الميلاد بين تقليد الناس وتدبير الكنيسة
ميلاد مجيد وعام جديد بالبركة والمحبة للجميع أحببت أن تكون معايدتي لكم عن طريق نقل محاضرة ألقيت لقدس الاشمندريت يوحنا التلي للأخوة في مدارس الأحد الأرثوذكسية في صيدنايا عن الميلاد المجيد حيث كانت بعنوان: الميلاد بين تقليد الناس وتدبير الكنيسةسأنقل منها بعض المقاطع بعد عدة محاولات فاشلة و تعذر تحميلها كاملة لا أدري لماذا.
يا ترى ما الغاية من حدث هذا الميلاد؟ يسوع ولد بالجسد, هو موجود, في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله, والكلمة صار جسداً وحل فينا. إذاً الجسد الإلهي أتى من عند ابن الله لغاية, نترجمها حسب لغة الإنجيل ونقول إنه ولد لنا مخلص. وكلمة مخلص لا تقل أهمية عن قولنا بأن المولود هو “عمانوئيل”, الآن هو (مخلص )فغاية العيد إذن خلاصنا. العيد هو أن نفكر كيف نخلص؟ أن نفتش عن ذواتنا الضائعة لنوجدها بالمسيح المخلص الذي وحده هو موضوع خلاصنا والذي لا يشغلنا عنه شيء. في كثير من الأحيان, نحيا بفراغ, نحزن, نيأس, نضيع, ماذا نفعل لنلملم أنفسنا الضائعة؟ في كثير من الأحيان وبأسف أقول نجد أنفسنا بمزيد من الضياع كما العطشان الغارق في المياه المالحة في البحر, فكلما ازداد شرباً من مياه لا تروي كلما ازداد عطشاً, وهكذا الإنسان بفراغه ضائع هو, ويريد أن يملئ ذاته بأمور هذه الدنيا التي لا تملئ لا القلب ولا الكيان ولا العقل, إنما يزيد الفراغ فراغاً, ظناً منا بأننا بهذا اللهو نجد أنفسنا. وعندما نعود إلى بيوتنا بعد هذا نلمس أننا كمن قبض الريح في يديه وهو بالحقيقة لا يملك شيئاً.
لذا نجد أنفسنا على مفترق طرق لوجود إنسانين, إنسان اسمه الإنسان العتيق وإنسان اسمه الإنسان الجديد. الميلاد أتى ليقضي على هذا الفراغ, على هذا الضياع, على الإنسان العتيق الذي ينغمس في الخطيئة ظناً منه أنه يعمل شيئاً أو يلهو بشيء. دعوتنا هي أن نبحث عن خلاصنا من خلال الميلاد بولادة جديدة نستبدل فيها إنساننا العتيق بالإنسان الجديد. متذكرين أننا بآدم الذي أخطى أمام الله قد متنا, الله أعطانا الحياة لكي لا يكون هنالك موت, ولكن بالخطيئة دخل الموت إلى العالم, وصار الموت من نصيب البشر أتى المسيح لنحيا, لنولد من جديد معه بكونه آدم الثاني الذي هو يسوع المسيح حسب تسمية الكنيسة له. هل يا تُرى هذا هو انشغالنا بالعيد؟ إن كان هذا فنحن بالعيد معيدون وإن كان لا فلنبحث عن أنفسنا الضائعة, لنعيِّد حقيقة ولنجد أنفسنا قبل أن نجد شيء آخر. العيد قبل كل شيء هو عيد كنسيّ فجميل منا أن نحياه لا كما يحياه العالم بل كما تحياه الكنيسة. نحن أعضاء في كنيسة, لذ علينا أن نجعل من العالم كله كنيسة, فمنها نبتدئ بالتعليم الصحيح, بالتعييد الصحيح, بالاهتمام بأن يكون فرحُ العيد فرحٌ كنسيٌ, في حين أنه اليوم أقرب ما يكون بعيدٍ وثني، صرنا نُعيد الوثنية بأعيادنا, علينا أن نقيم هذه الحركة الروحية التصحيحية, لكي يكون للعيد دورٌ خلاصي وحضور حقيقي ( لعمانوئيل أي الله معنا ), فنُعيد بكوننا نقضي على تلك الوثنية بعلاقةٍ سليمةٍ بالمسيح من خلال الإيمان لنقتدي به, لنقتدي بطريقه, لنقتدي بمسيرته, بما أراد لنا أن نحيا و أن نعيش. هو أعطانا طريقاً و لكن طريقه إلهي هو, و نحن نتركه لنستعيد طريق قد قضي عليه, نستعيد اليوم الوثنية بالرغم من حفاظنا اللفظي فقط باللسان على الإيمان, ولكن بكل أعمالنا وبكل قلوبنا فهي بعيدة عنه لأنها منشغلة ليست بالمسيح إنما بزينة نقول أنها تخص المسيح. الزينة حلوة و مقبولة و لنحافظ عليها إن كنا نربطها الرباط الصحيح السليم بما أتى عليه السيد المسيح، ليكون عيدنا عيد روحي لا عيد دنيوي, أو عيد وثني. الميلاد هو ميلاد المسيح و العيد يخصه هو ولا يخصنا نحن ولنعيد كما يريد المسيح لا كما نريد نحن, لا نستغل عيد الميلاد لكي نقضي على المسيح, بعيد جديد نتبهرج فيه باسم صوري لا حضور لمضمون داخلي له، ونقول بأننا نحن نقيم عيد الميلاد بصورة صحيحة.
