حول ” الموارنة سؤال في الهوية “لسركيس أبو زيد
انشقاق تاريخي يحلم بالعودة إلى الكنيسة الأمّ
جريدة النهار 4 – تشرين الأول – 2000
محاولة الأستاذ سركيس أبو زيد في كتابه “الموارنة سؤال في الهوية” ذكية ومفيدة ،ولن أسعى الى التعليق على الكتاب برمّته لأنه يطرح أوراً كثيرة ومتشعبة .
كتبتُ حياة القديس ما مارون الناسك ثلاثمران. اته قديس من القرن الرابع واول الخامس، وربما رقد عام 410 ،يقول كانيفيه canivet انه لم يكن كاهنا، رسالة يوحنا فم الذهب موجهة إلى سواه، ويعتبره أباً طريقة الحبساء.
الانقسام إلى ارثوذكس ونساطرة نشأ مع نسطوريوس السوري ( مرعش) أسقف القسطنطينية (328 – 431 ). نجح زميله في الدراسة ثيئوذوريتوس أسقف قورش في الانطلاق من غريغوريوس اللاهوتي إلى سحب كيرللس الإسكندري من عبارة أبوليناريوس اللاذقي المسدودة،إلى القول بأقنوم واحد وطبيعتين وفعلين،فأنشأ رسالتين باسم يوحنا انطاكيا وأكاكيوس حلب وقّع على مضمونها تماما كيرللس، فوزعهما يوحنا على العالم المسيحي وتمت المصالحة على أساسهما ،ودين نسطوريوس.
وقام انشقاق أخر في 744 على يد الراهب اوطيخا القائل بالطبيعة الواحدة وامتزاج الطبيعتين فدانه سينودس القسطنطينية 448،فدعمه الوزير النافذ خريسافيوس وديو ستوروس الاسنطرية في مجمع 449 فافشلهم في مجمع خلقيدونيا ( الرابع المسكوني) القديسة الامبراطورة بولخاريا(451) خير الأباطرة .
لا علاقة للقديس مارون بتلك الانشقاقات.اذن هو ناسك لا رئيس بدعة أو كنيسة او حزب.
أسست على اسمه ثلاثة أو أربعة اديرة أشهرها دير في محافظة حماه الحالية. أشتهرت أديرة مارمارون بتعصبها للخلقيدونية.وعام 517 نصب لهم سويروس الانطاكي كمينا فأغتيل 350 راهبا كما في رسالتهم الى البابا هورميسداس.
حضروا سينودس القسطنطينية (536) فكان رئسهم رئيس وفد رهبان سورية ،وقدموا شكوى ضد سويروس (باباذو بولس ،تاريخ كنيسة انطاكية ).حضروا المجمع الخامس المسكوني (553) في القسطنطينية (مجموعة مانسي ،8 : 624 ) أمتاز هذا المجمع بتبني لاهوت يوحنا الفحوي الكيليكي ولاونديوس الأورشليمي الذي يركز على وحدة الأقنوم في يسوع المسيح تقنيم الطبيعة البشرية في اقنوم يسوع (كتاب سر التدبير الإلهي) .
في أوائل القرن السابع كانت الشاهة الفارسية ارمنية وطبيب الشاه أرمنياً.اجتمه بطريركا السريان والاقباط في انطاكيا،فطردت الثاني السلطات. واغتال اليهود البطريرك القديس انسطاسيوس الأول في انطاكيا (609)،وقاموا بثورات في المدن الإمبراطورية.واذا بجيوش الفرس تجتاح بلاد الشام ومصر تذلّ الأرثوذكس وتخلع اساقفتهم في شرق سوريا ( اسد رستم ) .يقول رستم ان الفرس أقاموا مقامهم أساقفة” نساطرة” على مذهب المسيحيين في فارس. هذا الكلام يناقض في قوله الآخر:في 614 عقد الشاه مجمعا في العاصمة ملسنون،وحكم فيه لليعاقبة على مسيحي فارس.اذن: أقام الفرس أساقفة يعاقبة بدلاً من أساقفتنا أحدث تاريخ كنسي لامع (فرنسي – الماني – إنكليزي) نوه بميل الفرس ال اليعاقبة N.H.E.2,104 وأثبت التدقيق في المنتصف الثاني من القرن العشرين انهم ليسوا نساطرة .وغيّرت رأي المستشرق الكبير الأب جان فياي FIEY الذي كان الى الفرس.واعطاني الدليل على رضى هرقل عنهم :سمح لهم عام 620 وهو في سوريا بتنصيب اسقف على شاتهم في سوريا، واستدعى كاثوليكهم وصحبه إلى حلب، فوجدهم غير نساطرة،فسمح لهم بإقامة القداس ،وتناول ثلاث مرات من يده، وهو ما سبقه اليه الامبراطور جوستنيانوس في 555 لما يئس من استرضاء اليعاقبة
كان السوريون يسيطرون على بطريركية القسطنطينية منذ نكتاريوس الذهبي الفم، فسرجيوس اليعقوبي الأصل من سرمين |إدلب.أراد خدمة الملك هرقل. فصاغ له العقيدة صيغة توفق بين الأرثوذكس واليعاقبة”أقنوم واحد،طبيعتان ، فعل واحد .
