الليتورجيا، العيد، الأيقونة!.. كلمات ثلاث لابدَّ من التعرف على عمق معانيها، لكي نتمكن من استعمالها بشكلٍ واضح، حين نتأمَّل سرَّ المسيح في طقوس الأعياد الكبرى. وبعد مقدِّمة أساسيّة لهذه المعاني، سأحاول أن أتأمَّل إليكم سرَّ المسيح في عيد الفصح.
الليتورجيا هي احتفال وعيش لسرِّ المسيح
لقد عاشت الكنيسة الرسولية الأولى سرَّ المسيح عندما احتفلت بحضور يسوع الحي والقائم من بين الأموات. فاختبرت اللقاء إليه من خلال طقوسها، قبل أن تعرِّف منهجيّاً عن سرِّ شخصه فيما يُسمَّى "علم اللاهوت في المسيح " أي الخريستولوجيا، والكلمة يونانية مركبة Christo-logia تعني "علم المسيح". فلم تكتب الجماعة المسيحية الأولى، ولم تحاور، ولم تحدِّد العقائد، بل تغنَّت أولاً بعريسها القائم من القبر "كالبارز من خدر". لقد صلَّت ورسمت واستعملت الرموز والحركات، وذلك ما يسمَّى اصطلاحاً "الليتورجيا"، والكلمة يونانية أيضاً Liturgia تعني عمل أو خدمة الشعب. فالليتورجيا، إنها "مدرسة تربوية"، كما يقول بول أفدوكيموف اللاهوتي الروسي المعاصر. يتعلّم المؤمن من خلالها، وبكلِّ ما تحمل من كلماتٍ ومعانٍ وحركات وفنون، وبفعل الروح القدس، الإيمان، ويتمَّرس عليه، فتنمو وتتطوَّر عبر العصور لتعلن حقيقته، وتعيشه منثقفة في حضارة كلِّ زمان ومكان دون أن ترتهن لها.
تأخذ الليتورجيا المقدَّسة مواضيعها من "تاريخ الخلاص" الممتد من بداية الزمان، حيث أبدع الله الإنسان وكرَّس له الخليقة بأسرها وسيّده عليها، حتى نهايته، حيث المجيء الثاني للمسيح. وتستمرُّ أيضاً خلال زمن الأبدية تسبيحاً وتمجيداً لله القدُّوس. بل بالأحرى إن ليتورجيا الأرض هي نافذة السماء، التي يلغى فيها الزمن. فتصبح المعاني، بكلِّ ما تحمل من أحداث ورموز وفنون، زمناً جديداً، لا ينتسب إلى رتابة تدفق التاريخ، بل يمتدُّ متواصلاً في تاريخ الخلاص، بعهديه القديم والجديد وتاريخ الكنيسة المقدَّس وتقليدها الحي، لأنه دخل عهد الأبدية. فتتأوَّن هذه المعاني في كلِّ عملٍ ليتورجي سواء كان رتبةً أم عيداً، أيقونةً أم نشيد. وبالمعنى ذاته، يتبعثر المكان. فينفتح على الكون بأسره دون أن ينتسب إليه. وإذا انتسب، ليستفيد من مواده فقط. ويصبح مكان الخدمة الليتورجية المقدَّسة (الكنيســـة عموماً) سفارة الملكوت العتيد. فيتذوَّق المؤمن من خلال ذلك كلِّه، إطلالةً، ولو غير مكتملة، للخلاص المحقق والمكتمل في شخص يسوع المسيح، الحي دائماً. بانتظار ملء الأزمنة، حيث يستمر لحن المعيدين الذي لا يفتر، ولا تزول صورة جمال القدوس، إنه زمن الملكوت!!
المسيح هو المحور دائماً..
بما أن المسيح هو محور الإيمان المسيحي، يصبح هو نفسه محور الليتورجيا. فحتى حين يستعار العهد القديم، يشاهد فيه. فما كان بالأمس ظلاً ورمزاً، يظهر اليوم حقيقةً وفعلاً. وحين يرقد المسيح في القبر في اليوم السابع، كما تصلي الليتورجيا في معظم طقوسها، يُفسِّر سبوته مستريحاً كخالق بعد إنجازه الخليقة الأولى، ليُعلن أن قيامته، وهي اليوم الثامن، بدء خليقة جديدة. وكما رفع موسى الحية النحاسية في البرية ليُشفى كل من ينظر إليها، يرتفع ابن البشر على الصليب "عود الحياة" ليشفي كل من يؤمن به من خديعة إبليس الأفعى. في القديم توهجت العليقة دون أن تحترق، واليوم العذراء تلمع بنار اللاهوت وتحتويه دون أن تؤذى. المسيح هو حمل الفصح الجديد. هو عمودي النار والغمام اللذين يرشدانا في صحراء حياتنا إلى الملكوت.
