شرح وتفسير صلاة الغروب
القسم الاول
( عرض تاريخي )
تحتل صلاة الغروب في كنيستنا مكانة خاصة في الليتورجيا . لانها تشكل اولى خدم الدور اليومي . غي العروب نحيي غروب الشمس . ولكننا نحيي ايضا مجيء الشمس الذي لا يغرب ابدا ( المسيح ) .
صلاة العروب تمثل لنا نهاية اليوم . في صلاة المساء ، مساء حياة ايضا ( الآن تطلق عبدك ) فنشكر الله من خلال النعم التي نلناها خلال النهار. ان الليل لا يعود يخفيبنا بعد لان نور المسيح البهي يأتي الينا .
تعتبر خدمة الغروب من الخدم القديمة في نشأتها فهي تعود الى العهد القديم حيث نقرأ في كتاب الخروج عن طقس اعمال السراج ( خروج 3- – 8 ) . كان اليهود يقوموا به كل يوم . تندريجيا تطورت وتبلورت هذه الخدمة الى ان اصبح لدينا في القرن الرابع خدمة مسائية محددة المعالم . ( المزامير .. افاشين .. طلبات … ) .
في القرون اللاحقة ظهرت ثلاثة اشكال لخدمة الغروب :
الشكل الاول ، الشكل الرهباني .
الشكل الثاني ، الشكل الرعائي .
الشكل الثالث ، الشكل الرهباني مع الرعائي . ( لهم صفات مميزة )
الفصل الاول
نشأة خدمة صلاة الغروب وتتطورها حتن القرن الرابع :
– علاقة صلاة الغروب مع العهد القديم .
– تأثير صلاة الغروب على عبادة العهد الجديد
– خدمة الغروب في مفترة الاضطهادات
خدمة الغروب في العهد القديم :
ان خدمة الغروب او ما كان يسمى في العهد القديم طقس " اشعال السراج " مع ما يرافقه من تقديم البخور هو طقس قديم جدا يعود الى زمن كتاب الخروج .
التفاصيل الطقسية لهذه الخدمة نجدها في كتاب اللاويين ( 24: 1- 25 ) . نلاحظ من خلال وصف الطقس في سفر الخروج واللاويين ان العنصر الاساسي في الخدمة هو اشعال السراج ووضعه خارج حجاب الشهادة في خيمة الاجتماع وان هذا السراج يجب اشعاله دائما امام الرب من المساء حتى الصباح مع تقديم البخور في الصبحاح وفي المساء .
ايضا نجد ذكرا لهذه الخدمة في سفر دانيال النبي ( دانيال 9: 21) . حتر بعد دمار الهيكل سنة 70 فان اليهود لم ينسوا هذه الخدمة الخاصة باشعال السراج المسائي .
تأثير خدمة اشعال السراج في عبادة العهد الجديد :
لقد احب المسيح الهيكل واعتبره بيت ابيه لذا اجتمع فيه المسيح مرارا كثيرة مع الشعب في مواعيد الصلاة ومن اجل الوعظ والتعليم . قبلا الكنيسة لم يكن لها مكان خاص للاجتماع او للصلاة فكان المسيحيون يجتمعون كالسابق في الهيكل ، يقدمون فيه التقدمات ويتممون الشريعة الطقسية . لذلك كان كل التلاميذ 12 ومعهم السبعون يهودا . فكانوا غيارى على العبادة والتقوى والصلاة . فالرسول يعقوب كان اول اسقف لاورشليم كان يسمح له بالدخول حتة الى القدس وكثيرا ما يشاهد في الهيكل راكعا يصلي .
لذلك عمد الرسل الى تبشير مواطينهم وقد اسووا صلات مهمة بين طنيسة العهد الجديد والهيكل هذا ما نلاحظ في اعمال الرسل (2: 46) واعمال الرسل ( 3: 1 ) .
فكان ما نقلوا الرسل الى ديانتهم الجديدة طقس اشعال السراج المسائي ، فهذا التقليد المتوارث من الخروج ومن ثم السبي ، لم يكن من السهل عليهم ان يتركوه فنقلوه معهم وخاصة عندما راوا ان ذلك لا يتعارض مع ايمانهم الجديد .
لقد حلة المعمودية محل الختان .
لقد حلت الذبيحة غير الدموية محل الذبائح الدموية .
غير ان الطقس اشعال السراج لم يحل محله اي طقس اخر . بل عوضا عن ذلك وجدوا فيه موضوعا للبشارة الرسولية ( يسوع نور العالم ) .
