باسم الآب والابن والروح القدس . امين
ان غفرتم للناس زلاتهم يغفر لكم ابوكم السماوي ايضا
فان جاع عدوك فاطعمه وان عطش فاسقه ، لانك ان فعلت هذا تجمع جمر نار على راسه ( رو20- 21)
ايها الاحباء : ها نحن في الاحد السابع قبل الفصح وايضا نحن في الاحد الرابع من احاد التهيئة للصيام الكبير والاخير فيها .
ان هذا اليوم معروف بمرفع الجبن ويسمى كذلك باحد الغفران ، حيث غدا ندخل باذن الله الصيام الكبير المقدس . الذي هو ليس بنظام اكل خاص فقط وانما هو اعمق من ذلك بكثير ها نحن داخلون فترة حرب وجهاد روحي مع قوى الشر الكامنة فينا .
فليس الهدف ان نصوم عن طعام فقط وانما نحن نحارب شهواتنا ومغريات هذا العالم
يقول القديس بولس الرسول في رسالته اليوم ، علينا ألا نهتم باجسادنا لقضاء حاجاتها كالاكل او الملبس انتم تعرفون المثل الانجيلي الذي يقول : انظروا الى طيور السماء انها لا تزرع ولا تحصد وابوكم السماوي يقيتها . لذلك لا نتهم للمأكل او الملبس ، علينا ان نكنز في فترة الصوم لنا كنوزا في السماء تقربنا من الله ، وتساعدنا ان نرث الملكوت السماوي .
ايها الاحباء في صلواتنا السحرية لهذا اليوم كما في انجيل اليوم هناك محوران تدور حولها كل صلواتنا وطقوسنا لهذا اليوم .
المحور الاول : هو اقامة تذكار لطرد آدم من الفردوس ، الذي جلس هناك يبكي ، ألا يشبه طرد آدم وحواء من الفردوس حالة الانسان بعد السقوط ، حالة البكاء والشقاء التي تستحق التوبة والنحيب ، كما تقول التراتيل عندنا.
السبب لطرد آدم وحواء من الفردوس هو غياب الصوم ، فالصوم هو الاداة التي تعيد المصالحة بين الادميين والله .
يقول القديس باسيليوس الكبير : بدأ الصوم في الفردوس ، لا تأكل من شجرة الخير والشر ، طرد ابوين الاولين من الفردوس بسبب عدم الصوم . بالصوم نحن ندخل الى الملكوت .
المحور الثاني: هو الغفران ، اي طلب الغفران من الله ووهب الغفران للقريب ، هذا ما يتكلم عنه انجيل اليوم . اذ يتكلم عن غفران الله وغفراننا للاخرين مباشرة قبل كلامه عن الصوم ، لاجل هذا الكنيسة تنهي استعدادها للصوم بالغفران لكي ندخل الصوم بالفرح وبالسلام وبالقوة .
هذا يعني اننا سنتصالح مع الله بالصوم الذي نبدأه بالغفران للقريب والمصالحة معه ، قد يكون من السهل ان نساعد الفقير ونحسن الى انسان غريب او قريب ، لكن الاصعب هو ان نسامح الانسان القريب .
لهذا وضعت الكنيسة في طقوسها ، والطقس يعني اسلوب المنظور والعملي لمارسة الايمان ، ان يلتقي المسيحيون اليوم مساء احد الغفران في صلاة الغروب . حيث يتبادلون في نهاية الصلاة القبلة الاخوية ويصافح كل منهم الاخر ويقول له سامحيني يا اخي لاجل المسيح . علامة للمصالحة والمحبة التامة .
لان الغفران والصفح والمسامحة هو الحب الذي يشفي المرض ويزيل الالم ، مغفورة خطاياك قم وامش .
هناك سؤال دائما يطرح كم من مرة اغفر ذنوب اخي ، هل سبع مرات؟ سؤال طرحه بطرس الرسول للرب يسوع ، ونحن من الممكن ان نسأله ايضا للرب يسوع ونسأله لانفسنا بالرغم من اننا نعرف الجواب الوافي وذلك من خلال الرب يسوع لبطرس ، بالغفران سبعبن مرة سبع مرات ، اي ما يعني ان نعفر ذنوب الاخرين على الدوام وبدون تعداد .
ان نغفر ذنوب الاخرين دائما يعتبر امر في غاية الصعوبة ، فنحن بشر لنا طبيعة ضعيفة ، فكرامتنا وعزة النفس التي نملكها تمنعنا من ان نغفر او تجعلنا متزمتين براينا ولا نقبل الاخرين .
