فرح الموت
الاحد الثالث من لوقا
(اقامة ابن ارملة ناين من الموت)
النص الانجيلي : لوقا 7 :11 -16
” في ذلك الزمان كان يسوع منطلقاً إلى مدينة اسمها ناين وكان كثيرون من تلاميذه وجمع غفير منطلقين معه . فلما قرب من باب المدينة إذا ميت محمول وهو ابن وحيد لأمه وكانت أرملة وكان معها جمع كثير من المدينة , فلما رآها الرب تحنن عليها وقال لها لا تبكي , ودنا ولمس النعش (فوقف الحاملون) فقال أيها الشاب لك أقول قم , فاستوى الميت وبدأ يتكلم فسلمه إلى أمه , فأخذ الجميع خوف ومجدوا الله قائلين لقد قام فينا نبي عظيم وافتقد الله شعبه . ”
العظة :
باسم الآب والابن والروح القدس، آمين
” الحياة لي هي المسيح والموت ربح ” ( فيلبي 1: 21)
“واستعد للقاء إلهك “.
(عاموس 4: 12)
ايها الأحباء، يحدثنا انجيل اليوم عن حادثة مهمة في قرية ناين حيث يسوع اقام من بين الأموات ابن وحيد لأمه، لقد التقى يسوع عند مدخل القرية بالجنازة حيث كانت جموع غفيرة تودع هذا الشاب الوحيد،يسوع يعيش الم تلك الأم فيتحنن عليها ،وبعطفة التي لا توصف يتقدم من حاملي النعش ويوقفهم ويتقدم ايضا من الأم ويطلب منها ان لا تبكي. لقد شعر معها وتحنن عليها.كلمة يسوع لهذا الشاب هي كلمة جبروت:” أيها الشاب لك اقول قم”، انها عبارة تسلّط على الحياة والموت.
إن تشييع الجنازة إلى القبر من أكبر المشاهد المحزنة التي يتوجع لها القلب. فإنه منظر يرينا مصير الإنسان ويذكرنا بزوال الحياة وبطلان العالم، وينصب أمام عيوننا تمثال لموت المريع حيث نرى من كان يتكلم معنا بالأمس جثة خرساء هامدة أعدت طعاماً للدود والحشرات.
في الحقيقة، إن الموت يأتي فجأة، فكلمة الله تقول: “لأنه حينما يقولون سلام وأمان، حينئذ يفاجئهم هلاك بغتة كالمخاض للحبلى فلا ينجون” (1 تسالونيكي 5 : 3) “فاسهروا إذا لأنكم لا تعرفون اليوم ولا الساعة التي يأتي فيها ابن الإنسان” (متى 25: 13). لذا فإنه “طوبى للأموات الذين يموتون في الرب منذ الآن. “ (رؤيا 14 : 13).
يتساءل بعض الناس لماذا يسمح الله بالموت الذي يأتي بسبب كارثة كسقوط طائرة أو غرق سفينة، أو التي تنجم عن حوادث مختلفة؟ ويظل السؤال بلا إجابة، وجاءت الإجابة، تقول في إنجيل (يوحنا 13: 7) “لستَ تعلم أنت الآن ما أنا أصنع، ولكنك ستفهم فيما بعد”.
الحقيقة أننا لا نستجوب الله، ففي أمور كثيرة لا نستطيع إدراكها الآن لكن سيأتي يوم نراها كما نرى وجهنا في المرآة. ولو أدركنا بأن الموت ليس النهاية بل هو خروج من هذه الحياة وعبور إلى الحياة الأخرى، وهو ترقية إلى مركز أعلى بمسؤوليات أعظم لفرحنا.
إن الموت المفاجئ وإن كان صدمة بالنسبة إلى الأهل والأقارب، إلا أنه مريح بالنسبة إلى الشخص نفسه. ففي لحظة يجد نفسه قد انتقل من الأرض إلى السماء بدون آلام وبدون أمراض وتعب وأوجاع.
لذلك علينا أن نتذكر الموت كل يوم ونستعد إلى ما وراء الموت، لأن الموت هو الجسر الذي يوصل إلى عالم أفضل، فيه الملائكة والقديسون، بل فيه حضرة الرب نفسه.
سؤال نطرحه كيف اتى الموت؟
خلق الله الإنسان ليحيا، ولكنه أخطأ بعدم إستماعه وتنفيذه لوصية الله ،وحينما أخطأ وجبت عليه العقوبة “لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ، وَأَمَّا هِبَةُ اللهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا.”( رومية 23:6).
وفي ملء الزمان أتى السيد المسيح وتقبل عقوبة الموت عنا على عود الصليب وكسر شوكة الموت بموته، ووهبنا الحياة من جديد بقيامته. وأعاد لنا طبيعتنا الأولى وأعطانا عربون الحياة الأبدية ورجاء الخلاص النهائي من الموت في ملكوت الله .
