باب الرحمة الالهية
الصوم
ضرورة وحاجة
باسم الآب والابن والروح القدس،آمين
الصوم هو الامساك عن جميع الرذائل والتمسك بجميع الفضائل . من يصوم يصبح خفيفا كما لو كانت له اجنحة فيصلي بنشاط ويقطع الشهوات الشريرة ويستعطف الله ويجعل نفسه المتكبرة متواضعة.
ايها الاحباء: هائنذا وصلنا الى مشارف انهاء الصوم الكبير المقدس، من لم يصوم بعد، فليصوم ،هناك فرصة اخيرة له.بان يتهيئ ليكون مستحق لاستقبال صاحب العيد وليشعر بفرح وبنشوة القيامة.
عرفنا في الاسبوع الماضي كيف تكون صلاتنا مقبولة لدى الله ،اليوم نتعرف كيف يجب ان يكون صومنا مقبول وفعال.
يعتقد البعض ان الصوم فريضة ثقيلة وضعت لقهر الجسد واذلاله ،ويقابل البعض الصوم بالضيق .ان من يعتقد ذلك لم يفهم معنى الصوم بعد، فالصوم هو وسيلة تحرر النفس من ثقل الجسد وشهواته .فالجسد الذي يأكل كثيرا ويشرب كثيرا وينام كثيرا هو جسد ثقيل يقع تحت الشهوات الشريرة
الصوم هو فرصة للروح كي تنطلق نحو الفضائل للاتحاد مع الله ،الصوم هو لتهذيب نفوسنا وضبط اجسادنا.
ايها الاحباء: لا تستخفوا بالاصوام التي وضعتها امنا الكنيسة المقدسة لخيرنا الروحي والجسدي. ان حُسن العبادة والايمان الحقيقي لا يمكنه فصله عن الصوم والتقشف والبساطة والاعتدال في كل الاطعمة كل يوم وبخاصة في الصوم
فاذا كان صومنا بلا اثمار روحية لكان صومنا بلا اسس وبلا منفعة وغير مقبول لدى الله .
الصوم هو زمن تعمق في الايمان والصلوات ،كما هو زمن مشاركة في العطاء،والرجوع الى الله، والمصالحة من تخاصمنا معهم . الصوم هو زمن ان اتقدم من سر التوبة والاعتراف تأكيدا على رجوعي الى الله ،هو زمن غفران اصالح من اساء اليّ واغفر الى من تعرض اليّ.
الصوم هو زمن الشكر ،اشكر الرب على جميع احبائي وعلى جميع المواهب والوزنة التي يمنحني اياها الله .
الصوم هو تأمل بالانجيل ومطالعة الكتاب المقدس ،الصوم هو مسيرة نحو القيامة، اتبدل في داخلي وابتعد عن عاداتي السيئة .الصوم يساعدني على الاستعداد اللائق للدخول في عمق عيش القيامة .
لاجل ذلك وضعت الكنيسة الارثوذكسية الكثير من الاصوام في حياتنا كجهاد اساسي يرافق الصلاة خاصة في الاوقات العصيبة .المسيح نفسه صام قبل بدء بشارته ليعلمنا اهمية الصوم والجهاد في حياة الكنسية والسعي الى القداسة ،كما كشف يسوع لنا في صومه باننا قادرون على محاربة الشيطان وكشف الاعيبه وطرده .
لهذا في الكنيسة الارثوذكسية الصوم هو ضرورة روحية وحتى الجسدية لا بد منها في مسيرة تقديس وشفاء الانسان .
لاجل هذا الصوم له اسس ينبغي ان نتقيد بها ونعمل بها على قاعدة قوية كبيت منيع.
يا احبائي ما الفائدة من التقيد بالصوم اربعين يوما دون احترام معناها .ما الفائدة من الصوم ان نقضي كل اوقاتنا بالخصام وبالنزاع،ما الفائدة من نقدس المعدة بالصوم فيما تُدنس شفاهنا بالاكاذيب .
