القديس باسيليوس الكبير
لكى نستحق مدينة الله " الفردوس "
ثياب العماد المقدس:
من رسالة إلى بالاديوس عند عماده:
أنا أشتاق أن أراك، خصوصاً بعدما سمعت أنك قد أخذت الشرف الأعلى، والغطاء الخالد الذي إذ غطانا بالكمال، فهو قادر أن يهذب أجسادنا الفانية، إذ أن الموت يمتص داخل الجزء الذي لا يموت،
إنك قد أصبحت بنعمة الله واحداً من المقربين إذ تحررت من الخطية، وفتح الله لك باب القصر السمائى، وأراك الطريق الذي يؤدى إلى هذا القصر المقدس، وأنا أدعوك يا من تفوقت في الحكمة أن تفرح بهذه النعمة وتفكر فيها، وتنظر لها حتى تحرس هذا الكنز الملوكي، الذي اؤتمنت عليه بالعناية التي يستحقها، فإذا حافظت على هذا الختم سليما حتى النهاية ستقف عن يمين الله، فستبرق مضيئاً في وسط إشعاعات القديسين، بدون أي تشوه أو فساد على ثيابك الخالدة.
احفظ أعضائك التي تقدست كواحد لبس المسيح له المجد، لأنه قيل " كلكم الذين اعتمدتم للمسيح قد لبستم المسيح " ( غلا 3: 27 )، فياليت كل أعضائك تكون مقدسة حتى تستحق أن تتغطى بهذا الثوب المقدس النوراني.
التحرر من الغرائز:
خلق الجنس البشرى على صورة الله وشبهه، ولكن بسبب الخطية تحطم جمال هذه الصورة، وتدنت الروح إلى أسفل بالشهوات الأرضية، وبالتالي فقدت البشرية تشابهها لله، وفقدت توافقها مع الحياة المؤبدة السعيدة، لأنه لا يمكن أن تشعر البشرية بالطمأنينة وهى بعيدة عن الله.
ليتنا نعود إلى حالتنا الأولى التي للنعمة، والتي طردنا منها بسبب خطايانا، ونعود مرة أخرى إلى صورة الله وشبهه، وبذلك نكون كالخالق في تحررنا من الشهوات.
أولاً: ليتك تستطيع أن تجعل حياتك في هدوء ولا تميل قلبك مع الشهوات، فإنك بذلك تحولها إلى الطبيعة الإلهية بقدر الإمكان، وبذلك ستعود روحك إلى صورة الله.
وعندما تصل إلى هذا التشابه مع الله فإنك ستصل أيضا إلى صورة الحياة السمائية التي تدوم بغير نهاية في الأبدية السعيدة.
وإذا كنا بتحررنا من الشهوات نستطيع أن نسترجع صورة الله التي تعطينا الحياة المؤبدة السعيدة، دعونا إذا نتجاهل كل الأمور، ونركز على التفكير في هذا الموضوع بالذات، وبذا سوف تتحرر أرواحنا ولا يمكن أن تسود عليها الشهوات مرة أخرى، بل وسيبقى عقلنا ثابتاً وغير مقهور أمام أي من الإغراءات، حتى نستطيع أن نشارك في قدسية الله.
البتولية إذا فهمناها بالحق، بحسب الإحساس الروحي، نستطيع أن نصل إلى هذا الهدف. لأن رفض الزواج لا يمكن أن يكون بتولية حقيقية، بل لابد أن تكون بتولاً في أمور حياتك وطباعك، وتظهر نقاء البتولية في كل شيء تفعله، لأن شهوة الزنا من الممكن أن ترتكب بالكلام، وأيضا بالنظر، بل وأيضا بالسمع، ويصير القلب كله دنساً وملوثاً، بل وإذا تعدينا حدود الاعتدال في الأكل أو الشرب نتدنس أيضاً.
