باسم الآب والابن والروح القدس آمين
من يعطيني جناحين كالحمامة فأطير وأستريح (مز55- 6 )
أيها الأحباء: في هذا اليوم المبارك تعيّد كنيستنا المقدسة لانتقال الرسول يوحنا الإنجيلي، الكاتب الإنجيل الرابع وصاحب الرؤيا وثلاث رسائل جامعة .
يوحنا الإنجيلي أو اللاهوتي كان من بيت صيدا الجليل، ابن زبدى أمه سالومه التي كانت تتبع المسيح كتلميذة وتخدمه من أموالها الخاصة، وظلت تتبعه حتى الصليب والقبر، فكانت من اللواتي حملن الطيب يوم الأحد لتحنيط الجسد .
أيضا يوحنا الإنجيلي هو اخو يعقوب الرسول (الكبير ) الذي استشهد كأول شهيد بين الرسل (44)، وكنا يحترفان الصيد السمك . دعوة يوحنا لإتباع المسيح جاءت مع أخيه يعقوب، كان يوحنا شريك بطرس الرسول في صيد السمك وأصبحا شريكان في حقل الرب ويبشران دائما بملكوت الله .
يوحنا ويعقوب لهم قرابة مع المسيح، وهم أيضا من تلاميذ يوحنا المعمدان قبل ان يتبعوا المسيح . ولشدة غيرة يوحنا للمسيح صار اقرب الى قلب المسيح لأنه كان اصغر التلاميذ سنا، إذ جلس الى يمين السيد المسيح في العشاء الأخير ومتكئا الى صدره، وتقبل العذراء مريم أما، ومن ثم جاء أولا الى القبر الفارغ صباح الفصح .
ايها الأحباء: نتعلم من هذا العيد، ان نتكئ في حضن يسوع، كما اتكأ يوحنا في حضنه . يعني أننا كمؤمنين لا نستند على ذواتنا ولا على قدراتنا، بل نستند على شخص يسوع المسح نفسه وفي حضنه .
فالحضن عادة يمثل مكان القوة، أيضا يشير الى مكان الطمأنينة والعزاء، فالطفل يستريح في حضن أمه وينسى كل متاعبه وينام نوما هاءها .
لذلك فلنتكئ في حضن يسوع وان نثق فيه وان نجد فيه قوتنا وعزاءنا وحمايتنا، لذا يكون الاتكأ أو الاستناد على كلمة الله، الذي لم يتغير وهو بمثابة الاتكاء في حضن يسوع، لذلك فحضن يسوع قادر على ان يحفظنا من السقوط لذا دعونا ننتكئ في حضنه .
أيضا نتعلم من هذا العيد، فهم وعيش المحبة الحقيقية التي نادى بها يوحنا الحبيب في إنجيليه.
اذ ركز يوحنا على ان الإنسان كائن حي، طعامه الحقيقي السري هو المحبة، انه لا يحيا على الخبز وحده وإنما على الحب .
أعطوا الإنسان كل الدنيا واحرموه المحبة يموت . الإنسان يحيا على محبة، يطلب ان يحب ويرغب ان يحب . الحب للإنسان هو معزى الحياة . الحياة دون محبة جحيم والعزلة عن الحب موت .
الإنسان في بحثه عن عمق الحياة يمارس لونين من المحبة . اللون الأول هناك محبة تعشق سموم الحياة، مثل أناس يحبون حيوانا آخرون يحبون المال، هذه المحبة مميتة بدل ان تكون محيية، مثل هذه المحبة لا تحملنا الى السماء بل الى الجحيم .
اللون الآخر للمحبة التي تكلم عنها يوحنا في إنجيليه: تلك التي لا تقتل الآخر ، وإنما تقتل دوما حاملها ، تقتله فتحييه وتقيمه ، كما قال الرب يسوع في الإنجيل : من أهلك نفسه من اجلي يجدها ومن أحب نفسه ذلك الحب المميت خسرها . .
هذه هي المحبة والوصية الجديدة، التي جلبها الإنجيل الى ديارنا، هذه المحبة الجناح السماوي الذي يرفعنا الى الله فنستريح . لكن السؤال هو: من يعطينا هذا الجناح ؟ أي من يجعلنا نحب موتنا ؟ ومن يقلبنا من انسان مفطور على حب شهوات وسموم العالم، الى انسان جديد يعشق ويموت لأجل الآخر .
إنها المحبة الإلهية . سمعتم الرسالة التي كتبها يوحنا الحبيب الذي لم نحب الله إلا لأنه أحبنا .
مات مسيحينا حبا، فعشقنا خشبة الصليب، مات الرب من اجل القريب، فعشقنا القريب الذي مات لأجله ربنا .
من يعطينا إذا جناحين لنطير ونستريح ؟ إنها المحبة . المحبة الإلهية لنا التي تجعلنا نعيش المحبة المحيية ولو كانت عبر الصليب .
المحبة بالنهاية، ليست اختراعا مسيحيا، كل الأديان تتكلم عن المحبة، ولكن الجديد في المحبة مسيحيا هو كما قال يوحنا الحبيب في رسالته التي قرأت عليكم منذ القليل . إننا لا نستطيع ان نحب الله ان لم نحب القريب ( كيف بالاحرى أهلنا وأقربائنا ) .
فكيف ان تحب الله الذي لا تراه ولا تحب القريب الذي أمامك . الله محبة، من أراد ان يعرف الله ويراه عليه ان يحب .
والمحبة ليست كلمة شاعرية، المحبة لها فعل محسوس، مثل لايوجد تعب من دون أتعاب حقيقية، هكذا لا توجد محبة دون أفعال حقيقية . يعني المحبة هي عمل، هل تحب يساوي ماذا قدمت، هل تحب يعني بما ذا ضحيت .
إذن محبة القريب وخدمته تجعلنا نرى الله ونحبه، محبة القريب هي سلم وهي العمل الذي ينقلنا الى محبة الله ورؤيته .
عمل المحبة لا يقدم لله الذي في السماء وإنما الى القريب الذي أمامنا .
هل أنت مسيحي ؟ وتبغض ولا تحب ؟ فأنت مخدوع ، وهل تتكلم عن الله وأنت لا تحب القريب ، فأنت تتكلم عن وثن وليس مع الله الحي ، والله لا يعرفك ولا يثبت فيك .
أحبب واصنع ما تشاء فالمحبة لا تسقط ولا تخطئ أبدا .
لذلك ايها الاحباء: ليس من بين البشر جمعيا استطاع مثل يوحنا الحبيب ان يخترق أعماق يسوع المسيح . فرأى ان الله محبة والمحبة هي الله، لذلك الرب لم ينسه بل كرمه، إذ ظهر له في رؤيا ثم أعطاه الرؤيا المشهورة والموجودة في سفر الرؤيا في الإنجيل المقدس .
لذلك، أنهى يوحنا عمله وخدمته من اجل محبة القريب فقال ليسوع: آمين تعال ايها الرب يسوع، كان يوحنا مشتاقا ومنتظرا لمجيء الرب، فيا له من قلب محبا .
هل نحن مشتاقون الى مجيء الرب ؟ ، هل نحن مستعدون للقاء المخلص ؟ .
فليت الرب يعطينا ويعطيكم نعمة، لكي ننهي أعمالنا التي أودعها الله بين أيدينا كمؤمنين مسيحيين حقيقيين أي أننا نحب، حتى ننتظر مجيئه بشوق قائلين: آمين تعال ايها الرب يسوع ، وقتها يكون لنا جناحين نطير ونستريح . آمين