اصغوا جيدا لما يقوله القديس يوحنا الذهبي الفم :”
إن الصوم بالنسبة إلينا هو الأساس والمعلّم. لا أتكلّم عن الصوم بمعناه العام، بل عن الصوم الحقيقي الذي يقوم لا بالإمساك عن الأطعمة، بل الإمتناع عن الخطيئة… أقول هذا لا لنحتقر الصوم، بل لكي نضعه في مقامه الكريم. تكريم الصوم لا يقوم بالإمتناع عن الأكل، بل عن الخطايا. أمّا الذي يعتقد بأنّ الصوم هو الإمساك عن الطعام، فإنّه يحتقر الصوم ولا يفهم معناه”.
ويعلّم في موضع آخر ما يلي:” هل تصوم؟ برهن لي ذلك بأفعالك… ليس على الفم فقط أن يصوم، بل على العين والأذن والقدمين واليدين. على كل أعضاء جسمنا أن تصوم.
لتصم الأيدي عن التطاول على مال الغير وعن شهوة الإمتلاك… إذا كنت لا تأكل اللحم، فلا تأكل بعينيك أعمالاً غير مرتّبة.
لتصم الأذن بالإمتناع عن الإستماع الى أقوال النميمة .. ليصم الفم عن الكلام البذيء وعن إهانة الآخرين. أيّة فائدة لنا بأن نمتنع عن أكل اللحوم والأسماك، إذا كنا نأكل إخوتنا ونفترسهم بلساننا وسائر حواسنا؟ …”
اذا الصوم يا احبائي ليس مجرد انقطاع عن الاكل بل هو انقطاع ايضا عن الرذائل وجوع الى الفضائل ،وهذا الجوع النافع قاسٍ لانه يصلبنا مع المسيح .الا ان النتيجة انتصار بهذا الصلب وحلاوة الفصح لا توصف .
كما يقول القديس امبرسيوس اسقف ميلان :” غلبتنا هي صليب المسيح ،غنيمتنا هي فصح الرب يسوع .اما جهادنا فهو الصوم …الذي يقوي النفس ويغذي الذهن .
انه سيرة الملائكة وموت الخطيئة وابادة الزلات ودواء الخلاص وجذر النعمة وراس العفة ،فلنسع اذا وراء هذا القوت الذي تبيح لنا قوته النمو نهارا وليلا الى معرفة الحقيقة السماوية” .
اذا كنيستنا الارثوذكسية تعطينا مفهوم جديد للصوم بانه ليس ثقيلا وعبئا على الانسان ،وانما نعمة تفتح لنا باب الرحمة الالهية ،هذا ما تقوله صلواتنا التريودية: ” هلم ايها الشعوب لنتقبل اليوم نعمة الصيام .. كهبة من الله طاليبن ان ننال الرحمة.
فهذا يعني يا احبائي ان الاصوام في كنيستنا لم تعد صعبة او مستحيلة لان المسيحي الحقيقي المؤمن يتممها بقوة النعمة الالهية.
فكلما زاد الشر في العالم (كما الآن ) وعظمت الخطيئة في النفوس كلما ازدادت الحاجة الى الصوم كدواء وعلاج روحي .اذن الصوم ضرورة في كل الازمان والاوقات .
هكذا المسيحي الحقيقي يصوم بجدية ويعلم ابناءه واهله بمثاله وغيرته وصبره وحفظ الاصوام بدقة. لا بل المسيحي الحقيقي المجاهد يزيد على اصوامه اصواما كلما اعترضته صعوبات وتجارب في حياته.
الصوم يا احبائي وضع ليساعدنا ويعيينا على ضعفنا ولتنقية ذواتنا ،فالذي لا يصوم ولا يعنيه الصوم بشيء يكون قد حكم على نفسه بان يبقى في الاهواء الشريرة مدى العمر يعني انه حكم على نفسه بالموت الروحي.
اخيرا يا احبائي اتمنى لكم صوما مثمرا بنعمة الرب مصحوبا بكل اشكال المحبة ومثمرين بالفضائل ومتوجهين نحو فصح البهجة الابدية ونور النهار الذي لا يعروه مساء.
ألا منحكم الرب يسوع القوة اللازمة لتمموا صومكم ويصونكم من كل ما يلطخ صومكم باية شائبة حتى تتنقوا وتصيروا من ابناء القيامة ،آمين