ان اهم موقع بعد القدس وبيت لحم نسبة لقدسيته وموقعه الخلاَب وجماله هو دير السيدة العذراء مريم في صيد نايا والكنيسة المكرسة لها . هناك طريقان تؤديان الى الدير ، كلاهما مبني من ادراج شديدة الانحدار .؟ يعود بناء الدرج الاول الى قرون عديدة وهو منحوت في صخرة ، مشت عليه الالوف المؤلفة من الزوار والحجاج منذ قرون . اما الدرج الثاني فهو حديث عريض مبني من المرمم والرخام . وقد جهز بمصعد خارجي مخصص للمتقدمين في السن للعجزة والمعاقين الذين يتعذر عليهم تسلق السلالم التي تؤدي الى بوابة حجرية صغيرة توصل الى رواق حجري ومنه الى كنيسة السيدة العذراء مريم ، الرائعة والغنية بالايقونات . الى يمين الكنيسة المذكورة مزار ، مقام السيدة العذراء ، يدعى " الشاغورة " ببروايز من الفضة وبالهدايا الكثيرة تقدمة من المؤمنين لهذا المقام . ان السجلات التي يمتلكها الدير والمحفوظة في مكتبتها تثبت ان اعمال البناء الأولى لهذا المقام المقدس بوشر بها في سنة 547م . كانت صيدنايا آنذاك تجانب الطريق الرئيسة المودية من الشمال الى الجنوب باتجاه القدس .
نشوء الدير وتاريخيه :
يحكى ان الامبراطور البيزنطي " يوسطينيانوس أول " حين اتجه على رأس جيشه لمحاربة الفرس، خيَم بقرب صيدنايا للراحة ، وراح يتجول في المنطقة بحثا عن ماء ليروي ظمأه وظمأ جيوشه . كان يحمل القوس والسهم لانه كان يحب الصيد . ما ان غربت الشمس وخيَم الظلام ، حتى رأى غزا يقترب منه لكن الغزال فرَ هاربا فتبعه الامبراطور مجهزا قوسه ليرميه بسهمه . واذا به يراه واقفا تحيطه هالة من النور ، فتبعه والغزال ينجه نحو ينبوع ماء ويقف عنده . فوقف الامبراطور مندهشا حين سمع صوتا يقول له " يوسطينيانوس تقتلني .. عليك ان تبني كنيسة مكرَسة لي في هذا المكان .
ذهل الامبراطور واختفت هالة النور ، عاد الى المخيم ونشر الخبر لدى المقربين اليه فما شاهد وما سمع يذهل حقا . وسرعان ما اتخذ الامبراطو قرار ببناء الكنيسة لكن التنفيذ تأخر بسبب خلاف بين البنائين حول شكل الكنيسة وحجمها .
ذات ليلة ظهرت السيدة العذراء لإمبراطور في نومه وأعطته مخطط الكنيسة الكامل فبناها طبقات لذلك المخطط . لكن بناءها لم يستكمل ا مع نهاية حكمه ، فزارها وصلى فيها لمريم العذراء . ان شكل الدير اليوم يختلف عن شكله الأصلي . اذ اتسع وأضيف اليه تباعا اقسام جديدة . توجد في الدير ايقونة العذراء مريم يظن انها احدى ايقونات الاربع التي رسمها لوقا الإنجيلي وكانت قدَستها العذراء بلمسها بيدها .
يظهر ان الدير حصل على هذه الايقونة باعجوبة . هناك رواية تقول ان شخصا اجنبيا ، من المحتمل ان يكون يونانيا ، كان مسافرا لزيارة اماكن المقدسة في القدس فتوقف في دير صيدنايا حيث امضى ليلة واحدة ليستريح من عناء السفر . حين همَ لمغادرة الدير صباح اليوم التالي ، قابل رئيسة الدير وشكرها . سألها اذا ما كانت تريد شيئا من القدس فيحضره لها عند عودته . فتمنَت عليه ان يحضر لها اذا امكن ايقونة العذراء مريم فتحتفظ بها في الدير . غادر الراهب الحاج متجه االى القدس ونسي الوعد الذي قطعه على نفسه باحضار ايقونة للرئيسة. وفي طريق عودته من القدس تذكر الوعد فعاد واشترى ايقونة العذراء مريم . ذات يوم هاجم لصوص القافلة التي كان يرافقها وشرعوا يقتلون التجار ويسلبون ما في حوزتهم من سلع وأموال . اما الراهب فما كان منه ا ان يصلي خاشعا للايقونة ولله طالبا الرحمة والنجاة . هكذا استجابت لصلواته العذراء مريم. فهرب قطَع الطرق ونجا وما نجا من افراد القافلة والتجار . ادرك الراهب عندئذ ان للايقونة قدرة هائلة فسوَلت له نفسه الاحتفاظ بها لنفسه غير آبه بتسليمها لرئيسة الدير التي طلبت منه جلبها . بعد التفكير غيَر طريق العودة عوضا ان يذهب باتجاه صيدنايا اتجه نحو مرفأ عكا على البحر المتوسط وامتطى سفينة باتجاه اليونان . ما ان ابحرت السفينة حتى هبَت عاصفة هوجاء شرع ركابها يبتهلون الى الله طالبين النجدة ولم يترددوا في القاء امتعتهم في البحر هدأت العاصفة. حين رست السفينة في المرفأ الذي انطلقوا منه . عندئذ غادرها الراهب واتجه نحو دمشق فبلغ صيدنايا قبل هبوط الظلام. دخل الدير دون ان يعرَف على نفسه ، والرئيسة من جهتها لم تتذكره . ما ان دخل غرفته حتى بدأت ايقونة ترشح زيتا مقدسا لكنه قررَ عدم البوح بهذه الظاهرة . مكث في الدير فترة من الوقت مستفيدا من ضيافته وفي إحدى الأيام حاول التسلل والهرب . ثم حاول مرات عدة وكانت كل محاولة تفشل ، ثمة قوة خارقة كانت تحول دون رغبته وتعيده الى الدير . أدرك الراهب عندئذ سر هذه الظاهرة فامتثل أمام رئيسة الدير واعترف لها بكل شيء وسلمها الأيقونة التي احضرها معه من القدس . بقي في الدير وراح يخدمه الى ان وافته المنية .
وهذه الأيقونة " العجائبية " هي أم العجائب وقد ساعدت الكثيرين على الشفاء ممن يسجدون لها مصلَين خاشعين .
ان دير صيدنايا وكنيسته ، مقام له قديسته لدى المسيحيين والمسلمين على حد السواء. تقام احتفالات في الدير والكنيسة بمناسبة الأعياد السيَدية وأعظمها في الثامن من أيلول عيد ميلاد العذراء مريم .