسيح فيجيبهم قائلا كلا لا تتوهموا بان التقوى تجارة ( 1 تي 6: 5)
لا تقدرون ان تخدموا الله والمال . وكلمة المال في اللغات القديمة للكتاب المقدس تأتي بمعنى الربح ، ولذلك فالمقصود بالمال هنا كل ما نحسبه في هذا العالم ربحا.
المال هو ما في العالم شهوة الجسد شهوة السلطة ، يجعل البعض الههم ملذاتهم ويعبدون هذا الاله، والبعض يجعلون كرامتهم وكبرياءهم الههم ويعبدون هذا الاله ، مثل الفريسين كان الههم مدح الناس وثناءهم.
بالاختصار ان محبة الذات والانا هي الاله الذي لا يمكن ان يعبد مع الله .
انتبهوا يا احبائي لا يقول المسيح انكم يجب ان لا تعبدوا الله والمال بل لا تقدرون ان تعبدوا الله والمال . لا نقدر ان نحبهم معا او نتمسك بهم معا لانهما يتعارضان الواحد مع الاخر .
فالله يقول يايني اعطني قلبك والمال يقول اعطني له. الله يقول اكتفوا بما عندكم والمال يقول اسعوا لجمع المال بوسائل شريفة او غير شريفة . الله يقول لا تخدع احدا ولا تكذب كن امينا وصادقا في كل معاملاتك والمال يقول اخدع اباك ان وجدت في ذلك ربحا. الله يقول كن مسامحا والمال يقول احتفظ بما عندك لماذا تخرب نفسك . الله يقول لا تهتموا بشيء والمال يقول اهتموا بكل شيء. يقول الله قدسوا يوم الرب المال يقول انتفع بهذا اليوم مثل باقي الايام .هكذا نجد ان اوامر الله والمال لا يمكن ان تتفق حتى اننا لا نقدر ان نخدم كليهما.
في هذا النص الانجيلي يا احبائي ينصحنا يسوع ان لا نهتم بامور هذا العالم ( اقول لكم ) انه يقول لنا هذا القول كواهب الشريعة انه يقوله كمعزينا ومؤازر لسرونا وفرحنا .
وما الذي يقوله هو هذا ومن له اذان للسمع فيسمع ، لا تهتموا لحياتكم ولا جسادكم اي لا ترتبكوا ولا ترتكبوا هما ، وكما يحذرنا المسيح من الكذب والغش ثلاث مرات في هذا النص يكرر التحذير من الاهتمامات العالمية ثلاث مرات ايضا .
من هنا يتبين كيف يفرح المسيح بان يرانا نعيش بلا هم وكيف ان ذلك واجب علينا .
الا ان هناك اهتمام بامور هذه الحياة ليس فقط من باب الشرعية بل من باب الواجب ، هذا الاهتمام نراه عند بولس الرسول من خلال اهتمامه بالكنائس وفقراءها واهتمامه بحالة نفوس المؤمنين.
هذا يعني ان مطالب الحياة الحاضرة فانه يجوز استعمال كل الطرق المشروعة للحصول عليها والا فاننا نجرب الله. يجب ان نكون مجتهدين ومجديين في اعمالنا العالمية حكماء في كل تصرفاتنا وايضا يجب ان نصلي من اجل خبزنا اليومي وان نطلب المساعدة ممن يستطيع تقديمها .
اما عن المستقبل فيجب ان نلقى على الرب همنا ولا نهتم لان الاهتمام هو يمثابة الغيرة من الله الذي يعرف ان يعطي ما نحتاج اليه عندما لا نعرف نحن كيف نحصل عليه.
لان لنا ما هو اعظم لنتهم به وهو الحياة الروح وسعادة الابدية، هذا هو الامر الذي يستدعي منا كل الاهتمام وكل التفكير والذي اصبح مهملا من كل القلوب التي تسيطر عليها الاهتمامات العالمية.
لو كنا اكثر عناية واهتمام بما يرضي الله ونعمل من اجل خلاصنا ونيل الحياة الابدية لقل اهتمامنا بارضاء انفسنا.
ان اعظم علاج للاهتمام بالعالم هو الاهتمام بارواحنا لان لنا طريق اضمن واسهل للحصول على ضروريات هذه الحياة بان نطلب ملكوت الله وبره ويكون هذا شغلنا الشاغل .ان تكون السماء غايتنا والقداسة طريقنا وان نطلب دائما ونسعى بالحاح نحو تعزيات الملكوت، نحن لا ننتفع شيئا من مسيحيتنا ان لم تؤد بنا الى القداسة .
اذا علينا يا احباء: ان نبدأ حياتنا بداية حسنة نبدأها بالله . عندما نبذل كل جهدنا لنضمن لانفسنا ملكوت الله وبره . فان الرب الذي هو هو يدبر لنا كل امور هذه الحياة حسبما يراه لنا، بل يعطينا ما لم نكن نفكر فيه . فلنصلي معا ونقول: " فلنودع ذواتنا وبعضنا بعضا وكل حياتنا المسيح الاله . آمين