عظة الاحد : ” البرص العشر ” ( الشكر) كنيسة الصليب المحيي- النبعة (2019) الاب باسيليوس محفوض
ما الشكر .. لماذا نشكر .. لمن نشكر ..!!
النص الإنجيلي :
لوقا (17: 12-19)
في ذلك الزمان فيما يسوع داخل إلى قرية استقبله عشرة رجال برص ووقفوا من بعيد. ورفعوا أصواتهم قائلين يا يسوع المعلم ارحمنا. فلما رآهم قال لهم امضوا وأروا الكهنة أنفسكم. وفيما هم منطلقون طَهُروا. وان واحداً منهم لما رأى أنه قد برئ رجع يمجد الله بصوت عظيم. وخرّ على وجهه عند قدميه شاكراً له وكان سامرياً. فأجاب يسوع وقال أليس العشرة قد طهروا فأين التسعة. ألم يوجد من يرجع ليمجد الله إلا هذا الأجنبي. وقال له قم وامض، إيمانك قد خلصك.
العظة:
باسم الآب والابن والروح القدس ،امين
“الويلُ لمن يتباهونَ بغِناهُم” (مزمور48: 6)
” طوبى لمن يخافون الرب ” (مزمور 127: 1)
أيها الأحباء :في النص الذي قرأ الآن نجد ان السامري الذي نال الشفاء وقد سجد للرب يسوع ،وهو يقدم الشكر له ،: وخرَّعلى وجهه عند قدميه شاكرا له”(لوقا 11: 26).
لهذا نجد ان الشكر الحقيقي والصادق يتطلب ان يُعبّر عن فعلا سواء بالكلمات او السجود او الصلاة.
هنا يطلب الرب من شعبه ان يقدم له الشكر ،ليس فقط في مواقف متفرقة، او في وقت الصلاة ،او على العطايا الممنوحة لنا .بل ان نشكره في كل وقت وان يتحول الشكر الى أسلوب حياة في مختلف الاحداث والمواقف .
لان الانسان المسيحي هو انسانٌ شاكور دائما. ” مهما عملتم بقولٍ كان أوبفعلٍ فاعملوا الكل باسم الربِ يسوعَ شاكرينَ به الله الأبَ” (كولوسي 3: 17).
لذلك يطالبنا يسوع بالشكر الدائم والمستمر لله الآب كل حين وعلى كل شي(افسس5: 20).بمعنى ان تفيض قلوبنا بالشكر بغض النظر عن ما نواجهه من مواقف .
يعلمنا يسوع في هذا النص المقدس انه لا يكفي ان نقبل الخلاص ،علينا ان نشكر الله ،علينا ان نمجد الله من اجل هذا الخلاص.
تشكَّى يسوع هنا ،لانه لم يرجع الا واحدٌ من العشرة ليمجد الله ويشكره. اما يجب ان نعتبر ان الشكر والتمجيد لله هو الهدف الأخير من حياتنا المسيحية.
وهذا العمل أي المدح والتمجيد حتما سيرافقنا في الأبدية .التي تبدأ منذ هذا الزمن الحاضر. لان خلاصنا الذي بدأ اليوم يتم فينا ،يدعونا الى رفع أيات الشكر لله.
اننا كثيرا ما نفرح بنعم وبثروات كثيرة في حياتنا ،ولكننا ننسى المنعِّم علينا. نطلب بلجاجة ودموع حتى يستجيب لنا الرب ويعطينا ما نحتاج اليه ثم ننسى ان نرفع أيدينا بالحمد والشكر على اعماله معنا .
فهؤلاء البرص العشرة فرحوا بشفائهم ولكن نسوا واهبها لهم .
يا احبة: لنظهر ايماننا الحقيقي ولنشكرن الرب على محبته والتي لا تستحقها ،كما فعل الرجل السامري الغريب المصاب بالبرص .
لا يُطلب منا سوى امر واحد : ان نشكر الله على كل شيء ودوما وعندئذٍ سيكون لدينا كل شي بوفرة .مثلا ،(يقول القديس الفم الذهب) هل خسرت عشرة آلاف ليرة ذهبية ؟اشكر الله في الحال، فقد ربحت منه مئة الف ليرة ذهبية بعبارة التجرد والشكران .
