دعوة الحياة الأبدية…: كيف ولماذا نلبّيها ؟!
الأحد 12 بعد العنصرة
( الشاب الغني)
متى 19ّ: 16-22
في ذلك الزمان دنا إلى يسوع شابٌ وجثا له قائلاً أيها المعلم الصالح كاذا أعمل من الصلاح لتكون لي الحياة الأبدية* فقال له لماذا تدعوني صالحاً وما صالح إلا واحد وهو الله. ولكن إن كنت تريد أن تدخل الحياة فاحفظ الوصايا* فقال له أية وصايا؟ قال يسوع لا تقتل. لاتزن لا تسرق لا تشهد بالزور* أكرم أباك وأمك أحبب قريبك كنفسك* قال له الشاب: كل هذا قد حفظته منذ صبائي فماذا ينقصني بعد* قال له يسوع إن كنت تريد أن تكون كاملاً فاذهب وبِع كلّ شيء لك وأعطه للمساكين فيكون لك كنز في السماء وتعال اتبعني* فلما سمع الشاب هذا الكلام مضى حزيناً لأنه كان ذا مال كثير* فقال يسوع لتلاميذه: الحق أقول لكم إنه يعسر على الغني دخول ملكوت السماوات* وأيضاً أقول لكم أن مرور الجمل من ثقب الإبرة لأسهل من دخول غني ملكوت السماوات* فلما سمع تلاميذه بُهتوا جداً وقالوا من يستطيع إذن أن يخلص* فنظر يسوع إليهم وقال لهم أما عند الناس فلا يُستطاع وأما عند الله فكل شيء مستطاع.
العظة:
باسم الآب والابن والروح القدس،آمين
َ” أَمْسِكْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِي إِلَيْهَا دُعِيتَ.” (1 تيموثاوس 6 : 12 )
أيُّها الأحباء: في إنجيل اليوم ،دعونا نسأل مع ذاك الشاب الذي كان يبحث عن خلاصه. ويسأل كيف أرث الحياة الأبدية؟.
ما هو معنى الحياة؟. وما هي الحياة الأبدية؟.وما هو هدفنا في الحياة؟ .لماذا وجدت الحياة؟. اسئلة بحاجة إلى جواب !.إذاً كلّنُا نتمسّك بالحياة ونعيش من أجل الحياة.ولكن أيُّ حياة يجب أن نعيشها ؟!.كيف أجد هدف وأعيش حياة مشبعة ومرضية .
كلّنا نضع اهدافاً وغايات لحياتنا على أملِ تحقيقها.إذ يأتي الزمن وينتهي ونفشل في تحقيق أيّ من هذه.
ونتسأل عن سبب هذا الفشل وهذا الفراغ بعد أن بدَّدنا سنوات طوال في محاولة الوصول لتلك الأهداف.
هل نجاحَ حياتنا في تجميع الأموال ،او نجاحنا في وظيفة الرفيعة أو تكوين علاقات ناجحة أو في عمل الخير .
كلُّ هذا باطل، باطل الاباطيل،الكل باطل.
لماذا نشعر بهذا الفراغ ،وهذا القلق والخوف .إذا ما هو هدف الإنسان وما غاية وجوده ؟ هل يمكن ان يكون الهدف من خلق الإنسان أن يأكل ويشرب ويتناسل إلى أن يموت؟!.
أو هل يكون هدف الإنسان من وجوده التمتع باللذات وطيبات الحياة ،أو أنَّ غاية الإنسان إنّما هي العلم أو العمل ؟!.
يقول القدّيس باسيليوس الكبير: ” أمّا نحن فالغايةُ التي نسعى إليها والتي نصبو إلى الوصول إليها بكلِ حرصٍ وإجتهادٍ هي الحياةُ السعيدةُ مع الله في السماء ولا شيء في الدنيا يوازي هذا السّعي الحميد شرفاً وعظمةً للخليقةِ العاقلةِ ” (عظة على مزمور 48: 1) .
إذا غايةُ الإنسانِ تتعدى حياته كلَّها وتفوق على ذاته ووجوده كي تصل إلى شيءٍ أعظم من ذات الإنسان إلى ذات بلا حدود التي خُلق الإنسان لأجلها فلا تكتمل سعادتُها ولا معنى لوجودها إلاَّ في هذه الذات، التي هي الله خالق الإنسان. عبثا أن يعيش الانسانُ ويسعدُ، إن لم يكون اللهُ هو غاية حياتهِ وجهادهِ وأتعابهِ وآلامهِ.
