عيد المجمع الرابع المسكوني الخلقدوني
يقَعُ عيدهُ في هذا العام 2013 في الرابع عشر من تموز.
المجمع الرابع المذكور نتيجةُ مخاضٍ عسير جداً، لأن الفلسفة اليونانية كانت تؤثر في بعض الكتبة الكنسين،فيتصدى لها رجالٌ أشدُ محافظةً على التعليم الصحيح.
كان أرسطو يقول : لا يتَّحد كُلاَّن لأن كلاً منهما كلٌ تامٌ والتام لا يحتاج إلى شيءٍ يتممه. لذلك قال أبوليناريوس اللاذقي: إن الطبيعة البشرية في يسوع هي بلا “ذهن” noûsأي بلا “نفسٍ عاقلةٍ روحية” ( يوحنا الدمشقي في الصفحة 120 من كتاب “سر التدبير الإلهي”) أثار الأمرُ غضب الكنيسة، فرد عليه غريغوريوس اللاهوتي وغريغوريوس النصصي وسواهما. وانبرى للمعركة رجال انطاكية فتطرفوا، وقالوا : إن الطبيعتين تجاورتا أي بَقيا في الفلسفة اليونانية.
قالوا: إن الطبيعتين تامتان لا تتحدان تماماً بل تتجاوران. ولذلك قالوا أن في ربنا يسوع المسيح أقنومان وطبيعتان ومشيئة واحدة وثلاثة أشخاص في النهاية عقيدَتُهم متطرفة تلغى “الاتحاد الأقنومي” وتقول بوجود أقنومين، بينما يقول الفصل الرابع من رسالة افسس:”ربٌ واحدٌ يسوع المسيح”.
وتأزمت الأمور جداً، فظهر في القسطنطينة رئيس دير اسمه اوطيخا يقول بابتلاع الطبيعة الالهية للطبيعة البشرية. نشأت ازمةٌ جديدةٌ قاسيةٌ…
في العام 451 انعقد المجمع الرابع المسكوني في خلقدونية وقررّ بنود الإيمان الأرثوذكسي القويم: يسوع أقنومٌ واحدٌ في طبيعتين إلهية وبشرية متحدتين اتحاداً متيناً لا يزول: الطبيعة الإلهية ما استحالت إلى طبيعة بشرية وكذلك الطبيعة البشرية لم تستحل إلى طبيعة إلهية. ويسوع أقنومٌ واحدٌ لطبيعتين باستمرار أي لا ينشطر بينهما ولا يكونوا تارةً أقنوماً للطبيعة الإلهية وتارةً للطبيعة البشرية لم تمتزج الطبيعتان ولم تختلطان، إنما هما متحدتان بصورةٍ معجزةٍ في أقنوم الابن. في دستور الإيمان نقول: “الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل من السماء وتجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء وتأنس ..”
هذا النص يدل على أن الروح القدس صنع الطبيعة البشرية التي تأنست أي صارت إنسان. يسوع المسيح اتحد بهذه الطبيعة التي تحوي روحاً خلقها الروح القدس وجسداً أخذه الروح القدس من أحشاء مريم العذراء. هذه العملية تمّت في آن واحد بدون فارقٍ زمني أي أن الروح القدس لم يصنع الطبيعة البشرية ثمَّ بعد حين اتحد بها أقنوم الرب يسوع بعبارةٍ أخرى لسنا هنا أمام طبيعتين موجودتين بصورةٍ منفصلة ثمَّ بعد حين التصقتا لهذا نكون مع ارسطو الذي يقول إن الروح البشرية تلتصق بالجسد التصاقاً. نحن نقول إن التجسد تمَّ في لحظةٍ أسرع من البرق أي أن يسوع اتخذَ طبيعةً بشرية في لحظةٍ واحدة لا في لحظتين.
بعبارة أخرى: لم يكن لدينا طبيعة إلهية وطبيعة بشرية منفصلتان فالتصقتا.
وبوضوحٍ أكثر: لم تكن الطبيعة البشرية موجودة قبل لحظة التجسد الالهي.