لو استطعت أن تحكم نفسك في قانون البتولية هذا، ستجد نعمة البتولية بكل أشكالها كاملة في داخلك.
الطهارة ليست قاصرة على الجسد:
إذا أردنا بالحقيقة أن تكون أرواحنا شبيهه بالله، ومتحررة من الغرائز، حتى نستطيع أن نصل إلى الحياة الأبدية، دعونا إذا ننظر إلى حياتنا بالحقيقة ولا نخالف وعودنا، ويُحكم علينا مثل حنانيا
( أع 5: 1 – 11 )، لأن حنانيا كان قد وعد الله أن يعطيه كل أمواله، آملاً في أن يحوز مجداً من الناس، ولكنه بحجزه جزءاً من ثمن بيعه لممتلكاته، لم يجنى إلا غضب الله من خلال كذبه على معلمنا بطرس الرسول، ولم يكن له في قلبه مكاناً للتوبة.
فلهذا يا من أردت البتولية، الأفضل لك أن تتبع طريق الزواج الطبيعي مع الاهتمام بحياتك الروحية وتنفذ الوصايا الإلهية إذا لم تكن تستطيع أن تحفظ ما أردت.
أما من نذر البتولية لابد أن يحفظ نفسه وجسده طاهراً فلا يفعل كما يفعل البعض إذ يهتمون بطهارة أجسادهم فقط، بل يلزمك أن تعتبر أن كل نوع من التصرفات في سلوكك محسوباً عليك، فلابد أن تكون نقيا من أي رذيلة من رذائل هذا العالم: الغضب، الغيرة، الحقد، إهمال الصلاة، إهمال الوصايا، محبة الأشياء الفانية، ارتداء ملابس غالية الثمن، استعمال أدوات التجميل، المقابلات والمناقشات الغير ضرورية والغير مقبولة.
كل هذا تحتاجه بنفس الدرجة من اليقظة، لأن الوقوع في أي من هذه يعتبر خطراً على حياتك الروحية، لأنه في حالة وقوعك في أي من هذه التصرفات المرذولة ستتحطم نقاوة روحك، وتبتعد عن الطريق السمائى.
الذين زهدوا العالم لابد أن يكونوا يقظين، ويحترسوا من أن يدنسوا ذواتهم التي هي أنية لله، لأنك لو أردت أن تكون كالملائكة، فإنك لابد أن تمر أولاً بحالة نقاوة الجسد، ثم تعبر بعد ذلك إلى مرحلة غير الجسدانيين ( الروحانيين ). لأن الطبيعة الملائكية ليست متحررة من قيود الزواج فقط، بل حائزة في داخلها على جمال الطبيعة الملائكية في أنها تنظر إلى وجه الله بصفة دائمة. لأنه لا يوجد أعظم من هذا، أن تنظر إلى وجه الله باستمرار، لأنك لو نذرت أن تعيش عيشة الملائكة ثم سمحت لنفسك أن ترتكب أي رذيلة من هذه السابق بيانها، فإنك في هذه الحالة تشبه من يلبس جلد النمر الذي شعره ليس أبيضا ولا أسوداً، بل أنه خليط من البقع السوداء والبيضاء، ولذلك لا تستطيع أن تصفه بأنه أبيضاً أو أسوادا، هذه هي حالة الذين يمزجون في أنفسهم بين حياة العالم والحياة المقدسة.
المُرشد في حياة الشركة:
كل الذين يريدون أن يعيشوا في حياة مشتركة لابد أن يكون لهم مرشد روحي، واحد يدبر الجماعة، ويختار بشروط معينة.
لابد أن يكون المرشد مثالاً أعلى في حياته وطباعه وطريقة أحاديثه، ولابد أن يكون سنه مناسباً، لأنه من الطبيعي للبشر أن يعطوا احتراماً أكثر للذين هم متقدمين في العمر.
