عظة الاحد : “احد مرفع الجبن“
احد الغفران
باسم الآب والابن والروح القدس ،آمين
محْتَمِلِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَمُسَامِحِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا إِنْ كَانَ لأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ شَكْوَى. كَمَا غَفَرَ لَكُمُ الْمَسِيحُ هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا. وَعَلَى جَمِيعِ هذِهِ الْبَسُوا الْمَحَبَّةَ الَّتِي هِيَ رِبَاطُ الْكَمَالِ.كو3 : 13- 14
ايها الاحباء: في هذا اليوم المقدس الاحد المبارك نقيم تذكار نفي آدم اول الجبلة من الفردوس، ويسمى باحد مرفع الجبن. اقام الاباء القديسون هذا التذكار قبل الصيام ليقولوا لنا او ليظهروا ويعلنوا بوضوح كم هو الصيام نافع للطبيعة البشرية.
وقد اظهروا لنا ان اول وصية من الله للناس هو الصيام الحسن والنافع الذي لم يحفظه آدم بل سقط في شهوات الطعام ،وليس فقط لم يصير الها بل جلب على نفسه الموت واشرك جميع البشر في الفساد.
فان كل العلل والضعف آتى علينا من مخالفة وسقوط آدم من النعيم بسبب عدم الصوم.
فلهذاوضعت الكنيسة المقدسة هذا الصوم لنا الآن ،اذا ما صنعنا تذكار آدم ونفيه،نهرب من الاسراف والتخمة في الطعام ولا نساير ولا نماثل آدم اول الجبلة،.
بعد ان تلقى آدم الوصية حالا أقام في الفردوس ومن ثم خالف الوصية فاقصي ونفي من الفردوس .
لذلك لا محالة للعودة للنعيم الحقيقي والفردوس الا بالصيام ،اذا اردنا يا احبائي ان يكون لنا علاقة بيننا وبين الله ،فالصوم هو العودة الى تلك العلاقة الابوية .
لذلك وضع تذكار نفي آدم من النعيم في مدخل الصيام لكي نتذكر ما سببه آدم من سوء وعدم الصوم .لهذا تحثنا الكنيسة المقدسة بان نتسارع الى الصوم بفرح ونحرص على ان نحظى نحن بواسطة الصوم على ما لم يحظى عليه آدم ، وهو التأله والقداسة والشركة مع الله نادبين وصائيمين ومتذللين الى ان يفتقدنا الله.
لذلك الصوم يا احبائي، في المعنى الحقيقي له هو وقت يخصصه الإنسان للرب .يعود الإنسان إلى أصالته. فهل هو إنسان يفكر ويعمل ويأكل ويشرب ويعيش ثم يموت فقط.
أليس من أبعاد أسمى من هذه؟أليس لله حصة في حياة الإنسان وعمله وتفكيره؟.فهذا هو وقت الرب.ونقصد وقت الرجوع إلى الله.
فيحتاج الإنسان إلى مراجعة حياة.لذاتشدِّد الكنيسة في طقوسها وصلواتها على التغيير.فالصوم هو زمن تغيير.
يغيِّر الإنسان في الصوم أفكاره وعواطفه وأسلوب حياته.فقد تراكم الغبار، وكثُرت العفونة، واستفحل الفساد فلا بدّ من تغيير.
فتلزم الكنيسة المؤمن بصلاة أطول، وأمانة أشدّ، وتضحية أبعد مدى وأكثر تجسيداً.
ولماذا؟… تريد أن توثِّق العلاقة بينه وبين الله وبينه وبين قريبه.
وهذه هي أعجوبة الصوم انها تغيِّر الإنسان البعيد عن الله فتجعله قريباً إليه وقريباً بالوقت نفسه إلى الإنسان.
وتتمّ حينئذٍ أعجوبة المحبة.
يا احباء: لاحظتم،يفتتح إنجيل اليوم، الصومَ بتعليم المسيح عن مغفرة الزلاَّت. في نظر المسيح مغفرة الزلاَّت دليل على نقاء القلب .فلا يمكن للإنسان أن يمتنع عن الأكل والشرب ولا يمتنع بالوقت نفسه عن الحقد والبُغض والاحتقار والنبذ والضغينة.
يبدأ الصوم عندما يصفح الإنسان عن الزلاَّت، وعندما يترك الغير وشأنه وعندما ينسى الإساءة ويتغاضى عن جرح كرامته وهضم حقوقه.
حينئذٍ يكون نقيّ القلب فيستطيع أن يقف أمام الله.وهذا أول شرط للصوم.
يتَّضح من هذا التشديد على الغفران أن الصوم هو عمل داخلي. فيطلب المسيح أن يتسامى الإنسان وأن يرتفع فوق الأنانية وأن يجتاز العقبات فيصل بالتدرّج وخطوة خطوة إلى الغفران.
لا يذكر السيّد السرقة والزنى وغيرها لأنها تزول بزوال العمل؛ أما عدم الغفران فهو رذيلة كالكبرياء لا تزول بسهولة.
إن وصول الإنسان إلى الغفران هو الوصول إلى المحبة.والمحبة هي كل شيء في المسيحية.
ومتى وجد الإنسان المحبة وجد الله المحبة؛ وهذا ما يعنيه قول الإنجيل: “إن غفرتم أنتم للناس زلاَّتهم.. يغفر أبوكم السماوي زلاَّتكم“.
المحبة لا تقابلها إلاّ المحبة
المسيح يصرِّح بأن الصوم الذي يريده هو الصوم الداخلي. فالصوم الحقيقي المطلوب ليس هو فقط، بل ولا أولاً، الامتناع عن الأكل والشرب: “الطعام لا يقربنا الى الله. فإن نحن لم نأكل لا ننقص، وإن أكلنا لا نزيد” (1 كورنثس 8: 8)،
فالصيام الحقيقي هو في تجنُّب الشرور، وضبط اللسان، ونبذ الغضب، والإقلاع عن الشهوات والنميمة والكذب والحلف.
فهنيئا لكم اذا أحسنتم الصوم الحقيقي. ألا تقبّل الله صومكم، واعطاكم الغفران والمسامحة والعزم ان تغفروا وتسامحوا بعضكم بعضا، وتقتربوا من الله من خلال القريب الذي انتم واياه تعلنان مع الملائكة في اليوم الاخير المسيح قام ،آمين