اذا النور الساطع من السراج المسائي كان يذكر به لنه النور الحقيقي ينير ويقدس كل انسان آت الى العالم ( يوحنا 1" 9) .
هكذا اصبح طقس العهد القديم الخاص باشعال السراج المسائي يستعمل باكثر سموا بطريقة مسيحية . نجد اول اشارة لهذه الصلاة في العهد الجديد في بداية انجيل لوقا ( 1: 8- 12 ) .
خدمة الغروب في القرون الثلاثة الاولى ( فنترة الضطهادات ):
ان الكنيسة الاولى مارست صلاة المساء، فمعظم الشهادات تورد صلاة المساء مرتبطة بمائدة المحبة ( أغابي ) خاصة بايام الاحاد وسبب يهود الى اللاضطهادات حل دون ممارسة الصلاة العامة صباح ومساء كل يوم .
كان هناك عدة اشكال ليتورجية لخدمة صلاة المساء :
يصف ترتليانوس وليمة مسائية اذ يذكر فيها :
– اضاءة السراج المسائي
– صلاة
– فراءة النص
– ترتيل نص آخر من الكتابات المقدسة
– ارتجال نشيدا لله
– اضاءة السراج من فبل ( الشماس )
– حوار بين الاسقف والشعب
– افشين يتلوه الاسقف يشكر فيه الله الذي انارهم من خلال ابنه ..
– التسبيح ، والتمجيد لله بابنه يسوع
– الشعب ، امين .
– هناك ذكر ايضا لخدمة صلاة المساء ( الغروب) في عدة كتب منها كتاب : " الاوامر الرسولية" لـ اقليمنضدس ، يصف به خدمة صلاة المساء . ايضا كتاب : " التقليد الرسولي " لـ هيبوليتوس يصف خدمة صلاة المساء من خلال وصفه لوليمة الاغابي .
الفصل الثاني
خدمة صلاة الغروب في القرن الرابع
( فترة الازدهار)
– شكل الخدمة
– مميزات الخدمة
شكل الخدمة ( صلاة الغروب ) قي القرن الرابع :
اصبحت صلاة المساء خدمة مسائية مستقلة بحد ذاتها عن اي خدمة اخرى . فيها المزامير والافاشين والطلبات المميزة عن تلك التي كانت تقال في القداس الالهي . من مميزات هذه الخدمة :
وجود طلبات كثيرة شاملة لكل العالم ومن اجل صحة الكنائس وكل البشر.. الاساقفة .. الشيوخ … الشمامسة … الارامل … الفقراء … المرتلين … المسافرين … المرضى … الاعداء والرهبان . ( وكانت تودى هذه الطلباتفيما المؤمنون منحنوا الركب . وكانت ايضا هناك الطلبات والافاشين تسمع وقوفا .)
مميزات صلاة الغروب في اورشليم ( القرن الرابع ) :
اربعة مميزات امتازت بها الكنيسة اورشليم دون غيرها من الكنائس .
1- السراج : كان يؤتى بالسراج من كهف قبر المقدس الذي كان ضمن بناء كنيسة القيامة ، ان هذا الاستعمال المحلي يعود الى وجود سراج مشتعل في قبر الرب ليلا نهارا . ( هذا التقليد الاورشليمي كان الاساس للعادة التي سادت فيما بعد والقاضية بجلب السراج من قدس الاقداس خلال الدخول الغروبي . اذا رأت الكنيسة الشرقية ان المائدة المقدسة رمزا لقبر المسيح . )
2- دخول الاسقف : كان الاسقف للكنيسة متأخرا بعد ان يكون قد تلي جزء من المزامير والاندفونات ، اصبحت كنيسة القيامة بعد 325 مكانا مقدسا فكانت رحلات الحج تتوافد باعداد كبيرة . مما كان يفترض وجود عدد كبير من الاكليروس لتأمين الصلاة وكان يرأس الصلاة الاسقف ولكن وجود الاسقف في كل الخدم من البداية والنهاية كان يتطلب منه البقاء في الكنيسة وقتا طويلا يوميا وكان يدخل الاسقف بموكب ضخم واجلال .