فإذا اختير المرشد بحسب هذه الشروط، لابد أن تعطى له سلطة تامة، ويأمر بالطاعة الفورية له من كل الذين هم في نظام الشركة، مادامت هذه الطاعة تؤدى إلى حياة هادئة جيدة، وحياة تلمذة حقيقية، مثلما قال معلمنا بولس الرسول " إننا لا نقاوم السلطات التي تفرض علينا من الله " ( رو 13: 1 )، لأنه إذا فعل أحد ضد هذا، فلابد أن يعاقب من الله، فلابد أن يعلم الجميع أن هذه السلطة قد أعطيت له من الله حتى نضمن أن التقدم دون عائق طالما يعطى نصائح مفيدة ونافعة.
من أجل كل هذا لابد أن يكون القائد مثالاً صالحاً لكل الذين ينظرون إليه، وحاوياً في داخله لجميع الفضائل الروحية، ويكون مثل ما قال به معلمنا بولس الرسول: " بلا لوم كوكيل الله، غير معجب بنفسه، ولا غضوب…….متعقلاً، باراً، ورعاً، ضابط لنفسه، ملازماً للكلمة الصادقة التي بحسب التعليم، لكى يكون قادراً أن يعظ بالتعليم الصحيح " ( تيطس 1: 7 – 9 )، وأعتقد أنه من المهم أن تفحص كل حياته، ولا ينظر فقط إلى عمره، لأنه ربما وجدنا تصرفات غير ناضجة لشخص ذو شعر أبيض ووجهه ملئ بالتجاعيد، وأيضا لابد أن تكون تصرفاته وأخلاقه ناضجة ومقبولة، حتى يكون لكل تصرفاته وأقواله قوة القانون، وله التقدم في هذه الحياة المشتركة.
أما من جهة العائشين في هذه الحياة المشتركة فأنه يتعين عليهم أن يتبعوا أسلوب معلمنا بولس الرسول، ويعملون بأيديهم حتى يأكلوا خبزهم اليومي، وهذا العمل أيضاً لابد أن يكون تحت إرشاد رئيس الدير، الذي ينظم أعمالهم حسب الحاجة، حتى لا نحتاج إلى الخروج خارج الدير لسداد احتياجاتنا اليومية.
لابد أيضا أن نتبع قانون الاعتدال في كل أمور حياتنا، فلا تغالي في النسك حتى الجوع، أو الإفراط حتى السمنة، لأن الإفراط في كلا الحالتين سيؤدى إلى أضرار متساوية، وبذلك نتجنب السير بالتهاون في حياة متساهلة أو نؤذى أجسادنا ونضعفها ونجعلها متكاسلة، لأن أرواحنا في كلتا الحالتين ستحرم من جهادها الذي تسعى بواسطته لتحصل على المواهب الروحية، لأنها ستكون محطمة ويتسلط عليها إحساس الألم، وتهبط إلى أوجاع الجسد الضعيف المريض.
لابد أن تكون حياتنا كلها وقت صلاة، حتى نصل إلى حالة الصلاة الدائمة.
مداخل الأديرة لابد أن تغلق أمام النساء، وتفتح فقط للرجال الأتقياء، لأن الزيارات المتكررة تعطى فرصة للمناقشات الغير ملائمة والغبية، التي تؤدى بالتالي إلى أفكار غبية وغير نافعة.
وبهذا لابد أن تكون القاعدة العامة إنه لو كانت هناك أية محادثة ضرورة يجب على رئيس الدير فقط أن يجاوب، أما الآخرين فلا يجاوبون على أية أسئلة توجه لهم من قبل الزوار لئلا يتحطموا من الكلام الغير مفيد.
لابد أن يكون هناك مخزن مشترك ولا يضع أحد فيه أي شيء خاص له مثل ملابس أو أحذية أو أي شيء آخر من المتطلبات الجسدية، مسؤولية رئيس الدير أن يقرر ماذا يفعل بهذه الأشياء ويعطى كل واحد حسب احتياجاته من المخزن المشترك.
