قدم آدم وحواء ذبائح عن انفسهم الا تكفر الذبائح عن الخطايا ؟ اذا لا لماذا الله اوصى بها في العهد القديم ؟
ج : مادمنا قد اعترفنا وأقرَّينا بمبدأ الفداء إذًا يستحسن بادئ ذي بدء أن نتعرف على أهم صفات الفادي وهي أن يكون:
أ – إنسان: لأن الإنسان هو الذي أخطأ، ولا يوجد كائن آخر نظير الانسان ومثيله، ولذلك يجب أن يكون الفادي إنسانًا حتى يكون من نفس طبيعة المفدي، وقد سبق الكتاب وأشار للفادي الذي سيسحق رأس الحية انه من نسل المرأة.. إذًا النائب عن الإنسان لابد أن يكون إنسانًا، وهذا ما حدث في التجسد الإلهي إذ اتخذ الله الكلمة طبيعتنا البشرية كاملة جسدا وروحا “فإذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضًا كذلك فيهما لكي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت أبليس” (عب 2: 14) وقال لتلاميذه بعد القيامة “انظروا يدي ورجلي إني أنا هو. جسوني وانظروا فان الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي” (لو 24: 39).
ب – بلا خطية: لا يكفي أن يكون الفادي إنسانًا، ولكن لابد أن يكون بلا خطيئة ليحمل عقاب خطايا الآخرين.. يكون بلا خطيئة شخصية، وخالي تمامًا من الخطيئة الجديَّة المتوارثة عن آدم ، لأن الخاطئ لا يفدي خاطئًا، والمُفلِس لا يفي دين مُفلِس آخر، والمحكوم عليه بالإعدام لا يقدر أن يفدي إنسانًا آخرًا محكومًا عليه بالإعدام.. حقًا إن فاقد الشيء لا يعطيه، وقد تمسكت طقوس العهد القديم باختيار الذبيحة بلا عيب داخلي ولا خارجي إشارة إلى الفادي الذي بلا عيب.
ولأنه لم يفلت إنسان واحد من الخطيئة الجديَّة لذلك تجسد الله الكلمة من مريم العذراء بدون زرع بشر، بعيدًا كل البعد عن الخطيئة الجديَّة، لأن الروح القدس حلَّ على العذراء القديسة مريم وقدَّس مستودعها، ولذلك فالمولود منها قدوس كقول الملاك جبرائيل” القدوس المولود منك يدعى ابن الله ” (لو 1: 37) ولا يكفي أن يكون الفادي إنسانًا خاليًا من الخطيئة مثلما كان آدم قبل السقوط ثم تعرض للسقوط، إنما يجب أن يُثبِت بالدليل القاطع انه معصوم من الخطأ، وهذا ما تشهد به حياة المسيح على الأرض الذي قال ” من منكم يبكتني على خطيئة” (يو 8: 46) وقال عنه الكتاب ” قدوس بلا شر ولا دنس قد انفصل عن الخطاة ” (عب 7: 26).
ج – يقدم نفسه بإرادته: عن حب وسرور وليس عن قسر واضطرار كمن يساق إلى غرفة الإعدام رغمًا عنه، ولا يكفي أن يكون الفادي إنسانًا مخلوقًا وبلا خطيئة، لأن المخلوق لا يملك نفسه لكيما يقدمها فدية عن الآخرين، بل يجب أن يكون إنسانًا بلا خطيئة يملك نفسه أي هو الله المتأنس الذي قال ” لأني أضع نفسي لآخذها أيضًا ليس أحد يأخذها مني بل أضعها أنا من ذاتي. لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن اخذها ” (يو 10: 17، 18).