إن المسيح هو محور الليتورجيا أيضاً حين تُـأوِّن العهد الجديد. فكلمة "اليوم" المستعملة كثيراً في مختلف الطقوس لا تدلُّ على ذلك اليوم الذي جرت فيه الأحداث وحسب، بل على الزمن الحاضر حيث المسيح الحي يعيش في كنيسة تواصل الخلاص، لذلك نقول مع الأعمى في الطقس البيزنطي للمسيح: " أنت النور الفائق البهاء". ونهتف مع أطفال أورشليم لغالب الموت: "هوشعنا في الأعالي، مبارك الآتي باسم الرب". وحين نحتفل بعيد البشارة نهتف: " اليوم بدء خلاصنا..". وبذات المعنى، تتضرع الكنيسة في أعياد قديسيها، وقد توحدّ الممجَدون والمجاهدون فيها، "إلى المسيح في خلاص نفوسنا". المسيح هو المحور دائماً حتى في أعياد السيدة العذراء. ففي عيد رقادها حسب الطقس البيزنطي مثلاً، حين ترتفع إلى السماء يجتمع "المؤمنون مع مصف الرسل الإلهي ويتكلَّمون بأقوالٍ إلهية مسبحين سرَّ المسيح المذهل". ونجد المنهجية نفسها في أحداث الحياة اليومية، فحين تتعرَّض المدينة الزائلة للزوال يبتهل المؤمنون " مع والدة الإله إلى المسيح "أن يحفظ ويحمي، ويُترك هذا الابتهال في تقليد الكنيسة ليأخذ معانٍ جديدة تتضرَّع الكنيسة من خلاله من أجل كلِّ مدينة على الأرض كأنها ترمز إلى المدينة العتيدة في السماء. هكذا تتطعَّم الأبدية في الزمن الحاضر، ويظهر الزمن الحاضر مطِلاًّ على الأبدية.
العيد!.. أهو خروج عن الزمن المألوف..؟
في رتابة الزمن، يشعر الإنسان بحاجة ملحة إلى التغيير والتجدّد، خصوصاً أمام جمود واقع الضعف الصلب. المسيح وحده يستطيع أن يغيِّر ويجدِّد جذرياً. والقضيّة أولاً وآخراً فعل إيمانٍ به، وبفاعلية قيامته، وبعمق حضوره المستمر. فالكنيسة، منذ نشأتها إلى اليوم، لما آمنت بالمسيح الحي والحاضر والقادر بحبه على كل شيء، عيَّدت له. لذلك لا نستغرب أبداً أن العيد الأول والكبير هو عيد القيامة، حيث قيامة يسوع هي محور الإيمان به. لقد أحيت الجماعة الرسولية الأولى هذا العيد كلَّ يوم أحد، حيث قام الرب حقاً. ولقد سمّت الأحد "يوم الرب" kuriaky . وأقامت الافخارستيا، بحسب وصيّته، لتلخّص وتعيش وتحتفل بالخلاص تعبيراً عن هذا العيد .
تطوّر هذا العيد بمرور الزمن. ليأخذ مع موسمه الأسبوعي كلَّ أحد، محطة سنوية كلَّ ربيع. فمنذ بداية القرن الثاني الميلادي عيَّدت الكنيسة شرقاً وغرباً بشكلٍ خاص وسنوي لقيامة المسيح، فهو الفصح الجديد. وأخذت، شيئاً فشيئاً، تستعدُّ له بزمن تهيئة وصوم ، لتستمر بعد ذلك بالاحتفال الفصحي طيلة خمسين يوماً بانتظار استقبال الروح القدس في عيد العنصرة.
