الغيرة المقدسة والايمان الارثوذكسي
باسم الآب والابن والروح القدس امين.
أيها الأحباء : تحتفلُ كنيستُنا المقدّسة اليوم بذكرى مجمعها المسكوني الرابع المنعقد عام 451 في مدينةِ خلقيدونيا بحضورِ 630 أبٍ من آباء الكنيسةٍ جمعاء. وهو يُعتبر من أهمّ المجامع، إذ إنّ الكنيسة قد أكدّت في قراراته إيمانها بوحدة شخص المسيح وبـ”الطبيعتين في المسيح”: الطبيعة الإلهيّة والطبيعة الإنسانيّة. وقد نجم عن هذا المجمع انشقاقٌ أدّى إلى ابتعاد الطوائف الشرقيّة التالية: القبطيّة والأرمنيّة والسريانيّة عن الشركة مع الكنيستين الرومانيّة والبيزنطيّة.
وقد عُقد المجمع المسكوني الرابع بسبب هرطقة افتيخيوس القائلة: إنّ طبيعتَي المسيح، الطبيعة الإلهيّة والطبيعة الإنسانيّة، اتّحدتا وصارتا بعد ان تجسد المسيح طبيعة واحدة، إذ ابتلعت الطبيعةُ الإلهيّة الطبيعة الإنسانيّة.
لاجل هذا التأم مجمع خليقدونية في السنة 451 وشارك فيه 630 أسقفاً، ودانوا هرطقة افتيخيوس ويشرح ويؤكد بوضوح وجود الطبيعتين في الرب يسوع المتجسد.
ويقول المجمع في هذا التحديد : “إنّ المسيح هو نفسه تامّ في الألوهة وتامّ في البشريّة، إله حقّ وإنسان حقّ. إنّه مساوٍ للآب في الألوهة ومساوٍ لنا في البشريّة، شبيه بنا في كلّ شيء ما عدا الخطيئة. قبل كلّ الدهور وُلد من الآب بحسب الألوهة، وفي الأيّام الأخيرة هو نفسه، لأجلنا ولأجل خلاصنا، وُلد من مريم العذراء والدة الإله، بحسب البشريّة…”
في هذا المجمع أعاد الآباء التشديد على دستور الإيمان. يلي نحن نقوله في القداس الإلهي هو نفسه.
احبائي:لاجل هذا عمدت كنيستنا المقدسة ان تقرأ في هذا العيد المبارك (تذكار اباء المجمع المسكوني الرابع) هذا النص الإنجيلي الذي قراناه منذ قليل . الذي يقول ” انتم نور العالم “.
اذ يتوجب على كل مسيحي ان يكون نورا للعالم . وهكذا كان اباء المجمع المسكوني الرابع نورا لنا ساطعا ،اذ صاغوا ايماننا بالمسيح وانارونا بتعاليمهم الصحيحة واعطونا كل ما كانوا يتمتعون به من نعم وبركات في عيشهم بالمسيح من خلال ايمانهم وتبشيرهم وتعليمهم . وقادونا الى معرفة الرب والسير على دربه حيث هناك نتلقى الخلاص.
هذا يحتم علينا ان نتكلم عن الغيرة عند الإباء القديسين . ونطرح هنا سؤال ما هو معنى الغيرة؟ الكلمة العبرية المستخدمة في العهد القديم التي تدل على الغيرة هي كلمة ” قانا ” ، وتعني الحماس العاطفي للدفاع عن شخص أو شيء ما ، أو للقيام بخدمة ما .
كما أنها قد تعني الحسد، والغيرة بهذا المعنى مؤذيه لصاحبها ” لأن الغيظ يقتل الغبي ، والغيرة تميت الأحمق ” ( أي 5 : 2 ، أم 14 :30 ) .
الكلمة اليونانية المستخدمة في العهد الجديد التي تدل على الغيرة هي ” زيلو ” و تحمل مفهوم ” الغيرة ” بمعناها الحسن ، وأيضا ” الغيرة ” بمعناها السيء أي ” الحسد “. من هذا نرى أن الغيرة لها شقان أحدهما إيجابي والأخر سلبي. ما يهمنا من الامر هنا الغيرة الحسنة
الغيرة الحسنة:
«حسنةُ هي الغيرة في الحُسنى كل حين »غلاطية 4: 18 والغيرة في الحسنى هي الغيرة «حسب المعرفة» وهي الغيرة «للمسيح» وليس لطائفة أو لجماعة معينة. مثل هذه الغيرة الحسنة التي عَبَّر عنها الرسول بولس بقوله للكورنثيين:
«فإني أغار عليكم غيرة الله، لأني خطبتكم لرجل واحد، لأقدم عذراء عفيفة للمسيح» 2 كو 11: 2 . فمحبته للمسيح وللقديسين جعلته يَغير حتّى لا يقف أي شخص أو أي شيء بينهم وبين المسيح.
