باسم الآب والابن والروح القدس،آمين
“هذه هي الدينونة ان النور جاء الى العالم وأحب الناس الظلمة اكثر من النور “(يوحنا 3: 19).
” قال يسوع: ليدنونة اتيت الى هذا العالم حتى يبصر الذين لا يبصرون ويعمى الذين يبصرون “(يوحنا 9: 39).
” لانكم بالدينونة التي بها تدينون تدانون والكيل الذي به تكيلون يكال لكم ” (متى 7: 2).
ايها الاحباء: يدعى هذا الاحد المبارك باحد مرفع اللحم ونقرأ فيه نص انجيل الدينونة الذي من خلاله يوضح الرب لنا اسس التي يتم على اساسها محاسبة وادانة العالم والتي توكد لنا ان دينونة الانسان تبدأ على الارض كما يبدأ الملكوت على الارض ايضا.
ولكن نسأل لماذا هذا المثل وضعته لنا الكنيسة المقدسة اليوم ،وخاصة بعد المثلين السابقين، مثل الفريسي ،ومثل الابن الشطر.لماذا؟
الجواب: لكي ما اذا راى الانسان تعطف وحنان الله الوارد في المثلين السابقين ليبدا حياته بالكسل والتهاون والهوان متكلا على ان الله عطوف وحنون محب للبشر ،وعندما اسقط في الخطيئة وارجع عنها واتوب يمكنني ان اعمل كل شيء بسهولة.
رتب اباء الكنيسة هذا اليوم (يوم احد الدينونة)ليذكرونا بذكر الموت وتوقع النتائج السلبية التي تجعل الانسان يشعر بالرهبة والخوف وخاصة الكسالى والمهملين ،بان ينهضوا من كبوتهم وايضا ليحذروهم بان لا يثقوا بعطف الله فقط بل لينظروا دائما بان الله ديان ويجازي كل واحد بحسب اعماله.
لذا وضعوا ذكر لدينونة في مرفع اللحم ،ليذكروننا ايضا باننا متنعمون ومتلذوذون ومتخمون بالطعام والملذات الدنيوية ،اذ يدعونا النص الى الاشفاق على القريب، ايضا يذكروننا بسبب تنعمنا وبراحتنا وبانانيتنا نفينا من الفردوس وصرنا تحت اللعنة والدينونة.
فلهذا وضع هذا الاحد تنبيها اننا في الاحد القادم بواسطة آدم سنُخرج من الفردوس على املا ان ياتي المسيح ويردنا للفردوس ثانيا عند مجيئه الثاني.
الذي سياتي بمجد للدينونة يدين الاحياء والاموات ،بعكس مجيئه الاول الى الارض، جاء بهدوء وبغير مجد ،اذ اخلى ذاته متواضعا وقد ظهر ليس ليدين بل ليخلص،اما في المجيء الثاني يوم الدينونة سيأتي بمجد عظيم مختلفا عن صورة الضعف التي عاش فيها بالجسد على الارض منذ ولد في المذود حتى صلب على الصليب سياتي مع الملائكة ويجلس على العرش ليدين العالم كله.
ايها الاحباء :في انجيل الدينونة ثلاتة حقائق اساسية موجودة فيه 1- ان يوم الدينونة حاصل وواقع حقيقي.2- الدينونة تشمل كل العالم ،كما يقول الريسوع في النص الانجيلي الذي سمعناه،لانه سيجمع كل الامم وليس اتباع دين دون اخر ؟3- ان المحبة هي معيار الدينونة.
الرب يسوع يريد ان يشدد على ان المحبة هي اساس ومقياس الدينونة ،سوف ندان عليها.الدينونة سوف تدين على اساس حياة الشركة وليس على اساس حياة الفرد او الفردية، بمعنى بان اكون انا مسؤولا عن اخي اي الاخر، ان كنت مؤمنا بوجود الله ويوم الدينونة.
دينونة الله أو عدل الله سوف يحكم علي حسب نجاجي في هذه المسؤولية ،مسؤولية محبة الاخرمهما كان الاخر. وليس على مقياس الصوم ولا على صنعي للعجائب.
