المسيحيُّون في الشرق الأَوسط
بقلم المعلم الانطاكي
الشماس
اسبيرو جبور
المسيحيُّون في الشرق الأَوسط موُّزَّعونَ بين دُوَلٍ. الأَقباطُ في مصر إِسمهُم يدلُّ على أَنَّهم مصريُّون والأُرثوذكس والكاثوليك أَصلهم من بلاد الشام. الطوائف الرئيسيَّة في بلاد الشام ثلاثٌ: الأُرثوذكس والموارنة والسريان.وهم جميعاً سكَّان البلاد الأَصليُّون منذُ آلاف السنين.
في سوريا ولبنان البطاركة يدعونَ أَنفُسهم بطاركة أَنطاكية، لأَنَّ أَنطاكية كانت عاصمة سوريا الطبيعيَّة. في فلسطين يَدعَونَ أَنفسهم ببطاركة أَورشليم القدس. أَمَّا الأَرمن فهم مرتبطون بكاثوليكوس يُدعى كاثوليكوس كيليكيا السوريَّة، لأَنَّ سكَّان كيليكيا كانوا في جُلِّهم من الأَرمن، هُم أَرمن سوريُّون منذ القديم. أَمَّا في العراق فأَسماؤهم تدلُّ عليهم، هناك الكلدان والآشوريُّون. منذ آلاف السنين، سكَّان العراق هم بابليُّون وآشوريُّون.
الأَحداثُ السياسيَّة في القَرنَين الماضيَّين دفعَت بالكثيرين الى الهجرة. زارَ الرئيس الُّلبناني الياس الهراوي البرازيل فصرَّحُ أَنَّ في البرازيل عشرة ملايِّين لبناني. طبعاً، تسعةُ ملايِّين منهم على الأَقل مسيحيٌّون أَو أُرثوذكس. الحمصيُّون في البرازيل يُشكِّلون أَمبراطوريَّة إِقتصاديَّة كما سماَّهم المؤرِّخ البريطاني تاونبي في محاضرةٍ لهُ أَلقاها في 8 ايار عام 1957 في الندوة الُّلبنانيَّة في بيروت.
قد يبلُغُ مجموع المهاجرين من بلاد الشام الى العالم أَجمع عشرينَ مليوناً يدعمونَ أَوطانهم سياسيًّا واقتصاديًّا.
هُجِّرَ الآشوريُّون والكلدانيُّون بنسبةٍ كبيرة الى دنيا الله الواسعة فضلاً عن المذابح التي ابتلوا بها. وفي السويد الآن هناك أَكثر من مئة أَلف سرياني. ولا ننسى الفلسطينيُّون على الأَخص الَّذين ذرَّهم العدوان الإِسرائيلي كالرماد في دنيا الله الواسعة.
كان المسيحيُّون العرب في بادية الشام جيشَ الأُمويِّين. نايلة، زوجة عثمان إِبن عفَّان مسيحيَّة من بني كلب وكذلك مَيسون زوجة معاوية. عندما استقالَ معاوية الثاني فرغت الكرسي. بايَعَ مروان إِبن الحكَم الزُبَيريِّين في الحجاز. فجَمَعَ بنو كلب صفوفَهُم واستدعوا مروانَ من الحجاز، وبايَعوه في مؤتمر الجابيَّة وأَعادوا الخِلافة الى بني أُميَّة. الخليفة الأُمَوي الممتاز جدًّا هو عمر إِبن عبد العزيز حفيد الخليفة عمر إِبن الخطَّاب لأُمِّه. يُسمَّى (عمر الثاني) وآخر التحقيقات أَثبَتَت أَنَّ القدِّيس يوحنا الدمشقي كان أَمينَ سرِّه ووزير الحربيَّة والبحريَّة والماليَّة. سليم الجندي، عضو المجمع العِلمي العربي في دمشق، أَنشأَ تاريخ معرَّة النعمان في جزئَين. جذَمَ وجذَمتُ معهُ أَنَّ عمر إِبن عبد العزيز ماتَ ودُفِنَ في دَير سمعان العامودي في المعرَّة، وقبره في المعرَّة ما زالَ مزاراً كريماً. كان صديقَ الرُهبان كما شهِدَ بذلك الإِمامان مالك والأَوزاعي. إِنَّما كانَ اليهودُ يكرهونهُ لأَنَّهُ منَعَهم من الصلاة داخلَ أَورشليم القدس. بعد القرن الرابع الهجري، ظهرَت تزويرات عديدة تنسُبُ الى عمر إِبن الخطاب وحفيده عمر إِبن عبد العزيز تدابير تعسُّفيَّة ضد المسيحيِّين. ثبَتَ اليوم دَجَل هذه المزوَّرات. فعُمر إِبن الخطَّاب إِتَّفقَ مع بني تغلِب : ” لنا ما لكُم، وعلينا ما عليكُم “. هل لعِبَ اليهود دوراً في هذه التزويرات؟
لذلك، كل الكتابات الَّتي تنسُب إِلَيهما التعسُفَ والظلمَ والعدوان في بلادِ الشام مزوَّرة وساقطة. وكلُّ ما قامَ عليها من أَحكامٍ باطلٌ. طبَّقَها بنو عثمان أَربابُ الجهل في التاريخ.
