التربية .. القداسة = ارضا صالحة
” بهذا يتمجد ابي ان تاتوا بثمر كثير فتكونون تلاميذي” ( يوحنا 15 : 8) .
لماذا لا يوجد تغيير حقيقي في حياتنا وتصرفاتنا كمؤمنين ؟
الاحد الرابع من لوقا :
(احدالآباء المجمع المسكوني السابع)
” عيد القديس الشهيد في الكهنة يعقوب الحمطوري”
النص الانجيلي : لوقا 8 : 5 – 16
” قال الرب هـذا المثل: خرج الزارع ليزرع زرعه، وفيما هـو يزرع سقط بعـض على الطريـق فوُطئ وأكلته طيور السماء. والبعض سقط على الصخر فلمّا نبت يبس لأنـه لم تكن لـه رطوبـة. وبعض سقط بين الشوك فنبت الشوك معه فخنـقه. وبعـض سقط فـي الأرض الصالحـة فلـما نبـت أثمـر مئـة ضعـف. فسألـه تلاميـذه: ما عسى أن يكون هـذا المثل؟ فقال: لـكم قد أُعطـي أن تعرفوا أسرار ملكـوت اللـه. وأما الباقون فبأمثال لكي لا ينظـروا وهـم ناظـرون ولا يفهموا وهـم سامعون. وهـذا هـو المثـل: الـزرع هـو كلمة الله، والذين على الطريق هم الذين يسمعون ثم يأتي إبليس ويـنـزع الكلـمة مـن قلـوبـهـم لئلا يـؤمنـوا فيخلصوا. والـذين على الصخر هم الذيـن يسمـعـون الكلمة ويـقـبـلـونـها بفرح ولكـن لـيس لـهـم أصل، وإنما يـؤمنـون إلى حين وفـي وقـت التجـربة يرتدّون. والـذي سقط في الشوك هم الـذين يسمعـون ثم يذهبـون فيختنـقون بـهـموم هـذه الحياة وغنـاهـا وملـذاتـها، فلا يأتـون بثـمر. وأما الـذي سقط في الأرض الجيدة فـهـم الـذين يسمعـون الكلمة فيحفظـونـهـا في قلـب جيد صالح ويثمرون بالصبر. ولما قال هـذا، نادى مـن لـه أذنـان للسمع فليـسمع. ” .
العظة
باسم الآب والابن والروح القدس ،آمين
ايها الاحباء: نعيّد في هذا اليوم للقديسين الاباء المجمع المسكوني السابع الذي انعقد عام 787 لاقرار اكرام الايقونات واستعمالها في الكنيسة. اذا حقق انتصار على الهراطقة الذين يرفضون الايقونات ،اذ شدد الاباء المجمع على ان السجود للايقونات ليس للخشب بل هو سجود للاشخاص المرسومين على الايقونات اي هو سجود لشخص ربنا يسوع المسيح ولشخص امه مريم العذراء.هكذا انتصرت الكنيسة الارثوذكسية وانتصر القديسون .
ايضا نعيد في هذا اليوم للقديس يعقوب الحمطوري ،هو قديس من بلادنا من كنيستنا وابن منطقة الكورة.هذا القديس ناضل واستشهد في سبيل ان تبقى راية الايمان المسيحي نقية ،بالرغم من كل التعذيبات والتنكيل به ،اذ رفض ان ينكر مسيحه فعمل المماليك على قطع رأسه وحرق جسده .لذا الكنيسة الارثوذكسية الانطاكية تكرمه وتطوبه وترنم له ترانيم خاصة به.
اذا الكنيسة لا تفتخر الا بالقديسين ولا تعتز الا بالقديسين .القديسون هم كواكب الكنيسة.
الكنيسة ،كنيسة قداسة ليست كنيسة اشخاص او جماعات ، الكنيسة كنيسة تصيّر الناس قديسين ،لهذا لا تاخذ بعين الاعتبار الا القداسة، تسعى وراء القديسين تفتش عن القديسين لنهتدي بهم ونصادقهم .
