عظة الاحد :” الاحد الثامن من العنصرة”
(تكثير الارغفة ) 2018
كنيسة الصليب المحيي- النبعة.
الاب باسيليوس محفوض
باسم الآب والابن والروح القدس، آمين
ان الذين لديهم المسيح لهم كل الكفاية والحاجة، ولا حاجة لهم ان يمضوا ان يطلبوا السعادة او العيش من المخلوقات.
أيها الأحباء: قد جاء الرب يسوع الى العالم ليعلن ان “الله محبة”، وليس كما يفكر البعض عن الله انه جبار ومتكبر. اظهر الرب كل الحب والحنان للعالم الذي يحتاج الى المحبة وهذا العالم لم يعرف سوى الحقد والحسد والجفاء.
جاء يسوع ليبشر المساكين ويسعد الضعفاء والمساكين، تجول صانعا الخير وشافيا جميع المرضى. تحنن على الخطأة، فجالسهم واكل معهم. فقال فيهم الطوبى.
يسوع اختار طريق الرحمة والحنان، لأنه أقرب الى قلب الانسان، وهو اعرف الكل بضعف الانسان، وهو يعلم ان حنانه على بساطته هو المنتصر في آخر المطاف.
ويَظهر هذا بوضوح في النص الإنجيلي الذي قرأناه الان. يقول الانجيل المقدس: لما رأى الجموع تحنن عليهم وشفى مرضاهم. اذا كانوا مُنزعجين ومنطرحين كخراف لا راعي لها (متّى 9: 35).
اذا كانوا كثيرين خمسة الاف رجل ما عدا النساء والأولاد، لم يتأفف يسوع، لم يتذمر، لم يناجي الله الآب قائلا: اما يحق لي ان ارتاح قليلا.. وانت تعلم حزني وتعبي؟
ومن مثل المسيح يا احبائي في التحنن على النفوس لان مراحمه لا تزول (مراثي 3: 12 ) .
لذا الكلمة الجوهرية الأساسية في هذا النص المبارك هي ” تحنن”. عندما رأى الرب يسوع الجموع الذين تبعوه ولاحقه سيرا على الأقدام، قد برهنوا من خلال هذا الجهد الشخصي عن اهتمامهم الكبير بخلاصهم.
في المقابل رحَّبَ الرب يسوع بهؤلاء الناس المتعبين وكمخلص وطبيب الكلي القدرة، علَّم الجاهلين وشفى المرضى واشبع الجياع، مبرهنا بذلك عن الفرح الكبير الذي يجلبه له حب المؤمنين هذا.
كأن المسيح يقول لكل واحد منَا: كسِّر خبزك للفقير وبشر الجميع بالإنجيل ليشبعوا شاركهم بما عندك.
اذا يسوع اهتم بالجمع روحيا وجسديا وعندما جاء المساء اشفق وتحنن يسوع على الجمع لانهم كانوا لم يأكلوا بعد.
أخذ يسوع الخبز والسمكتين وبارك وشكر الله الآب. هكذا يجب أن يعمل كلُّ الانسان قبل تناول الطعام أن يصلّي، أن يطلب بركة الله، وبعد الأكل أن يَشكرَه على نعمه. ليس من العدل أن نتنعم بخيرات الله دون ان نَشكرَه.
كما أنَّ ذلك الجمع الغفير اغتذى بحضور يسوع، علينا أن نستحضرَ الله الموجود في كلِّ مكانٍ، كي لا نجعلَ اللذة والتنعم غاية طعامنا. بل نتغذي لحفظ الحياة بنعمة الله
فلنستحضر الله في طعامنا وشرابنا كي لا نستسلم الى الشراهة. وعلينا ان نخصّص المُعوزين والفقراء بشيء من طعامنا لانَّ يسوع قد أمر التلاميذ أن يجمعوا الكِسَر التي فَضُلت. هكذا يجب علينا أن نطعم من فضلات موائدنا الفقراء والمساكين
أيُّها الأحبّاء: تصدقوا من فضلاتكم ولا تكونوا كالغنّي الذي كان يمنع عن لعازر المسكين الفُتات الساقط من مائدته.
الفقراء يتصدقون على الفقراء ايضا. فكروا أيُّها الأحبّاء أنكم ستتركون كلَّ شيءٍ كلَّ شيءٍ زائل. إنَّ هذه الحياة ستعقبها حياة اخرى.
أيها الأحباء هناك ملاحظتين مهمتين أساسيتين:
الأولى وهي ان المسيح شفاهم أولا ومن ثم اكلوا، هذا يعني فلا يقدرون ان ينالوا خبز بركة يسوع الا ونالوا شفاء النفس لعل هذا يحمل رمزا لالتزاماتنا بسر التوبة والاعتراف لأجل شفاء النفس من مرضها الروحي قبل ان تدخل الى القداس الإلهي وتتقبل من يدي السيد لا خبز البركة بل جسده ودمه المقدسين.
الملاحظة الثانية هي: هذه الجموع بالآلاف تركوا بيوتهم ومدنهم ليخرجوا الى يسوع، هكذا انتم يا احبائي عليكم ان تخرجوا روحيا للقاء يسوع، تركوا اهتماماتهم العالمية وغير العالمية.
أعطوا ليسوع وقتا من يومكم، لا تخجعلوا ان تعرضوا على يسوع اسئلتكم وطلباتكم، مهما كانت صغيرة او كبيرة، فان اموركم الصغيرة ليست تافهة بالنسبة للمسيح، وامروكم الكبيرة ليست لمستحيلة عليه.
أخيرا: ألا أعطنا الربُّ يسوع نعمةً فوق نعمة حتّى نصير مشابهين له بأن نحبّ قريبنا ونتحنن على ضعفه ونحسن إليه في حاجته كما تحنن هو على سقطات البشر وساعدهم.
عندئذ نصير مستحقين ومؤهلين للحصول على السعادة ونسمع من فمه العطوف أنتم احبائي تعالوا رثوا الملكوت المعّد لكم …آمين