3- الزياح : ان وجود البستان وجلجلة قرب الكنيسة واقتران هذه الاماكن باحداث مسائية متعلقة بيحياة السيد المسيح كانزاله عن الصليب ودفنه. ادى الى ظهور ممارسة زياح او زيارة الاواكن المقدسة ،هذه عند نهاية صلاة الغروب ، وانتشر هذا التقليد الى خارج حدود كنيسة القيامة اصبح الزياح (خدمة الليتين- السهرانية) يتم في نارثكس(مدخل) الكنيسة . وبقيت الكنيسة محافظة على نظرتها الى الزياح ويسمى بـ ليتين على انه يشير الى حدث دفن المسيح .
4- اطلاق الموعوظين : كان الشماس يذكر كل واحد بمفرده من الموعوظين والمؤمنين. ويصلي الاسقف افشينا من اجل الجميع معا في بداية الخدمة . وبعد ذلك يقول افشينا وضع الايدي على الموعوظين ثم على المؤمنين . اذ كان يسمح للموعوظين بالمشاركة في صلاة الكنيسة العامة من اجل كل اعضائها خلال خدمة الغروب والسحر ، فقد كان الموعوظون يطلقون في وقت متأخر من الخدمة ، قبل اطلاق المؤمنين .
الفصل الثالث
الاشكال المختلفة لخدمة الغروب
– الغروب الرهباني
– الغروب الرعائي
– اندماج الغروب الرعائي والرهباني
مقدمة: ان تمتع الكنيسة بالحرية الدينية في بداية القرن الرابع كان له الاثر الفعال والايجابي على صعيد الطقوس ان كان من ناحية ترتيب الخدم او زيادة الصلوات واغنائها بالافاشين والطلبات والتضرعات . على صعيد خدمة الغروب ظهرت ثلاثة اشكال لخدمة الغروب .
1- الغروب الرهباني: مع دخول الكنيسة عصر تلازدهار والآمان في القرن الرابع انتشرت الرهبنة والتنسك في صحارى وفي برية وفي اطراف المدن والجبال . فكان لهؤلاء الرهبان زظامهم الخاص في تأدية الصلوات والخدم .
حيث ان تأدية الخدم المرتلة جعلها في غاية الصعوبة في اقامتها . والاسباب تعود الى :
– صعوبة في تأدية اشعال السراج لعدم توفر المواد الضرورية من زيت او شمع لانهم كانوا يعيشون في قلالي منعزلة ومتفرقة .
– صعوبة في ترتيل الانديفونات او طقس الدخول والزياحات . او حتى ان يقوموا بقراءة الافاشين المخصصة بالكهنة اذ لم يكن لديهم كاهن ، هذا الامر ادى الى ظهور شكل خاص لخدمة الغروب في اديار مصر وفلسطين .
العنصر الاساسي الجديد الذي دخل على الخدمة الغروب هو كتاب المزامير وبعض الاناشيد والافاشين الكتابية وقد تكرست هذه الافاشين والاناشيد عبر الزمن .
مشكلة الترتيل :
في البداية اخذ الرهبان موقف سلبي من الترتيل وكتابة الاناشيد والقوانين. وذلك خوفا من الغرور والاستكبار الذي قد يتعرض له الموهوبون في فن الترتيل . ايضا خاف الرهبان من كتابة الاناشيد لان تأليف الاناشيد كان وسيلة في يد الهراطقة لنشر تعاليمهم الخاصة . والتي كانت تكتب بشكل اغاني القريبة للشعب . لذلك نظر الرهبان الى هذه الاناشيد نظرة شك وخوف . مع علم كان استعمال التراتيل في كنائس الرعايا في المدن استخدموه كوسيلة لجذب الناس الى الكنيسة .
مع الوقت تغير موقف الرهبان الرافض للترتيل شيئا فشيئا . فالقديس يوحنا كاسيان يذكر ضرورة ترتيل القانون ( قانو الصلاة) مع المزامير ويجب ايضا ترتيل الاندفوني .
القديس سابا كان يطلب من رهبانه معرفة قانون الترتيل ، ايضا تغير موقف الرهبان الرافض لكتابة الاناشيد اذ وجدوا وسيلة لنشر عقائد الكنيسة . وهكذا اصبحت الاديار مدارس لكتابة الاناشيد ومن اشهرهم : سابا المتقدس،صفرنيوس الاورشبيمي،يوحنا الدمشقي،رومانوس الحمصي،ثيوفانس المرنم، يسوسف التسالونيكي افرام السوري … وغيرهم .
