الحَبَل بيسوع
بقلم المعلم الانطاكي
الشماس اسبيرو جبور
لَمَّا قالت مريم العذراء “ها أَنذا أَمَةٌ للربِّ”، تمَّ في تلك الَّلحظة الحَبَل بيسوع المسيح.
فاذن، لم تلتصق الرُّوح بالجسَد يومَ الميلاد كما يَكتُبُ البعض بل إلتصقت الرُّوحُ بالجسَد يومَ البِشارة. أَقولُ “إِلتصَقَت” للردِّ على الَّذينَ يقولونَ إِنَّ التجسُّد تمَّ في عيد الميلاد. المسألةُ ليست إِلتصاقاً، المسألة هي مسأَلة خَلقْ.
الرُّوحُ القُدُس خَلَقَ الجسد ليسوع وفي هذا الجسَد وضَعَ روحاً بشريّةً فما كان الجسدُ موجوداً قبلاً ولا الرُّوحُ موجودةً قبلاً. وُلِدا في أَقلِّ من رمشةِ عينٍ واتَّحدا بالأُقنومِ الإِلهي في الرَمشة العيِن نفسِها. فاذن في لحظة الميلاد، الطبيعة البشريَّة موجودة في تمامِها روحاً وجسداً.
وبِناءً عليهِ يقولُ آباء الكنيسة الأُرثوذكسيَّة إِنَّ المرأة حين تحبَل يَخلُقُ الله في لحظة الحَبَل شخصاً فيه روحٌ وجسدٌ. الجسَد من الوالدَين والرُّوحُ من الله. الله يخلقُ الشخص، والرُّوحَ والجسدَ من الوالِدَين وكلُّ هذا يتِمُّ في رمشَةِ عينٍ لا يعلَمُها إِلَّا الله.
تركيبُ جِسمُ الِإنسان آيةٌ من الآيات! فَكَمْ بالحَري حينما يكونُ تركيبُه معقَّداً كما هو أَي شخصٌ بَشَريٌ فيه روحٌ وجَسَدٌ. العذراء مريم إِذن منذ تلك اللحظة في يوم البشارة صارَ في بطنِها الإِنسان يسوعَ المسيح متَّحِداً بالإِله إِتِّحاداً لا يعلَمُهُ إِلَّا الله.
الطبيعةُ البشرية جزءٌ لا يتجزّأ من شخصِ يسوعَ المسيح الى أَبدِ الآبدين ودهرِ الداهرين. لا إِنفكاك أَبَداً بين الطبيعتَين. الأُقنومُ الشخص واحدٌ، شخصُ يسوع واحد. ليسَ شخصاً للطبيعة البشريَّة الآن وليس للطبيعة الإِلهيَّة بعدَ حين. هو على الدوام شخصٌ للطبيعتَين الموجودتَين في شخصِه الإِلهي.
فاذن، هناك حبَلٌ عاديٌّ ولكن بفِعل الرُّوح القُدُس. ما دامَ بفِعلِ الرُّوح القُدُس فإِذن هذا الحَبل هو حبَلٌ طاهرٌ، مُطهَّرٌ، مُقدَّسٌ، إِلهيٌّ.
نَما يسوع في بطنِ العذراء تسعةَ أَشهُرٍ حتى حان ميلادهُ بعدَ تسعةَ أَشهُرٍ تامَّةً . نما كما ننمو نحنُ ولكن طبعاً ليس فيه ميلٌ الى الخطيئة. العذراء حُبلى وهي تعلم أَنَّ ما في بطنِها متَّحدٌ بالأُلوهة. هل وَسعَ بطنها الأُلوهة؟ لا، حاشى. الأُلوهة لا تُحَدُّ ولا توصف. كيف؟ الله يعلم.
ولكن نؤمن بأَنَّ الجنينَ الَّذي في بطنِها متَّحدٌ بشخصِ ربِّنا يسوع المسيح وموجودٌ في شخصِ ربِّنا يسوع. متَّحِداً بالطبيعة الإِلهيَّة في شخصِ ربِّنا يسوعَ المسيح. الموسوع في الحشاء متَّحِدٌ بمَن لا يسَعَهُ زمانٌ ومكان، خالق السماءَ والأَرض وكلَّ ما فيهما.