القديسون هم رجال الله السكارى بحب الله ،المجانين من اجل يسوع،من اجل الملكوت وهم لم ينالونه بعد ،ولكنهم بالايمان قد التصقوا بالمسيح .ايمانهم اقوى من وجودهم ،ايمانهم هو الذي جعلهم يقدمون انفسهم ذبائح لله .
هم المسيحيون الحقيقون الذين يصلحون مثال لكل انسان وبهم نقتدي ونطلب شفاعتهم .
اذا المكرمون في الكنيسة هم القديسون الذين بذلوا انفسهم في سبيل ايمانهم. المكرمون ليسوا الذين يستغلون الكنيسة وينتهزون الفرصة ليبنوا امجادهم.
المكرمون هم القديسون الذين رفضوا ان ينكروا المسيح ولو باللسان، فضلوا الموت على ان ينكروه.هم الذين لا يسمحوا لانفسهم ان يكذبوا كذبة صغيرة مثل البعض البعض من المسيحيين الذين حولوا حياتهم الى كذب معشش فيهم .
القديسون رفضوا ان يديروا ظهورهم للمسيح ، كما يفعل البعض منا. او ان يتكلموا كلمة واحدة ضد المسيح ،هؤلاء الابطال في الصلاة والصوم وقراءة الانجيل المقدس.
هؤلاء القيسون الشهداء هم المكرمون وليس المتخاذلون الكسالى الضعفاء .
يا احبائي : لابد من الفروسية والرجولة في حياة المسيحية لا تجوز ان تكون حياتنا المسيحية فاترة مايعة ردئية ،يجب ان تكون حياتنا كاملة،مئة بالمئة.
لهذا المسيحي الحقيقي هو مستعد دائما للموت من اجل يسوع ربنا ،والموت من اجل ربنا يسوع المسيح لا يكون بان نؤذي الاخرين، ونعمد الى تجويعهم والى سرقة ومنعهم من
العيش الكريم.بل ان نخدم الاخرين وان يكون المسيحي الارثوذكسي مستقيم الحياة والراي في الباطن والظاهر لا ينافق لا يكذب لا يتراءى لا يتكابر .
احبائي : مثل هذا الكلام نسمعه مرارا وتكرارا ونسمع ايضا كلام عن المحبة والتسامح والقداسة وعن خوف الله والتقوى .ولكن لماذا لا يوجد تغيير حقيقي في حياتنا وتصرفاتنا كمؤمنين ؟
الجواب: نجده في مثل الزارع الذي سمعناه الآن.
اذ يقول:
“سقَطَ بعضٌ(من البذار) على جانبِ الطريق ” والمعنى أَنَّ هناكَ بشرٌ غَلُظَت قلوبُهم كالتراب المرصوص. لا يدخل كلام الله الى قلوبهم لأَنَّ طبيعتُهُم قاسية وقلبُهم قاسٍ. لا يدخل الكلام الى صدورِهم فيأتي الشيطان وينزع الكلمة منهم فلا يستقرُّ فيهم، هؤلاء أُناسٌ صاروا حجارةً وأَفكارُهُم وقلوبُهم تلبَّدَت.
” وبعضٌ سقَطَ على الصخر ” والمعنى أَنَّ هناكَ أُناسٌ من طبيعةٍ معيَّنة يتحمَّسونَ كثيراً ثم يفتُرون ويبردون لا يصمُدون أَمامَ الشدائد والضيقات فيهربونَ سريعاً. هؤلاء ليسَ فيهم أَصلٌ عميقٌ، هم سطحيُّون بِلا متانة شخصيَّة، يتحمَّسونَ كثيراً في البداية ثم يخمُد حماسُهم لأَنَّهُ ليس فيهِم طاقات تغذِّيهم ليستمرُّوا. طاقاتُهم محدودة، ومكانتُهم الشخصيَّة محدودة جدًّا.