لا خطأ في الغيرة المقدسة التي تدفع إليها التقوى ومخافة الرب والسعي لإكرامه. بل إن الله ينتظر من أولاده أن يَغاروا على مجده ويطلب منهم أن يكونوا
” غير متكاسلين في الاجتهاد. حارين في الروح، عابدين الرب ” ( رومية 12: 11 )
لقد بذل المسيح ” نفسه لأجلنا لكي يفدينا من كل إثم ويطهر لنفسه شعباً خاصاً غيوراً في أعمال حسنة ” ( تي 2 :14 ) . كما يُطلب من المؤمنين أن يكونوا غيورين للمواهب الروحية لأجل بنيان الكنيسة “( 1 كو 14 :12 )
ويقول الرسول بولس عن نفسه إنه كان ” أوفرغيرة في تقليدات آبائي ” ( غل 1 :14 ) و يقول المسيح «إن كان أحد يأتي إليَّ ولا يبغض أباه وأمه وامرأته وأولاده وإخوته وأخواته حتى نفسه أيضاً فلا يقدر أن يكون لي تلميذا.”
غاية الرب هو أن يرى غيرة ونشاطاً في حياة أحبائه للقيام بأعمال حسنة باسم الرب ولمجده.
الغيرة المقدسة هي نار متقدة في قلب المؤمن تدفعه بحماس شديد للسعي بكل الجهد لأجل خلاص الناس، وبناء الملكوت.
وكما قيل عن السيد المسيح إنه: “يريد أن جميع الناس يخلصون، وإلى معرفة الحق يقبلون” (1تى 2: 4).. هكذا أيضًا الإنسان الذي تلهبه الغيرة المقدسة، يريد أن جميع الناس يخلصون.. وليس فقط يريد، إنما يعمل بكل قوته، وبكل مشاعره.
الغيرة هي حالة قلب متحمس، ومتقد بمحبة الله، يريد أن محبة الله تصل إلى كل قلب.
وهو إنسان يحب الله، ويريد أن جميع الناس يحبونه معه
هو يريد ان ينشر كلمة الله، ويريد أن ملكوت الله ينتشر حتى يشمل كل موضع وكل أحد.
ويريد أن الإيمان يدخل كل قلب، ولا يفقد أحد نصيبه في هذا الملكوت.
الإنسان الذي يتصف بالغيرة، يكون إنسانًا متقدًا بالنار.كلامه كالنار في حماسته، وصلاته كالنار في قوتها، وخدمته كالنار في فاعليتها وفي امتدادها.
الغيرة قوة فعالة، فيها الاهتمام والجدية، وليست فيها رخاوة.فقد قال الكتاب المقدس “ملعون من يعمل عمل الرب برخاوة” (أر 48: 10). لذلك كان خدام الله المتصفون بالغيرة، يعملون بكل جهد وقوة وبذل
هكذا كان الإباء القديسون غيارى الذين ساهموا في تحديد مضمون الإيمان، أو ساهموا في صياغته أو شرحه.. أنهم أساسات الكنيسة المقدسة وهم حاملو الإيمان وشارحوه
إذًا فالآباء معتبرون أعمدة في الكنيسة بفضلهم حفظ الايمان ونقل الينا سالما دون تزوير. اذ حاربوا كل فكر ينحرف عن الايمان الأرثوذكسي .
لم يكن الآباء القادة المعلمون فقط هم المهتمون والغيارى بحفظ الإيمان، بل كانوا دائمًا مسنودين بشعب واع، غيور (مثلكم) يؤازرهم ضد انحرافات الإيمان.
لا يمكن أن ننسى دور الشعب التقي، حيث كانت مواظبتهم على الكنيسة والافخارستيا، أقوى معين لهم، للثبات في الإيمان
بل كانوا أحيانًا يتعرضون للألم والاضطهاد والاستشهاد من اجل حفظهم لهذا الإيمان، وما كانوا أطلاقًا يتزحزحون عنه.
كانت هذه الغيرة على مجد الرب ايضا تملأ قلب إيليا النبي.(الذي نعيده له اليوم ) وظهر هذا واضحا في صلاته التي رفعها أمام الرب وقت تقديم الذبيحة حيث بدأ بتوجيه كلمته الشهيرة إلى شعب اسرائيل
أن الدافع وراء عمل إيليا هو غيرته على مجد الرب ورغبته الصادقة أن يرجع شعبه إلى عبادة الرب الحقيقي
أن ما فعله إيليا الهدف منه أن يعلّم شعب اسرائيل أن الله هو الإله الحقيقي. هذا النبي الذي قال غيرت غيرة للرب الجنود. لهذا كان قلبه ممتلئ نار متقدة وغيرة مقدسة تدفعه بحماس شديد للسعي بكل جهد لتبشير الناس باله الواحد الحقيقي وهو الله وبالايمان الحقيقي.
وبهذه المناسبة المباركة عيد النبي ايليا الغيور ، ايليا الشجاع ،ايليا عنيف في وقفته مع الايمان الحقيقي والاله الحقيقي ، وهكذا يجب ان تكونوا وليكن كل واحد منكم كبيرا او صغيرا شجاعا قويا يحمل الايمان كما يحمل اثمن شيء في العالم .
ايمان كنيستكم وايمانكم ايها الاحباء هو الايمان الحقيقي كونوا رجالا واشهدوا له فعلا وليس قولا.
فاذا كنتم مثل ايليا فانكم تحملون رسالة روح ايليا التي هي روح الخدمة روح التواضع روح الغيرة روح العطاء وقتها يأتي الله اليكم ويرفعكم ويجلسكم عن يمينيه. وهكذا يكون نوركم يضيء في العالم . امين .