هذا عجبُ الأَعجاب! كيف يَسَعْ بطنُ العذراءِ مريم إِتِّحاداً إِلهيّاً بشريّاً، إِتِّحاد الإِله بالجنين دونَ أَن يكونَ محصوراً في زمانٍ ومكان، مَن لا يحصُرهُ في زمانٍ ومكان مُتَّحدٌ في جنينِ العذراء. الملائكة تسجُد، والملائكة والبشر يُعَظِّمونَ ويُمجِّدونَ ويُسبَّحونَ هذا السرِّ الإِلهي العظيم. نَما يسوع في بطنِها نُموّاً طبيعيّاً حتى وَلَدَتْهُ في نهايةِ الشهر التاسع، يومَ ميلادِ يسوع كما نقول.
تحرَّكَ في بطنِها، وقدَّسَ أحشاءَها. بِحلولِهِ في بطنِها قَدَّسَها برُمَّتها. الجنينُ الذي في بطنِها متَّحِدٌ بالأُلوهة. ما المردودُ عليها؟ أَيَّةُ قداسةٍ نالَت، أَيَّةُ برَكةٍ نالَت، أَيُّ مجدٍ نالت، أَيُّ أَنوارٍ نالَت، ما كانَ تأثيرُ هذا الحَبَل عليها؟ اللهُ وحدَهُ يعلَم. آمنَت بالسِرِّ وآمنَت بالتجسُّدِ الإِلهي وآمنَت بأَنَّ الله سيتَّخِذُ جسداً منها، جسداً يسكُنُ في بطنِها ولَكِن، هل فهِمَت هيَ هذا السرّ؟ السرُّ أَكبرُ منها.
سرُّ محبة الله أَكبرُ منها لأَنَّهُ سرٌّ إِلهيٌّ. نحنُ نقدِّس مريم العذراء ونُجِلُّها ولكنَّها إِنسانٌ بلَغَ الكمال وليست إِلهاً. سرُّ المحبة الإِلهيَّة يفوقُ كلَّ وصفٍ. مريم العذراء وحدَها من بينِ البشر أَدرَكتهُ أَكثرَ من سِواها ولَكِن يبقى سرّ الله فوقَ طاقتِنا البشريَّة وفوقَ طاقةِ الملائكة.
هي تحمِل في بطنِها إبنُ الله وهي تعلَمُ ذلِكَ وتُؤمِن بِذلِكَ وقبِلَت ذَلِكَ. قَبولُها بِهذا الأَمرُ مدهشٌ حقيقيةً. كيف قَبِلَت؟ بالرغمِ من كلِّ تواضُعِها كيفَ قبِلَت عرضاً مثل هذا. قَبولها لهذا العرض آية من آيات الله، إنسانٌ يقبَل أَن يحُلَّ الله في أَحشائهِ، الأَمرُ مُدهِشٌ حقيقيةً! ولكِنَّها إِنسانٌ إِستثنائيٌّ، لذَلِكَ رَضيَت بِأَن تكونَ أُمّاً لله. لا أَستطيعُ أَن أَصِفَ مريم العذراء، ولن ولم أَجِد شخصاً يُوفيَها حَقَّها. الأَمرُ عسيرٌ جداً، مريم أَبعد من تصوراتِّنا بما لا يُقاس. نحنُ بشرٌ محلولونَ جداً، لا نستطيع أَن نَصِلَ الى مرتبةِ مريم العذراء.
كان الجنينُ يتحرَّك في بطنِها فماذا كانت تشعُر، ماذا كانت تقول؟ تعلمُ أَنَّهُ مُتَّحِدٌ بالأُلوهَة فكيفَ كانت تقضي النهار، كيفَ كانت تنام، كيفَ كانت تتحرَّك، كيفَ كانت تعيش، كيفَ كانت تأكل، كيف َكانت تشرب، كيفَ كانت تُصلِّي، كيفَ كانت تبتهل، كيفَ كانت تركع، كيفَ كانت تسجُد، كيفَ كانت صامتة، كيفَ كانت متكلِّمة! هل أدهَشها يسوع الى حدٍّ لازمَت فيه الصمت.
نعلَمُ أَنَّها في بيت زكريّا أَبُ المعمدان سَبَّحَتْ اللهُ رَدّاً على إِطراءِ اليصابات زوجة زخريّا وبعدُ ذلِكَ لا نسمعُ لها صوتاً. إرتعَبَ يوسف بأَمرِ حَبَلِها، هل سأَلَها؟ لا نعلَم. هل أَجابَت؟ لا نعلَم. هل دافعَت عن نفسِها؟ لا نعلَم. ولكن لم تَروِ لهُ قصَّةَ حبَلِها. كم كانت ثقتُها بالله فائقة الوَصِف لتَصمُتَ أَشهُراً فَيَرتابَ يوسف في أَمرِها. إرتابَ ولم يسألَها، كان يعرفُها تمام المعرفة. أَما كان يعرِف أَنَّها نذَرَت البتوليَّة؟ جوابُها للملاك “كيف يكونُ هذا؟ ” يدُلُّ على أَنَّها نذَرَت البَتوليَّة. فإذن كان يعلمُ بذلك. لم يسَلْها وهي صَمتَت لأَّنَّها واثقة بإبنِها، إبنُها يتدبَّر أُمورَها.
