كنيسة اللاذقية
بقلم المعلم الانطاكي الشماس
اسبيرو جبور
في تاريخ اللاذقية، بقلم المرحوم “الياس صالح” شاعر اللاذقية وأديبها في القرن التاسع عشر، هي قديمة العهد وفي السنكسار تنسب ايضاً الى القديس بولس الوارد ذكره في إحدى رسائل بولس الرسول.
منذ القديم يكرّمُ الناس مقاماً ينسبونه اليوم الى القديسة تقلا وحديثاً ظهرت القديسة تقلا لأحد ملتزمي الطرق فاهتمت اللاذقية بالمقام وأوتي بخبراء فرنسيين في رأس شمرا وقالوا ان المقام يعود الى اوائل القرن الثاني من الميلاد ودلّوا على ذلك فاهتم مطران اللاذقية “يوحنا منصور” بالامر وبنى مقاماً للقديسة تقلا وكان الناس يزورون المقام منذ القدم، وثبت أثناء الحادثة أن المقام عجائبي ويصنع عجائب كثيرة لدى جميع الطوائف، ثم نعرف من أعمال الرسل أن بعد رجم القديس استيفانوس ترك التلاميذ اورشليم وحضروا الى السواحل ووصلوا الى قبرص وانطاكيا وكانوا يبشّرون في السواحل وتمّ ذلك قبل العام 36 للميلاد أي قبل اهتداء بولس الرسول، ولذلك فكنيسة اللاذقية تعود الى النصف الاول من القرن الاول، وربما حضر يهود الى تلك المدن بعد العنصرة وجاؤوا وبشرّوا ومازال في اللاذقية حياً يسمّى زاروب اليهود، ثم يرد ذكرها في تاريخ “ارسوليوس القيصري” المؤرّخ المشهور ونصف أهالي اللاذقية.
وعُرفت اللاذقية في التاريخ بتحمّس أهاليها للايمان واشتهرت في القرن التاسع عشر بمطرانها القديس الجليل اغناطيوس الدوماني الذي صار بطريركاً على انطاكيا وسائر المشرق وكان يحب اللاذقية واللاذقيين وهو رجل محترم كما أعرف عن أبي وأبه وجده، وأبي يعرفه شخصياً وفي دمشق سمعته عطرٌ وكان البطريرك العظيم ثيودوسيوس ابو رجيلي معجب به جداً، أما خليفة البطريرك غريغوريوس حداد وقد قال للمرحوم وديع سعاده “انا اعتبر اللاذقية عاصمة الكرسي الانطاكي”، أما وُجدَ أحدٌ يوم الحادثة الفلانية إلا أهالي اللاذقية؟ أما البطرك “ألكسندر الطحان” في اللاذقية في 31 أيار 1947 فجرى لها احتفالٌ رائع وصرّح بها انه المرة الاولى التي يشعر بها أنني بطريرك، والبطريرك “ثيودوسيوس العظيم” اتّصل هاتفياً بالمعتمد البطريركي “يوحنا منصور” في تموز 1966 فقال له: “أنا لم اعد اعتبر نفسي بطريرك انطاكيا بل بطريرك اللاذقية” اما البطريرك “الياس الرابع” فهو معشوق اللاذقيين، ولكن ظروف الحكم في بلادنا حطّمت النفوس فبعد أربعة قرون من الحكم العثماني ما كان ممكن للانسان ان يبقى حيوياً، وقبله حكم المماليك وقبلهم حكم الصليبيين وحكم سواهم بعد سقوط الدولة الأموية حلّ غضبٌ على بلاد الشام، فلنعد الى التاريخ العام.