المحبة داخل الجماعة:
قانون الحب لا يسح بالصداقات الشخصية داخل الجماعة، لأن المحبة أو المودة الشخصية ستؤثر بخطورة على الانسجام الكلى، يجب على كل واحد أن يعطى حباً متساوياً لكل أحد، ويحافظ على مستوى واحد من المحبة لكل فرد في الجماعة، ولو شعر أحد بإحساس محبة زائد لراهب زميله وقد يكون أخيه أو قريبه، أو حتى لا تربطه به علاقة، فأي عذر يقدمه يعتبر مرفوضاً ولابد أن يؤدب لأنه حطم كل المجتمع. لأنك لا تستطيع أن تحب إنساناً هكذا بدون أن يحدث نقص من محبتك للآخرين.
التأديب داخل الجماعة:
عقاب أي أحد يرتكب خطأ لابد أن يكون متناسباً مع مقدار هذا الخطأ، فيمكن أن يأدب بأبعاده عن التسبحة أو عدم مشاركته في الصلاة الجماعية أو إبعاده عن أن يشترك في الغذاء.
الأب الراهب المخصص لرعاية التلاميذ يقرر التأديب المناسب لهذا الجرم الذي أرتُكب.
الخدمة في الدير:
لابد أن تؤخذ بالدور، اثنين من الرهبان في تتابع كل أسبوع ليعملوا الأعمال الضرورية، وبالتالي الكل يشترك في أعمال الاحتياجات البشرية، ولا يسمح لأحد أن يتفوق على الآخرين في القيام بالأعمال الجيدة، وكل واحد يسمح له بالراحة لأن عند تعاقب العمل والراحة لا نشعر بالتعب والإرهاق.
الخدمة خارج الدير:
رئيس الرهبان لابد أن تكون له القدرة على اختيار من يعتبرهم مناسبين للخروج في رحلات إذا احتاجوا، ويبقى في داخل الدير الذين أفضل لهم عدم الخروج.
لأنه لابد أن تتذكر أنه عندما يكون الرجل صغير السن حتى لو أخذ كل الاحتياطيات ليضمن تحكّمه في نفسه، لابد أن يبعد عن أن يراه أحد حتى لا يعثر أحداً أو يُعثر بأحد.
لابد أن لا توجد أي علامة من علامات الحقد، الغضب، عدم التسامح بين الرهبان، ولا يسمح بأي حركة، لفتة، كلمة، نظرة، تعيير، أو أي شيء من هذا القبيل، فأي شيء من هذا يعتبر مزعجاً للجماعة.
لو وجد أي أحد مذنباً في هذه الأخطاء لا يسمح له بأن يدافع عن نفسه ليعتذر عن هذا الخطأ، لأن الخطأ هو خطأ بدون أي اعتبارات لأي ظروف دفعته لارتكاب مثل هذا الجرم.
عندما ينتهي اليوم، وكل الأعمال الجسمانية والروحية تنتهي أيضاً، كل أحد لابد أن يفحص ضميره قبل أن ينام، وإن كان قد ارتكب أي فعل خطأ، أو فكّر تفكيراً مرفوضاً، أو تكلم كثيراً أو أهمل في الصلاة أو أهمل حضور التسبحة، أو فكّر بحنين للعالم الخارجي، فلابد أن يعترف بهذه الخطية أمام كل الجماعة وبالتالي ستغفر له خطيته بصلواتهم جميعاً عنه.
الآن وقت التوبة:
نحن الذين تجمعنا هنا بنعمة الله، وهدفنا الواحد هو التعبد لله فقد تجمعنا في مكان واحد باسم إلهنا يسوع المسيح. لذا شعرت أنه لابد أن أتكلم: فلنتذكر باستمرار قول معلمنا الرسول بولس: " ثلاث سنوات لم أكف ليلاً ونهاراً أن أحذر كل واحد منكم بدموعي "، والآن هو وقت مناسب، لأن هذا المكان يعطينا سلام وحرية كاملة من متاعب العالم الخارجي، ليتنا نصلى جميعاً أن يعطينا الخبز ( الحقيقي ) اليومي وتصلك نصيحتي، حتى تشبه الأرض المخصبة التي تنتج ثماراً ناضجة، وبكميات وفيرة كما هو مكتوب.
