يقول البروتستانت إن التبرير (أي تبرير الله للإنسان ) هو قضاء الله وتصريحه لأن الخاطئ صار باراً أي أن الصفح عن الخاطئ التائب يتم بناء على استحقاق المسيح شرط الإيمان به وتسليم النفس له ولذلك فالأعمال الصالحة ليست شرطاً للتبرير بل إنما هي نتيجة التبرير .
باختصار:الإيمان بيسوع المسيح هو الشرط للخلاص وليس للأعمال .
أما الكاثوليك فيقولون إنه يتم الخلاص بالإيمان والأعمال .
كل فكرة التبرير هي فكرة بعيدة عن قصد الله وعمله الكاثوليك لديهم فكرة أن الله غضب عندما أخطأ الإنسان ولذلك حكم عليه بالغضب في كل أجياله وقد عبر عن هذا الغضب بالموت وغيره ولذلك فالإنسان يولد وهو حامل الخطيئة الجدية وغضب الله .
ويقولون إن المسيح قد تجسد وصلب لأن الله كان غاضباً على الإنسان لذلك يجب أن يكون هناك كفارة للتكفير عن غضبه وهكذا فعل المسيح ليقينا بموته على الصليب من غضب الله .
المشكلة هي أن الله غاضب ويجب أن نرضيه لكي لا يعود كذلك ويجب أن يتدبر أمر الله وذلك تحت شعار عدالة الله أي أن الإنسان أخطأ خطيئة تستوجب الموت ويجب أن يموت لذلك لا يكفي محبة الله لنا ولكن عدله .
بالنسبة لنا نحن الأرثوذكس الإنسان نفسه تشوه وأظلم والطبيعة التي فسدت قد حصلت نتيجة عصيانه لذلك فالمشكلة الكبرى مشكلة الإنسان نفسه ولهذا جاء المسيح ليخلص الإنسان لا يرضي غضب الله وهكذا اتخذ جسداً بشرياً ليشفيه من الظلام والخطيئة .
لذلك فالتعابير مثل كفارة ، ذبيحة لا تعني أننا نرضي غضب الله ولكن المسيح قدم نفسه ذبيحة لأنه لم يكن هناك من طريقة أخرى لتجدد الإنسان إلا هذه الطريقة .
يتساءل القديس غريغوريوس اللاهوتي :" هل قدم المسيح الذبيحة للشيطان ؟" هذا تجديف !! إذا قلنا للآب ،فهل الآب يريد ذبيحة ابنه الوحيد حتى لا يغضب ؟ ولكن الآب قد قبل الذبيحة ذبيحة ابنه،وبهذه الطريقة حصلت إعادة تنقية الإنسان وإعادة جبلته بتوحيده مع المسيح توحيداً حقيقياً وبذلك يبدأ خلاصه .
اذن فكلا النظرتين خطأ لانهما تنظرا الى غضب الله . فلا يمكننا ان نتبنى أيَا من هاتين النظرتين . فاذا قلنا للبروتسنانت انه يكون ارضاء الله بالاعمال يقولون ماذا فعلت ذبيحة المسيح اذن ؟
وما هي أعمال الانسان بالنسبة لذبيحة المسيح ؟
ويقول الكاثوليك يكفي ان نحصل على الخلاص اذل امنا ولكن ان نعمل اعما صالحة أي يزيدون على الايمان اعمال . وتقع المشكلة بين الطرفين اذا كان الخلاص يتم بالايمان فقط او بالايمان والاعمال .
بالنسبة لنا نحن الارثوذكس،إذا لم نؤمن بالمسيح لا نستطيع أن نبني حياتنا وإضافة إلى ذلك يجب أن نجاهد مع المسيح وهذا الجهاد لا ينفي شخصية الإنسان و لا دوره وبلا عمل النعمة الأساسي النابع عن عمل المسيح الفدائي لا يمكن أن يتيح أي عمل لخلاصه. ولذلك جاء المسيح وتمم عمله الفدائي على الصليب وأفاض علينا نعمته التي تساعدنا أن نخلص ولكن هذا الخلاص يتم بكل الكيان الإنساني الذي يشفى بفضل الإيمان وعمل النعمة الإلهية .
والأعمال الصالحة هي مشوبة ببشرية الإنسان لذلك لا تسمى أعمالاً صالحة إلا إذا حصلت في النور الإلهي .
الإنسان بالتعليم الآبائي هو المهم ولذلك بالنسبة للأرثوذكسية المشكلة هي أن يشفى الإنسان ويتقدس فالرؤية الإلهية هي نتيجة التقديس لذلك فإن موضوع الرؤية بكامله والقداسة غير مطروحين لدى البروتستانت والمسيح قد جاء ليخلصنا من الخطيئة،لكي يعيد إكمال مسيرتنا إلى الكمال اللانهائي.