والحكم العثماني شوّه الناس تشويهاً اصيلاً فانغلق الناس وساروا فرديين وجبناء يخشون الكرباج العثماني وأغلقت المدارس وفي محاضرة للاستاذ “مازن صافي” عن شؤون المدارس في محافظة اللاذقية جاء كما قيل لي ان الروس هم الذين أنشأوا او مدرسة في محافظة اللاذقية ثم أتى اميركان والفريرات والراهبات وو….. وأسس الروس المدارس هنا وهناك في سوريا ولبنان وفلسطين ولكن بقي الناس عثمانيين، وفي 5ايار 1921 رزق الله المرحوم سبيرو مرقص وزوجته نبيهة ولداً اسمياه مرسيل او مركيلّوس باليونانية، هذا الانسان فريد، لا أريد ان أتكلّم عنه كثيراً وإن كنتُ قد اشتهرت بالصدق الكامل، لأني بالحقيقة أحبّه كثيراً وهو من أحب الناس الى قلبي، كان هادئ الطباع يحبّ العزلة ولكن اطلع علينا في 15 تموز 1942 في مشروع اصلاحي ارثوذكسي ينقل كنيسة اللاذقية من التحطّم الذي أوقعنا فيه التنازع الاسقفي والتنازعات الانطاكية وما الى ذلك، وتأسست فيها حركة الشبيبة الارثوذكسية فتأسس مركزٌ فيها سنة 1948، مرسيل مرقص الاب مرقص فيما بعد رجل جدّ وصاحب نكتة ولكن طبعه الاساسي هو الجدّ، عمل في الدولة فكان نموذجاً للموظّف المثالي، ندُرَ في هذا الشرق وجودُ موظّفٍ يشبهُ الأب الياس، كان سلساً مرناً ليّناً ولكنّه كان ذا ضميرٍ حساس جداً وفرض علينا جدّيته وانصرفنا الى العهد الجديد والى كتب الطقوس، فصار عددٌ كبيرٌ من الناس يشتري الكتاب المقدس او العهد الجديد وصار عددٌ كبيرٌ من الشباب يضع العهد الجديد في جيب الصدر، وتهافت الشباب والصبايا على العهد الجديد وعلى الصلوات وعلى تلاوة الكتب الطقسية والسواعي ونفرٌ منهم وقع في عشق الكتب الطقسية والصلوات، وكان في اللاذقية المطران تريفون ذا صوتٍ ملائكيٍّ عجيبٍ غريب فكنّا نهتزّ لصوته، وكان المطران ابيفانيوس صاحب الكنيسة في اللاذقية وصوته رائع ولكنه ادخل الغناء العربي بنسبةٍ ما الى الترتيل وبخاصة الى تلاوة الانجيل، وعاشت اللاذقية دهراً على أنغام رائعة. ولكن اصطدمنا بصعوبات كثيرة جداً والعقل التركي حجر عثرة كبير، كنّا بنسبةٍ ما ذوي عقلٍ متطوّر ولكن وُجِدنا في مجتمع يحتاج كثيراً الى التطوير، وسرنا معاً وقينا التجار الديني التقوي وركّزنا منذ البداية على آباء الكنيسة وأخذنا نبحث في كل الزوايا للحصول على الكتب الدينية والكتب الآبائية وصار لدينا اجتهاد كبير في هذا الباب والتفّ حولنا من الشبان والصبايا وبعضهم لَمعَ وبسرعة ظهر التيار الرهباني في العام 1945 وهذا التيار أثّر كثيراً في تعميم الصلوات والسجود والصلوات.