الكلامُ كان ليوسف في الحلم. نرى في إِنجيلِ متى، الربُّ يكلِّمُهُ بأَحلامٍ لا باليَقظَة. نرى الرعاةُ يسمعونَ البِشارة من الملائكة عِياناً وجهاراً ويَحلُّ حولهَم النورَّ الإِلهي بينما نرى إعلانات الله ليوسُف في الحلم. يا يوسف، كانَ عليكَ أَن تسألَ مريم، لأَنَّ مريم موضِعَ الثِّقة. لماذا إِرتَبْتَ؟ تداركَ اللهُ أَمرَكْ، فأَعلنَ لكَ أَنَّ المتولِّدَ فيها هو من الرُّوحِ القُدُس وأَنَّها سَتَلِدُ ابناً وسَتُسَمِّيهِ يسوع لأَنَّهُ يُخلِّص شعبَهُ من خطاياهم لأَنَّهُ يهوَه المخلِّص، فادي إِسرائيل ومخلِّص اسرائيل. أَعلنَ لك الله بالملاكِ هذا. يا للبُشرى العظيمة! أفَقْتَ من نومِكَ مُرتَعِباً تُلَبّي الأَمرَ الإِلهي فوراً ولكنَّكَ تأَخَّرتَ.
مريمُ أَبعَدَ من أَن تكونَ موضعَ ارتِيابٍ ولَكِنَّ هي الطبيعة البشريِّة. أَما كُنتَ تَراها غائبةً عن الوجود مدهوشةً بالله مخلِّصها؟ أَما كانت تُخفي عنكَ سجودَها وعبادَتها وتَقواها؟ أَما كان وجهُها يَنمُّ عن إشعاعاتٍ خاصة، أَما كان في وجهِها ضِفرٌ خاصٌّ يُنبىء بأَنَّها إِنسانٌ قد خرجَ عن الأطوارِ الِإنسانيَّة وصارَ قلبُهُ في السماء وجِسمُه في الأَرض؟ مريم، كيف كنتِ تنامين وكيف كنتِ تستيقظين؟ أَما كان الإبتهال هو تنفُسُّك الدائم؟ مَن يستطيع أَن يحمِلَ هذا السرّ العظيم دون أَن يغيبَ عن رُشدِه البَشَريّ ليُصبحَ ذا رُشدٍ إِلهيّ .يسوع الذي حلَّ فيكِ، أَما جعَلَ عقلَكِ أَعظَمَ بما لا يُقاس من عقولِ الملائكة؟ أَما جعَلَ رؤيتُكِ الإِلهيَّة أَعظمُ من رؤيةِ الملائكة؟ اللهُ فيكِ. ما هذا الحدَث العظيم جداً، ما هذا التدبير الإِلهي العظيم جداً !
كيفَ كنتِ تُصلِّين، كيفَ كُنتِ تتأَمَّلين، ماذا كان شعورُكِ نحوَ هذا الحَبل العظيم ونحوَ هذا الجنين الإِلهي العظيم؟ أَما كان وضعُكِ وضعَ الدَهشةِ الدائمة، أَما كان وضعُكِ وضعَ الإِعجاب الدائم بجنينِكِ، أَما كنتِ مجنونة بحبِّ جنينِك، أَما طارَ عقلَكِ الى السماء؟ حَبَلتِ تسعة أَشهُرٍ وكنتِ تشعرين أَنَّ الجنينَ ينمو شيئاً فشيئاً ويَكبَر شيئاً فشيئاً وأَنَّ وزنَهُ في بطنِكِ يزدادُ وأَنَّ ثِقَلَ وزنِه يزداد. أَمام هذا الثِقَل المتزايد، أَما كنتِ تُخطَفينَ الى السماء الثالثة لتُعايني مجدَ الله في العَلاء وعلى الأَرض؟ ولماذا في العَلاء وكلُّ مجدِ الله في بطنِك، ما هذا الحظ الصالح الذي أصابَكِ؟
وسُبحانَ الَّذي إختارَكِ، سُبحانَ الَّذي إصطفاكِ، سُبحانَ الَّذي طهَّرَكِ وقَدَّسَكِ وجَعَلكِ مَسكِناً لهُ. سكنَ اللهُ في خيمةِ الِإجتماع وسَكنَ في هيكَلِ سُليمان ولَكِن كانَ كلُّ ذلكَ رمزيّاً. ظَهَر يهوَه لأَشعياء في الهيكل فقالت صلوات عيد الدخول الِإلهي إِنَّ هذا الظهور كان رمزيّاً “لما أبصرَ أَشعياء أَنَّ الإِله رمزيّاً على مِنبرٍ شاهق”. ما هو هذا المِنبر الشاهق الرمزي بالنسبة لبطنِكِ يا والدة الإِله؟ هو عرشٌ رمزيٌّ، أَمَّا بطنُكِ فَعَرشٌ حقيقيٌّ!