فكيف ان نسامح من خدعنا وجرحنا واراد الشر .فهل كان الرب يسوع يعلم بصعوبة هذا الامر؟ نعم بالتأكيد كان يعلم بذلك ، لذلك يعتبر الغفران عنصر اساسي في الايمان المسيحي.
لقد علمنا يسوع منذ بداية رسالته على الارض على ضرورة الغفران وذلك من خلال الصلاة الابانا علمها لتلاميذه ولنا نحن من بعدهم ، اذا من الواجب والضروري ان نغفرذنوب الاخرين لكن نحن ننال الغفران ، الغفران يتطلب محبة كبيرة وايمان كبير وشجاعة لكي نستطيع ان نغفر وفي نفس الوقت ننال الغفران .
فلقد ارانا يسوع بجسده البشري الضعيف قوة ايمانه بالله الآب وكيف تحمل الآم الصليب وطلب ان تغفر ذنوب جلاديه وصالبيه، فالبعض منا يقول بانهم ليسوا يسوع لكي يستطعيوا ان يغفروا ذنوب الاخرين. هذا الكلام غير صحيح وغير مثمر ، بل يعني اننا لم نفهم رسالة يسوع ودعوة يسوع الحقيقية لنا ،
فنحن يجب ان نكون اقوياء ، ثابتين في الايمان لكي نستطيع غفران ذنوب الاخرين . هذه القوة التي نالها تلاميذ المسيح حين حل الروح القدس عليهم ، ونحن من بعدهم حين نقبل الروح القدس ونتركه يعمل فينا .( لنا امثلة كثيرة من الرسل والقديسين سلكوا في نفس طريق معلمهم يسوع لكي يكونوا لنا ايضا مثالا صالحا في الغفران ، مثل القديس استفانوس.
الشيطان يحاول دائما العمل في نقاط ضعفنا ، في الكبرياء وعزة النفس ، نعم الشيطان يجربنا كما حاول من قبل ان يجرب الرب يسوع ،لكن الرب يسوع استطاع ان يتغلب على الشيطان بطبيعته البشرية ، اذا نحن ايضا لنا القدرة على ان نتغلب على الشيطان بايماننا بان الرب يسوع صلب ومات وقام من بين الاموات ، كل هذا من اجل مغفرة خطايانا .
ايها الاحباء: الله يقول لنا في هذا النص الذي قراناه الآن : مهما كانت قسوة وعناد الانسان فامام المحبة والغفران يستلم ويضعف وتخور قوته، اي ان المحبة تقوى على كل جبروت . لن تستطيعوا ان تغفروا او تسامحوا من القلب الا اذا طلبتم المساعدة من الله لانكم في الحقيقة امام عدو شرس وخبيث يوحي لكم بان الاهانة كبيرة ، اين الكرامة .. انت مجني عليك . فاهزموا عدوكم الحقيقي اولا بطلب القوة من الله لتغفروا .
عندما تغفروا من قلبكم بقوة من الله فستتمتعون بشعور جديد لم تحسوه من قبل ، هو شعور بانكم فعلا تحبون هذا الشخص وعلى استعداكم لمساعدته ، تشعرون باحساس الفرح وبانكم تطيرون فوق الارض بحرية .
لذلك يا احبائي : فان الصوم ليس فترة تعذيب للذات ، انما هو فترة تسودها المحبة والشعور بمحبة وفيضان النور علينا ، الصوم هو فترة يملؤها النعم والبركات السماوية التي يسكبها الله في قلوبنا وفي حياتنا .
الصوم هو فترة نتعلم فيها المحبة ، والمحبة هي كل شيء في المسيحية ومتى وجد الانسان المحبة وجد الله المحبة ، وهذا ما يعنيه قول الانجيل : ان غفرتم للناس زلاتهم يغفر اباكم السماوي زلاتكم ، والمحبة لا يقابلها الا المحبة .
ولكم اخير ا يا احبتي جميعا: ان تكونوا من داخلين الى الملكوت وليكون صومكم مباركا ومفعما بالنعم السماوية وصياما سهلا موصلا لجميعنا الى الملكوت السماوي .
وان تحيوا حياتكم كلها حياة الغفران دائما .
فالآن وقت التوبة ابدوأ صيامكم بكلمة : اغفر لي يا اخي لاجل المسيح ودخلوا الصيام وصافحوا بعضكم بعضا بقبلة السلام لكي تقولون مع الملائكة المسيح قام .