في 4 تموز 1953 أتى اللاذقية جورج خضر فرافقته ثلاث صبايا وأخذت الصبايا تتجمّع وكانت الأخت “جوليا صافتلي” قد سبقتهنّ، وهكذا أخذ التيار الرهباني يتعاظم، أما الاب الياس فترك الوظيفة في وزارة الداخلية السورية وأتى دير الحرف في الخامس من كانون الاول 1957 فأشرق نور اللاذقية في جبل لبنان، أبونا الياس حرفياً اعتبره رسول الحرف في القرن العشرين، إن العمل الذي قام به في اللاذقية هو عمل حتماً رسوليّ بكل ما في الكلمة من معنى حرفياً هو رسول اللاذقية في القرن العشرين، وجاء لبنان نوراً يشرق في الظلام. وهكذا غلب على اللاذقية التيار الرهباني الام سلام شفاها الله من جهة وأبونا القديس الياس مرقس من جهة ثانية، أتى الله على الكرسي الانطاكي بتيّارٍ رهبانيّ جديدٍ يعيد الى الكنيسة رونقها وبهاء آباء الكنيسة وتراثها الرهباني المجيد، وأخذت الحياة الرهبانيّة تتعاظم في عهد البطريرك الشهيد الياس معوّض وإذا بالتيار الرهباني يسير طريقه الى الأمام، وتأسست الاديار التالية: دير مار ميخائيل عن يد سيّدنا افرام كرياكوس الحبيب الغالي جداً، وكذلك دير الام مريم ودير القديس سلوان في دوما برئاسة الصديق الكبير الاب توما بيطار، ودير الشفيعة الحارة برئاسة الصديق العزيز الغالي كاسيانوس، ودير كفتون برئاسة الفقيدة الغالية أنطونينا الياس، وهناك ايضاً دير مار جرجس الكفر في الكورة، والآن الاب جورج صافيتي يحيي دير سيدة النوريّة، وهناك دير سيدة برمانا الذي أسسّه في الحقيقة مولانا صاحب الغبطة الحبيب الغالي البطريرك يوحنا يازجي، وآخذ يؤسس دير آخر في الجوزيّة على بعد عشرين كيلومتراً من اللاذقية، وكان قد بدأ يؤسس ديراً في ساعين فنقل الى دير مار جرجس الحميراء في منطقة الحصن، وهناك دير القديس جاورجيوس في صيدنايا برئاسة الصديق العزيز الاب يوحنا التلّة.
وأخذ التيار الرهباني يكتسح الاجواء وأخذ الشباب والصبايا وسواهم من النساء والرجال يتهافتون على الاديرة للبركة والصلاة وحضور الشهرانيات وانتعشت التقوى، فالتيار إذاً على رأسه الاب الياس والام سلام، ولا أنسى حبيب القلب الغالي جداً المثلث البركات إسحاق عطالله الراهب الآثوسي الذي رقد في الرب في جبل آثوس. في 1978 التقينا في دير مار يعقوب وقال بما تنصحني قلت له عد الى جبل آثوس، فعاد الى جبل آثوس ومات قدّيساً.
في تاريخ الكرسي الانطاكي في القرن العشرين أحداث هامّة جداً، ولكن الحدث الاهم جرى في 14 تشرين الثاني 1958 وقف الكرسي الانطاكي على شعرة مدّ صديقي الكبير المرحوم المطران انطونيوس الشير يده في القرعة وسحب ورقة كتِبَ عليها المطران الياس معوّض فنجحت هذه القائمة وتمّ ترشيح مطران طرابلس ثيودوسيوس ابا رجيلي واغناطيوس حريكي مطران حماة والياس معوّض مطران حلب، ودخلوا الكنيسة المريمية فانتخبت الاكثرية ثيودوسيوس وحظي الكرسي الانطاكي بهذه النعمة الكبيرة، “وعند جهينة الخبر اليقين” وليفهم القارئ ما كتب متى ومرقص الانجيلي، جلس على الكرسي وهو بلا مخطّط ولكن بعد حين شعَرَ أنّ شيئاً ما يجب ان يكون، وتحرّك للاصلاح وفتحت جهنّم أبوابها ولكن برز على الساحة شخصٌ خالدٌ جداً هو المرحوم موريس ميخائيل حداد، فهبّ الى دعم البطريرك ثيودوسيوس وكان خشبة خلاصٍ له من العام 1962 والى حوالي العالم 1967، لعب دوراً مفصلياً في تاريخ الكنيسة الى جانب البطريرك ثيودوسيوس وكلمته لديه لا تردّ، مات مطران اللاذقية في 26 نيسان 1966 فعيّن البطريرك ثيودوسيوس الاب يوحنا منصور معتمداً بطريركيا، وأتى موريس