البطريرك الجليل يوحنا العاشر يازجي في اللاذقية
بقلَم المعلِّم الأَنطاكي
الشمَّاس اسبيرو جبُّور
في الإِجتماع الشَهري في 14 تموز 2013 نوَّهَ الصديق الكبير المطران أَفرام كرياكوس للإِستقبال الحاشد الَّذي جرى للبطريرك في الَّلاذقيَّة والَّذي اشتركَ فيهِ الأَولاد وأَبناء الَّلاذقيَّة بالرغمِ من الضائقة الحاليَّة .
ذَكَّرَني ذلكَ بالإِستقبال المماثِل الَّذي جرى للشهيد البار القدِّيس أَبينا البطريرك الياس الرابع معوَّض. من جهةٍ ثانية، وجود أهالي الَّلاذقيَّة واشتراك الأَولاد في الإِستقبال أَمرٌ استرعى انتباهي كثيراً.
مَن جَرفَ هؤلاء الأَولاد إلى الإِستقبال ؟ نساءُ الَّلاذقيَّة صواريخ من الغَيرة والحَماس. متى نُفِخَ في البوق، قُلْنَ لبَّيكَ لبَّيكَ، نحنُ يا يسوع تحتَ أَمر يدَيك.
في العام 1966 أَبلَينا بلاءً حسَناً فرفَعنا فيهِ قيمة الكنيسة إلى الأَعالي وضَرَبنا خيرَ مثَلٍ في الغَيرة الدينيَّة والحماس الديني وهذا ليسَ بجديد. ففي القرن الرابع نوَّهَ المؤرِّخ أُسقف قيصيريَّة عاصمة فلسطين آنذاك، بحوادثٍ مماثلة في القرن الثالث وأَبدى إِعجابَهُ بالحماس الإِلهي.
هذا الحَماس الإِلهي معروفٌ لدى سكان الَّلاذقيَّة. النساءُ في الَّلاذقيَّة يُعَبِّئنَ الأَطفالَ والرُضَّع حبًّا للكنيسة والشعائر الدينيَّة، ولا أَستغرب أَن تكونَ مرضعات قد حمَلنَ الرُضَّع إلى كنيسة القدِّيس جاورجيوس للحصولِ على البركة الرسوليَّة من صاحبِ الغِبطة عندما يُبارك الشعب الملتَفُّ حولهُ. العنايةُ بالرُضَّع وبالأَطفال مُهمَّةٌ جداًّ وهي التي تصنعُ من كنيسة الَّلاذقيَّة نموذجاً مسيحيًّا عالميًّا في الغَيرةِ والحَماس. الفَضلُ للأُمَّهات لأَنَّهنَّ يُلَقِنَنَّ أطفالَهُنَّ مبادئَ الِإيمانِ والتَقوى والفضيلة. نحن بحاجة في كلِّ مكانٍ إلى غَيْرةِ النساء وحماسِهِنَّ ليصنَعنَ لنا أَجيالاً جديدة راسخة في التَقوى والإيمان وحسنِ العبادة .
متى نما الطفلُ في الإِيمان نالَ دمغةً ثابتةً لا تؤثِّر عليها الأَحداث والأَزمنة نهائيًّا. قد يشُطُّ المرءُ ولكن دمغات الإِيمان الباكرة تقودُهُ في آواخر العمر إلى الندامة فلا يموت قاصراً. هذه الدمغات في زمان الرضاعة والطفولة تحمي الإِنسان مهما خرجَ عن الطريق وتقودهُ إلى العودة ولو في الأَيامِ الأَخيرة من العمر. وإِن نما الأَطفال في الإِيمان كان المستقبلُ زاهراً في أَغلبِ الأَحيان.
غِبطة البطريرك يوحنا من مواليد الَّلاذقيَّة، والَّلاذقيَّة لها تاريخٌ في القرن العشرين بعد تمزُّقاتٍ فاحشةٍ. أَثناءَ الإِنتداب الفرنسي، ظهرَ الأَب الياس مرقس رسولاً يضعُ بِذارَ الإِنجيل في قلوبِنا. هذه البِذار أَثمرَت في عهدِ صاحبِ السيادة الحبيب المطران يوحنا منصور فأَعطَتنا غِبطة البطريرك يوحنا العاشر يازجي والمطارنة الأَجلَّاء سابا إِسبر، وبولس يازجي أَعادَهُ الله الينا بسلام، وباسيلوس منصور. والأَساقفة أَثناسيوس فهد، وديمتريوس شربك، وإيليا طعمة، ورومانوس داوود، وكميَّة واسعة من الكهنة والرهبان والراهبات. أَعطَتنا في البلمند على كميَّة كبيرة من التلاميذ الَّذينَ سيلعبونَ دَوراً أَساسيًّا في مصير الكرسي الأَنطاكي. علينا أَن لا ننسى أَنَّ المجمع المقدَّس الحالي هو مَجمع أَصدقاء ولا حاجةَ إلى التفصيل. ولذلك فمستقبل الكرسي الأَنطاكي سيكون لامعاً بفضلِ مجمعِ الأَصدقاءِ.