في 626 حاصرت الجيوش الفارسية القسطنطينية،فردتّها العذراء.في 628 كرّ هرقل، فاحتل العاصمة الشرقية،فاستلم الفرس وعادوا الى حدودهم الطبيعية،وأتى هرقل سوريا ساعياً إلى تطبيق الصيغة.اجتمع البطريرك اليعقوبي اثناسيوس الجمال و12 من اساقفته في منبج، فاتفق معه واشترط عليه أن يكون البطريرك الواحد لانطاكيا الشاغرة باغتيال البطريرك المذكور .انساسيوس ( رستم ) في JOURNAL ASIATIQUE نشر الاب نو NAU عام 1915 وثيقة مهمة : يوحنا خليفة الجمال قابل عمر بن الخطاب باسم الأرثوذكس واليعاقبة هذا يؤيد كلام رستم في شأن اتفاق منبج .
خبط الفرس الأرثوذكس شر خبطة ،تحمس رهبان مار مارون للوقوف لينقذوا الإمبراطورية .وكالعادة تمسك الحمصيون بالارثوذكسية نكاية بالحمويين تلك النكايات نراها في استقبال الحمصيين وأفاميا وقبعة لا ريسا (شيزر) والمعرة للجيوش العربية .
لا يزال يوجد في حماه حي يسمى حي الجراجمة. المصادر الارثوذكسيةجميعا مذكورة في تاريخ MURET(3.119- 120) تنسب الموارنة الى المشيئة الواحدة .المصادر الفرنسية كذلك:GEOGRAPHIE ECCL.III. 583 -4D HISTOIRE ET FLICH ET MARTIN (5.116. 48) DEMURET: DIET يحاول الأب ميشال حايك في معجم الروحانية المسيحية الفرنسية تبرير الموارنة في لباقة ذكية. فيليب حتي ذكر لاون الصوري الصليبي .في 1736 تم الاتفاق بين روما والموارنة على كل شي بموجب نصوص مطبوعة في جونية 1900 تحت عنوان المجمع اللباني .في الملحق اعترفوا بالمجمعين السادس والسابع المسكونيين ،وقبلوا زيادة ” المنبثق من الابن ” على دستور الإيمان ،وسوى ذلك .
اذا :ما كان الموارنة يعترفون بالمجمعين السادس و7، لذا انفصلوا وأسسوا كنيستهم ،ولما انضموا إلى روما سمّتهم ” الكنيسة المارونية” لا الكنيسة الانطاكية ،فروما لا تعترف الا بالكنيسة الارثوذكسية كممثلة للشرق الأرثوذكس في بطريركياته التسع .
وهكذا نشأت بطريركية مارونية مستقلة لا علاقة لها لا بروما ولا بالقسنطينية ولا بانطاكيا ،ولا تتبادل معها الرسائل السلامية بعد التنصيب.
نشرت مجموعة ANALEECTA BOLLONDINA في 1973 حياة القديس مكسيموس المعترف بقلم ماروني معاصر له تقريبا .شحنها بالشتائم التي يكررها توما كفرطاب (رستم 2: 60 – 61 ). ولكن يبرز فيه التنظيم لهرقل المظنّر.الأب بطرس ضو لا يخفي مودته لهرقل ويذكر ان دير مار مارون كان يستعمل اللغة اليونانية .
