ايقونة الميلاد مع تفسيرها
=====================
يكتب القديس (مكسيموس المعترف) بأن المسيح المتجسد هو نقطة المركز التي نحوها تقترب كل محاور الكون. من أجل هذا نرى أن أقدم الرسومات التي تصور حدث الميلاد تضع مهد المسيح بوضوح في المركز. ولكن ابتداءً من القرن السادس يبدأ تغيير في تصميم هذه الرسومات؛ فالأيقونة تصبح بصورة نهائية مريمية، ووالدة الله تأخذ موضعا رئيسيا فيها، أما محتوى الايقونة يصبح أكثر توسعا وبه نجد بايجاز ملخص تاريخ الخلاص كله.
في صعودهم من المشرق نحو العلى، نحو النجوم، المجوس يمثلون رمز الانسانية التي تبحث عن الفردوس المفقود، يمثلون ارتقاء العقل نحو الله. إن حركة المجوس وهم يصعدون تمثل صورة الجهد الانساني الذي يبحث للولوج في اسرار الله. إن الله هو في العلى، لأن الملاكان ينظران إلى الأعالي – إن الملاك يشهد على حضور الله – ولكن يوجد ملاك آخر نرى نظره متجه نحو الرعاة ويبلغهم بأنه يكون من دون فائدة الاجتهاد والتعب من أجل الصعود إلى الجبل. ها قد أتت الساعة التي بها سينزل الله ذاته من الاعالي. كل ما يحتاج المرء ليراه أن يكون نظيفا في قلبه ( متى 5: 8).
في الجهة اليمنى من الايقونة، هناك الراعي الذي يسمع إلى بشارة الملاك، يمثل هذا الراعي الشعب المختار، ذلك الشعب الذي الذي يبحث الله بذاته عنه والذي، اي الله، ينزل كالراعي الصالح من أجل أن يجمع قطيعه الذي تكلم معه منذ قرون بمختلف الطرق ( عبرانيين 1:1). في المركز قد وضعت مغارة بيت لحم التي بها قد ظهرت نعمة المخلص (تيطس 2: 11) من أجل أن تصالح الجميع سواء بعيدين أو قريبين (افسس 2: 17).
إن النعمة كما يقول القديس اوغسطين: تسمى نعمة لأنها مجانية. إن الآباء اللاتين كانوا على صواب عندما شددوا على هذه الناحية من العقيدة المسيحية ضد البيلاجانيين. ان البعض من آباء الكنيسة الشرقيين كانوا يرون أنفسهم مجبَرين ضد التوجهات الثنائية إلى التركيز على وجهة اخرى للايمان ذاته: التعاون ما بين كل القدرات المخلوقة مع النعمة الالهية. نرى صدى موقفهم في ترتيلة ضمن الطقس البيزنطي ليوم عيد الميلاد. نص هذه الترتيلة قد اوحى بلا شك راسم هذه الايقونة والتي تقول: “أي شيء نقدم لك أيها المسيح كي تولد من أجلنا على الارض كانسان؟ كل خليقة من الخلائق التي هي اعمالك تعطيك في الواقع شهادتها، تعبّر بها عن امتنانها: الملائكة يعطون نشيدهم، السماوات تقدم النجمة، المجوس هداياهم، الرعاة تعجّبهم، الارض تقدم المغارة، البرية تقدم المذود، نحن البشر نقدم لك أُمّاً عذراء”
إن مريم المقدَّمة لله من أجل فعل التجسد كي يستطيع هو أن ينزل قد شُبِّهت بسلّم يعقوب ( قارن تكوين 28)، التي هي تماما على طرف النقيض من برج بابل ( تكوين 11): اي المجهود الانساني المأساوي من اجل غزو السماء بواسطة قدرات ذاتية. في الفردوس نعرف ان الحية قد قدمت لحواء امكانية مزيفة من أجل أن يصبحوا الله ( تكوين 3: 5)؛ أمّا حواء الجديدة قد قدَّمتْ هي ذاتها من أجل أن يستطيع الله أن يصبح إنسانا.