يعني ،السؤال يوم الدينونة لكل واحد منا ،ليس عما فعلت مع الله ،السؤال سيكون
ماذا طبقت ايها الانسان من مسيحيتك مع الاخر .مسيحيتي هي وصايا نحو الاخر،
ما اريده انا من الله اترجمه من خلال القريب.
الرب يسوع يريدنا ان نصير في حالة حب الهي في كل مكان وزمان ولكل انسان.
في انجيل اليوم يسألون الرب متى اطعمناك ومتى كسيناك يقول لهم :كل ما عملتم لاخوتي لي عملتموه.هذه هي الدينونة ،كم أنت احببت وترجمت حبك؟.
خدمة المحبة هذا ما ندان عليه وبالتالي من يديننا؟ هو الاخ ، الاخر . يسوع هو الاخر هو المتجسد في كل واحد منكم ,ولكن هناك من يسأل ما هي الطريق التي تجعلني قادر على تقبل الاخر والتفكير به وبحاجياته للحصول على الحياة الابدية؟
لقد وَعَت الكنيسة صعوبة هذا الأمر، وأخذت تُحضِّرنا على مراحل لبلوغ هذه الغاية، فبدأت تُحضِّرنا في الأحد الأول من مسيرة التحضير بمثل الفرّيسيّ والعشّار، لتعلّمنا التواضع، وتجعلنا نتمثل بتواضع ذلك العشّار، التائب عن خطاياه، والقارع صدره ندامة عليها .
وتابعت في الأحد الثاني من خلال مثل الابن الشاطر بحثنا على التوبة، والعودة إلى الأحضان الأبويّة، برجوعنا عن خطايانا، وإعادة وصل العلاقة بيننا وبين الله التي انقطعت من جرَّاء الخطيئة، لتجعل منّا أشخاص متواضعين، مؤمنين بكلمة الله، ساعين لتنفيذها بحياتنا، وتطبيقها بأفعال المحبّة التي نقوم بها تجاه إخوتنا البشر.
فنراها اليوم ترشدنا إلى السبيل الذي من خلاله نستطيع أن نحصل على الخلاص، مؤكّدة لنا ولكلِّ واحدٍ منّا، أن الآخر هو ضرورة حتميّة لعلاقتنامع الله ولخلاصنا.
تواضعي، وندمي، وتوبتي، أي أنا من جهة، وقبولي للآخر، والتفكير بحاجاته، وبذل الذات من أجله، من جهة أخرى، وأنا والآخر مُكمِّلين بعضنا بعضاً نحو الله، متذكرين قوله: “كل ما تفعلوه بأحد إخوتي هؤلاء الصغار بي أنا قد فعلتم” (مت25: 41)، مؤكّداً لنا أن لا مصالحة معه ، ولا سبيل لي للوصول إليه من دون الآخر.
نعم يا احبائي :هذا ما يريده الرب يسوع المسيح من خلال الصوم المقدَّس. يريدنا أن نرجع إليه، أنا والآخر معاً، بإيماننا وأفعالنا، مُكمِّلين ما نقص من محبّتنا بعضنا لبعض، بمحبَّته المقدَّسة، لنستطيع أن نسمع صوته المشتهى وهو يقول لنا: “تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملك المعدّ لكم منذ إنشاء العالم” (متى25: 34).
هكذا يا احباء: عندما اعيش في الحب المسيحي لا يعود عندي خوف مع الموت .
بالحب المسيحي يصير اللقاء مع الرب فرح
اذا في الدينونة لا اخاف من الله المحبة بل اعشق لحظة لقائي به واستعد جيدا لهذا اللقاء بالمحبة والعمل ،هذا هو اليوم الذي صنع به الرب لنفرح ونتهلل به.
اخيرا احبائي: فرصتكم الآن للتوبة والاحساس بالاخرين ومد ايديكم للمساعدة والعطاء وعمل الرحمة مع كل من حولكم قبل ان تاتي الديونة الرهيبة .