ترتيب خدمة الغروب الرهباني :
اقدم وصف لخدمة الغروب الرهباني ، جاء من وصف للزيارة قام بها القديس يوحنا موسخوس برفقة القديس صفرنيوس للقديس نيلوس السينائي:
– بداية : المجد للآب والابن والروح القدس…
– طوبى للرجل ( مزمور 1)
– يارب اليك صرخت دون طروباريات (مرتلا)
– يا نورا بهيا
– اهلنا يارب
– صلاة سمعان الشيخ
ايضا وصف اخر بحسب القديس سابا المتقدس :
– قانون الترتيل يتألف من المزامير 103- 112- 118
– مجد بعد كل جزء من المزامير
– المزامير : 120- 129- 140- 116-
– يا نورا بهيا
– ستخيونات البروكيمنون ( الرب قد ملك ..) يجب ان يرتل مع هللييويا
– اهلنا يارب
– الآن اطلق عبدك
– قدوس الله …
ملاحظة : اذا الترتيب الحالي للغروب جاء من تيبيكون دير القديس سابا في فلسطين .
2- خدمة الغروب الرعوي " المرتل " ( كنيسة اورشليم ):
فيه الكثير من التراتيل والاداء الاندفوني للمزامير ودخول مهيب للاكليروس . هذا الغروب كان يرتل كله بعد الصلوات المختصة بالكهنة والطلبات المختصة بالشمامسة.
ترتيب الخدمة : (تجري الخدمة في وسط الكنيسة)
– التبخير + مباركة هي مملكة …
– طلبة + ترتيل ( استمع لي المجد لك يالله )
– اعلان
– ترتيل مزمور 85+ الانديفونة المجد لك ياالله
– طلبة صغيرة + ترتيل هللييويا
– اعلان
– يارب اليك صرخت + الازمة الانديفونة
– دخول الكهنة الجالسين في وسط الكنيسة الى قدس الاقداس
– الحكمة لنستقم
– ترتيل اناسيد القيامة + التبخير
– بروكيمنون الرب قد ملك …
– الطلبة الالحاحية … (اهلنا يارب لاوجود اي اثر او ذكر)
– طلبة صغرى+ اعلان
– الانديفونات الصغيرة مثل القداس الالهي : بشفاعات والدة الاله …
– طلبة + الانديفونات : خلصنا يا ابن الله يا من قام …
– المجد + يا كلمة الله الابن الوحيد
– الآن + ترتيلة للعذراء
– طلبة + اعلان ( لانك قدوس انت يا الهنا ..)
– قدوس الله قدوس القوي … 3 مرات ترتيلا
– طروبارية + مباركة الاسقف + افشين احناء الرؤوس + اعلان + الابوستيخون + الليتين
– اناشيد الحل ( طروبارية )
– ترنيمة الخروج ( افرحي ياوالدة الاله …)
– افشين الحل
ان جميع المخطوطات والكتب القديمة تتشابه في ترتيب خدمة الغروب الرعائي ومنها:
– صلاة الغروب تقام في وسط الكنيسة .
– مزامير الغروب وانديفونات الطويلة كانت تكتمل قبل دخول الاسقف .
– بعد خدمة الغروب كان يجري الزياح الى البستان المقدس . اي بمعنى انه يصير خدمة الليتين.
– ترتيل المزامير .
3- اندماج خدمة الغروب الرهباني والرعوي :
ان انتقال خدمة القداس الالهي من المساء الى الصباح واختفاء فئة الموعوظين هذه الامور لعبت دورا كبيرا في تحويل الخدمة الغروب المرتل وايضاغياب عدد الكافي من الاكليروس والمرتلين للقيام بمثل هذه الخدم . مثلا خدمة الغروب المرتل لم يعد يقام في كنيسة القيامة منذ (القرن 11)وكذلك في القسطنطينية منذ ا(لقرن 13). لذلك ونتيجة لتلك الاسباب حالت الكنائس الكبيرة والرعوية الى الغروب الرهباني التي لم تتطلب عددا كبيرا من الاكليروس او من المرتلين المحترفين .
ان امتزاج الشكلين لخدمة الغروب ادى الى اختفاء بعض الافاشين والانديفونات والطلبات . مثلا اصبح يقام الزياح أو الليتين) فقط ايام الاحادبعد ان كان يقام كل اليوم وايضا الدخول الغروبي ( الايصودن) بعد ان كان يوميا اصبح في الاعياد والاحاد مما ادى الى نوعين من الغروب:
– غروب ممتاز وهو الغروب الذي يرافقه الايصودن
غروب يومي عادي لا يرافقه الايصودن
الرب يبارك العمل