أنا أسألك بنعمة الله الآب وإلهنا يسوع المسيح الذي مات لأجل خطايانا، أن تظهر كل خبايا روحك وتتوب عن تفاهات حياتك السابقة، وتبذل قصارى جهدك حتى تفعل الأشياء التي تظهر عظمة الله الآب والمسيح والروح القدس.
ليتنا نترك حياة الفساد، حياة التهاون والاسترخاء، التي تجعلنا نفقد الفرصة إذا ظهرت، سواء الآن أو غداً أو في المستقبل البعيد، لئلا يأتي بغتة ويأخذ أرواحنا، ويلقى بنا خارج مكان العرس، حيث تذرف الدموع الغير مجدية، وبدون فائدة، ونرثى لحياتنا المريضة، ففي هذا الوقت تكون التوبة قد تأخرت جداً. قال معلمنا الرسول بولس : " هوذا الآن وقت مقبول، هوذا الآن يوم خلاص " ( 2كو 6 : 2 )، الآن هو وقت لنا للتوبة والعمل وليظهر صبرنا، أما في المستقبل فسنجد لنا للتوبة والعمل وليظهر صبرنا، أما في المستقبل فسنجد المكافأة والتعويض والراحة، لأنه في الوقت الحاضر يساعدنا الله لنقف ضد أفكار الشيطان، أما في المستقبل فسيصبح صارماً، وسيكشف بإصرار كل الأفعال والكلمات والأفكار.
الآن يمكن أن نتمتع برحمته المترفقة ولكن بعد ذلك سيظهر لنا عدله، عندما تقوم القيامة الثانية، فالبعض يقوموا إلى قيامة الدينونة والآخر إلى قيامة الحياة الأبدية، كل يحاسب كأعماله.
إلى متى سنستمر في تركنا للمسيح الذي دعانا لمملكته السمائية؟ أيمكننا أن نتناول الثمار الجيدة التي أعدت لنا بتركنا عاداتنا القديمة، حتى نعيش حياة كاملة كما نجدها في الإنجيل ؟
ليتنا نضع أمام أعيننا باستمرار هذا اليوم الرهيب المحدد لإلهنا، الذي فيه يأتي الذين عاشوا حياتهم، وهم يمارسون أعمال لائقة عن يمين الله، ويدخلوا إلى المملكة السمائية، أما الذين لم يفعلوا فيلقوا في نار جهنم حيث الظلام الدائم، وهناك يكون الصراخ وصرير الأسنان.
الجهاد القانوني:
كلنا نبتغى الوصول إلى المملكة السمائية، ولكننا نهمل الأشياء التي تضمن لنا الدخول إلى هناك. وبالرغم من أننا لا نعمل أي مجهود لتنفيذ وصايا إلهنا، مازلنا نتصور بجهلنا أننا سنكسب تلك الأمجاد، كالذين حاربوا ضد الخطية باستمرار حتى الموت.
كيف يملئون أيديهم بحزم القمح الذين في وقت الحصاد جلسوا في البيت لا يفعلون شيئا؟ كيف جمع العنب من الكرمة الذي لم يزرع ولم يبذل أي جهد؟ الذين يعملون يجنون الثمار والذين ينتصرون يتوجون في النهاية.