” بعضٌ سَقَطَ بين الشوك فنَبتَ الشوكُ معه فخنَقَهُ “. والمعنى أَنَّ هناك أُناسٌ تنخرهُم همومُ الغِنى وهمومُ هذه الحياة لأَنَّهم منهمكونَ ومهتمُّونَ بأُمورٍ كثيرة وما الحاجةُ إِلَّا الى واحد. ملذَّاتُهم تستنفذُ طاقاتِهم، وعشقُهم للأَموال يستنفدُ كيانهم. يعبُدونَ ربَّين الله والمال، فلذلك لا يستطيعون أَن يكونوا ذَوي ثمارٍ جيِّدة لأَنَّ همومَ الجسد ومصالح الدنيا مسيطرة عليهم. قلبُهم مشغوفٌ بالدنيا لا بالله.
” بعضٌ سَقَط في الأَرضِ الصالحة فلمَّا نبَتَ أَثمرَ مئةَ ضعفٍ ” هؤلاء قلوبهم صالحة وجيِّدة وطيِّبة. يقبلونَ كلمة الله فتنموَ فيهم بالصبر الجيِّد.
وهنا نطرحُ مسألة التربية، ما وُلِدَ إنسانٌ من بطنِ أُمِّهِ قدِّيساً ونعرف في الاصحاح الثامن من سفر التكوين أَنَّ الإِنسانَ يميلُ الى الشرِّ منذ حداثتِهِ، فلذلك التربيةُ البيتيَّة مهمَّةٌ جدًّا. الأَبوان الصالحان يمنحان الطفل شخصيَّةً وبنيَةً ميتنةً فتجعل كلمة الله تُثمِر فيهِ ثماراً صالحة.
اذا في البيت العائلي نكتسبُ الشخصيَّة المتينة والإِستعداداتُ الجيِّدة. اذ الاهل يربُّونَا تربيةً ذات استعداداتٍ روحيَّة ويدرِّبوننا منذ الطفولة على الصلوات والمناولات وسماعِ كلمة الله، هم الَّذين يكونونَ نماذجَ صالحة نقتدي بهم.
الشجرةُ الطيّبةُ تُعطي ثماراً طيِّبةً كما قالَ الربُّ يسوع والشجرة الخبيثةُ تعطي ثماراً خبيثةً. الأَهلُ هم المسؤولونَ عن حُسنِ التربية أَو سوءِ التربية ولذلك فمسؤوليَّة الأُم أَمامَ الله كبيرة جدًّا. الأُم ليست فقط مسؤولة عن إِطعام الطفلِ إِنَّما عن حُسنِ تربيتِهِ لأَنَّ الرُّوح أَهمُّ من الجسد. الجسدُ الى تراب أَمَّا الرُّوح فهي الى الخلود.
لذلك مسؤوليَّة الام هي في الدرجة الأُولى عن الرُّوح لا عن الجسد. طبعاً الطفلُ بحاجةٍ الى الطعام فهذا شيء مهمٌّ جدًّا ولكن يجب أَن لا ننسى الحياة الروحيَّة. منذ السنة الأُولى يمكن تعويد الطفل على تقبيلِ الأَيقونات والمناولة وتقبيل الإِنجيل وتقبيل الصليب وتعليق الصليب في عنقهِ وتعليمه رسم إِشارة الصليب والمهم أَن يرى أُمَّهُ تصلِّي وتركع وتقبِّل الأَيقونات وتلبس الصليب وتشعل الشموع وتبخِّر وترسم الصليب على صدرِ الطفل فتطبع كلَّ ذلك في مخيَّلتِهِ، في ذاكرته.وقتها يكون الطفل مهيئا ليكون ارضا صالحة وغصنا في كرمة المسيح مثمرة ثمارا كثيرة .” بهذا يتمجد ابي ان تاتوا بثمر كثير فتكونون تلاميذي” ( يوحنا 15 : 8) .
احبائي لنصلي ولنودع حياتنا كلها وبعضنا البعض للرب يسوع وان يحرث قلوبنا بروح القدس وينزع منها الاشواك والحجارة ويمطر علينا بفيض كلمته المحيية ويجعل من تربة قلبنا غنية بالايمان والاعمال حتى نسمع الكلمة الالهية ونفهمها ونقبلها ونحفظها في قلب جيد صالح محب فنأتي بثمر كثير مكللة بقداستنا،آمين