يتابع القديس ويقول: قولوا لي : متى تغبطون أيوب؟ هل حين يكون مالكا للكثير من الجمال والماشية او حين يجاهر ويقول ” الرب اعطى والرب اخذ فليكن اسمه مباركا “(أيوب 1: 22).
من الملاحظ : انَّ اهلاك الشيطان لايوب وخرابه لم يكن هدفه ان يجعله فقيرا بل ان يعمد أيوب الى كره الله والابتعاد عنه والتجديف على الله.
وهكذا نحن ان تحملنا كل شي وكل مصيبة وفقر وضيق بشكران،مثل أيوب ،فسوف نسترجع خيراتنا ذاتها كما جرى مع أيوب بعد نضالٍ وانتصارٍ.
اذ اثبت أيوب للشيطان انه لم يكن يخدم الله لاجل منفعة رخيصة وبالمقابل شاء الرب ان يعيد اليه اكثر مما كان لديه سابقا
وهذا ما يحدث في الواقع .عندما يرى الله اننا لسنا متعلقين بخيرات الدنيا التي يمنحها لنا، وعندما يرى اننا نفضل الخيرات الروحية يمنحنا الخيرات الأرضية الوقتية.
اذاٍ الشكر وصية وامر الهي ؟الله الذي يمتلئ حياتنا في لحظة بفضله ونعمته ووجوده يحث شعبه في كل زمان ومكان على تقديم الشكر له بصورة مستمرة ليس فقط كحق ادبي او اخلاقي ولكن كي تتالقى قلوبنا وكي نفترب منه ونتمتع بصلاحه ومحبته.
يقول لنا الرب: ” احمدوا الرب ..ادعوا اسمه القدوس” (مومور 101: 1). ” اجيبوا الرب بحمدٍ ” ” اشكروا اسمه القدوس” .
أخيرا ، احبائي: يجب أن نكون شاكرين لأن الله مستحق شكرنا. ومن حقه أن نشكره من أجل كُلُّ عَطِيَّةٍ صَالِحَةٍ وَكُلُّ مَوْهِبَةٍ كاملة” (يعقوب 1: 17).
عندما نكون شاكرين، لا يعود تركيزنا على رغباتنا الأنانية أو الألم الناتج عن ظروفنا الحالية. ويساعدنا التعبير عن الشكر أن نتذكر أن الله هو المتحكم والمسيطر. لذا، فإن الشكر ليس فقط شيئاً لائقاً، بل في الواقع هو أمر صحي ومفيد بالنسبة لنا. فهو يذكرنا بأننا ملك لله، وأنه قد باركنا بكل بركة روحية (أفسس 1: 3). بالفعل، لنا حياة أفضل (يوحنا 10: 10) ويجب أن نشعر بالإمتنان .
فلنتجاوب مع طلب الرب يسوع ولنُمْعِن في نطق كلمات الشكر بكثرة من قلوبنا المليئة بالحب والامتنان للرب. لندرب انفسنا ان نشكر في الشبع والجوع والعطش والغنى والمرض والصحة وفي كل شي. لنحمد ونمجد مع النبي داوود ونقول :
” أُعَظِّمُكَ يَا رَبُّ لأَنَّكَ نَشَلْتَنِي وَلَمْ تُشْمِتْ بِي أَعْدَائِي. يَا رَبُّ إِلَهِي اسْتَغَثْتُ بِكَ فَشَفَيْتَنِي. يَا رَبُّ أَصْعَدْتَ مِنَ الْهَاوِيَةِ نَفْسِي. أَحْيَيْتَنِي مِنْ بَيْنِ الْهَابِطِينَ فِي الْجُبِّ… حَوَّلْتَ نَوْحِي إِلَى رَقْصٍ لِي. حَلَلْتَ مِسْحِي وَسربلتني فَرَحاً لِكَيْ تَتَرَنَّمَ لَكَ رُوحِي وَلاَ تَسْكُتَ. يَا رَبُّ إِلَهِي إِلَى الأَبَدِ أَحْمَدُكَ“.(مزمور 30: 1-12).آمين