أيهما الأقوى
قوة التواضع .. قوة الكبرياء.. !؟
احد الفريسي والعشار
النص الانجيلي :
لوقا (لو18: 10-14)
” قال الرب هذا المثل إنسانان صعدا إلى الهيكل ليُصليا أحدهما فريسي والآخر عشّار. فكان الفريسي واقفاً يُصلي في نفسه هكذا اللهم إني أشكرك لأني لست كسائر الناس الخطفة الظالمين الفاسقين ولا مثل هذا العشار. فإني أصوم في الأسبوع مرتين وأعشِّر كل ما هو لي. أما العشار فوقف عن بعد و لم يُرد أن يرفع عينيه إلى السماء بل كان يقرع صدره قائلاً اللهم ارحمني أنا الخاطئ. أقول لكم إن هذا نزل إلى بيته مُبَرَّراً دون ذاك. لأن كل من رفع نفسه اتضع ومن وضع نفسه ارتفع.”
العظة :
باسم الآب والابن والروح القدس ،آمين
” تواضعوا امام الرب فيرفعكم ” ( يعقوب4: 10)
ايها الاحباء انجلينا اليوم يتكلم عن التكبر والتواضع انتم تعلمون ما الذي قاله لنا الرب : ” تعلموا منّي فاني وديع ومتواضع القلب (متى 11: 29) ” هو يريد ان يكون التواضع مبدأ اعمالنا وغايتها ،ويريد تواضع القلب لا تواضعا في الكلام، يريد ان لا نزداد تقدير لانفسنا حتى ولو تقيّدنا بالوصايا كلها .بل ان نتعتبر انفسنا بتواضع صادق كعبيد بطّالين. (لوقا 17: 10).
يقول القديس افرام ان بداية تخلي الله عن الانسان تكون حين ُيبعد الانسان نفسه عن التواضع . لان التواضع بالنسبة للقديس افرام كل شر دخل الى البشرية كان سببه حب السيطرة لهذا كره الرب التكبر ،الذي جعل البشرية مكروهة من الله .
التواضع يا احبائي ليس ضعفا كما يحاول العالم تصويره لنا،بل هو قوة المسيح فينا، كما يؤكد القديس لاون الكبير قائلا :” كل انتصار المخلص ،ذاك الانتصار الذي به غلب الشيطان والعالم ،انما بدأ بالتواضع وانتهى بالتواضع .هذا التواضع الذي اعتنقه ربنا يسوع المسيح ،من حشا امه وحتى عذاب الصليب.
يقول القديس مرقس الناسك ” اسس الشر في النفس يستحيل تدميرها طالما هي متجذرة بقوة التكبّر. يتكلم القديس مكسيموس المعترف عن التكبر : بانه يأتي من نوعين من الجهل : جهل المعونة الالهية وجهل ضعف الانسان البشري .
اما التواضع يقول القديس غريغوريوس السينائي ،انه بحسب الاباء القديسين ،يوجد نوعان من التواضع : ان يرى الانسان نفسه أنه الأدنى من الأخرين، وأن ينسب كل ما يحققه الى الله وليس الى ذاته .
هذا التعريف للتواضع يعني أن كلّ مسيرة المسيحي وجهاداته ينبغي ان يرافقها جهاد أخر وقد يكون قاسيا وصعبا هدفه اقتناء التواضع .والا فان هذا المسيحي باطلا يدعى مسيحيا .
اذا المتواضع الحقيقي لا يرى نفسه صالحا ،بل اسوأ من الجميع.هذا ما نكتشفه من سيرة القديس سلوان الاثوسي ،الذي يقول: ” عندما كنت في العالم كان الناس يمدحوني وكنت اظن انني صالح . ولكن عندما أتيت الى الدير ،صادفت اناسا صالحين حقا ،بل ولا أساوي حتى ضفر اصبعهم او جَوَربهم . هكذا يمكن للانسان ان يخضع نفسه اذ يسقط في الكبرياء ويهلك . ويقول ايضا:” إن كنا متواضعين فلسوف يرينا الرب الفردوس كل يوم .ولكن بما اننا غير متواضعين،فعلينا ان نجاهد وان نشن حربا ضد انفسنا.ثم إن تغلبت على نفسك فعندئذ يزوّدك الرب بعونه المقدس مقابل تواضعك وتعبك .”