ولم يعد هناك سلطان للموت أو خشية من الهلاك، فنحن قد متنا فعلاً مع المسيح في المعمودية بقوة السر الفعالة، ومنذ ذلك الوقت فصاعداً نحن أحياء مع المسيح في الله .
“لأَنَّكُمْ قَدْ مُتُّمْ وَحَيَاتُكُمْ مُسْتَتِرَةٌ مَعَ الْمَسِيحِ فِي اللهِ.” (كولوسي 3:3). وبهذا أعطانا القدرة أن نموت عن الخطية؛ “كَذلِكَ أَنْتُمْ أَيْضًا احْسِبُوا أَنْفُسَكُمْ أَمْوَاتًا عَنِ الْخَطِيَّةِ، وَلكِنْ أَحْيَاءً ِللهِ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا.”( رومية 11:6)،
اذا تغير معنى الموت الجسدي: وقد صار موت الجسد الوسيلة للخلاص.
فوجب علينا أن نمارس الموت اليومي بإماته أعمال الجسد كما يقول الرسول بولس: “لأَنَّهُ إِنْ عِشْتُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ فَسَتَمُوتُونَ، وَلكِنْ إِنْ كُنْتُمْ بِالرُّوحِ تُمِيتُونَ أَعْمَالَ الْجَسَدِ فَسَتَحْيَوْنَ.”( رومية 13:8)،
ولم يعد الموت الجسدي سوى مرحلة يتخلص فيها الإنسان من الألم والمرض والحزن والكآبة وجسد الخطية لينتقل إلى عالم المجد والفرح والنور والبر والقيامة، ليتمتع بالحياة في حضرة الله وملائكته وقديسيه.
وقد يتساءل أحدكم: طالما أن السيد المسيح نقلنا من الموت إلى الحياة فلماذا ينبغي علينا أن نجتاز الموت الجسدي؟ ولماذا لا نعبر مباشرة إلى الحياة الأبدية؟.
يجيب على هذا السؤال الرسول بولس في رسالة كورنثوس الثانية حينما يقول: “لكِنْ كَانَ لَنَا فِي أَنْفُسِنَا حُكْمُ الْمَوْتِ، لِكَيْ لاَ نَكُونَ مُتَّكِلِينَ عَلَى أَنْفُسِنَا بَلْ عَلَى اللهِ الَّذِي يُقِيمُ الأَمْوَاتَ”(2 كورنثوس 9:1)، ففي هذه العبارة نجد أن للموت غاية أخرى هو أن يكون رجاؤنا دائماً في الرب واثقين أنه القادر أن يقيمنا من الموت.
اما الموت الخطير الذي يجب ان نخاف منه هو الموت الثاني ، حينما يلقى الأشرار في البحيرة المتقدة بالنار والكبريت، حينما يقف كل واحد أمام الديان العادل ليعطي حساباً عما فعله على الأرض، ليعطي حساباً عن تمسكه بإيمانه في شخص السيد المسيح كما يقول لنا: “وَلكِنْ مَنْ يُنْكِرُني قُدَّامَ النَّاسِ أُنْكِرُهُ أَنَا أَيْضًا قُدَّامَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ.”(متى 33:10)، ليعطي حسابه عما قدمه من أعمال المحبة نحو أخوته،
لذلك لابد أن يكون الإنسان مستعداً لمقابلة الموت الجسدي في كل لحظة من لحظات حياته، لأنه في لحظة لا نعلم بها ننتقل من هذا العالم وأعمالنا تتبعنا، ووقتها لن تكون هناك فرصة لتغيير الأوضاع لذا وجب الاستعداد من الآن.
كيف أستعد لمقابلة الموت الجسدي؟:
– ينبغي أن احيا بحسب الروح لا بحسب الجسد “إِذًا لاَ شَيْءَ مِنَ الدَّيْنُونَةِ الآنَ عَلَى الَّذِينَ هُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، السَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ الْجَسَدِ بَلْ حَسَبَ الرُّوحِ.”( رومية 1:8).