إِنتقلَ غبطتُهُ إلى طرطوس ثمَّ الى دَير مار جريس الحمَيراء. كانت جولتُهُ في أَبرشيَّة الَّلاذقيَّة وأَبرشيَّة عكَّار جولة بين أَحِبَّةٍ أَعِزَّاء. ليسَ المهم المظاهر بل عواطف القلوب، وغِبطتُهُ يحتلُّ مكانةً كبيرةً في قلوبِ مستقبيله الَّذين يرَونَ بهِ بارقةَ أَملٍ عظيمة في نهضةٍ كبيرة. كان اللهُ في عونِ الأُرثوذكس ليُجَدِّدوا نضارةَ كنيستَهُم وليستعيدوا شيئاً جليلاً من تاريخهِم.
غِبطتُهُ يهتمُّ بالِّليتورجيا والصلوات والترنيم وهو يُجيدُ الموسيقى أيضاً. ولذلك سيعرفُ الكرسي الأَنطاكي في عهدهِ جوًّا من التَقوى والعِبادة وستَلمع جوقاتُ الترتيل وسيتحسَّن أَداء الصلوات. سيتعوَّد الأُرثوذكس على محاكاة الأُرثوذكس في أُوروبا حيثُ القداديس طويلة ولامعة، سيزولُ الإِختصار والقفز. ستؤَدَى الصلوات أَداءً حَسَناً في جوٍّ من العِبادة والخشوع وحُسنِ العِبادة والصمت، وستُجرى تنبيهات على الصمت في الكنائس وعلى احترام هيكل الكنيسة فلا يجوز أَن يدخلَ الى الهيكل إِلَّا خُدَّام الهيكل. يجب أَن نضَع حدًّا لهذا الإِستهتار بالهيكل. يدخل الناس الى الهيكل كيفما شاؤوا ، هذا ممنوع.
في 3 تشرين الثاني 1947 حضرتُ صلاة الغروب في القدس فوَجَدتُ الكنيسة كأَنَّها متحفٌ، فأَرَدتُ أَن أَرى الهيكل فدخَلتُ إليهِ فصرخَ الكاهن مثل المجنون فخرجت. سأَلتُ المغبوط بولس لماذا صرخَ هذا ؟ فأَجابني: عند الرُّوس ممنوعٌ أَن يدخُلَ الهيكل إِلَّا خُدَّام الهيكل. هذه الإِستباحة للهيكل ممنوعة. فلذلك نطلبُ من أَصحاب السيادة الأَجِلَّاء أَن يلفُتوا أَنظارَ الشعب الى هذه الحقيقة الكنسيَّة المهمَّة جدًّا.
المهمُّ في هذه الزيارات التفَقُديَّة أَن يعودَ الشعب إلى ملءِ الوعي الأُرثوذكسي. إِحترامُ صاحبِ الغبطة البطريرك في مسيراتِ الشعب هامٌّ ومهمٌّ، ولكن المهمُّ حقًّا هو أَن نأخُذَ دَرساً في التقوى وحُسنِ العِبادة والإِلتفاف حولَ البطريرك لأَنَّ قوَّة البطريرك هي في شعبهِ المؤمن الغيَور المتحمِّس المضحِّي السَخي الكريم الَّذي يبذِلُ نفسَهُ ومالَهُ في خِدمةِ الكنيسة.
المهمُّ أَن يرفع البطريرك الجليل يوحنا رأسَهُ عالياً بين البطاركة ليفتخرَ بشعبهِ المؤمن التَقي المؤمِن المضحِّي الواعي المنصرِف الى شؤونِ كنيستهِ بغَيرةٍ رسوليَّة، لا بالمظاهر لأَنَّ المظاهرَ لا تُطعِم ولا تَسقي. الَّذي يُطعِمنا ويَسقينا هو الرُّوح القُدُس الَّذي يتغلغل في كيانِنا.
أَسأَلُ الله أَن يجعلَ رحلةَ صاحبِ الغبطة الجليل ومرافقيه من المطارنة والأَساقفة والكهَنة بركة رسوليَّة للشعبِ المؤمن وأَن يجعلَ الشعبَ أَسلاكاً كهربائيَّة من الغَيرة الرسوليَّة لمجدِ ربِّنا يسوعَ المسيح لهُ المجد مع أَبيهِ وروحهِ القُدُّوس الى أَبد الآبدين ودهر الداهيرين. آمين.