اللاذقية وشاهد نيران الحماس تتأجّج، فعاد الى دمشق يطلب البطريرك الخالد جلسة سريعة للانتخاب للترشيح فعين العاشرة الموعد، فالاب يوحنا منصور المطران اليوم رجل رهبانيٌّ يحب الصلاة من كل قلبه، اللاذقية في غليان روحي استغلّ هذا الغليان للتوجيه نحو العبادة وحلّت الغالية “فيكتوريا جبّور” في رئاسة الحركة. منذ 26 نيسان 1966 الى حين انتقاله الى دير البلمند في خريف 1972 عرفت اللاذقية أجواء من الايمان والتقوى والعبادة والقراءات الدينية نادرة جداً منذ القرن السادس للميلاد وحتى يومنا هذا، أُحييت العظام وهي رميم وصارت اللاذقية ناراً من الايمان والعبادة واقتظّت الكنائس بالمصلّين وضاقت بهم فبنى المطران يوحنا كنائس وكاتدرائيات. في هذه الاجواء تعزّز جداً الجو الرهباني والتفّ حول فيكتوريا الصبايا والشباب في عهد مولانا البطريرك الحالي يوحنا منصور وسيّدنا سابا اسبر والام مكرينا وسواهم من النابهين. لما كان سيدنا يوحنا في البلمند سألني أنا أريد ان اختص بالليتورجيا فقلت وفّقك الله، فأنا اريد ان أراعي ميول الانسان كنت أفضّل ان يتخص بالعقائد ولكن ما أردت تغيير اتّجاهه، والام مكرينا سألتني ما العمل؟ نصحتها ونصحت سيّدنا يوحنا بالانتقال الى اليونان، البطريرك الشهيد الياس معوّض ارسل يوحنا الى اليونان للاختصاص والحصول على الدكتوراه، خلال هذه الفترة كانت فيكتوريا منذ العام 1966 في أوضاع قاسية ولكنها متينة الخلق والروح صبرت وقاومت كلّ الظروف. في 25 تشرين الثاني 1979 تمّ انتخاب الاب يوحنا منصور مطراناً للاذقية ليرعى التيار الرهباني مدعوماً بجبروت الشهيد الطبيب الألمعي الدكتور يوسف صايغ وصديقه جورج سكّرية، وأتى اللاذقية في 30 تشرين الثاني وحرّضت الناس على حسن الاستقبال فهبّوا الى المطرانية يسلّمون عليه، واستمرّت فيكتوريا في نشاطها المعهود ولكن الشيطان يتدخّل ليخرّب العمل الديني، اصطدمنا بصعوبات كثيرة ولكن فيكتوريا كانت مدعومةً من الحركيين القدامى ففي اللاذقية حركيون قدامى لا يداومون ولكنّهم نافذون في الطائفة كما يستعملون احياناً كلمة طائفة. ومرّةً عاتبني المرحومان جبرائيل سعادة وكولومبوس عبد الحق، فرددت عليهما “فيكتوريا صامدة”، وانتهى الامر الى جيشٍ من الاكليريكيين والرهبان والراهبات حتى صارت اللاذقية مشتلاً رهبانياً اكليريكيا، انما الصبغة الحقيقية لمدرسة اللاذقية هي التركيز اولاً على العهد الجديد ثانياً على الكتب الطقسية ثالثاً على آباء الكنيسة القدامى، فنحن على مذهب فيلارتوس مطران موسكو الذي نادى بالعودة الى التراث اليوناني القديم وهذا ما نادى به اللاهوتيون وإن كانوا لم يسيروا كلهم بهذا الطريق، إنما الذي سار فيه بنجاحٍ كبير اسطيفانوس الحبيس الروسي ويوستينوس بوفوفيتش، والآن يتمسّك به معاون صاحب القداسة المطران كيريلوس الروسي، أي المطران هيلاريون الذي يعشق غريغوريوس اللاهوتي وسمعان اللاهوتي الجديد، وأنا مؤيّدٍ له كل التأييد فالتراث اللاهوتي اليوناني القديم والبالاماس هم اعمدة الكنيسة الارثوذكسية، وكان هذا الرتل المبارك ينمو بسرعة وخارقت كل الابرشيات الاخرى فلم تخرّج متبتّلين فانحصر التبتل باللاذقية، صار سيدنا سابا اسبر الى دمشق اسقفاً شغرت بصرى وقمنا بترشيح سيدنا باسيليوس منصور الذي نجح نجاحاً جيداً في صافيتا وطرطوس، فتم انتخابه اما صافيتا وطرطوس فقاموا الأهالي الى البلمند بمظاهرة مطالبين ببقائه لديهم فقام سيدنا سابا باستراليا فطلب سنة من المهلة وقضي الامر بنقل سابا الى