"إهتم لذاتك"
للقديس باسيليوس الكبير
"إهتم لذاتك"ولست أعني أن تهتم لما هو لك أو لما هو حواليك بل أن تهتم لنفسك لا غير. فنحن شيء، وما هو لنا شيء آخر، وما حوالينا شيء آخر إنما نحن بالنفس والروح لأننا كونَّا على صورة الخالق. وأما ما هو لنا فهو الجسد وحواسه. وما حوالينا فهو المال والأشغال وسائر مقتضيات العيش.
فما معنى قول الكتاب اذن؟ – هو أن نهتم للجسد ولا نسعى بكل وجه وراء ما يعود لمصلحته كالصحة والجمال ولذائذ الشهوات وطول العيش. لا تبهرك الفضة والمجد والعظمة ولا تأبه لأشياء جعلت لخدمة هذه الحياة الفانية فتستعظمها وتستخفّ في سبيل الحرص عليها بحياتك التي تفضلها كثيراً. بل "اهتم لذاتك" أي لنفسك فاياها جَمِّل وبها اعتنِ بحيث تنبذ دونها بتيقّظك كل لوثة ناجمة عن اﻹثم وتطهّرها من كل غضاضة تلحق بها بسبب المعصية. حتى إذا ما كسوتها بجمال الفضيلة فاضت إشراقاً.
تفحّص نفسك مَن أنت. واعرف طبيعتك. إن جسمك لمائت وأما نفسك فخالدة.
إنَّ فينا حياةً مزدوجة: حياةً جسدية سريعة الزوال وحياةً نفسية لا نهاية لها.
"فاهتم لذاتك" ولا تتعلق بالزائلات كأنها خالدة ولا تستخف بالخالدات كأنها زائلة. استهن بالجسد فإنه يزول واهتم بالنفس فهي الشيء الخالد، أدرس ذاتك بكل تقصٍّ حتى تعرف أن تقسم لكلٍّ ما يوافقه. فللجسد القوت واللباس، وللنفس تعاليم التقوى والسلوك الحسن والتمرّن على الفضيلة وتقويم الأهواء. فلا تسمن الجسم فوق الحدّ ولا تهتم بإفراط في شواغل الجسد "لأن الجسد يشتهي ما هو ضد الروح والروح يشتهي ما هو ضد الجسد. كلاهما يقاوم الآخر" (غلاطية 17:5) فاحذر أن تفضل الجسد فتولي السلطان الأعلى للأدنى