قال كوزما المرنِّم العظيم رفيق يوحنا الدِمشقي في ترانيمِ الميلاد ” إنَّني أُشاهِدُ سِرّاً عجيباً مُستَغرباً، الأَرضَ سماءً والبتول عرشاً شيروبيميّاً “. نعم. مريمُ العذراء عرشٌ سماويٌّ للأُلوهَةِ. هي الفتاةُ التي إصطَفاها الثالوث القدُّوس. وبما أَنَّها مصطفاة الثالوث القدُّوس فَهِيَ مُختارةٌ لدَيهِ ومُعَظَّمةٌ لَدَيهِ أَكثرُ من الملائكة والبشَر بما لا يُقاس. فهي ” أَكرَمُ من الشيروبيم وأَرفَعُ مجداً بِغَيرِ قياسٍ من السيرافيم”. مريمُ العذراء حامِلةٌ المسيح في بطنِها. هي فخرُ البشَر ومجدُهُم، فخرُ الملائكة والبَشَر. ولما حان الأَوان لولادَتِها بتدبيرٍ إِلهيٍّ سافَرَت مع يوسف الى بيتَ لحم لِكَي يَكتَتِبا في الإِحصاء العام الَّذي أَمَرَ بهِ الأَمبراطور الروماني. فأَعدَّت الأَقمِطَة لأَنَّها كانت تَعلم أَنَّ الشهر التاسع هو شهرُ الولادة. فَهَل عرَفت الطَلْق والمخاض؟ الترانيم الدينيَّة تقولُ لا. المتوَلِّد فيها هو من الرُّوحِ القُدُس ولذلك فأَحشاؤها طاهرة ومُطهَّرة. ليست بحاجة الى طلقٍ ومخاضٍ، وحين الولادة لم تحتَج الى قابلة قانونيَّة فهي التي قمَّطَت الطفل وهي التي وضعَتهُ في مذودِ البهائم. ولو كان الأَمرُ يحتاج الى قابلة قانونيَّة لتولَّت هذه الأَخيرة الأُمورَ. نحنُ نؤمن أَنَّ ولادَتَها عجائبيَّة.
هي بتولٌ قبلَ الحَبَل وأَثناءَ الحَبَل وبعدَ الحَبَل. نؤمن أَنَّ يسوعَ المسيح وُلِدَ بصورةٍ عجائبيَّة فبيقيَت بتولاً. لا ندري كيف خرجَ من أَحشائها، هذه عجيبةٌ إِلهيَّة. ولذلك الأَيقونات التي تُصوِّر قابلة قانونية تتولَّى الغسل والتنظيف تُعتبر أيقونات غير لاهوتيَّة. مريم هي التي قمَّطتهُ وهي الَّتي أَضجعَتهُ في المِذوَد وهي تولَّت الأُمور َكُلَّها من أَلِفِها الى يائِها بدونِ حاجةٍ الى مُساعد.
هذا سرٌّ الهيٌّ، سرُّ ايمان. نؤمن بِبتوليَّة العذراء الدائمة. دُستور الإِيمان قال” الَّذي من أَجلِنا نحنُ البشر ومن أَجلِ خلاصِنا نَزَلَ من السماء وتجسَّدَ من الرُّوحِ القُدُس ومن مريم العذراء”.
أَشعياء النبي قال” هُوَذا العذراء” . فإِذن هي دائمةُ البتولية، هي العذراءُ الدائمة. ولادتُها عذراويَّة إِلهيَّة، سرٌّ من أَسرارِنا.