بصرى، وبقاء باسيليوس في صافيتا وطرطوس، وشغرت حمص العزيز الغالي المطران ألكسي عبد الكريم فقيد الكنيسة الكبير، وطرحت اسم مولانا يوحنا ولكن ويا للأسف الشديد تعوجت الامور بسبب اوستراليا والخلاف عليها، وتم الانتخاب في 5 تشرين بينما الموعد في 6 تشرين، وأسف جورج زكريا اشد الاسف وفي 16 ايلول 2002 أي قبل وفاته بمهلة وجيزة كنا نتحدث فقال لي ما قال ومن ثم عاتبته على ذلك فقال ألكسي عبد الكريم هو أصلح الجميع. رقد جورج في 22 آذار 2003 مأسوفاً عليه أشد الاسف ولكنه طار الى السماء حتماً. وشغرت عكار وباريس وسبيرو حريصٌ على ارضاء جورج سكرية الذي كان قد عرض عليه بالترشيح بطريركا في يوم من الايام فرشحته لعكار ولكن سيدنا سابا كان قد سعى لانتخاب باسيليوس لعكار ويوحنا لباريس فالتقينا في الكورة فقال لي دعنا نسر في هذه الطريق فقلت له أنا موافق تماماً وتمّ ذلك، وهكذا حظي اللاذقيون بخمس ابرشيات: اللاذقية وبصره وعكار وباريس وحلب، وطلبت الى الركنين الكبيرين المطرانين الصديقين الغاليين فيليبوس نيويورك والياس عوده بيروت ان يرشح سيدنا يوحنا لحلب ولكن اصطدما فطلبا سيدنا بولس وتم انتخابه في 1 تشرين الاول 2000 بالاجماع وانتخاب الصليبي لباريس في ذلك اليوم معاً.
وهكذا سارت اللاذقية بخطوات سريعة في التقوى والايمان. ورسامة مطران حلب بولس كاهناً في 20تشرين الاول 1992 حضر الى اللاذقية ابوه الروحي في جبل آثوس وراهبه، فاقتظت مار جرجس الكبرى بالمصلين أغلبهم من الشبان والصبايا فأعلن المطران يوحنا ان رئيس الدير الآثوسي في قاعة الدير في المطرانية وذهبت الى القاعة لاستمع اليه وطرح سؤالاً أعيى الاب وبعد ألف رأيِ حصل على الجواب ولكن بمشقّة فلم يستطع ان يسكت فأعلن ما شاهدته اليوم في كنيسة مار جرجس من الشبان والصبايا من يتقدمون الى القربان المقدس لم أشاهده في بلاد اليونان أبداً وكرر الكلام مرّتين، وسافر في حركة تفتيشٍ الى الولايات المتحدة فأخذ يعلن من اراد ان يتقوّى في الايمان الارثوذكسي فليذهب الى اللاذقية. وفي العام 2008 أتى مطران عمان الى اللاذقية حاملاً معه رفات القديس نكتاريوس وهبّ ارثوذكسي اللاذقية الى الكنيسة حتى طار لبّ المطران بندكتوس وقال للمطران يوحنا لم اشاهد مثل هذا المشهد في حياتي، فخلع الصليب من رقبته وعلقه في رقبة يوحنا، قال هذا لي المطران يوحنا فأخذته وقبلته ووضعته على جبيني. والآن والعناية الالهية أعطتنا في السابع عشر من كانون الاول 2012 أي في اليوم التالي في ذكرى استشهاد الدكتور يوسف الصايغ يوحنا اليازجي بطريركاً لانطاكيا وسائر المشرق ليعمم الايمان والصلوات في الكرسي الانطاكي في الوطن والمهجر ليعزز العلوم اللاهوتية الآبائية ليعزز حسن التربية ليوطّد العلاقات بين الكنائس الارثوذكسية جميعاً، فهو مؤهّلٌ لأن يقيم بين البطاركة حلفاً إلهياً يجدد العالم الارثوذكسي برمّته، فليس وحدنا بحاجة الى نهضةٍ روحية رهبانية لاهوتية، العالم الارثوذكسي كلّه بحاجة الى مضاعفة الجهود سبعين مرّة سبع مرّات لكي نستعيد كلما في تاريخنا من امجاد روحية رهبانية لاهوتية، نحن بحاجة الى يوحنا دمشقي جديد، الى سمعان لاهوتي جديد الى بالاماس جديد الى فيلوكاليا مجدّدة الى عصرٍ فيلوكاليٍّ جديد، لدينا تراثٌ صالحٌ ليجدّد الكرة الأرضيّة، فلنعد الى ينابيعنا الصافية الى آباء الكنيسة العظام باصيليوس وغريغوريوس ويوحنا فم الذهب وأثناسيوس وكيريلوس الى سمعان اللاهوتي الجديد الى بالاماس الى الفيلوكاليا وسوى ذلك من الامجاد.