إذن،الموارنة جزء من الكنيسة الارثوذكسية ( وربما فيه بعض اليعاقبة) آثر دمع شتات الإمبراطورية على التعصب للعقيدة الدينية .كان هرقل قائدا من ألمع العسكريين انما كان ساديا ً ارهقنا باضطهاده.عام 434 قرر ذبح اليهود،فانتقلوا الى الحجاز وانخرطوا في جيش المسلمين، فسلموهم بلاد الشام،لأنهم منها ويعرفونها جيدا. ألاّ أن هرقل ندم قبل وفاته ولام سرجيوس على توريطه ورطة الفناء (128 – 129 من كتابنا ” الله في اللاهوت المسيحي”).
اذن ،الخلاف الأرثوذكسي – الماروني لم يكن عقائديا صرفا.الأولون غيورون على دقة العقيدة،الأخيرون غيورون على الإمبراطورية المهددة .
عام 1584 انضم الموارنة الى روما .الارثوذكسي اللاهوتي الضليع الشريق لا يتشنّج:اعترفوا بالمجمعين السادس والسابع وانضموا إلى كنيسة مسكونية لا توال تحلم بعودة وحدتها مع الكنيسة الارثوذكسية .بينما نيف وعشرة قرون من الشركة .اعتناء روما بالتراث المسيحي اليوناني غرام يبهج قلبي .
تبقى المسيرة اللاحقة للموارنة.على طريق اهدن يقوم هرم عظيم اسمه جبل أيتو .أظن ان اللفظة اليونانية تعني “نسر” aetos .لصق الموارنة بالجبال من انطاكيا حتى القدس ( ان صح كلام الدبس) كالنسور بالصخور.معاملة المماليك لهم فاحشة : القتل على الهوية.
أما الانقسامات الداخلية فعامة في بلاد الشام وصلت لإمبراطورية الأموية حتى العين و poitiers وانحلت في 90 عاماً أي عمر انسان .لماذا ؟بسبب الانقسامات والفساد.منذ الألف الأول قبل الميلاد كانت متفسخة أي قرية تخلو من المشاحنات؟ من فيها لا يستعين على أخيه بالغريب ويفترسها هذا الغريب؟
فكل الطوائف في بلاد الشام تعرف التمزق الداخلي.كيف ضاعت فلسطين ؟ من أضاعها من يخون ألاّ الأهل والصحب فيها ؟ في شعر ناصيف اليازجي كما في شعر المتنبي وابي العلاء المعري وسواهم وصف سيكولوجي دقيق لطباع الناس.والناس هم هم في كل العصور .ليس أبو العلاء المعري متشائما بل خبيراً بطباع الناس وفساد زمانه،فبعد العهد الأموي حلت النكبات حتى انتهينا الى العهد العثماني الذي حولنا الى أشباه بهائه.قاسى الموارنة مثل سواهم نكبات هذا التاريخ المظلم . وبعدما كنا في القرون 2 قبل الميلاد 8 بعد الميلاد وردة الدنيا دخلنا في السرداب .
فالبلاء عام وليس خاصاً ما. التخلف خلقي لا علمي وحضاري فقط. استغربت مرة هذا التخلف لدى طبيب للأمراض العقلية كبير فاتهم صديقا له بالتعصب وهو بريء منه تماما.قال لي طبيب كبير آخر متأثراً: وصل التعصب الى الطب .فقد جاءه مريض يثق به لاجراء عملية إنما اشترط عليه أن يجريها له في مستشفى طائفته.
من يستطيع يوما ما تغيير النفوس في مشرقنا؟ ربنا وحده الرئيس الجزائري بوتفليقة الغى ديوان المظالم الذي أقامه سلفه لأصلح مفاسد القضاء. قال :صار أكثر فسادا من القضاء.وفساد القضاء يعني فساد كل شيء في الوطن .صارت الرشوة حاجة مثل الطعام والشراب .العشائرية والعائلية والحزبية أقوى من الرابطة الوطنية،التحزب لها يعمي الضمير. عجز محام عن اقناع قاض صديقه بلأن يحكم بالحق لا بالهوى الطائفي.بعد خبرة طويلة في المحاماة منذ 2- 10 – 1947 لا أرى نصراً للحق.لا يتحمس الناس لنصرة المظلوم بل لنصرة الظالم والقاتل واخراجهما من السجن .
اسبيرو جبور
( شماس ارثوذكسي)