يقول القديس باسيليوس الكبير أن التجديف على الروح القدس هو في نسب عمله إلى الروح المعادي فكيف يعمل الإنسان هذا؟..
عندما يرى عجائب من الروح القدس أو إحدى العطايا المقدسة في أحد إخوته – أي الندامة، الدموع التواضع، المعرفة الإلهية، كلمة الحكمة النازلة من فوق، أو أي من الأمور الأخرى التي يمنحها الروح القدس للذين يحبون الله – ويقول أن ما يرى هو من خديعة الشيطان. فهو يجدف على الروح القدس الذي يعمل فيهم وأيضاً عندما يقول أن الذين ينقادون للروح القدس كأبناء لله ويطبّقون وصايا ربهم وأبيهم هم مخدوعون من الشياطين. هذا ما قاله اليهود القدماء عن ابن الله. لقد رأوا المسيح يطرد الشياطين ومع هذا فقد جدّفوا على روحه القدوس وبدون حياء قالوا كلماتهم الصفيقة "ببعلزبول ملك الشياطين يخرج الشياطين". لكن هناك مَن يسمع هذه الأشياء من دون سمع ويراها من دون نظر. إنهم يرون كل الأعمال التي يشهد الكتاب المقدس على أنها آتية من عمل الروح القدس، ومع هذا فهم يقولون بدون تردد أنها من السكر والعمل الشيطاني وكأنهم فاقدي الحس، إنهم يرفضون كل الكتاب المقدس من نفوسهم، ويطردون من عقولهم كل المعرفة الآتية منه.
مثل الكفرة والذين لم يطّلعوا أبداً على الأسرار المقدسة، إنهم يشيحون بعيون قلوبهم ويظلِمون بدل أن يستنيروا، وكأنهم لا يستطيعون احتمال الضوء العظيم ولا قوة الكلمات التي يسمعونها عن الاستنارة الإلهية في الفكر والروح، أو المعاينة والتحرر من الهوى، أو الاتضاع والدموع التي تنسكب بعمل ونعمة الروح القدس إنهم يتجرؤون على الجزم بأن هذه الأشياء هي من خديعة الشيطان، ولا يجزعون لا من حكم الله ولا من الضرر الذي يسببونه لسامعيهم،. هؤلاء الرجال الحمقى يؤكدون للجميع، وبدون خجل، أن شيئاً مثل هذا لا يأتي من الله لأي من مؤمني هذه الأيام، إن هذا هرطقة أكثر مما هي حماقة. أن يحيد أحد ما، بأي شكل من الأشكال، عن العقائد الإيمانية التي سبق تحديدها هو هرطقة. أما إنكار أن هناك في أيامنا مَن يحبون الله وقد أُعطوا الروح القدس وعُمّدوا به كأبناء لله وأصبحوا آلهة بالمعرفة والاختبار والمعاينة، فهذا يناقض تجسد ربنا ومخلصنا يسوع المسيح، إنه إنكار واضح لتجديد الصورة التي فسدت وأصبحت عرضة للموت، ولعودتها إلى عدم الفساد والموت.
كما أنه يستحيل على مَن لم يولد من الماء والروح أن يدخل ملكوت الله، كذلك هو الأمر لمَن أخطأ بعد المعمودية إلا إذا عُمّد من فوق ووُلد من جديد، هذا ما يؤكده المخلص في قوله لنيقوديموس "إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله". أيضاً هو يقول للرسل "يوحنا عمّد بالماء أما أنتم فستعمدون بالروح القدس". كيف يحصل على الخلاص مَن يجهل المعمودية التي بها اعتمد كطفل ولا يدرك حتى معناها لا بل يمحوها بآلاف فوق آلاف من الخطايا، خاصةً إذا كان ينكر المعمودية الثانية، أعني المعمودية التي بالروح، المعطاة من فوق بمحبة الله وشفقته لطالبيها بالندامة؟.. إن هذا لا يكون
فعلى الذين قد انتهكوا وصايا الله فدنسوا معموديتهم الأولى، أن يماثلوا توبة داود وغيره من القديسين ويظهروا ندماً لائقاً عن طريق كل أنواع الأعمال والكلمات حتى يجلبوا لأنفسكم نعمة الروح الكلي قدسه، فهذا الروح عندما ينزل عليهم يصبح لديهم مثل بركة من النور تحيطهم كلياً بطريقة لا توُصف، وعندما تجددهم تغيّرهم من فاسدين لعادمي الفساد، من مائتين إلى عادمي الموت، ومن أبناء للبشر إلى أبناء لله وآلهة بالتبني والنعمة. هذا إذا رغبوا في أن يظهروا كأنسباء وورثة للقديسين ويدخلون معهم جميعاً إلى ملكوت السماوات.
هكذا تُعرف المحبة أنها موافقة لله، بأن لا يسعى الإنسان إلى امتلاك الصلاح لنفسه إنما أن يجاهد لتعريف إخوته على ثروات هذا الصلاح وحثهم على السعي إليه وإيجاده والاغتناء به.
لهذا السبب، نجد كلمات النبي "تعالوا إلي واستنيروا ولا تخزى وجوهكم". لكن لماذا؟.. ألأنكم تركتم أنفسكم للتواني والطيش وشهوات الجسد وملذاته، صرتم تقولون أنه يستحيل أن تتنقوا بالندامة وتقتربوا من الله؟..
وهل تدّعون أيضاً أنه يستحيل أن تحصلوا على التبني وأن تكونوا مثله؟..
إنه غير مستحيل، لقد كان مستحيلاً قبل مجيء الرب إلى الأرض؛ لكن منذ أن سُرّ الله ورب الكل بأن يصبح إنساناً "مجرباً في كل شيء مثلنا بلا خطيئة"، قد جعل هذه الأمور ممكنة وسهلة لنا، فقد أعطانا سلطاناً أن نصير أولاداً لله وورثة معه، الذي له كل المجد والشرف الإكرام إلى الأبد. آمين