كلُّ شيءٍ في مريم عجيبٌ غريب. إِنَّها الِإنسان السماوي، الملاكُ الأَرضي. الَّتي بِحَقٍ إمتدحَها الآباء ونظَموا في مدحِها القصائد والتسابيح يعجزُ كلُّ لسانٍ فصيحٍ أَن يفيَ بالواجب.
ماذا أقول في مدحِكِ يا والدة الإِله؟ إِنَّني أَختارُ الإِقتصادَ في الكلام ليبقى عقلي مدهوشاً كلَّما خطَرَ لي أَنَّكِ حَبِلتِ بيسوعَ الرب. أَخرجُ من الوجود، أَخرُجُ من هذا العالَم: كيف أَنَّ فتاةً صارَت أُمّاً لله؟
يا إِلهي، يا إِلهي، إِملأ قلبي من نِعمَتِكَ لأَستطيعَ آنذاك أَن أمدحَ العذراء مريم. بدونِ الإمتلاء من الرُّوحِ القُدُس عَبَثاً أُحاوِلُ أَن أَمدَحَكِ يا والدة الإِله. وكيف أَمتلىءُ من الرُّوح ِالقُدُس بدونِ رُضوانِك؟
فيا أُمِّي، يا أُمَّ المؤمنينَ جميعاً، يا أُمَّ أَخينا يوحنا الحبيب تَوَسَّلي الى ابنِكِ الحبيب أَن يملأَنا من روحِهِ القُدُّوس. أَنتِ يا عذراء فَتَحْتِ لنا البابَ لِنصيَر أُمّاً وأُختاً وأَخاً لِيَسوع وأَبناءً لكِ وإِخوةً ليسوعَ المسيح. أَلَمْ يَقلْ إبنكِ الحبيب يسوعَ المسيح: مَن يعمَل بمشيئتِهِ هو أُمُّه وأَخوه وأُختُه؟
أَلَمْ يَقُلْ وهوَ على الصليب ليوحنا الِإنجيلي “هُوَذا أُمُّكَ ” ولكِ ” هُوَذا ابنُكِ” ؟ ، فنحن بواسطتِك صِرْنا إِخوة وأَخوات لِيَسوع وأَولاداً لكِ.
يقولُ يوحنا الإِنجيلي” هذه هي السماء الحقيقيَّة، هذا هو الملكوت الحقيقي”. إِن كُنَّا لا نَشعُرُ الآن بهِ بسَبَبِ ثِقَلِ خطايانا، فنحنُ إِذن بواسطتِكِ يا والدة الإِله صِرنا سلَفاً في النعيم. أيُّ نعيمٍ أَعظمُ من أن أكونَ أَخاً وأُختاً ليسوع وأَن أَكونَ أَخاً ليوحنا الإِنجيلي؟
يسوعُ أَنتَ أَخي، مريم أَنتِ أُمِّي، يوحنا الإِنجيلي أنتَ أخي. فإِذن، ماذا أَعمَلُ في هذا الكون؟ ولماذا هذا الكون؟ وماذا أَنفَعُ إِن رَبِحتُ هذا الكون برُمَّتِه؟
كلُّ هذا الكون هَباء منثور.كلُّ هذا الكَون أَوهى من التِبن والقش بعد هذا المجد الذي حلَّ فيها. أَنا اليوم بواسِطَتِكِ يا مريم العذراء إبنُكِ وأَخوهُ وأُختُه وأَخُ يوحنا الِإنجيلي. آه ! هذا هو الملكوت. ما مِن ملكوتٍ أَعظمَ من هذا الملكوت. بعد هذه النعمة الإِلهيَّة العظيمة، أَنا التُراب، أَنا الدود. بواسطتِكِ بِلَغتُ هذا المجد.
فيا أَيُّها المؤمنونَ في الأرضِ كُلِّها سَبِّحوا بأَفواهٍ لا تَصمُت مريم العذراء التي جلَبَت لنا هذا النعيم. أَيَّتُها العذراءُ البتول الطاهِرة النقيَّة أُمُّ المسيح الإِله تَشَفَّعي دائماً لَدَيهِ بعبيدِكِ المؤمنين واطلُبي الى إبنك الحبيب لِكَي يملأَنا من روحِهِ القدُّوس لِكَي نستطيعَ على الدوام أَن نكونَ مَدهوشينَ بجلالِ مجدِكِ ومعظِّمين لإبنكِ الحبيب الربُّ الفادي الحبيب له المجد والإكرام والسجود الى أَبدِ الآبدين آمين.