وهكذا، مع التأمل والتفكير طعّمت الكنيسة أيضاً دورة الأيام السنوية بأعيادٍ كبرى كالبشارة والظهور الإلهي والتجلي… واستفادت من بعض الأعياد الشعبية الوثنية آنذاك ومنحتها جذرياً المعنى المسيحي. فاستبدلت مثلاً "عيد الشمس" بعيد الميلاد، الذي أظهر نور المعرفة للعالم وهو المسيح " شمس العدل. وبما أن للشهداء مكانة كبيرة في تقليد الكنيسة الحي، كانت لهم حصة لا بأس بها من الأعياد والتذكارات. ولقد تزامن الاحتفال بأعياد رقادهم مع الاحتفال "بيوم الرب" حيث كانت الافخارستيا تقام على ضروحهم ذكراً لبطولاتهم وتضحياتهم.
لم تتأخر الكنيسة في وضع أعياد كبيرة لأمها السيدة العذراء، كالحبل بها ودخولها الهيكل وأمومتها الإلهية ورقادها. وكما كان للعذراء مكانة في تقليد الكنيسة الحي، اتخذ الرسل والقديسون والأنبياء والآباء والمعترفون والأبرار وكل من فاحت منه رائحة القداسة ما يناسبه من حركة الذكرى والعيد. حتى تنوعت تذكاراتهم بشكل يمسح أيام السنة في مختلف الطقوس الشرقية والغربية. ولا عجب في ذلك حيث أننا نؤمن أن كلَّ من تقدَّس أعلن، في حياته وفي رقاده، سرَّ المسيح. يقول بولس الرسول: " لست أنا الحي إنما المسيح حيٌّ فيَّ" (غلا2/20(.
لا ينطلق التعييد في إيماننا المسيحي من حاجة نفسية إلى تكسير تدفق الزمن، بل إنه متمَحوِرٌ في المعطى الخلاصي لحدث تاريخي هو يسوع المسيح. "فالمسيح مصدر أعيادنا وزينة أفراحنا"،
يظهر المسيح محور الأعياد حتى لغير المسيحيين، ففي رسالة بيلينوس الصغير إلى ترايانوس يذكر أن الجماعة المسيحية الأولى كانت تجتمع فجراً في اليوم الأول من الأسبوع لتنشد نشيداً للمسيح لكونه إلهاً، وهذه العبادة تُلزم المؤمنين به بحياة أخلاقية في غاية الشرف، فلا خوف من المسيحيين. نستنتج من ذلك أنه لا يمكن فصل العبادة عن الحياة الأخلاقية. يقول مار أفرام السرياني: العيد يُلزم حياتنا بالفضائل. كذلك يؤكد الذهبي الفم ارتباط برارة الإنسان بعيشه الفرح الحق فيقول: "إن كان لكَ الوجدان الطاهر كنت في عيدٍ دائم ".
العيد دعوة للفرح مهما بلغت مآسي الحياة. لقد كتب القديس غريغوريوس النزينزي على قبر أمه: "لكِ كان يوم الرب أساس أقوالك وأعمالك.. بحزنك يا أماه كنت تكرمين كل حزن. لا تكفين عنه إلا في الأعياد فقط. كان المعبد لك شاهداً على فرحك وحدادك".
العيد هو استباق "للتنعم بالخيرات الأبدية" وهو أيضاً ذوق للراحة، صورة عن الراحة الأبدية. وهو أخيراً ترقب وانتظار لمجيء المسيح الثاني المجيد.
الأيقونة.. فوتوغرافيا الملكوت!
تتعطل لغة الكلمة !.. وتسكت نغمة الموسيقا !.. وتهدأ حركة الطقس !.. ويكون الإنسان قد بلغ فيض التعبير. وكما السيد، له المجد، فاض به الحب أقصى حدوده خبزاً وخمراً، غذاءً لجوع الإنسان للحياة وتدفقاً لعطشه للفرح، تظهر الأيقونة معطلة كل لغات الليتورجيا ومنسجمة معها في آنٍ واحد، صورة من الملكوت الآتي. فكما يختفي حب الله، الذي جاد بابنه على الصليب من أجلنا، تحت شكلي الخبز والخمر، تأخذ الخطوط والألوان والمواد مشهداً من مشاهد الملكوت. بدون الروح القدس يبقى الخبز خبر تعبنا والخمر ثمر طبيعتنا. الروح عينه يجعل من صورة مباركة مرتعاً حقيقياً للقاءٍ حميم بين الإنسان وربه.
الأيقونة هي لاهوتياً الصورة المقدّسة، المرسومة أو المصوَّرة، التي تتكرَّس من قِبَل الأسقف أو الكاهن ليُصلَّى أمامها، ويُكرَّم من خلالها مَن تمثِّل كالمسيح والعذراء والقديسين، سواء أكان الرسم فيها شخصاً، أو مشهداً من أحداث تاريخ الخلاص في الكتب المقدَّسة وتقليد الكنيسة الحي وتاريخها المجيد.
