ان الاية " أحبوا اعدائكم" (متى 5:44) و(لوقا27:6 ،35 ) تظهر لنا الركائز التي تقوم عليها المحبة المسيحية فهذه الكلمات الواضحة البسيطة ان دلت على شيء فانما تدل على مطلب لا سابق له يفرض علينا ان نحب من لا نحبهم . لذلك لا يمكننا الا ان ننذهل اراء هكذا كلمات وان نضطرب لها بل وان نرتاع خوفا من الدينونة التي ترسمها امامنا .
هناك البعض من المسيحيين يستبدلون المعنى الحقيقي لهذه الوصية بتفسير بشري مخالف لان معناها هو بالضبط جديد كليا . ويقولون ان على المحبة ان تتوجه الى خاصتنا اي الى كل من وما من الطبيعي ان نحبه مثل اهلنا واقربائنا وشعبنا وبلادنا اي ان نحصر محبتنا في كل ما ومن كنا سنحبه عادة وفي شكل طبيعي حتى ولو لم يأت المسيح او لم يكتب الانجيل .
ايضا هناك أيات لا تقل غرابة ورهبة عن التي ذكرناها آنفا مثلا : " من احب أبا او أما اكثر مني لا يستحقني " ( متى 14 – 26 ) " او ان كان احد يأتي اليَ ولا يبغض اباه وامه وامراته واولاده واخوته واخواته وحتى نفسه ايضا لا يقدر ان يكون لي تلميذا " ( لوقا 14 – 26 )
اذا كان الوصول الى المسيح يفترض اتباع وصاياه عندئذ لا تكون المحبة المسيحية مجرَد تتويج وتأكيد للمحبة الطبيعية فحسب بل تتعداها باشواط بعيدة لتتميز عنها وبشكل جذري الى درجة التناقض . اذا المحبة المسيحية هي بالفعل محبة جديدة . والسؤال من اين نستمد القوة لنحب من لا نحبه ؟ ألا يكمن سر الحبة .
نحن ان وظفنا كل ما اوتينا من ارادة واذا تعلمنا التواضع والمسامحة والشهامة في تعاطينا والاخرين لكننا لن نكتسب ذاك النوع من المحبة ، الذي بلغ بالقديس اسحق السوري مبالغا جعله " يصلي ويشفق على الشياطين " فما هو اذا معنى استحالة تبني وصية المحبة هذه؟
لهذا السؤال جواب واحد لكان من المستحيل وحتى من المخيف ألا تكون المسيحية قائمة الا على هذه الوصية . فالمسيحية ليست في نهاية المطاف مجرد مجموعة وصايا . بل هي كشف وعطية ومحبة وما اعتمدت المحبة اساسا للمسيحية الا لانها كشفت واعطيت قبلا .
الله واحد محبة والله وحده يحب بالمحبة التي يتكلم عنها الانجيل ما كان للانسان يقدر ان يكشف له او تعطى له محبة الله أو ( الله – محبة ) لولا التجسد اي لولا اتحاد الله بالانسان في يسوع المسيح ابن الله ابن الانسان .
ان جديد المحبة المسيحية هو دعوة الانسان الى ان يحب محبة ( الهية ) بعدما تحولت بالفعل محبة المسيح الى محبة الهية – انسانية .
الامر ليس اذا خيارا بل دعوة يوجهها الينا السيد " اثبتوا فيَ وانا فيكم " ان نثبت في المسيح يعني ان نكون نحيا في الكنسية حياته التي اودعها البشر والتي تنمو في المسيح وتثبت فيها .
فالمحبة هي جوهر قداسة الكنيسة لانها " فاضت في قلوبنا بفعل الروح القدس " وهي في جوهر وحدة الكنسية . والمحبة هي ايضا في جوهر رسوليتها وجامعيتها في كل مكان وزمان .
هذ المفهوم الجوهري للمحبة هو الذي حمل الرسول بولس الالهي على القول " ان كنت اتكلم بالسنة الناس والملائكة ولكن ليس لي محبة فقد صرت نحاسا يطن او صنجا يرن ….. " ( 1كورنثوس 13: 1- 13 )
ان غاية مما نقول ليس فقط الدلال على المحبة هي الرابط الذي يجمع اعضاء الكنسية بل القول ان هذا النوع من المحبة الذي يحكم العلاقة بين ابنائها والذي يبلغ اهميته الحياة نفسها . هو الذي يؤهل الكنسية لان تعلن المسيح ومحبته للعالم ولان تشهد له في ارجاء المسكونة .
من هنا يبرز الدور الاساسي والجوهري الذي على الكنسية وعلى اعضائها ان يضطلعوا به العالم والذين يدعوها الى اعلان المحبة وتجسيدها كحياة والحياة كمحبة .
حين تجد الكنسية الكنيسة في المحبة يمكنها ان تشهد للمحبة في العالم .
فنحن عندما نذهب الى الكنسية نذهب سعيا وراء المحبة الجديدة التي حملها يسوع نفسه الينا والتي لا نقتبلها الا في وحدتنا . نذهب " ليملك في قلوبنا سلام الله " ( كولوسي 3: 14) ولنثبت في محبته ونعلنها للعالم متى كنا جمعيا جسدا واحدا هو جسد المسيح
قبلة المحبة وسلام الرب معكم