نحن نُلبس العيد قناعاً رفضه المسيح, لأن العيد في بيوتنا صار زينةٌ جميلةٌ جداً تنوب مناب القش والفقر الذين أتى عليهما المسيح عندما ولد، ولقد حل مكانها أضواء وتماثيل نكرم المسيح لنكون كما المجوس عندما كرموه. فلنكرمه نحن بجماليات ولكن أيضاً بسجود كما سجدوا, وباحترامٍ لائق أتوا إليه من مسافات بعيدة مخاطرين بحياتهم لكي يتبركوا ساجدين وينقلوا اسمه كمبشرين له لأماكن أخرى غير معروف هو فيها.
إذاً إن ألبسنا الزينة بلباسٍ بهي من المادة و الجمال, علينا ألا نفرغها من إنسانٍ يقيم هذه الزينة بزينة شخصية هو يتحلى بها, وهذه الزينة تتلخص بكلمة واحدة هي )الفضائل) لأنه بقدر ما يحيا الإنسان الفضيلة يحق له أن يعمل ما يشاء, كل شيء طاهر للطاهرين, كل شيء صحيح عندما يسكن المسيح قلوب المؤمنين, بهذه الصورة ربما نبقي على بعض من الزينة بصورةًٍ مقبولة و صحيحة, إن كنا نحن متزينين بزينة المسيح الحقيقية التي أتى بميلاده إلينا, لكي نكون نحن الزينة الأولى لكي نقدم له ذواتنا كأناس هم الذين يظهرون أمامه حسب ما هو يريد. حينئذ يكون للذهب المجوسي أي الأنوار وما شابه ذلك من أمور مادية شيء مقبول. إذا تزينا بالفضائل وعلى رأسها فضيلة التواضع تلك التي ولد فيها يسوع في بيت لحم مع إمكانية الإحساس بالآخر, المشاركة في الفقر وعيش العطاء: عطاء معنوي ومادي. المعنوي وحده هو غير كافي لا بل خدعة وأحياناً كاذب, والمادي وحده هو حب ظهور الذات. علينا أن نعطي بيد سخية و لكن بقلوب نظيفة, أتساءل هنا نحن في صيدنايا نرى هذه الزينات الكثيرة الموجودة, أقول و بصدق لا مانع من بقائها بشرط بسيط أن يقدم الإنسان بقيمة ما يزين به بيته, شارعه, أين ما كان موجود, أن يقدم من المال بقيمة هذه الزينة, زين بألف يقدم ألف, زين بعشرة ألاف يقدم عشرة آلاف, إذا جمعنا هذا المال ربما نجمع مليون أو ملايين. ونكون قد قدمنا ليسوع الهدية الحقيقية. لأنه إن كان أي واحد, يشعر بالآخر فيقدم له بمقدار ما يزين بيته, حينئذ يشعر بحضور المسيح أنه مقيم حقاً في بيته. المسيح موجود بالزينة التي فيها بها نجمل البيت والذات. بهذه الصورة علينا أن نغير الكثير الكثير من أفكارنا و من أعمالنا التي تستحق أن يصير المسيح بسببها هو السيد الأول علينا.