الأيقونة، رغم أنها وسيلة تعبير جيّدة، منسجمة مع مختلف مستويات المؤمنين الثقافية، هي حقيقة روحية ولاهوتية. فهي لا تصوِّر الحدث أو الشخص كما وُجِدَ في زمانه بل ترفعه فوق الزمان والمكان. فالكنيسة مثلاً، "وإن مثَّلت بالرسم المسيح بشكله البشري، فإنها لا تفصل جسده عن اللاهوت المتحد به ".
وهكذا، لا تعبِّر الأيقونة عن حقيقة الأرض، بل هي صورة من الملكوت. لذلك لا يبخل رسَّامها أن يعمِّدها بصومه وصلاته، ويكتب خطوطها على لوحة من ذهب تشعُّ الزمن الآخر المنهمر من الأبدية، ويخطُّ ألوانها من مواد الطبيعة لعله يرتل من خلالها تأليه الكون بأسره. فيجمع مثلاً ديمتريوس وجاورجيوس في أيقونة واحدة، وما التقيا مرّة في تاريخ البشر. ويُظهر يسوع جالساً على عرش مجده كاهناً عظيماً، وهو مَن وُلِد فقيراً وعاش نجاراً بسيطاً. ويرفع المسيح على الصليب كمن يعتلي سدة الملكوت. وتبدو العذراء، بعد ولادتها "عمانوئيل"، أرحب من السماوات، وكأنها "عرشاً شيروبيمياً". إن الأيقونات صور حقيقية للملكوت.. إنها لغة الصمت !..
قيامة المسيح محور الإيمان به
" إن الإيمان بقيامة يسوع ليس أمراً يضاف إلى الإيمان بالله وبيسوع المسيح، إنه موجز الإيمان وجوهره". لذلك رأينا من خلال المقدمات السابقة تمَحور الليتورجيا والأعياد والأيقونات حول شخصه. سنحاول الآن مشاهدته كما تقدمه لنا طقوس عيد القيامة "العيد الكبير"، "عيد الأعياد وموسم المواسم"
يجدِّد المسيح بقيامته الخليقةَ بأسرها
نجد في "باعوث مار أفرام السرياني" أن قيامة المسيح من بين الأموات هي بعثٌ لخليقة جديدة، وكأننا أمام "حركة إعادة خلق". فيهبط ظلام شديد عشيّة موت المخلِّص "كالليل الذي كان يغمر الأكوان" في بداية الخليقة الأولى، وكما يقول الخالق: "كن، فيكون.." يسطع نور المسيح من قبره فيض الحياة الجديدة. فقيامة المسيح، كما تصلي الليتورجيا الأرمنية في هذا العيد، قد "ألبست الكون حلةً جديدة ونوَّرت وجدَّدت العالم ". وهي "شمس جديدة من كوكب جديد". وتظهر الخليقة "فردوساً جديداً" وتكون قيامة المسيح "زنبقته الجديدة".
ترنِّم الخليقة القديمة، في الطقس البيزنطي، "أناشيد التشييع" للخالق عشية موته على الصليب، لتعيِّد مع الكنيسة، الخليقة الجديدة بأبهى مظاهر الفرح والخشوع فجر قيامته المجيدة.
المسيح هو آدم الجديد الذي يُعيد إلى الإنسان جماله المفقود
تختصر إحدى صلوات عيد القيامة في الليتورجيا البيزنطية مفهوم الخلاص، الذي تغنَّت به الطقوس كافة بشكلٍ وافر ومتنوِّع وجميل، فتهتف نحو القائم من الموت:" أيها المخلص، لقد انحدرت إلى الأرض لتخلص آدم. وحين لم تجده، تابعت انحدارك إلى الجحيم لتبحث عنه، فالمجد لك".
القيامة إذاً في مفهوم الطقوس الشرقية هي نزول المسيح إلى الجحيم وتحرير الثاوين فيها. ولقد عبَّر مار أفرام السرياني بأجمل ما كُتب من شعر في ملحمته "أناشيد نصيبين" عن هذه الحقيقة. لقد تعجّب بوابو الجحيم من هذا الحدث الذي غيّر موازين القوى. فبعد أن تعوَّدوا أن يشاهدوا الإنسان آدماً، آتياً إليهم هشاً، ضعيفاً، يقيدونه بسهولة ويزجونه في اللجج. هاهم يشاهدونه مسيحاً قوياً، يكسر شوكة سلطانهم ويهزم قدرة غلبتهم.