نكرر التجسد هو اتحادُ اقنوم الابن بالطبيعة البشرية.
قبل التجسد كان أقنوم يسوع أقنوماً للطبيعة الإلهية فقط. في التجسد الإلهي صار فوراً أقنوماً للطبيعتين.
بحسب دستور الإيمان والعهد الجديد، يسوع هو إلهٌ وإنسان. هو نفسهُ قال: “أنا إنسانٌ ..” (يوحنا 8: 40). وبولس الرسول قال فيه: “إنه إنسان”(رومية 5: 15 ) وتيموثاوس الأولى (1: 15) وسوى ذلك.
يسوع إلهٌ تام وإنسانٌ تام كما صرح حديثاً في روما صاحب الغبطة البطريرك القبطي الأرثوذكسي. وبما أنه إلهٌ تام وإنسانٌ تام فهو ذو طبيعتين تامتين.
والطبيعة البشرية لا تكن طبيعة حقيقية موجودة فعلاً بدون إرادة وفعل، وإلا كانت طبيعة نظرية لهذا أوضح المجمع السادس المسكوني في العام 681 هذه العقيدة الإلهية فقال: إن في يسوع أقنوم واحد وطبيعتين وفعلين ومشيئتين. غريغوريوس اللاهوتي هو المعلم الأكبر القديم في هذا الباب. المجمعان الرابع والسادس اعتمدا عليه و على مجموعة الآباء الارثوذكسيين.
وبناءً على هذا الإيمان تقول الكنيسة الأرثوذكسية : إن الله حين حبل المرأة يخلقُ الله الشخص البشري أي الأقنوم البشري وفيه جسدٌ من الأبوين وروحٌ خلقها الله. هذا في علم الأنثروبولوجياanthropology أي علم الإنسان.
هذه الأنثروبولوجيا تناقض مثيلتها لدى أفلاطون وأرسطو. الأول يقول بأن الروح موجودةٌ سلفاً ثم تحبس في الجسد. وأرسطو يقول بالالتصاق أين هذا الضلال من عبقرية الأنثروبولوجيا الأرثوذكسية المتفقة مع عقيدة التجسد الإلهي: في لحظةٍ واحدة تمّ التجسد أي أقنومٌ في طبيعتين وفي لحظةٍ تمّ الحبلُ بكل إنسان أي اقنومٌ في جوهرين بشريين أي روح وجسد.
يا لعبقرية غريغوريوس اللاهوتي وصحبه الكبادوكيين وخلفائهم “مكسيموس المعترف، يوحنا الدمشقي، غريغوريوس بالاماس …”
ما زالت الأنثروبولوجيا في الدول الغربية فوضى. جمعتني صدفةٌ بأستاذةٍ في الجامعة اللبنانية تحملُ دكتوراه من باريس بالأنثروبولوجيا. قلتُ لها بسخريتي الموروثة عن المحاماة وأنا أعرف ضلال كتب الأنثروبولوجيا الغربية إلى أين وصلت الأنثروبولوجيا الفرنسية؟ قالت لي: ليست هناك أنثروبولوجيا فرنسية، بل كلُّ بروفيسور يُعلم وفق أهوائه.
هؤلاء المخدوعون بكل “بهورة” تصدر في الغرب أقول لهم: تُراثُنا هو الأصالة التي مسخت الفلسفة العلمانية إن كانت يونانية أو معاصرة أو من بقايا القرون الوسطى. بولس الرسول نحر الفلسفة اليونانية وصلبها. ونحن نسير وراءهُ حاملين راية الصليب بفخرٍ ومجدٍ
ونقول أيضاً أن الله خلق آدم على صورة تجسد المسيح أي أقنومٌ في جوهرين وهكذا يظهر التناسق في اللاهوت الأرثوذكسي بين الخريستولوجياChristology Χριστολογία (علم المسيح) والأنثروبولوجيا (أي علم الإنسان)
11/7/2013 عيد القديسة اوفيمية مثبتة الإيمان الأرثوذكسي
الأب الشماس
اسبيرو جبور