" طريق الى الفردوس "
تعاليم نسكية وروحية
للقديس باسيليوس الكبير
كيف يهيئ الراهب نفسه
الأساس الأول للذين يرغبون ويبتغون حياة الرهبنة هو أنهم لا يمتلكون شيئاً، وبعد ذلك لابد أن يبحثوا عن حياة العزلة، مرتدين لباساً بسيطاً، محافظين دائماً على أن تكون أصواتهم ونبراتهم في حدود الوقار، وهدوئهم يكون في تواضع، لابد أن يكونوا محافظين على السكوت التام في وجود من هم أكبر منهم، ويسمعون لمن هم أحكم منهم ويظهرون محبتهم لهم بتوقير واحترام، ويعطوا النصائح للذين هم أقل منهم بروح المحبة والوداعة.
لابد أن يتحاشوا الناس الذين يسببون لهم المتاعب، وعلى النقيض من ذلك يجلسون ويفكرون بتعمق ولا يتكلمون إلا قليلاً.
أثناء محادثتهم لابد أن يتحاشوا الغطرسة والثرثرة التافهة، والهزأ والضحك بل على الدوام يشعرون بإحساس الخجل، وأعينهم دائماً تكون ناظرة إلى الأرض، أما أرواحهم فتكون محلقة لأعلى، رافضين الجدال مع الذين يتشككون في طريقنا هذا. لابد أن يظهروا الطاعة لمدبريهم، وينشغلوا بأعمال يدوية ولا ينسوا أبداً هدف حياتهم الأساسي، متهللين بالرجاء، مظهرين طول الأناة في كل حين.
لابد أن يصلوا في كل حين معطين الشكر الدائم لله على كل شيء، متواضعين للكل ومتحاشين الكبرياء. لابد أن يكونوا جادين في كل شيء، محررين أنفسهم من الشرور، يبتغون كنزهم السمائى بحفظهم الوصايا، ويفحصون بدقة دائماً أفكارهم وأفعالهم، لابد إن يبتعدوا عن شهوات العالم والارتباطات الغير مفيدة لهذا العالم، ويمتنعوا عن الحياة المتهاونة، ويسعوا أن يقلدوا حياة الآباء القديسين. ويغبطون حياة الصديقين الذين يعيشون حياة الفضيلة ولا يحسدوهم على هذا، وعلى النقيض إذا قابلوا من هم في تجارب فليشاركوهم دموعهم وأحزانهم ولا يحاولوا أن يلوموهم على تقصيراتهم، ولا يعنفون أي أحد تراجع عن حياة الخطية ويريد أن يتوب، ولا يحاولوا أن يبرروا أنفسهم، ولكن يعترفوا دائماً أمام الله والناس أنهم أول الخطاة.
لا يلوموا المهمل بل يشجعون ضعاف النفوس والقلوب ويشددوا الضعفاء. لابد أن يغسلوا أقدام القديسين ويظهروا لهم حسن الضيافة والمحبة، ويوجدوا السلام في الجماعة الذين يشاركونهم الإيمان، ويتجنبوا الهرطقات، يقرأوا في كتب القوانين الكنسية، ولا يفتحوا أبداً الكتب الدينية المشكوك في صحتها، يتحاشوا المجادلة حول موضوع الآب والابن والروح القدس، ولكن يتكلموا دائماً ويفكروا بثقة وإيمان في الثالوث الغير مخلوق، إنه جوهر واحد، ولو سئلوا في هذا الموضوع لابد أن يجيبوا الإجابات المهمة فقط للعماد وتثبيت العقيدة، حتى يؤمنوا كما نحن أيضا تعمدنا، ويعبدوا الله كما نحن نؤمن به أيضاً.
لابد أن يكون وقتهم كله مشغول بالأعمال والكلام الجيد، ولا يحلفوا البتة ولا يقرضوا المال بالربا، ولا يحاولوا أن يأخذوا مكسباً أو ربحاً على القمح والنبيذ والزيت.
لابد أن يبتعدوا عن الأكل الكثير أو الشرب الكثير، وبعيدين عن التجارة، لا يكذبوا أو يشوهوا سمعة أحد، لا يسعوا أن يقللوا من شأن أحد، ولا يسروا بأي أحد يسمعون عنه أنه يفعل هذا، ولا يصدقوا الإشاعات. لا يسمحوا أن يصابوا باليأس أو السخط أو الكآبة، ولا يغضبوا سريعاً بل يهدأوا بسرعة. لا يردوا الشر بالشر، بل يكونوا مستعدين دائماً أن يقبلوا بسرور من يفترى عليهم أفضل من أن يفتروا هم على أحد ويقبلوا برضاء من يعتدي عليهم ولا يعتدوا على أحد، وكذلك من يخدعهم أما هم فلا يخدعوا أحداً.
فوق كل هذا يجب على كل راهب أن يبتعد عن أي علاقات مع النساء لأنهم يمكن أن يجعلوا الحكيم شارد الذهن.
يجب أن يتبعوا الوصايا بكل قدراتهم، ولا يستسلموا للفتور لكى ينتظروا مكافئتهم ومدحهم من الله، ويتشوقوا إلى تمتعهم بالحياة الأبدية، ولا ينسوا كلمات داود النبي " جعلت الرب أمامي في كل حين لأنه عن يميني كي لا أتزعزع " ( مز 16 )، لابد أن يحبوا الله من كل قلبهم وقدرتهم وفكرهم ونفسهم مثل الطفل، ومثل عبيد لابد أن يحترموا ويخافوا ويطيعوا الله، ويعملوا لخلاصهم بخوف ورعدة. لابد أن يظهروا قوة الروح، بنموهم دائماً بالروح القدس، متقدمين في الإيمان، ومحاربين لهدف واحد هو أن يقهروا عدوهم بإضعاف جسدهم ومسكنة روحهم، حاملين وصايا الله معترفين أمامه أنهم لا شيء. لابد أن يقدموا الشكر لله القدوس المرهوب، ولا يفعلوا شيئاً يؤدى إلى خلق نزاع أو مجد ذاتي، بل كل ما يفعلونه يؤدى إلى إرضاء الله.
لا يفتخرون ولا يتباهون بأنفسهم، أو يسرون عندما يسمعون مديحهم من أفواه الآخرين. لابد أن يتمموا كل شيء بسرية وبدون تباهى منتظرين فقط المديح من الله متذكرين مجيئه المهوب والمجيد، عندما يتركون هذا المكان ويتمتعون بالأشياء الجميلة المعدة لهم من قبل الله، أو يعاقبون في النار المعدة للشيطان وملائكته. لابد أن يتذكروا القول الرسولى: " فأنى أحسب أن آلام الزمان الحاضر لا تقاس بالمجد العتيد أن يستعلن فينا " ( رو 8: 18 )، لابد أن ينظروا للمستقبل ويقولون مع داود النبي " طوبى للذين يحفظون وصاياه لأن لهم مكافأة عظيمة ": الجزاء العظيم، أكاليل الاستقامة، مسكن الأبدية، الحياة التي لا تنتهي، الفرح الغير موصوف، الحياة مع الآب والابن والروح القدس، الله الحقيقي في السماء سيظهر لك مباشرة مع مجموعة المرتلين، بمشاركة الملائكة والآباء والشيوخ والأنبياء والرسل والشهداء والمعترفين والذين أرضوا الرب منذ البدء.
ليتنا نجاهد حتى نوجد مشتركين معهم بنعمة إلهنا يسوع المسيح له المجد والعزة إلى الأبد آمين.