منذ البدء، استخدم الرب يسوع وتلاميذه انشاد المزامير والتراتيل في صلواتهم الجماعية( مت 30:26، مر 26:14، لو 37:19، أع 25:16.) ومنذ البدء أوصى الرسول بولس أعضاء الكنائس المؤسسة حديثاً: "… بل امتلئوا بالروح مكلّمين بعضكم بعضاً بمزامير وتسابيح وترانيم روحية مترنمين ومرتّلين في قلوبكم للرب"( اف 18:5-19، انظر كو 16:3، وعب 12:2) . على هذا الأساس استمرت الكنيسة في استخدامها المزامير والتسابيح والترانيم الروحية في عبادتها (هناك ترانيم في عبادة الكنيسةالارثوذكسية ترجع الى القرن الثاني مثل يا نوراً بهياً والمجد لك يا مظهر النور).. لأنها أدركت أن هذه تساعد المؤمنين على الصلاة الحقة والامتلاء من الروح ، (القديس يوحنا الذهبي الفم مثلاً يؤكد في تعليقه على المزمور 41: "لا شيء يرفع الروح ويعطيها أجنحة ويحررها من الأرض ويعتقها من أثقال الجسد ويجعلها تتوق الى الحكمة، هازئة باهتمامات الدنيا، كأنغام التراتيل الروحية المشبعة بالانسجام والحلاوة") كونها تسمو بهم شيئاً فشيئاً، مطهرة أفكارهم ومشاعرهم للوصول بهم الى نقاوة القلب. من هنا أتى حرص الكنيسةالارثوذكسية الدؤوب على أن يكون مؤلفو وملحنو تراتيلها لا من فناني هذا العالم بل من الذين عاشوا خبرة الصلاة النقية والحياة مع الله، وان تشدد – عبر قوانينها الكنسية (مثل قوانين الرسل 43 و 69، ومجمع اللاذقية ق 15 ومجمع ترولو (المسكوني الخامس السادس) ق 75 ) . وتوجيهات آبائها القديسين (مثل باسيليوس الكبير، غريغوريوس اللاهوتي، يوحنا الذهبي الفم، نيلوس الناسك، مكسيموس المعترف، سمعان اللاهوتي الحديث الخ.) أن يتمسك المرتلون في الكنائس بالأصول الفنية والروحية المتسلّمة، وأن يقدموا تراتيلهم لا بالصراخ أو بتفنن لا مبرر له بل بمخافة الله وقلب متخشع متواضع.
على هذا النحو ظلت الموسيقى الكنسية بعيدة عن تأثير الموسيقى العالمية التي هدفها الطرب واثارة الأحاسيس الدنيوية. من هنا تميزها بالبساطة والصفاء والروحانية وبتحررها من البعد الحسي والعاطفي ومن الضخامة والتأثيرات التي لا لزوم لها، وبقاؤها صوتية بالكامل أي دون أن تستعمل آلات موسيقية وأحادية الصوت (Monophonic) ، أي ليست متعددة الطبقات الصوتية ، وتفضيلها أن يكون الاداء جماعياً أي صادراً عن جوقة وقابلاً للمشاركة من الشعب. رغم هذا، ولأنها صادقة وحية وصادرة عن فنانين كبار عاشوها بالروح القدس فهي تتصف بروعة فنية وتأثير لا نظير له. يؤكد هذا لا شهادة المختصين فحسب بل وتعلق المؤمنين بها وخاصة في المواسم الكبرى مثل الميلاد والآلام والقيامة حيث تعبّر هذه الموسيقى، بما يستحيل وصفه، عن التمجيد الفائق والحزن البهي والفرح الالهي اللامتناهي.
من الملحنين العظام الذين تركوا بصمات لا تمحى على الموسيقى في الكنيسةالارثوذكسية( الانطاكية)، القديسون رومانوس الحمصي المرتل (القرن السادس) وقزما أسقف مايوما، ولا سيما يوحنا الدمشقي الذي كان له دور مهم في تنظيم الألحان الثمانية (القرن الثامن). أما أعظم المرتلين في تاريخ هذه الموسيقى والذي قام أيضاً بتطويرات في طريقة كتابتها فهو يوحنا كوكوزيليس (القرن الثاني عشر