إن شكوك مار يوسف الذي يجربه الشيطان في هذه الايقونة والذي نلاحظه يرتدي ملابس الراعي، هي مصورة بشخص الملاك في الجهة اليسرى من المشهد وتمثل حيرتنا وريبتنا الابديتان. نحن لا نستطيع أن نفهم قدرة الله ولا عظمة الانسان. إن حقيقة يسوع المسيح الذي هو إله حق وإنسان حق، كان يجب ان تكشف هذه الحقيقة ليوسف من قبل الملاك.
على العكس من هذا نشاهد امرأتان حكيمتان في الطرف الاخر من الايقونة يغسلان المولود الجديد، وهنَّ حاضرات حسب روايات الاناجيل المنحولة، لاعطاء شهادة عن الولادة العذرية للمسيح، الذي أتى إلى العالم كإنسان. هنَّ علاوة على هذا عندما يغسلن الطفل – لأن كل إنسان حديث الولادة يغسل بعد ولادته- يشهدن بأن يسوع هو انسان حق.
فإذا كان المخلص بالنسبة لليونانيين القدماء يمثل حياة الكون، فبالنسبة للعبرانيين المخلص هو ذروة تاريخهم. في أسفل الايقونة توجد شجرة نمت من أصول يسى كما يقول الكتاب المقدس: ترمز هذه الشجرة إلى اكتمال الوعود التي أُعطيت لابراهيم ولذريته.
فوق المغارة قد رسمت النجمة التي أتت إلى بيت لحم. إن آباء الكنيسة كان يجب عليهم أن يجاوبوا على بعض الاعتقادات التي كانت تؤمن بالقدر في القِدم، وكتبوا بحوثا كثيرة بهذا الخصوص. اذا كان كل انسان يولد تحت تاثير برج أو نجم، أحد تلك النجوم الكثيرة التي تشكل دورة النجوم الثابتة، وتكون اذن قصة وحياة الانسان فيها لتتحرك تحت تأثير الابراج. عندما ولد المسيح وجب أن تتحرك النجمة وتنتقل من مكانها، لأنه هو، أي المسيح، قد قدَّر وحتَّم مسار النجم. قد حطَّم بهذا، حسب القديس أغناطيوس الانطاكي، كل تنجيم، أي حكم القدر العنيد، معترفا بالله – الانسان (أي يسوع المسيح) سيد القوى الكونية.
ولكن فرح اللحظة يكون معكَّرا ببعض الامور الحزينة الحاضرة في الايقونة؛ فالمغارة لها شكل القبر، المهد له شكل التابوت، وأقمطة الطفل هي كأكفان الميت. إن يسوع قد ولد من أجل أن يموت. إن ملامح الأم المباركة ما بين النساء مملوءة بالحزن، لأن ابنها يُلفّ بلفائف شخص ميت وموضوع في تابوت دفن. معنى هذا كله هو: إن القدر المأساوي لحواء كان بأن تلد للموت، كي ترى دوما أبنائها وهم يموتون. مريم أيضا تلد ابنا مقدر له ان يموت، ولهذا نراه في الايقونة موضوعا في تابوت.
عندما تقدم الايقونات لحظة القيامة في رسمها نرى اللفائف ملفوفة بنفس الطريقة، ولكن من دون جسد المسيح. هذه تكون ما عبر الزمانية التي هي للايقونة. كل شيء هو حاضر معا: الولادة هي مع الموت مع بعضهما، آدم والمسيح يعاصران بعضهما، ليس بالمعنى التاريخي، ولكن بمعنى حقيقتين مستمرتين للإنسانية: الخطيئة والفداء. إن مغارة الميلاد هي مكان مظلم؛ ان النور الذي ظهر فيها يجب أن يُستلم، ولكن سيُرفَض أيضا من قبل آخرين (يوحنا 1: 5). عندما وهبت ذاتها للمسيح من أجل أن يتجسد، أم الله الراقدة على السرير القرمزي هي الأولى التي تقبل بأن تصبح ضحية معه. من جهة أخرى فأن الحزن يجب أن لا ينتصر في تعابير رسم الايقونة. فأذا كان هناك ألم، يجب ان يرى لماذا وما الهدف منه: إن كل تركيبة الايقونة تؤشر إلى السلام الفردوسي المستعاد الذي هو غاية التجسد.
