ايقونة الصليب
تُعتبر الأيقونة عظة وكتاب مرسوم مُسجل بلغة بسيطة جامعة يقرأها الكل دون تمييز بين لسان ولسان، يُترجمها الأمي بلغة بسيطة، كمن يقرأ كتاب أو يسمع عظة، ويلتمس فيها المُتعلم والمُثقف ما تعجز المؤلفات من الإفصاح عنه. يستطيع الأمي العاجز عن قراءة الكتب أن يذكر الأعمال المملؤة شجاعة التي قام بها القديسون بإخلاص. عندما نتأمل في الأيقونة، فنحن لا نقف عند حدود جمال الفن أو عدمه، ولكنها ترفع الفكر الى ما وراء الألوان والمادة إلى شخص صاحب الأيقونة، وتمزج مشاعرنا بمشاعره، فنقرأ فيها حياة صاحبها كلها في نظرة واحدة، وتملأنا بعواطف جديدة من حياته المُنيرة، لأنها تنطق بجهاده الذي قدمه وتشهد للأكاليل التي نالها، وتهتف بالمجد العتيد.
أيقونة الصليب هي تذكير للمؤمنين بالفداء والثمن الغالي الذي دفعه رب المجد من أجل التصالح مع الله، وتلفت نظر المؤمنين إلى كيفية الصلب، وكيف أن السيد المسيح البار صُلب مع الأشرار، وأن أحد اللصين لما آمن بالمصلوب وأعترف بربوبيته استحق قول السيد المسيح له “اليوم تكون معي في الفردوس” (لوقا 43:13)، كذلك صورتي العذراء مريم والقديس يوحنا الإنجيلي بجانب صورة السيد المسيح له المجد مصلوباً من هنا ومن هناك هي إشارة إلى وقوفهما عند صلب المسيح قبل موته (لوقا 26:19).
كذلك تضع الكنيسة على حامل الأيقونات صورة للعشاء الرباني لتذكير المؤمنين بسر الافخارستيا وضرورته من أجل أن يصير الكل واحداً وشريكاً في الثبات في السيد المسيح، كما قال رب المجد “من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت في وأنا فيه” (يوحنا 56:6). أيضاُ وضعت الكنيسة مجموعة من الأيقونات للآباء التلاميذ الأطهار يعلنون من خلالها تمسكهم بالبشارة ومذكرين المؤمنين بإرساليتهم المعطاة لهم من السيد المسيح، “أذهبوا إلى العالم اجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها” (مرقس 15:16).
حامل الأيقونات في الكنيسة يذكرنا بالسماء التي يقف فيها الملائكة والقديسين الأطهار ويؤكد قول الكتاب المقدس “ناظرين إلى نهاية سيرتهم متمثلين بإيمانهم” (عبرانين 7:13).
ولكن عند التدقيق في كتابة الأيقونة، هناك معنى أبعد من مجرد تصوير حالة، فرسم إشارة الصليب هو أيقونة، وخلق الله للإنسان على صورته ومثاله هو إيقونة، والإفعي النحاسية في العهد القديم هو أيقونة للسيد المسيح في العهد الجديد، من هذا المنطلق نجد أن معنى الأيقونة يتجاوز ذلك ليصل إلى حد أن نعتبر العهد القديم برُمته ورموزه هو أيقونة للعهد الجديد، فكلمة أيقونة أيضاً في اللغة اليونانية تعني أيضاً الكتابة المقدسة، ومن هنا يأتي المصطلح كتابة الأيقونة بدلاً من رسم الأيقونة. كلمة “أيقونجرافيا” (Iconography )، هي من مقطعين، (Icon)، وتعني شبه مثال، والمقطع الثاني (Graphy)، والتي تأتي منها الكلمة اليونانية “غرافو”، والتي تعني يكتب.
تتشكل الأيقونة بين الكتاب المقدس والتاريخ في عدة مراحل ومفاهيم وعدة أنماط لآهوتيه:-
1. المرحله الرمزية: ظهور الرمز في الفن الطقسي بشكل مختلف كالحية النحاسية التي كانت رمزاً للسيد المسيح، والرمز هنا له قوة شفائية بالرغم من كونه لم تُفهم صلته بالسيد المسيح الإ في العهد الجديد، كما نقرأ في إنجيل القديس يوحنا (14:3) “وكما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يُرفع أبن البشر”.