اذا عند الانسان المسيحي التواضع المطلوب هو تواضع الذهن لا تواضع الوجه ، لا تواضع الشكل بل تواضع الداخل.
ماذا يعني ان يكون الانسان متواضعا؟ القديس مكسيموس المعترف يقول عن التواضع :” انه صلاة مستمرة بالدموع والتعب ،تصرخ الى الله بدون توقف طلبا للعون .لا تسمح لك بان تتكل على قوتك الخاصة او حكمتك الخاصة ولا ان تعتبر نفسك فوق الاخرين .كل هذا يؤدي بك الى المرض المخيف الذي هو التكبر ” .
احبائي كان التكبر هو سبب وعلة سقوط الانسان الاول وسيبقى علة السقوط المستمرة لهذا المسيحي بلا تواضع لا يستطيع ان يستمر مسيحيا .لان الشر العظيم الذي يأتي من التكبر يؤدي الى خروج نعمة الله من الانسان، اذ تُسلم نفسه الى تجارب الشياطين.
فتنسحب النعمة ومن ثم يبرد القلب ،فتضعف الصلاة ،وتتشتت النفس ،وتشتد الافكار الشهوانية. لهذا ربط القديس اسحق السوري النعمة بالتواضع والتجارب بالتكبر قائلا :” قبل النعمة التواضع وقبل التأديب الكبرياء” .
احبائي : احذروا بان تثقوا ببركم او تظنوا بانكم انتم اقدس من غيركم او ان تجاهروا بفضائلكم ،او تكونوا كاملين في نظر ذواتكم ،بل تواضعوا على غرار ربكم ومعلمكم يسوع المسيح الذي قال:” بالتواضع ينبغي لنا ان نتمّ كل برّ”( متى 3: 15).وتذكروا ان ” لا صالح الا واحد ” ولا يمكنكم احراز اية فضيلة ولا الحفاظ على اية فضيلة بدون التواضع،لان التواضع هو الذي يحرك شهيتنا الى اتمام كل عمل صالح .
لذلك التواضع الاكبر هو معرفة الذات .ما من شيء يدفع الانسان الى التوبة بعمق كمثل التواضع .لان التكبر هو ظلمة تحجب رؤية ومعرفة خطايانا كي نتوب عنها ونتخلص منها. والذي يرى خطاياه صغيرة وبسيطة سيقع حتما في خطايا أسوأ منها.(يوحنا السلمي) .
لاجل ذلك آباء الكنيسة شددوا على قوة التواضع وتكلموا عليه كأساس لا بد منه للبلوغ الى قمة ونهاية كل الفضائل التي هي المحبة.اي ان المحبة الحقيقية لا يمكن البلوغ اليها قبل اقتناء التواضع الحقيقي.لهذا ربط القديسون بين هاتين الفضيلتين المحبة والتواضع انهما يكوّنان “زوجا جليلا طاهرا” كما وصفهما يوحنا السلمي في كتابه. التواضع والمحبة هما ميزة المسيحية وحدها لان الهها تواضع حتى موت “موت الصليب” .لهذا لايمكن ان تواجدا خارج المسيحية الا بحالة نسبية .
اخيرا :احبائي،ابناء الصليب المحيي ،صلوا وتوسلوا الى الله باستمرار لكي يسكب ويجود عليكم بنعمة الاستسلام لمشئيته هذه المقدسة، اتضعوا امامه لتنتفعوا وتمارسوا وتتدربوا على اتضاعكم بتواضع فتزداد النعمة والمحبة بينكم ،متمثلين بالرب يسوع بدون خوف او تذمر.
أسال واتضرع الى الله ان يحميكم من كل تواضع مزيّف وان يلقنكم أصول التواضع الحقيقي والمحبة الحقيقية ،وأن يسهر على مسيرتكم وحياتكم في برالتواضع حتى المنتهى.آمين