كيف ينال أحدٌ إكليلاً دون أن يستعد ليقابل خصمه أولاً؟ أيكفى أن نكون متنصرين ( أي مسيحيين )، لكن لابد أن نكون مجاهدين في ضوء الوصايا، ولكن نتمسك بكل الأوامر، لأنه له المجد لم يقل طوبى للعبد الذي يجده سيده يعمل هواه بل " يعمل ما أُمر به ". لأنك لو عملت بحسب عقلك فقط ولكنك لم تسلك بالطريقة القانونية فيعتبر ذلك خطية عليك.
إذا شعر أحدكم أنه مقصر في شيء في وصايا إلهنا له المجد فلابد أن يجلس مع نفسه ويحاسبها، والرب له المجد وعدنا بأن يعطينا روحه القدوس ليعلمنا كل شيء.
قال الرب له المجد: " الكلام الذي تكلمت به هو يدينه في اليوم الأخير " ( يو 12: 48 )، يقول ربنا له المجد أيضاً: " وأما ذلك العبد الذي يعلم إرادة سيده ولا يستعد، ولا يفعل بحسب إرادته فيضرب كثيراً، ولكن الذي لا يعلم ويفعل ما يستحق ضربات يضرب قليلاً " ( لوقا 12: 47 ).
ليتنا نصلى حتى أستطيع أن أعلمكم الكلمة بدون لوم وحتى تكون مثمرة داخلكم، وأننا نعلم أن كلمات الكتاب المقدس ستسبقنا إلى مكان العدل الإلهي للمسيح له المجد.
ليتنا نلتفت باهتمام لكل الكلمات التي قيلت لأجلنا ونسعى لتنفيذ وصايا الله، لأننا لا نعلم في أي يوم أو في أي ساعة يأتي الرب.
أنفصل عن الكل وأهتم فيما لله:
أي إنسان يريد بالحقيقة أن يتبع الله لابد أن يكون متحرراً من القيود التي تربطه بهذه الحياة، وحتى يحدث هذا لابد أن نغير تماماً طريقة حياتنا الماضية.
بالحقيقة لو لم نتحاشى دائماً الأفكار التي تستحوذ على عقولنا، ونتباعد عن متعلقات هذا العالم، لا يمكن أن ننجح في أن نفرح قلب الله، لابد أن نفكر بطريقة أخرى كأننا لعالم آخر، كما قال معلمنا بولس الرسول " يبتغون وطناً أفضل أي سماوياً " ( عب 11: 16 )، وربنا يسوع المسيح قال بكل وضوح " من لا يترك كل شيء ويتبعني لا يستطيع أن يكون لي تلميذاً " ( لو 14: 26 )، فلكي نصل إلى هذه الدرجة، لابد أن نكون يقظين على الدوام حتى لا تتشتت أذهاننا، بل لنتحفظ جيداً بالتفكير النقي في الله، حتى ينطبع في أرواحنا كختم لا يمحى.
فإذا حافظنا على هذا التدريب، فإننا نحظى بحب الله لنا، وهو أيضاً سيساعدنا لنحفظ وصاياه، وهى بالتالي تحفظنا بأمان حتى النهاية.
قال الرب يسوع المسيح له المجد " الذي يحبني يحفظ وصاياي "، وقال أيضاً " إن حفظتم وصاياي تثبتون في محبتي"، وقال أيضاً " كما أنى أنا قد حفظت وصايا أبى وأثبت في محبته " ( يو 15: 9).
ليتنا نضع الله في تفكيرنا:
الله يعلمنا أن نعمل وفقاً لإرادته، لأنه هو الذي أعطانا الوصايا، فلابد أن نحوّل كل إشتياقاتنا إليه، كما قال له المجد: " نزلت من السماء ليس لأعمل مشيئتي بل مشيئة الذي أرسلني" ( يو 6: 38 ).