نقرأ في أيقونة النزول إلى الجحيم، وهي أيقونة القيامة، المعاني نفسها منسابة في غاية البهاء والوضوح. فالمسيح ينحدر إلى جوف الأرض، وقد انشقت بموته على الصليب. وحالما يصل إلى الجحيم تتكسر أبوابها النحاسية لتأخذ شكل صليب فيدوسها علامة الظفر. وها هو الذي تعرّى بالأمس على الصليب كآدم الخجل من عريه يتشح بثياب بيضاء براقة كالثلج مشعة كالنور ليلبس آدم صورته المشوّهة حلة المجد. وهكذا يُنهض الجديدُ القديمَ مع كل أبراره. ونلحظ في قعر الأيقونة سيد الظلام، أبو الكذب، إبليس الخدّاع، مقيّداً مهزوماً، متحسراً على تحرير الإنسان. والأيقونة ككل لعلها تأخذ شكل كأس الافخارستيا!؟
المسيح فصح جديد.. ودعوة للولادة الجديدة..
لا يخفى على أحد منّا ما تحمل كلمة فصح من معانٍ عميقة. فهو "العيد الكبير" في العهد القديم، علامة التحرر، "العبور" من عبودية الموت إلى حرية أبناء الله. لقد حقّق المسيح بتقدمة ذاته ذبيحة على الصليب هذه العلامة ليكون "الفصح الحقيقي"، "الكامل الوقار.. المعتق من الحزن". الذي بواسطته يتصالح البشر مع الله ويدخلون "أبواب الفردوس"، "فالفصح فصح الرب، لأن المسيح قد عبر بنا من الموت إلى الحياة، ومن الإرض إلى السماء"
إن حمل الله الفصحي الجديد الذي يرفع خطيئة العالم، هو المسيح "بكر الآب السرمدي"، و"بكر أمه العذراء"، يظهر اليوم، بكر الأحياء بين الموتى". وما موته على الصليب سوى محطة عبور للحياة الجديدة لذلك يهتف بصلوات الكنيسة: "إني حبة القمح ذقت الموت كي أحيا، قلبي من طعن الرمح أسقى حبّه الدنيا، قوتا روحياً حيّاً "
تشاهد الليتورجيا ظلال قيامة المسيح في العهد القديم. فكما أُعيدت الحياة ليونان من جوف الحوت بعد ثلاثة أيام، ينهض المسيح بعد ثلاثة أيام حيّاً من جوف الموت. وكما صارع دانيال الموت في قعر جب الهلاك وتحدّى يوسف الظلام في بئر الحسد والحقد، يقوم المسيح من ظلمات الموت مولوداً جديداً لحياة جديدة يدعو إليها من يؤمن به، فهو المحرر الحقيقي يبهج أحباءه "بعصير كرمته الجديدة"، " فيشربوا شراباً جديداً غير مستخرج بمعجزة من صخرة صمّاء، بل من القبر المفيض الحياة ". ألانشاهد في هذه الصلوات رموزًا للمعمودية والافخارستيا سري الفصح الجديد؟!
المسيح عروس الكنيسة.. النور الذي لايغرب
يُطلُّ سفر نشيد الأناشيد من الكتاب المقدس في زمن القيامة حسب الليتورجيا اللاتينية. وهو شعر عاطفي غزلي في غاية الروعة والجمال، ما كتب يوماً بين حبيبن!.. وذلك لتشاهد الكنيسة من خلاله، استقبالها لعريسها القائم من القبر كالبارز من الخدر، فتزفُّ له مجيدة سنية بلا عيب. ويسرج المؤمنون في الطقس البيزنطي قناديل سهرهم واستعدادهم مع العذارى الحكيمات في رتبة الختن، والختن هو المسيح العروس، طيلة الأسبوع العظيم المهيئ لعيد القيامة السني، فيترقبون وينتظرون المسيح ليدخلوا معه ومع "النساء العفيفات" ردهة العرس، ويقدموا له "كالمجوس" هداياهم، "التسبيح عوض الطيب، والتعييد بدل الأسى"، ويحملون "مصابيح فضائلهم" ممجدين النور الذي لا يغرب.