مكانة الأيقونة في حياتنا مع الله:
تحتل الأيقونات مكانة رفيعة جداً في حياة الصلاة ومناجاة يسوع والقديسين. وفي الكنائس هي حضور ليسوع والعذراء والرسل والقديسين بين المصلين. ترتفع معه أفكارهم وأحاسيسهم إلى السماء. عالم الأيقونات هو حالة الذهول الصوفي في صلوات بارة. هو عالم نوافذ على العالم الأخر، على غير المرئي بواسطة المرئيات.
قال لوسكي “… الإنسان هو كائن شخصي مثل الله، وليس طبيعة عمياء. هذا هو طابع الصورة الإلهية فيه… علاقته المطلقة كشخص مع إله شخصي يجب أن تسمح لــه ” بشخصنة ” العالم … الإنسان هو أقنوم الكون كله الذي يشترك في طبيعته. والأرض تجد معناها الشخصي، الأقنومي في الإنسان”…[1].فالكون كله يتجلى في شخص يسوع الذي أبطل غلو اليهود في جعل الله متعالياً جداً فامتنعوا عن التلفظ باسمه. مع المسيح تنكسر حدة هذا التعالي Transcendance “ليتشخصن” الكون عبر ناسوت المسيح المتحد بأقنومه الإلهي. هذا التجسد الإلهي فتح للإنسان باب الاتحاد بالله، باب الرؤية الإلهية والدخول في مجد الله أكثر من موسى بما لا يقاس. فالأيقونة جزء لا يتجزأ من هذا اللاهوت، لأنها استحضار لشخص المرسوم عليها، لنبقَ في شركة حية مع أهل السماء. قال بولس ” ولسنا كموسى… عند قراءة العهد القديم، فلا ينكشف لهم أن ( هذا العهد ) قد أبطله المسيح… ونحن جميعاً، والوجه سافر، نعكس وكما في مرآة مجد الرب، فنتحول إلى تلك الصورة بعينها المتزايدة في البهاء بحسب فعل الرب، الذي هو الروح”[2]. وأيضاً ” … أنتقل إلى رؤى الرب وإيحاءاته. إني أعرف إنساناً في المسيح، قد اختطف … إلى السماء الثالثة… إلى الفردوس، وسمع كلمات لا ينطق بها[3]“…. الأيقونة تنقلنا من رؤية مادية إلى رؤية روحية. لذلك تعلمنا الكنيسة أن الهدف من وجود الأيقونات في المعابد هو كون الإنسان مركب من جسد وعقل وحواس ونفس، فالأيقونة وُجدت لتخاطب الحواس وتثير العواطف المقدسة في النفس وتنير العقل بما تعلمنا من حقائق لاهوتية وتاريخية. يقول القديس باسيليوس الكبير: ” إن الأيقونة وخصوصاً المتقنة الرسم، تجذب الأنظار وتجعل الحقيقة التي تمثلها أحب إلى عقولنا وأعمق وأسرع وأبقى تأثيراً في نفوسنا”[4]. وقال أيضاً لاونديوس أسقف نيابوليس في قبرص في القرن السادس:”إن الأيقونات المقدسة صحف مفتوحة على الدوام للمؤمنين، تناجي المسيحيين بلا انقطاع وتذكّرهم بحقائق إيمانهم وبحضوره تعالى فتساعدهم على إظهار شعائر العبادة والسجود للخالق، إذ هي وسيلة للاتصال بين المؤمن المصلي والباري عز وجل”[5].ويقول القديس يوحنا الذهبي الفم :” الأيقونات لها قوة عظيمة وبشكل خاص تلك التي تصور الكتاب المقدس، لأنها تساعد في طبعه وإبقاء تعاليمه في الذاكرة بشكل عميق “[6]. ويضيف القديس يوحنا الدمشقي: ” الصورة مذكّرة، وما هو الكتاب المقدس بالنسبة للمتعلمين تَكُونُهُ الصورة بالنسبة إلى الأميين، وما هو الكلام بالنسبة للسمع تكُونُهُ الصورة بالنسبة إلى النظر بحيث نتحد بها ذهنياً”[7].
لهذا نجد في الليتورجيا الكنسية مدى الغنى فيها من حيث إنها تقدم الكلمة المقروءة والمرتلة موسيقياً من جهة وتقدم الأيقونة المقدسة مكتوبة بالخط واللون للمؤمنين وعلى الأخص البسطاء منهم، فهم الذين عليهم يقع التأثير الأكبر حين يتأملون ويسجدون ويقبّلون ويلمسون بأيديهم تعبيراً عن إيمانهم. فإيماننا القويم مبني على مخاطبة كل جزء من الإنسان، في حركة ليتورجية لا تنتهي طالما أن الإنسان حيّ بالجسد في هذا العالم، ليقدم العبادة للإله الحي المثلث الأقانيم والإكرام لقديسيه. لهذا يقول الأسقف تيموثي وير ” الأيقونة ليست مجرد رسم ديني هدفه إيقاظ المشاعر الورعة، وإنما هو سبيل من السبل التي يُعلن بها الله للإنسان”[8].
[1] -سبيرو جبور، سر التدبير الإلهي ص 65-66.
[2] -2كور 13:3-18
[3] -2كور 1:12-5
[4] – سامر سمعان، نشرة بطريركية الروم الأرثوذكس، السنة الثالثة آذار 1994 الجزء الثالث ص 15.
[5] – المرجع ذاته.
[6] – CRHSOSTOMOS, EPE. V. 8. p. 212 – 214.
[7] – القديس يوحنا الدمشقي، الدفاع عن الأيقونات المقدسة، ص 34.
[8] – تيموثي وير، الكنيسة الرثوذكسية إيمان وعقيدة، منشورات النور 1982،بيروت-لبنان، ص26.