انتقل إلى نوع من الخاتمة, أريد أن أتحدث بعض الشيء عن شخصية بابانويل, الذي ندعوه من خلال شخص قديس عظيم هو القديس نيقولاوس, لا أريد أن أتحدث عنه من نفسي, لأن الحديث عنه غني ويستفيض, بالرغم من فقره في أنه ما قدم لنا حتى ولا كتاباً واحداً، بل حتى ولا سطر واحد إلا أنه علمنا أمثولة صالحة، ولهذا فهو باقٍ بقاء الخلود لأنه قدم بأعماله من خلال إيمانه عطاءات رسخ بفضلها وجوده مع شخص المسيح في قلوب البشرية, التي ستبقيه إلى يوم المجيء الثاني خالداً أبداً. لكن بالرغم أننا لا نعرف عنه أي تعاليم كنسية إلا أنه عاش في دواخل الناس, من هنا الكنيسة تكرمه مع ذكرى الميلاد المجيد. وسأتلو عليكم قطعة تُقرأ في صلاة الغروب: “لنجتمع أيّها المحبو الأعياد, ونمدح بالتقاريظ النشيديّة جمال رؤساء الكهنة, وفخر الآباء, وينبوع العجائب. منجد المؤمنين العظيم قائلين: إفرح يا حارس أهل ميرا وزعيمهم الموقر, والعمود غير المتزعزع. إفرح أيّها الكوكب الساطع الضياء, المنير أقطار العالم بالعجائب. إفرح يا سرور الحزانى الإلهيّ ونصير المظلومين الكلّيّ الحماسة. فالآن يا نيقولاوس الكلّي الغبطة. ما تزال متشفّعاً إلى المسيح الإله من أجل الذين يكرّمون دائماً بإيمان وشوق تذكارك المبهج الكلّيّ التعيد”, ثم ننتقل مباشرةً إلى مفهوم ميلادي بالتلاوة التالية: “أيّتها المغارة استعدّي فإنّ النعجة تأتي حاملة المسيح جنيناً أيّها المذود تقبّل مَن بكلمته نقض أفعالنا البهيميّة نحن معاشر الأرضيّين. أيّها الرعاة اسهروا واشهدوا للعجب الرهيب, ويا أيّها المجوس الذين من فارس قدّموا للملك ذهباً ولباناً ومرّاً لأنّ الربّ قد ظهر من أمٍّ بتول الذي قد انحنت له أمّه وسجدت له كأمة وخاطبت الذي في أحضانها قائلة: كيف بُذِرت فيِّ وكيف نبتَّ منَي يا إلهي ومنقذي”
اسم القديس نيقولاوس بالتعليم الكنسي منذ القديم مقرون بالميلاد وكأن الميلاد كوّنه ليكون ما هو عليه, فأنشدت له الكنيسة التعظيم بما عاشه والمقارنة بطفل المذود مع العلاقة مع أمنا العذراء مريم, فلهذا نشعر بأن شخصية بابا نويل التي تمثل المسيح المعطاء وليس المهرج قائمة بشخص نيقولاوس الذي كان يحيا بهذه الصورة, بكونه كان صالحاً ومحباً ومضحياً ومعطاءً. كان يعطي الفرح للجميع كما بعونه للفقراء يقدم العون لكل محتاج. فإن جعلنا منه شخص (بابا نويل (فلأنه كان يجاهد ليكون على مثال الله، ومقتدياً بالسيد المسيح. كان يحمل روح الميلاد الحقيقية.
أما شجرة الميلاد، فإذا ربطنا معناها بشجرة الكتاب المقدس فهي بنظر البعض جيدة للأكل، ولها بهجة للعيون كما أنها شهية للنظر. والشيطان استغل مواصفاتها فأغوى الإنسان وصار من خلالها خاطئاً. لكن الشجرة بالمفهوم الروحي الصحيح وهذا ما نجده في الكتاب المقدس طبعاً هي )شجرة الحياة (ويسوع هو الحياة. كما أنها ترمز إلى الحقيقة الشركة مع الله، تلك التي تبنى عن طريق الطاعة له فتنقاد الحياة فينا إلى عالم )ملكوت الله (. لذا فإن ثمارها هنا بدلاً من أن تدخلنا بالشيطان إلى الخطيئة. نجد أنها تقدم لنا ثمارها. وما ثمارها إلا ثمار )الروح القدس ( الذي من عطاءاته ننال: “المحبة والفرح والسلام، وطول الأناة واللطف والصلاح، وإيمان ووداعة وتعفف)”غلا (22:5.
lajoie