تراثنا روحيٌّ بالدرجة الاولى لست ضدّ الدراسات ولكني بالدرجة الاولى مع التيار الرهباني الآبائي الروحاني، ماذا استفيد من شرحٍ للعهد الجديد طوله خمسة كيلومترات إذا خلى من العبارات الروحية ومن النفسات الروحية والخلجات الروحية ومن الانتفاضات الروحية؟ تراثنا قادرٌ ان يجدد العالم المسيحي برمّته، فالعالم المسيحي بحاجةٍ الى تراثنا وانطاكيا لعبت دور القلب في هذا التراث، فمن في الدنيا مثل يوحنا فم الذهب وافرام؟ ومن في الدنيا مثل مكسيموس المعترف ويوحنا الدمشقي وووو؟ هؤلاء نوادر التاريخ وهم تيجان الكنيسة الارثوذكسية بل وتيجان المسيحية برمّتها، من في الخطابة مثل يوحنا فم الذهب؟ من في اللاهوت مثل غريغوريوس اللاهوتي؟ من الدهاء مثل يوحنا الدمشقي؟ يوحنا الدمشقي لم تكتب حياته حتى الآن لأنّ الكتبة الذين ذكروه أتوا متأّخّرين ولم يعرفوا شيئاً من شخصيته الفذّة النادرة، هذا الشخص نادر في تاريخ الفكر البشري، شخصيته المهمة هو دراسة شخصيته لا كتبه فقط وتاريخه وإن كانت المعلومات مشوّشة ولا أثق بها كثيراً ولكني انسان يتعاطى التحليل أنا رجل محامي وأتعاطى العلوم النفسية وسواها وأعمل على تحليل شخصيّته الفذّة، ولكن المعلومات التاريخية ضغيفة وأحياناً سخيفة ولكن أتّكل على التحليل بدرجة كبيرة لأدرك سرّ هذه الشخصية الفريدة، فهل يكون سيّدنا الحبيب الغالي يوحنا يازجي في دمشق قيامةً لعظام ليوحنا الدمشقي، هذا ما سيجيب عليه التاريخ لا أنا فأنا الآن على أبواب التسعين من العمر، متى يرسل الله ملائكته لا أدري؟ هذا شأنه لا شأني أنا ولكن كلّ أحلامي بلك كياني أسأل الله أن يعود الى الكرسي الانطاكي افرام ويوحنا فم الذهب ورومانوس ويوحنا الدمشقي، وثبت الآن ان ديونيسيوس محول وهو سوري وثبت أيضاً عند النقاد ان مكاريوس المصري انه سمعان السوري الفراتي، فإذا ثبت الآن ان مكسيموس المعترف من الجولان ومصادر السريانية والعربية واضحة، إذا كل هؤلاء الأفذاذ كانوا من بلادنا فإذا هي أم المسيحية، والقرن السادس قرن الرهبانات إذا هي قرن الرهبانات السورية فأسأل الله أن يبدّل كل شيء في الكرسي الانطاكي في الوطن والمهجر وأسأل الله ان يتحرّك الارثوذكس الانطاكيون في المهاجر لأنهم يحتاجون الى النهضة العارمة ولديهم كل الاماكانات تنافس النهضات الارثوذكسية في اوروبا، فيجب ان ننطلق جميعاً كالصواريخ في نهضة ارثوذكسية كبيرة جداً لنحلّق في سماء الارثوذكسية، نحن أعطينا الايمان لاوروبا واميركا لماذا تبقى الام عجوزاً؟ يجب ان نجدد شباب هذه العجوز ولدينا الكفاءات في هذا، فإمكاناتنا وافرة هوذا الدكتور الطبيب عدنان طرابلسي ينافس في كتابه الاخير كل علماء الارثوذكسيين في العالم، وما كتبته ليس كافياً عن هذا الكتاب لأنه صعب عليّ ان أقارن عدنان بسيوفانّس الحبيس الروسي فإنه عالم بحدّ ذاته ورجل استثنائي ومع ذلك ما يرفض الكتاب المنسوب الى مكاريوس رفضاً تاماً أبقى على شيءٍ منه رفض المحطّات الجمركية ولكن لم يرفض الكتاب ومضامير برمّته، بينما أتى عدنان بضربة معلّم يقضي على هذا الكتاب برمّته وعلى كل تراث هذ الكتاب، هذا العمل الذي قام به عدنان طرابلسي ضربة تاريخية رائعة جداً ونحن قادرون على انتاج عشرات العدنانين ولكن الرخاوة هي التي تخرّب الارثوذكس في هذا المشرق وليس فقط ذلك فنحن لم نتخلّى عن عقلية الاطفال الذين يتنازعون غيرةً وحسداً وحزازات، فيجب ان نتخلى عن كل هذه السخافات وان نكبّر عقولنا ليصبح رأس كل واحدٍ منا عالماً بحدّ ذاته، فببركات سيّدنا الحبيب الغالي البطريرك يوحنا اليازجي أسأل الله الذي يحبّ انطاكيا أن يجدد كل شيء فيها، ان يجدد القلوب في انطاكيا. في كتاباتي المطبوعة والغير المطبوعة الكثير عن انطاكيا منها مثلاً: “الله يحب البطريرك ثيودوسيوس أبا رجيلي والكرسي الانطاكي” وأدلّل على ذلك في بعض كتاباتي وبعض ترسيلاتي وبعد تجربةٍ كبيرة مع البطريرك ثيودوسيوس والكرسي الانطاكي وبعد 89 سنة من العمر استطيع ان اجزم بكل إيماني واخلاصي ان الله البطريرك ثيودوسيوس والكرسي الانطاكي حباً جماً، ولولا ذلك لما استمر الكرسي الانطاكي حتى اليوم فلا يجوز بعد هذا الحب ان يبقى ارثوكسيٌ انطاكيٌ كسلانا خمولاً فاتراً بارداً تنبلاً، فتتشابك السواعد لنصنع لنا مستقبلاً روحياً سماوياً لائقاً. حمى الله انطاكيا العظمى وشعبها العظيم بمجد اسمه القدوس آمين آمين آمين.
ملحق
رشّحت سيّدنا يوحنا لصيدا وصور ولكن رشّح غيري الاب توما بيطار ورَفَض توما بيطار، وأتّفق أن إلتقيتُ بسيّدنا يوحنا اليازجي في مكانٍ ما وهجم عليّ فاتحاً يديه بمحبّةٍ ونكتةٍ: لماذا أنت حاطط عليّ هكذا، قلت له إن حللت في صور وصيدا بقيتَ عميداً للبلمند أي لمعهد اللاهوت لتحميَه في اللاهوت الارثوذكسي اليوناني فتضع ارشمندريتا في مرجعون وتتردد عليها أيام الاعياد والآحاد وسوى ذلك، وهكذا نبقى مسيطرين على معهد اللاهوت في البلمند فارضين آباء الكنيسة الناطقين باليونانية، أي آباء الكنيسة الحقيقيين .
أشكر الله ايضاً على ما قام به المجمع المقدّس من جهود قيّمة لانتخاب سيّدِنا العزيز البطريرك “يوحنا يازجي” وأخص بالشكر الصديقين الكبيرين مطران نيويورك وسائر اميركا الشمالية ومطران “الياس عوده” مطران بيروت للجهود التي قاما بها وسيّدنا يوحنا الى جانب سيادة المطارنة الباقين ولا أنسى ايضاً سيّدنا “سابا اسبر” الذي أبدّى أريحيةَ كبيرةً في هذا المضمار، والحمدالله الذي نصر كنسيته نصراً مبيناً على أساس مستقبلٍ باهرٍ.