الإنسان الساقط بقواه الخاصة لا يستطيع أن يخلع الإنسان العتيق ويلبس الجديد المخلوق على صورة خالقه ولا يقدر أن يصير (من أين الغضب) ابناً بالنعمة لله ويحيا حياة جديدة بالمسيح ومع المسيح وأن يطعم إلى المسيح ويصبح عضواً لجسده .والإنسان بحد ذاته حتى بإيمان حقيقي حي لا يستطيع أن يقول ويدعو يسوع رباً إلا بالروح القدس (1 كور 12 : 13 ) ولكي يستملك الخلاص الممنوح بالمسيح تلزمه المعونة الإلهية أو نعمة الإلهية وهذه القوة الإلهية منحت لنا بمحبة الله من أجل استحقاقات الفادي.والمخلص إذ ترك العالم ،أعطى الرسل وفي شخصيتهم جميع المخلصين هذا الوعد قائلاً :إنني أطلب إلى الرب فيعطيكم معزياً آخر.و المعزي هو الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي (يوحنا 14 : 16 ، 26 ) والروح القدس منذ يوم الخمسين يمنحنا دائماً ويملكنا كل ما هو ضروري لخلاصنا ويقودنا بواسطة المسيح الجميع إلى الآب إذاً بعد الافتداء من قبل ابن الله يأتي تطعيم الإنسانية المفتداة للفادي بقوة الروح القدس وبكلمات أخرى،يأتي استملاك الإنسان استحقاقات المسيح الفدائية بالروح القدس كإله مقدس أي بنعمة الروح القدس وهذا ما نسميه نحن الأرثوذكسيين تبرير الإنسان وتقديسه وخلاصه وهذا يتم بفضل النعمة الإلهية التي هي قوة الله المقدسة بواسطة الكنيسة .(الأسرار الإلهية كوسائل للتقديس).
بولس الرسول يتوجه إلى أهل كورنثوس بعد اعتناقهم المسيحية بواسطة المعمودية:"ولكن اغتسلتم،بل تقدستم،بل تبررتم،باسم ربنا يسوع المسيح وبروح إلهنا "(1 كور 6 : 11) .
مما تقدم نلاحظ التشديد على الإيمان بالرب يسوع المسيح من أجل الخلاص "لأن ليس اسم آخر تحت السماء قد أعطي بني الناس به ينبغي أن نخلص".(أعمال 4 :12 ).
ولكن ما المقصود بكلمة الرب "ليس من يقول لي يا رب يا رب يدخل ملكوت السماوات بل من يعمل أعمال أبي الذي في السماوات".( متى 7 :21 ).
وخصوصاً كلمات الرسول يعقوب في رسالته عندما يتكلم ويقول :بالأعمال يتبرر الإنسان،لا بالإيمان وحده وما هي المنفعة يا أخوتي إن قال أحد إن لي إيماناً،ولكن ليس له أعمال هل يقدر الإيمان أن يخلصه … الإيمان إن لم يكن له أعمال،ميت في ذاته أنت تؤمن أن الله واحد،حسناً تفعل،والشياطين يؤمنون ويقشعرون ( يعقوب 2 : 24، 14 ، 17 ، 19 ).
ما اود لفت النظر إليه أيها الحبيب ( اليكسي ) كلمات بولس الرسول عندما يتكلم عن الاعمال "نحن خلقنا في المسيح يسوع لأعمال صالحة (أفسس 2 :10) .
بولس الرسول يسميها أعمالاً صالحة،أعمالاً حسنة وأعمال الإيمان لكنه لا يسميها مطلقاً أعمال الناموس فالإنسان بعد المعمودية يحتاج إلى الاعمال الصالحة أو كما يسميها بولس الرسول في رسالته إلى أهل غلاطية "الإيمان العامل بالمحبة"(غلاطية 5 :6 ).
لذلك عندما ينشد بولس الرسول نشيد المحبة العظيم في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس يقول :"إن كان لي كل الإيمان حتى أنقل الجبال ولكن ليس لي محبة فلست شيئاً"(1 كور 13 :2 ).
إذاً المؤمن المسيحي بعد تبريره بالمعمودية بحاجة ماسة إلى أعمال المحبة إي إلى اقتران إيمانه بالأعمال الصالحة،إلى الإيمان العامل بالمحبة،الإيمان الذي تسير معه الأعمال الصالحة جنباً إلى جنب كثيرة ونتيجة وعبارة عن المحبة لله وللأقرباء من أجل المسيح وباسم المسيح .
"ملكوت الله يغتصب والغاصبون يختطفونه" (متى 11 :12 ).
لذلك نلاحظ الرب وتلاميذه من بعده أنهم كانوا دائماً يعلّمون ويطلبون منهم ليس فقط ضرورة الإيمان،بل التوبة والسهر،واليقظة والانتباه الدائم والأتعاب بدون كلل مع الجهود العظيمة للحصول على الخلاص لأن الإنسان حر أن يفتح قلبه وأن يغلقه ويقفله حيثما يسمع الكرازة الإنجيلية أو يرفضها." أنا واقف على الباب واقرع،فإن سمع أحد صوتي وفتح الباب،ادخل إليه وأتعشى معه وهو معي ( رؤ 3 : 20 ).