آل الدِمشقي كانوا أَصدقاء خالد إِبن الوليد ويزيد إِبن أَبي سفيان. وكانوا وزراء المال لدى الخُلفاء الأُمويِّين حتى يزيد إِبن عبد الملك ضِمناً، وكان الأَخطل المسيحي شاعر بني أُميَّة. والدليلُ على كذب المزوَّرات ايضاً هو ما ذَكَرَهُ المؤرِّخ الفلسطيني (المقدسي). قامَ بجولةٍ في كلِّ سوريا الطبيعيَّة فذكَرَ أَنَّ جميع الكتَّاب فيها هم من المسيحيِّين وأَنَّ جُلَّ الأَّطباء هُم من المسيحيِّين.
جُذورُنا في المنطقة إِذاً تعودُ الى آلافِ السنين الكثيرة، أَمَّا مساهتُنا في الحضارة العربيَّة فهي مركزيَّة لأَنَّنا ترجَمنا الفلسفة والعُلوم اليونانيَّة الى العربيَّة فكانت مصدر الحضارة العربيَّة الراقية. كان أَطباء الخُلفاء العباسيِّين من المسيحيِّين. هذا كان في الماضي، أَمَّا في العصور الحديثة، فالمسيحيُّون أَصدَروا المعاجِم وكُتُب النحو وكُتُب القراءة: محيط المحيط، أَقرب الموارد، المنجد، البستان…
“الشرتوني” مجاني الأَدب، جواهر الأَدب. “دائرة المعارف” لبطرس البستاني. ومَن كالشيخ إِبراهيم اليازجي في إِتقان الُّلغة العربيَّة؟
أَمَّا كتُب الأَدب العربي فأَشهرُها كتاب جرجي زيدان وكتاب بطرس البستاني ” أُدَباء العرب” وبطرس هذا كاتبٌ نحرير يُجيدُ العربيَّة أَفضلَ إِجادة. الصحافة العربيَّة في لبنان هي أَرقى صحافة في العالم العربي. وفي مصر نفسها، كان الصحافيُّون أَنفسهُم لبنانيِّين عالميُّين: الأَهرام، المقطَّم، الهلال، المقتطف، البيان، الضياء، …
هذا فضلاً عن دَورِ المسيحيِّين في الحياةِ الوطنيَّة : فارس الخوري (سوريا)، مكرم عبيد باشا (مصر)، جورج أَنطونيو وسواه (فلسطين). وسواهم كثيرين. كان ابراهيم هنانو رئيس الكتلة الوطنيَّة في سوريا يقولُ عندَ تضايُقِه: استدعوا لي ميخيائيل ليان.
كان فارس الخوري أَوثق الناس برئيسَي جمهوريَّة سوريا هاشم الأَتاسي وشكري القوتلي. اَمَّا في لبنان، فالعددُ هو كبيرٌ.
في العراق، كان صدَّام حُسَين صديقاً وَدوداً للمسيحيِّين يثِقُ بهم كثيراً.
نحنُ مرتبِطون حتى الموت بتُرابِ هذا الشرق رغم أَنف إِسرائيل وتركيا وأَميركا وفرنسا وبريطانيا والصهيونيَّة العالميَّة. سنبقى أَعداء بناء الهيكل في ساحات الجامع الأَقصى وإِن تراخى المسلمون وحكَّام بعض العرب المعروفين. لا يُمكن تمزيق أُخوَتِنا في الوطنيَّة، ولا نصدِّق أَكاذيب إِسرائيل وحُلفائها في الشرق والغرب. والمعنى في قلبِ الشاعر.
وفي النهاية، لا يُمكن إِلَّا أَن نذكر البطريرك غريغوريوس حداد، الوجه الوطني الناصع الَّذي ذِكرُهُ عابقٌ حتى اليوم. وكيف أَنسى أَنا شخصيًّا الصديق الكبير الشهيد البطريرك الياس معوَّض الَّذي سمَّمتهُ إِسرائيل بسبب تطرُّفِهِ الوطني ضدَّها وضدَّ مشاريع كيسنجر لتهجير المسيحيِّين من آسيا وأَفريقيا. لا أَكرهُ اليهود كبشَر ولكن أَعرف تاريخَ مؤآمراتِهِم على الأُرثوذكسيَّة وعلى مشرقنا.
نحن وطنيُّون حتى لبّ العظم. وإِن انتحرت تركيا وحلفاؤها في الشرق والغرب. لن نكونَ فريسةَ أَعداءَ الوطن وأَرجو أَن يستوعبَ كلُّ العرب مضمون كلامي ليجمعوا صفوفَهم في وقفةٍ نبيلةٍ ضد المشاريع الشيطانيَّة.
علينا جميعاً أَن نتخلَّص من أَعباء التاريخ ومن أَخطاء المضي. لماذا طارت فلسطين؟ بسبب الأَخطاء العربيَّة. لم أَذكر بعد كلَّ شيء. في بواطنِ الأُمور أَسرار عن أَخطاء قادةِ العرب……
الوطني المتطرِّف
الشمَّاس
اسبيرو جبُّور