ان التابوت الموضوع فيه الطفل هو مذود أيضاً، وعلى جانبه يوجد الثور والحمار. إن الصورة التي تخص المذود هي صورة جميلة جداً، تلك التي يركز عليها البشير لوقا في إنجيله ثلاث مرات ( لوقا 2: 7 و 12 و16)
ماذا تعني هذه الصورة؟
————————-
عندما طُرد الانسان من جنة عدن – يقول الكتاب المقدس- كان قد لبس ملابس مصنوعة من جلد الحيوانات. بعض آباء الكنيسة يشرحون بأنه منذ تلك اللحظة وصاعدا بدأ الانسان يفهم جسدانيته بصورة حيوانية، هذا يعني بأنه بصورة مستمرة يكون مرعوبا من خوف الموت. الانسان منذ تلك اللحظة بدأ يعيش في بحث مستمر عن الخلاص الذاتي، بنفس الطريقة التي بها يجب على الحيوان أن يأكل ليصبح على قيد الحياة. هكذا هو يعثر على مذوده – اي الخطئية – من أجل أن يشبع غريزة البقاء على الحياة. كل واحد منا له خطئية يرتكبها باستمرار، ولانه من هذه الخطئية ينتظر قليلا من الاشباع ومن التوكيد، فمن أجل هذا نحن نخطأ. إن الانسان يخطأ لأنه يثق بالحية ويأمل بأن يصبح مثل الله، كما لو كان حواء مستمرة تجرب ان تقطف من ثمر جنة عدن، أملا، اولا، ومن ثم، ليقطف الثمر الصحيح. من أجل هذا الانسان يرجع دوما الى الخطيئة. فأذا كان الله يريد أن يلتقي الانسان من جديد، كان يجب عليه أن يضع ذاته (أي الله) هناك حيث الانسان يخطأ، هناك أينما يوجد الصنم الذي عليه قد ثبت الانسان نظره. اذن يكون ذو معنى كبير الامر الذي بموجبه يكون المسيح موضوعا في مذود. إن المسيح ينخفض الى المستوى الذي به يمكن للإنسان أن يجده (أن يجد المسيح)، لأنه هناك سيعود الانسان بصورة أكيدة. يتوقف (المسيح) أن يكون إله المجد ( التنازل الذي يتكلم عنه مار بولس في رسالته إلى أهل فيليبي 2: 5)، يخلع كل ما هو إلهي ويأتي إلى المذود، المكان الذي يعود إليه الانسان دوما، لأنه يعود دوما إلى خطيئته. ولكن الخطئية هي الموت، لذلك المذود هو تابوت دفن أيضاً. إذن ان الله ينزل من لكي يضع ذاته هناك، حيث الانسان يعود ويتردد دوما، وحيث يستطيع أن يجده. وكما ان الطعام يُطحن في فم الانسان، هكذا ايضا ابن الله سيطحن.
في هذه الايقونة يوجد إعلان أول عن القربان الاقدس، إي عن فصح الرب. كما ان الخبز يُسحق عندما يؤكل، ولكن هذا يكون سببا للبقاء على قيد الحياة، هكذا ايضا المسيح يقبل بأن يُطحن ويُسحق، لأنه فقط عندما يقتله الإنسان (أي يصلب المسيح) سيفهم كم ان الله طيب. ومن يفهم بأن الله هو طيب، آنذاك سيعود اليه ويحيا، لأنه هو الحياة. في العهد الجديد يعيش المرء بسبب العلاقة مع المسيح، من الايمان به فقط. المسيح آنذاك سيسمح بأن يُطحن ويُسحق كي نستطيع أن نأكل خبز الحياة، لأنه من يأكل من هذا الخبز يحيا إلى الأبد ( يوحنا 6: 51).