إذا الله هو معنى الحياة.
لأجل هذه الغاية جاء المسيحُ ابن الله ” جئت لتكون لهم حياة “، ” وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا إنَّ يسوع هو المسيحُ ابن الله،وكي تكون لكم، إذا آمنتم حياةً باسمه ” (يوحنا 20: 31).
كما ان المسيح قال بأنه معطي الحياة الأبدية: ” وانأ أعطيها حياة أبدية ولن تهلك إلى الأبد ولا يخطفها احدُ من يدي أنا والآب واحد ” (يوحنا 10 : 28 –30).
يا احباء الحياة الأبدية : هي الوجود إلى الأبد في حالة السعادة الحقيقية حيث لا يوجد حزن ولا وجع ولا خطيئة، بل بر وسلام وفرح .
لذا الله يا احبائي يعشق الإنسان. يقول الكتاب المقدس:” انَّ الله أحبّ العالم لذلك أرسل المسيح ليموت من أجلنا كي لا يهلك كلُّ من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية”.
هذا يعني ان الله منحنا الحياة الأبدية وأنَّ هذه الحياة هي ابنه ” من كان له الأبن كانت له الحياة ومن لم يكن له الأبن لم تكن له الحياة.”
أيُّها الأحباء: الحياة الأبدية لا تعني مجرد البقاء إلى الأبد. لأنَّ الإنسان الذي يؤمن ولا يتوب، بل يحيا حياة الشر،الفساد، هو أيضا سيبقى إلى الأبد. لكنه سيبقى في العذاب بعيد عن الله. وهذا لا يسمى في الكتاب المقدس حياة أبدية، بل يسمى الموت الثاني، وهو الهلاك، أي العذاب الأبدي.
الحياة الأبدية لا تعني مطلقا حياة جامدة، الأبدية هي صفة حياة الله فهي حركة حيّة دون حدود وفرح يتحرك منذ الأزل وإلى الأبد.
وبتعبير أوضح الحياة الأبدية فينا هي علاقتنا التي لا تموت مع الإله الحي: ” في البدء كان الكلمة وكان الكلمة عند الله وكان الكلمة الله. فيه كانت الحياة.. ” (يوحنا 1: 1).
هذا ما جعل القديس باسيليوس الكبير أن يقول: “… (الحياة الأبدية) هي عودة الصداقة وتثبيت العلاقة الحميمة بين الله والإنسان.. ” (عن الروح القدس 15: 35، 36).إذا فحياة الله محبة، ومحبة الله حياة، هذه هي الأبدية.
ونحن نعلم ما تتطلب منا على هذه الأرض من الحياة الأبدية من وداعة وصبرا واحتمالا وطهارة قلب وجسد وتجرد عن الغنى، وهكذا تتحقق على الأرض حياة القديسين في السماء (القديس باسيليوس الكبير).
إذاً المعنى الحقيقي للحياة ليس فقط في قبول الرب يسوع كمخلّص . أنَّ المعنى الحقيقي للحياة هو عندما يبدأ الإنسان في أتباع الرّبّ يسوع كواحد من تلاميذه يتعلّم منه ومن كلمته وكتابه المقدّس والشركة معه في الصلاة والسير معه وأطاعة وصاياه وترك كل شيء وحمل الصليب وسير خلفه.
لهذا يوصي بولس الرسل تلميذه تيموثاوس بوصية قائلا:” ” أَمْسِكْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِي إِلَيْهَا دُعِيتَ.”
لماذا؟ لإنَّ الحياة الأبدية هي السبيل الوحيد لانقاذنا من حياة هذا الدهر الباطل .
الحياة الأبدية هي دعوة المسيح لنا للنجاة من موت وحرمان وبالتالي هي خلاصنا لإجل هذا جاء المسيحُ مبشرا بالحياة الأبدية.
أخيرا:أحبّائي،الطريق أمامكم, طريق الحياة الأبدية و الملكوت المعدّ حيث ربُّ المجدِ نفسه يفتح ذراعيه لكم لتكونوا ابناءه وهو يكون مخلصكم الذي يفديكم من سلطان الخطيئة والشيطان. أما طريق الموت فهو أمامكم أيضا، مفتوح على مصرعيه لتصيروا من أهل هذا العالم.
فاختاروا… خلاصكم بيدكم … خلصوا رقابكم.حتى تستطيعوا” أن تقولوا مع بولس الإلهي: ” حياتي هي المسيح “..آمين