إن كل النشاطات اليومية المختلفة لهذه الحياة لها هدفها وطرقها الخاصة، كذلك الحياة الأبدية لها قوانينها وتداريبها التي نعمل في ضوئها كل أعمالنا، حتى ننفذ كل وصايا الله بحسب مشيئته. يستحيل لأعمالنا أن تكمل بالطريقة السليمة ما لم تنفذ تحت طاعته وبكل دقة، ولكي نكون حذرين ونعمل أعمالنا حسب إرادة الله، لابد أن نضع الله في تفكيرنا، كمثل الفنان الذي يعمل تمثالاً منحوتاً لشخص معين، لابد أن يضعه كل الوقت في ذاكرته، حتى يستطيع أن يعمل الشكل والحجم السليم، لأنه لو لم يضع هذا في عقله فأنه سيصنع شيئاً آخر يختلف عن المطلوب منه عمله.
وبنفس الطريقة وجب على كل المؤمنين أن يكرسوا كل أفكارهم وكل طاقاتهم، حتى يحققوا مشيئة الله، بكل حرص ونشاط حتى يفوزوا بقصده الإلهي وينالوا إكليل الحياة الأبدية، يقول داود النبي " جعلت الرب أمامي في كل حين لأنه عن يميني لكى لا أتزعزع " (مز 16: 8)، ويقول معلمنا بولس الرسول: " فإذا كنت تأكلون أو تشربون أو تفعلون شيئاً فافعلوا كل شيء لمجد الله " (1كو 10: 31)
" هكذا يضئ نوركم أمام الناس " ( مت 5: 16 )
رسالة إلى شعب " ببريه ":
لقد وصلتنا أخباراً مفرحة عنكم أيها الأعزاء، وعرفنا جهاداتكم وصولاتكم العميقة، وكيف أن الرب قد كافأكم بثباتكم في إيمانكم بالمسيح له المجد. ربما تتعجبون كيف وصلتنا هذه الأخبار، ولكن الرب قد أكّد أن الذين يظهرون مثل هذا الإيمان الرائع، لابد أن يوضعوا في مكان بارز مثل المنارة، التي يشع ضوئها على كل العالم.
إن مكسب الانتصار يفوز به الغالب في النضال، ومهارة العامل هي التي تظهر فهمه للعمل، كذلك مثل هذه الأعمال لا يمكن أن تنسى أو تختبئ، فقد قال الله له المجد: " فإني أكرم الذين يكرمونني "
( 1صم 2: 30 )، هو سوف يكرم هؤلاء الذين يظهرون ثباتاً تاماً في إيمانهم بالمسيح له المجد، وسوف يمجدهم أمام الجميع مثل بريق أشعة الشمس.
نحن نبتهج ونصلى معكم ونطلب من إلهنا كلنا الذي نعمل لأجله وحده، ويده تساعدنا في جهادنا في هذه الحياة، أن يرسل لكم التشجيع، ويوقى نفوسكم، ويحضر أعمالكم أمامه حيث تجدون نعمة في عينيه، له المجد إلى الأبد.
لو كان المسيح في حياتنا
من خطاب إلى إيوباترياس:
أنا سررت عندما استلمت رسالتك الرقيقة، لأنك استطعت أن تعطى صورة كاملة عن نفسك فيما كتبت عن " الذين يرغبون في الاختلاط مع الناس الذين يحبون الله، ويستفيدون بهذه العلاقة "، إن وصول مثل هذا الخطاب يوضح فهمك الكثير عن الله، وهذا وحده سبب سروري العظيم. إذ لو كان المسيح في حياتنا ، لكان كل كلامنا عنه، وكل شيء نفعله، وكل فكر يكون في إطار تعاليمه، وبذلك تكون أرواحنا على صورته.
لقد ثبتنا قانون الإيمان الذي تقرر من آبائنا في " نيقيا " لكل المؤمنين، وهو إن الابن متحد مع الآب ومن نفس الطبيعة، مساوٍ له في الجوهر نور من نور، إله من إله، صلاح من صلاح، وكل هذه الصفات التي وافق عليها الآباء القديسون، نشهد نحن عليها الآن ويشهد معنا كل الذين يتبعون خطواتهم.