الفصح المسيحي، وإن بدا مشابهًا للفصح اليهودي ومتزامنًا معه من حيث الشكل، فهو دعوة شاملة لجميع الأمم ليجتمعوا إلى مائدة "عرس الحمل"[1]، وأضحى فصح الابن الوحيد، فداء البشرية جمعاء، الذي هو حَمَلُ الفصح الحقيقي الذي ذُبح لأجلنا[2]. وبالتالي نرى في الخروج رمزًا لحقيقة الفصح الذي جاء به المسيح كعبور البحر الأحمر، والمن والصخرة[3]، وكما جعل موسى الدم على عارضتي الأبواب والعتبة العليا دلالة على الصليب الذي هو خشبة الخلاص موضوع فخر بولس وكلّ المسيحيّين[4]، والذي هو "قوّة الله"[5] لمَن يسلك طريق الخلاص[6]. كذلك يكون دم المسيح "الحمل الذي بلا عيب"[7]، فداء ودعوة للعالم أجمع للخروج والعبور من الظلمة إلى النور[8]. لذلك أمر الله موسى أن يكون حمل الفصح "بلا عيب، ذكر حولي"[9]…
إنّ العهد الجديد، الذي لم يعد لشعب واحد بل لجميع شعوب العالم، قد حرّر الناس الذين لبّوا الدعوة، من حياة الوثنيّة إلى حياة الله فتطهّروا بدم حمل الفصح الكريم، دم المسيح[10]…
نرى أنّ المسيح يلقّب بالحمل في أكثر أسفار العهد الجديد، كيوحنّا في الإنجيل وفي رسائله وخاصّة في الرؤيا. وبولس يقول: "دخل المسيح القدس… بدمه" [11]…
وإنّنا بدم المسيح قد تقدّمنا. "لذلك تألم يسوع أيضًا في خارج الباب ليقدّس الشعب بذات دمه"[12]، وهذا تجسيد وتحقيق للرمز الذي فعله موسى يوم رشّ على الشعب نصف الدم وقال: "هوذا دم العهد الذي عاهدكم الربّ به…"[13] أي أنّ العهد كان بين الله وبين الشعب بواسطة الدم، والمسيح قد عاهدنا بدم ذاته "خذوا كلوا منه كلّكم هذا هو جسدي… اشربوا منه كلّكم هذا هو دمي للعهد الجديد"[14]…
إنّ فصح المسيح بدأ في الهيكل إذ أقام من جسده هيكلاً جديدًا هو جسده القائم من الموت[15]. فصح المسيح هو فصح الخبز الذي كثّره[16]، وهو الخبز الذي سيحوّله إلى جسده ليلة الفصح القديم وينقل هذا الفصح إلى فصح جديد دائم: "أنا الخبز الحي الذي نزل من السماء…"[17].
قد أقام يسوع عهدًا جديدًا عبر العهد الذي أقامه موسى مع الله[18] وبهذا العهد يرسم موته على أنّه حمل العهد الجديد، وقد وافق بين موته على الصليب ذبيحة حقيقية، ولم يُكسَر له عظم[19]، وبين ذبح خروف الفصح، الذي لا يُكسَر له عظم[20]، وذلك في اليوم الرابع عشر من الشهر القمري، وهكذا افترق الفصح المسيحي رتبة وطقسًا عن الفصح اليهودي ومعنىً أيضًا، ولئن دلّ الفصح اليهودي على الخلاص، ولكنّه خلاص من أسر زمني انتهى بموت الضحيّة و"رّش دمها على جوانب المذبح وعلى الشعب"[21]، وفصح المسيح يدلّ أيضًا على خلاص، ولكنّه خلاص أبدى لا تشوبه شائبة، هذا ان أتينا إليه بتوبة صادقة وقلب مستقيم.
أقام لنا المسيح الفصح الدائم : يــوم الأحـد
قام المسيح من بين الأموات في اليوم الأوّل من الأسبوع[22]، وفي اليوم الأوّل من الأسبوع وجده اثنان من الرسل وعرفاه عند كسر الخبز[23]. فراح المسيحيّون يقيمون ذبيحة الفصح يوم الأحد اقتداء بالرسل، أو ذبيحة الحمل، وأصبح اسمه يوم الربّ، وهذا اليوم يذكّرنا بذبيحة الفداء والقيامة والخلاص من أسر الشيطان، وفيه وفي سائر الأيام نأخذ بالسير قدمًا نحو أرض الميعاد السماوي…
وبما أنّ المسيح قد أضحى ذبيحتنا الفصحيّة، علينا أن نحتفل بالفصح الدائم نابذين الخميرة القديمة الفاسدة ، ونصبح فطيرًا للطهارة والحقيقة[24]، ونعيش معه سرّ الفصح بموتنا عن الخطيئة ، ونقوم معه لحياة جديدة[25] وندفن معه بالمعموديّة وبها نقوم معه أيضًا[26]. فالفصح المسيحي صار أكثر جديّة وأكثر قداسة ممّا كان عليه أو هو عليه الفصح اليهودي. لأنّ الفصح اليهودي هو رمز أو ظل الأمور المستقبليّة للحقيقة التي هي جسد المسيح[27]، وقد جاء في ذلك أيضاً قوله: "ولمّا كانت الشريعة تشمل ظلّ الخيرات المستقبليّة، لا على جواهر الحقائق، فهي عاجزة أبد الدهور…"[28]. إذ أنّ المسيح بعد كلّ هذه الرموز، قد جاء بالحقيقة الكاملة بحياته البشريّة[29] والإلهيّة، وبصلبه بالجسد[30] وقيامته المجيدة نقلَنا من الرمز إلى الحقيقة ومن الموت إلى الحياة[31]…
الفصح اليهودي يقوم بذبح الثيران والعجول والخراف ورشّ الدم[32] أمّا فصح المسيح فهو دائم وقائم على ذبيحة المسيح وموته وقيامته، وهذا واضح في ذبيحة القدّاس الإلهي الذي هو امتداد لذبيحة الصليب الدمويّة…
[1] رؤيا 19/7-9.
[2] 1 قورنثس 5/7.
[3] 1 قورنثس 10/1-6.
[4] غلاطية 6/14.
[5] 1 قورنثس 1/18.
[6] راجع خروج 12/7 و22 الدم على الأبواب.
[7] 1 بطرس 1/18-19.
[8] 2 بطرس 2/9.
[9] خروج 12/5.
[10] 1 بطرس 1/19.
[11] عبرانيّين 9/12.
[12] عبرانيّين 13/12.
[13] خروج 24/8.
[14] متّى 26/26-27 مرقس 14/22-23 لوقا 22/19-20 و1 قورنثس 11/23-27.
[15] يوحنّا 2/19-21.
[16] متّى 14/18-21 ومتّى 15/32-38.
[17] يوحنّا 6/51…
[18] راجع خروج 24/4-8.
[19] يوحنّا 19/29-36.
[20] خروج 12/46.
[21] خروج 24/4-8.
[22] مرقس 16/2
[23] لوقا 24/30 و41-43 ، ومرقس 16/14 يوحنّا 20/19-26 و21/1-14.
[24] 1 قورنثس 5/6-8.
[25] روما 6/3-11.
[26] كولوسي 2/12.
[27] كولوسي 2/17.
[28] عبرانيّين 10/1…
[29] عبرانيين 5/7
[30] 1 بطرس 3/18.
[31] يوحنّا 5/24.
[32] عدد 19/9.