في القرنين الأول والثاني الميلادي بدا المسيحيين الأوائل في التعرف على بعضهم البعض عن طريق رسم خطين منحنيين يتصلان في المقدمة ويتقاطعان في المؤخرة، تُعطي شكل السمكة التي هي رمز من رموز المسيحية، وبدأ رسم شكل الراعي الصالح أو السمكة أو مختفياً تحت المونوجرام (الحرفين الأولين لأسم السيد المسيح باليونانية (Xpictos) على شكل صليب.
2. مرحلة السراديب: كان المسيحيين يجتمع في سراديب تحت الأرض هرباً من الأضطهاد الديني الشديد، وحتى يُمارس المسيحيين عبادتهم في هدوء، وانتشرت هذه السراديب في روما والإسكندرية، ففي سراديب الإسكندرية وُجدت أيقونات تصور معجزة قانا الجليل، ومعجزة الخبز والسمكتين منحوتتين معاً في منظر واحد، وفي سراديب روما (سراديب القديس كالستس) توجد صورة للسيد المسيح يحيط بها ألواح تشمل موضوعات كثيرة من الكتاب المقدس مثل ضرب الصخرة، ودانيال وجب الأسود، إقامة العازر من الموت، وداود والمقلاع. ثم بدأ الإيمان المسيحي ينتشر في العالم كله فأستخدم المسيحيون أيقونات موضوعات تُمثل موضوعات وقصص ومعجزات المسيح.
3. مرحلة الواقعية: نجد الفن الطقسي في هيكل سليمان في العهد القديم بكل ما فيه من بناء، وزخارف، وأيقونات الكروبيم على جدران قدس الأقداس، والهيكل من الداخل والخارج، وهنا نجد الفعل الإلهي يستجيب من بين “الشاكيناه”، حيث نور الرب وصوته من بين الكروبين فوق تابوت العهد، ومن هذه المرحلة الواقعية نجد الراعي الصالح، وذبيحة إسحاق، والمشاهد الكتابية التي تُلقي الظل على العهد الجديد.
4. المرحلة التاريخية: هذه المرحلة التاريخية أدخلتنا في المعنى الرمزي والواقعي للمعنى المسيحي، فالفن هنا هو نقل للحقيقة، فالأفعى النحاسية التي كانت تُرسم للشفاء، أصبحنا الآن نرسم السيد المسيح على الأيقونة وننظر إليه، وأصبحنا نرسمها ونُشكلها على عصا الأسقف، وأصبحنا نرسم السيد المسيح مرفوعاً على الصليب ليُقابل رفع الأفعى النحاسية وذبيحة إسحاق، ونرسم أيقونة السيد المسيح كونه الراعي الصالح تتميماً لما جاء في (مزمور 1:23) “الرب راعي” وكذلك في (يوحنا 11:10) “أنا هو الراعي الصالح”.
نشأت فكرة التصوير على اللوحات الخشبية في مصر في العصر الروماني، عندما رسم الفنانون وجوه الموتى بالألوان على لوحات من الخشب كانت توضع على التوابيت (مدرسة الفيوم)، تعرضت الكنيسة البيزنطيه لحرب شرسة، عندما حطم الإمبراطور لاون الثالث أيقونة للسيد المسيح كانت فوق باب قصره في القسطنطينية، وظهر مابين سنه 726-841 ميلاديه جماعة أطلقت على نفسها اسم “مقاومي الأيقونات”، أنكروا على الكنيسة عملها في وضع الأيقونات في الكنيسة ووجهت اعتراضا على عدم ضرورة وجود حامل الأيقونات متعللة في ذلك بأن حجاب الهيكل وقت الصلب قد أنشق فلا داعي لوجود ما يحجبنا عن الله، ولعدم فهمهم لمعنى ومهمة حامل الأيقونات وأن الحجاب الحقيقي الذي كان يفصلنا عن الله هي الخطية نفسها التي سمرها السيد المسيح في جسده على الصليب كما قال إشعياء النبي “آثامكم صارت فاصلة بينكم وبين إلهكم وخطاياكم سترت وجهه عنكم حتى لا يسمع” (إشعياء 27:59)، قامت هذه الجماعة بمحاربة استخدام الأيقونات المقدسة وحرقت الأيقونات وأتلفت معظمها، حتى جاء عام 842 ميلادية، فانتهت قصة مقاومي الأيقونات تماماً، وأعادت الإمبراطورة ثيودورة إكرام الأيقونات، وتقرر صحة توقير الأيقونة وليس عبادتها، وحُرم مقاومي الأيقونات وكان ذلك في 19 فبراير سنة 842، حيث دخلت الأيقونات على الكنائس في احتفال عظيم، وتُعيد الكنيسة البيزنطية إلى هذا اليوم بيوم يُدعى أحد الأرثوذكسية.