كيف أستعد لمقابلة الموت الجسدي؟:
– فينبغي أن اعود في أقرب وقت للتوبة
كما يقول الكتاب: “لأَنَّهُ يَقُولُ:«فِي وَقْتٍ مَقْبُول سَمِعْتُكَ، وَفِي يَوْمِ خَلاَصٍ أَعَنْتُكَ». هُوَذَا الآنَ وَقْتٌ مَقْبُولٌ. هُوَذَا الآنَ يَوْمُ خَلاَصٍ.”(2 2كورنثوس 2:6)، حتى لا يهلك بسبب تأخيره إذا فاجأه الموت الجسدي
كيف أستعد لمقابلة الموت الجسدي؟:
– لابد لي أن استمع إلى كلمة السيد المسيح واؤمن به فلا يكون للموت الأبدي سلطان علي؛ “اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ يَسْمَعُ كَلاَمِي وَيُؤْمِنُ بِالَّذِي أَرْسَلَنِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَلاَ يَأْتِي إِلَى دَيْنُونَةٍ، بَلْ قَدِ انْتَقَلَ مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ.”(يوحنا 24:5).
كيف أستعد لمقابلة الموت الجسدي؟:
– لابد لي أن احفظ كلمة الله واطبقها عملياً في حياتي وحينها لا يكون للموت الأبدي سلطان علينا: “اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْفَظُ كَلاَمِي فَلَنْ يَرَى الْمَوْتَ إِلَى الأَبَدِ”(يوحنا 51:8)
كيف أستعد لمقابلة الموت الجسدي؟:
– أن أحب الإخوة واطرد من قلبي كل مشاعر الكراهية: “نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّنَا قَدِ انْتَقَلْنَا مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ، لأَنَّنَا نُحِبُّ الإِخْوَةَ. مَنْ لاَ يُحِبَّ أَخَاهُ يَبْقَ فِي الْمَوْتِ. كُلُّ مَنْ يُبْغِضُ أَخَاهُ فَهُوَ قَاتِلُ نَفْسٍ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ كُلَّ قَاتِلِ نَفْسٍ لَيْسَ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ ثَابِتَةٌ فِيهِ. بِهذَا قَدْ عَرَفْنَا الْمَحَبَّةَ: أَنَّ ذَاكَ وَضَعَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، فَنَحْنُ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَضَعَ نُفُوسَنَا لأَجْلِ الإِخْوَةِ.”( يوحنا الأولى 14:3-16).
كيف أستعد لمقابلة الموت الجسدي؟:
– يجب أن اكون امينا في الحياة بكل جوانبها الإيمانية والروحية والاجتماعية
كما يقول الكتاب: “لاَ تَخَفِ الْبَتَّةَ مِمَّا أَنْتَ عَتِيدٌ أَنْ تَتَأَلَّمَ بِهِ. هُوَذَا إِبْلِيسُ مُزْمِعٌ أَنْ يُلْقِيَ بَعْضًا مِنْكُمْ فِي السِّجْنِ لِكَيْ تُجَرَّبُوا، وَيَكُونَ لَكُمْ ضِيْقٌ عَشَرَةَ أَيَّامٍ. كُنْ أَمِينًا إِلَى الْمَوْتِ فَسَأُعْطِيكَ إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ. مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ الرُّوحُ لِلْكَنَائِسِ. مَنْ يَغْلِبُ فَلاَ يُؤْذِيهِ الْمَوْتُ الثَّانِي”(رؤيا يوحنا اللآهوتي 10:2-11)
يا احبائي: إن المسيحية تمتاز بكونها لا تخاف رهبة الموت، لأن يسوع هو الطريق الوحيد الى الراحة، لأنه هو وحده الذي قهر الموت وانتصر عليه عندما مات وقام منتصراً على شوكة الموت، هذا هو رجاؤنا.
يقول القديس كبريانوس “إن الذي يخاف من الموت هو الشخص الذي لم يولد من الماء والروح حيث يسلم إلى نار جهنم، أي الذي لم يقبل موت المسيح ويؤمن به. والذي يخاف من الموت هو الذي لم يختبر صليب المسيح وآلامه.
يخاف من الموت من ينتظر بعد الموت موتا آخر. يخاف من الموت ذلك الذي تنتظره نيران الأبدية والعقاب غير متناهي. يخاف من الموت من يجد نفعا في تأجيل موته حتى تتأخر تنهداته وتأوهاته“.
احبائي : يريد المسيح ان يقيمنا ويعطينا الحياة الابدية مهما كانت حالة مواتنا الروحية فلنطلب منه لانه رب الحياة وايضا نطلب منه من اجل احبائنا الذين مازالوا اموات في خطاياهم حتى يحييهم الرب. لنصلي لكي نصل الى مثل نشوة فرحة الام بلقاء ابنها الوحيد بعد القيامة هكذا يكون فرحنا بقيامة نفوسنا وارواحنا بعد الخطيئة والضياع. فيضيء لنا المسيح ونعيش حياة قيامية شبيهة بقيامة هذا الشاب اليوم ,لنعيش بحسب وصايا الانجيل المقدس لنفوز بحنان ولمسة يسوع الذي يرفعنا اليه بحسب كثرة رحمته أمين.