القديس باسيليوس الكبير
إنّ الصلاة تحدّد بأنّها فعل تقوم به نفس تقيّة تطلب به من الله عزّ وجلّ الخير المفيد لها. فهي اذن ليست ترداد كلمات منظّمة لهذه الغاية، لأن الله لا يحتاج الى خطب رنانة ولا الى كلمات فصيحة اذ انّه يعرف ما هو مفيد لنا. وهكذا يمكننا أنْ نحدّد الصلاة بأنها عمل يتمّ في ضمير اﻹنسان وفي داخله، وهي عمل يمتدّ الى كلّ الأعمال التي تنسج حياة اﻹنسان. فاذا أكل اﻹنسان خبزاً، أو شرب خمراً أو لبس ثوباً يصلّي شاكراً الله على إحسانه ومحبته. وعندما يأتي المساء وتميل الشمس الى المغيب يصلّي يشكر الله على النور الذي يهبه الله للعالم، ثم يتأمل في السماء ونجومها فيعظّم الله على صنيعه ويشكره على الراحة التي يهبها الله في النوم في الليل. وهكذا تصبح حياة اﻹنسان صلاةً دائمة.
فوق كل شيء يجب أن نهتمّ لنضبط فكرنا في الله بكلّ وسيلة ممكنة، فنجعل العقل رقيباً صاحياً على الأفكار التي يجذبها الجسد للاهتمام فيما يختصّ به… فلا يدع النفس تخضع لهذا الجذب ولا تتنازل للاشتراك في هذه اﻹهتمامات الباطلة. وكما إنّ الجسد مركز الرؤيا فيه هو العين، كذلك النفس فانّ مركز الرؤيا فيها هو العقل.
إنه واجب علينا أن نصلّي دوماً وبدون انقطاع. "صلّوا بلا انقطاع". (1 تس 7:5) وهل ذلك باﻹمكان؟ إنّ الوصول الى قوة الصلاة ودوامها هي في إستطاعتنا لو شئنا. وهي ليست شيئاً نستحدثه أو نخلقه خلقاً وإنما يمكن ممارستها في كلّ عمل نقوم به مدى الحياة وفي كلّ لحظة من لحظاتها.
الصلاة هي إلتصاق بالله في جميع لحظات الحياة ومواقفها فتصبح الحياة صلاة واحدة بلا إنقطاع ولا إضطراب.
الصلاة يجب أن تفضّل على كل شيء، مرتا مهتمّة بالضياف والمقابلة، ولكن مريم تجلس عند قدمي يسوع. في الأختين نرى غيرة سامية. ولكن هل لك أن تميّز بين العملين. الرب إستحسن غيرة الأختين ولكن فضّل مريم على مرتا. مرتا رمز الخدمة العاملة ومريم رمز وقفة التأمل الهادئة أمام الله في الصلاة، لك أن تقتدي بمن تُحب لأن بكلتيهما سواء بهذه أو بالأخرى سوف تنال ثمرة الخلاص. غير أنّ الأخيرة أفضل من الأولى.. مريم اختارت النصيب الصالح. (لو42:10).
إنّ الصلاة يجب أن تراعي كلّ شيء وكلّ حاجة، فلل اشادة بالمزامير وقت، وللقراءة أو الصلاة وقت، وللقيام بحاجات الجسد وقت أيضاً، ذلك اذا أردنا أن يكون كلّ شيء على وجه لائق ومنتظم. (1كو40:14)
للصلاة شروط حتى تستجاب. منها أن يكون طلبنا موافقاً ﻹرادة الله. (متى 39:26) ومنها الثبات واللجاجة(لو8:11) ومنها إرادة الله أن نصلح سيرتنا قبل اﻹستجابة (أشعيا 15:1)، ومنها عدم إستحقاقنا لما نطلب (1 أيام 4:17) أو عدم إستحقاق من نطلب له (ارميا 11:14) ومنها كون عدم اﻹستجابة أفضل من اﻹستجابة (2كو 7:12).. أما اذا تحقّقت كلّ الشروط فلا شكّ أنّه تعالى يستجيب صلاتنا.
إنّ المزامير تهب النفس الطمأنينة وتعطيها السلام وتهدّئ فيها بلبلة الأفكار وتراكم الشهوات. هذا الكتاب هو كتاب المحبّة… هو سلاح ضد الشيطان.. هو سبب راحة بعد تعب النهار.. هو تعزية الشيوخ هو باعث أفراحنا وأحزاننا المقدّسة.. هو نشيد رائع، هو صوت الكنيسة، هو بخور زكي الرائحة.
المزامير هو الصلاة المفضّلة للمؤمنين. وينبغي للّذين قصدوا أن يعيشوا طبقاً لما يقتضيه مجد الله ومسيحه أن لا يهملوا وقتاً من هذه الأوقات على أني أرى أن التفنّن، وتغيّر الألحان في الصلوات وترنيم المزامير في أوقاتها المفروضة ممّا يفيدنا: لكون النفس كثيراً ما تلبث جامدة ساهية في الجري على نغم واحد بخلاف اﻹفتنان وتنويع الألحان في ترنيم المزامير وتلاوة كل ساعة، فانّهما ينعشان شوقها ويجدّدان انتباهنا.