د – أن يكون قابلًا للموت: لأن الحكم الإلهي الصادر ضد آدم كان بالموت، ولأن أجرة الخطيئة موت، ولذلك تجسَّد كلمة الله ليتخذ لنفسه جسدًا قابلًا للموت يستطيع أن يقدمه فداءًا عن الإنسان.. يقول اثناسيوس ” وإذا رأى(الكلمة ) ان فساد البشرية لا يمكن أن يبطل إلاَّ بالموت كشرط لازم، وانه مستحيل ان يتحمل (الكلمة) الموت لأنه غير مائت ولأنه ابن الآب، لهذا أخذ لنفسه جسدًا قابلًا للموت، حتى بإتحاده (بالكلمة) الذي هو فوق الكل يكون جديرًا أن يموت نيابة عن الكل ” (تجسد اكلمة 9: 1) ويقول أيضًا ” ولما كان مستحيلًا – كما قدمت سابقًا – أن يموت ” الكلمة ” لأنه غير قابل للموت، فقد أخذ لنفسه جسدًا قابلًا للموت حتى يمكن أن يقدمه كجسده نيابة عن الجميع ” ( تجسد الكلمة 20: 6).
ه – أقوى من الموت: حتى إذا قدم نفسه بإرادته يستطيع أن ينتصر على الموت وينهض من رقاده، ويقدر أن يهزم ابليس الذي هزم البشرية، ويخلص الأسرى من يد الجبار، ولذلك يجب أن يكون المخلص قويًا في قدرته وحكمته وخبرته، ولهذا تأنس الله.
و – غير محدود: لأن الخطيئة الموجهة ضد الله غير المحدود هي خطية غير محدودة، فلزم أن يكون الفادي غير محدود، والمثال الدارج على هذا انه لو صفع طالب زميله على وجهه، فمن السهولة حل هذه المشكلة، بينما لو صفع هذا الطالب مدير المدرسة فانه يتعرض للفصل من المدرسة، وإذا صفح وزير التعليم فالعقوبة تشتد.. أما إذا صفع رئيس الدولة فان الإهانة تكون موجهة للدولة ككل وتصل العقوبة إلى أقصاها.. لقد تجسَّد الله الغير محدود ليرفع عقاب خطيئة غير محدودة. بل ليرفع خطايا العالم كله في كل زمان ومكان، ففيه تحققت صفات الفادي كاملة بناسوته صار إنسانًا، وقابلًا للموت، وبلا خطيئة، وبلاهوته هو الخالق الذي يستطيع أن يقدم نفسه، وهو أقوى من الموت وغير محدود..
ونعود إلى إجابة السؤال الثاني عشر، ونتساءل هل تكفي الذبائح لفداء الانسان ؟ هل تصلح هذه الحيوانات أن تكون وسيطًا بين الله والإنسان؟ وهل تتوفر فيها صفات الفادي؟ بالقطع لا، فالحيوان لا يحمل طبيعة الإنسان، ويقاد للذبح قسرًا، وهو محدود، وليس أقوى من الموت.. إلخ ولذلك قال الكتاب ” لا يمكن أن دم ثيران وتيوس يرفع خطايا ” (عب 10: 4) وأيضًا نقول ان الجسد البشري الذي سكنه الموت هو يحتاج إلى الحياة لتتحد به وتطرد الموت من داخله.
ونأتي إلى الشق الثاني من السؤال وهو: لماذا أوصى الله بتقديم الذبائح الحيوانية في العهد القديم؟
نقول انه أوصى بها لأنها تشير وترمز لذبيحة الصليب ، وأخذت قوتها على المغفرة من ارتباطها بذبيحة الصليب، فالإنسان الذي كان يخطئ كان يقدم ذبيحة بحسب خطيته وبحسب رتبته , ويقرُّ ويعترف بخطاياه فينال وعدًا بالمغفرة على حساب الذبيحة المستقبلية كما ننال نحن المغفرة على حساب الذبيحة الماضية، لأن ذبيحة الصليب غير محدودة بمكان ولا بزمان، فهي ممتدة عبر الزمن تكفي الكل منآدم حتى آخر إنسان تائب قبل المجيء الثاني.
وأيضًا أوصى الله بها حتى عندما يرى الإنسان الحيوان البريء يُذبَح عوضًا عنه فيسفك دمه وتشتعل فيه نيران العدل، فان منظر الدم و النار يحركان القلب القاسي والضمير الذي تحجر فيشمئز الانسان من خطاياه التي فعلت بالحيوان البريء كل هذا، والحيوان أقرب كائن للإنسان حيث يشعر بالراحة والألم.. . كما أن تكرار الذبائح يشير إلى قصورها وعجزها أما الإله المتأنس فقدم نفسه مرة واحدة فوجد فداءً أبديًا.