من هنا فخلاص الإنسان يتم لا بأفعال النعمة وحدها أي بالإيمان وحده،بل بالإيمان كعمل إرادتنا الحرة أي بحركة الإرادة التي نعطي رضانا لإقتبال وحي الله وهذا يعني أن خلاص الإنسان يتم كذلك بأعمال إرادة الإنسان وبكل قواه.
وبولس الرسول في شخصه يصف لنا أعظم مثال ونموذج لوحده النعمة والحرية ويقول :" بنعمة الله أنا ما أنا،ونعمته التي معي،لم تكن باطلة،بل تعبت أكثر منهم كلهم (أي من الرسل) ولكن لا أنا،بل نعمة الله.
وهذا ما عبّر عنه الآباء القديسون الملهمون من الله فالقديس غريغوريوس اللاهوتي يقول:"يلزم جزءان من قبل الله العظيم الأول والأخير وجزء واحد من قبلي"والقديس يوحنا الذهبي الفم يقول :"لا بالإجبار،بالقوة،يصير ما يتعلق بفضيلتنا وخلاصنا،مع أن القسم الأكبر وتقريباً كل شيء يتوقف على الله،لكن الله ترك لنا شيئاً طفيفاً ليظهر باعثاً لائقاً لإكليلنا النعمة مع أنها نعمة،تخلص الراغبين،لا أولئك الذين لا يريدونها ويصرفون وجوههم عنها ويحاربون دائماً ضدها ويقاومونها ويعاندونها".
ما المنفعة يا أخوتي إن قال أحد إن له إيماناً ولكن ليس له أعمال؟
هل يقدر الإيمان وحده لا يقدر أن يخلص فحنانيا وسفيرة آمنا بالرب ولكن بسبب انحرافهما عن السلوك في النور هلكا(أعمال 5 :9 ).
والرب يسوع يذكر لنا (متى 7: 21 ت 23 ) من بين الهالكين أناساً مؤمنين بل وأصحاب مواهب ومعجزات لكن إذ ليس لهم أعمال يقول لهم :" إني لا أعرفكم قط اذهبوا عني يا فاعلي الإثم".
"لكن يقول قائل أنت لك إيمان وأنا لي أعمال .أرني إيمانك بدون أعمالك وآنا أريك بأعمالي إيماني "(يعقوب 2 : 18 ).
يقول القديس يوحنا الذهبي الفم " هل تعليمنا ضعيف؟ إن كنت مسيحياً آمن بالمسيح. وإن كنت تؤمن به أرني إيمانك بأعمالك ".
فالأعمال الحية برهان على وجود الإيمان وحيويته إذ "من ثمارهم تعرفونهم " (متى 7 :16 ) .بل وبرهان على أننا سالكون حسب الولادة الجديدة إذ " بهذا أولاد الله ظاهرون وأولاد إبليس " ( 1يو 3 :10) وهي برهان ليس أمام الناس بل ويجازينا الله حسبها،إذ يجازي كل واحد حسب عمله" (متى 16 : 27 ) .
"أنت تؤمن أن الله واحد حسناً تفعل والشياطين يؤمنون ويقشعرون"( يعقوب 2 :19 ).
يعلق المغبوط أغسطينوس قائلاً :إنك تمدح نفسك لأجل إيمانك هذا .. حسناً تفعل !والشياطين يؤمنون ويقشعرون فهل يعاينون الله ؟إن أنقياء القلوب وحدهم هم الذين يعاينونه (متى 5 ) فمن يقدر أن يقول بأن الشياطين نقية القلب؟ومع هذا فإنهم يؤمنون ويقشعرون لذلك ينبغي أن يكون هناك فارق بين إيماننا وإيمان الشياطين فإيماننا ينقي القلب وأما إيمانهم فيجعلهم مذنبين .
فأي إيمان هو هذا الذي ينقي القلب إلا الذي عرّفه الرسول بأنه "الإيمان العامل بالمحبة" (غلاطية14).
ويقول أيضاً أغسطينوس (هكذا أيضاً عندما تسمع" من آمن واعتمد خلص" (مز16: 16 ). فبالطبع لا نفهم على أنه يقصد كل من آمن أياً كان إيمانه "فالشياطين يؤمنون ويقشعرون" كما لا نفهمها على جميع من اعتمدوا فسيحيون رغم قبوله المعمودية إلا أنه لم يكن من السهل أن يخلص.
تذكار مرفع الدينونة (متى 25) المسيحية ليست فكرية بل حياة في نور الرب يسوع.
عمل المسيح الفدائي هو الأساس الذي عليه فخلص وحده لأننا لا نستطيع أن نعمل أي عمل صالح بدون المعونة الإلهية وعبر إيماننا بيسوع المسيح